المحرر موضوع: أحوال المسيحيّين في عهد الخلفاء العباسيين  (زيارة 9248 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نافــع البرواري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 386
    • مشاهدة الملف الشخصي


احوال المسيحيّين  في عهد الخلفاء العباسيين

نافع البرواري

مقدمة 
يقول جان موريس فيّيه في كتابه "أحوال النصارى في خلافة بني العبّاس"
إنَّ العوامل الرئيسية في ضمور وإنحسار المسيحيّة في البلدان العربية وألأسلامية يمكن ارجاعها الى عدة أسباب رئيسية ، أهُمّها
1 – مناخ متزايد الثقل من الضغط ألأجتماعي والتمييز الشرعي ، أو حتى ألأذلال .
2 -  الضرائب الخاصة وقوانين التمييز بالملابس التي كانت تُفرض( على المسيحيين واليهود) بين الفينة والفينة والتي كانت تُرسِّخ فيهم الشعور الجارح بعدم ألأنتماء ، أو حتى بالأنتباذ  (راجع نصوص الشريعة العمرية ). لئن كان من قد بقي من نصارى المشرق ، الى أن سقطت بغداد ، يرفضون العالم الذي مازالوا يعيشون فيه منذ ستة قرون ونيّف ، فلا بدَّ من ألأعتراف بأنَّ رفضهم إنّما يعزى الى كون هذا العالم نفسه قد تشدَّد في أخذهم بقوانين : 3-  لم تتح لهم فرصا سياسية متكافئة . 4 – ولم تعاملهم معاملة مواطنين متمتعين بحقوق المواطنية التامة ، بل5 - معاملة الهامشيّين .
هناك مالايقل عن أربعة آيات قرآنية تلخص موقف المسلمون  بألديانتين المسيحية واليهودية(أهل الذمة ) حيث كان الخلفاء المسلمون يرجعون اليها ليطبقونها ، عبر التاريخ الأسلامي
ففي سورة التوبة ألآية 29  الواردة في القرآن نقرأ:
"قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" التوبة 29"
هذه الآية ،التي تختص بالجزية المفروضة على المسيحيين واليهود ، و تُختم بإذلالهم" حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". وقد أُستغلت هذه الآية منذ صدر الأسلام  وعبر التاريخ الأسلامي لتكون منهج وعقيدة وحكم فرض على اهل "الذمة" ، من اليهود والنصارى ،  واحيانا بطريقة غير انسانية . بل كانت سببا رئيسيا في ترك الملايين من المسيحيين واليهود ديانتهم واعتناقهم للأسلام ، بسبب الأعباء المالية التي يجب ان يتحملها المسيحي واليهودي بالأضافة الى السخرة والأذلال لهم . فقد خيّر كاتب القرأن المسيحيين واليهود بين ثلاثة اختيارات احلاها مرة وهي: 1- دفع الجزية وهم صاغرون اذلاء. 2-  او ألأسلام 3-  أو القتل
أمّا ألآية الثانية هي من سورة المائدة 51
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"
هذه الآية تختص بالمراكز والسلطة والخدمات والوظائف الرسمية .ولو دققنا في التاريخ الأسلامي لتوصلنا الى نتيجة غاية في الخطورة اذ أن هذه الآية تحمل في طياتها التمييز العنصري والتمييز الديني والفوقية الأسلامية (وانتم الأعلون ) والدونية لأهل الكتاب . وبسبب هذه الآية سيقوم الخلفاء المسلمون وعبر التاريخ في اقصاء المسيحيين من مراكز قيادية ومالية واقتصادية وسياسية ، في عقر دارهم ، وخاصة في نهاية العصر العباسي ، و منذ تولي الخليفة العباسي المتوكل على الله ، الى زمن الأحتلال البريطاني والفرنسي للدول العربية ، وحتى الى يومنا هذا تتكر هذه العمليات ألأجرامية وخاصة بعد وصول ألأحزاب الأسلامية على رأس السلطة في البلاد ألأسلامية وأتشار الفكر التكفيري في هذه الدول. وعبر هذا التاريخ الطويل عانى اهل الكتاب من تهميش وظلم الحكام والغوغائيين المسلمين الذين كانوا في احيانا كثيرة يهاجمون الكنائس والأديرة والبيوت للمسيحيين واليهود ، فيُفرهدون ويسلبون وينهبون ويحرقون  كل شيء . وبين فترة واخرى كانت تُسن قوانين وفتاوى وتشريعات- مستمدة من الشريعة العمرية ومن القرآن والشريعة ألأسلامية - بحق المسيحيين واليهود (الكفار والمشركين )، حسب ما يؤمن به المسلمون .
اما الاية القرأنية من سورة البقرة الآية 120 يقول فيها كاتب القرآن  :
﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)
[البقرة: 120].

هذه الاية تدعو المسلم  على الشك والخوف والتوتر وعدم الوثوق باي مسيحي او يهودي بالمطلق، مهما كان نزيها ومخلصا في عمله.
فهنا الأسلام جعل من المسلم مبرمج عقليا بالخوف والترقب وعدم الثقة باهل الكتاب ،لأنّ اعتقاد المسلم هو ان اليهود والمسيحيين في حالة من العداوة والبغض للمسلم، وهذه الخاصية في ألأسلام جعلت المسلمون وعبر التاريخ يؤمنون بنظرية المؤامرة ، واعتبار اهل الكتاب من المسيحيين واليهود اعداء لهم فيجب على المسلم التيقض وفي حالة انذار دائم لمحاربة  أعداء وهميين .
ولا ننسى ( سورة محمد ألآية 35)التي تقول: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وخلاصة الآية كما يفسرها الطبري هي: لاتضعفوا ، ايُّها المسلمون ،عن الشعوب التي تغزوها ، ولا تدعوا هذه الشعوب الى الصلح  والمسالمة . طالما انتم (اي المسلمون) القاهرون ، لهذه الشعوب ، والأعلون عليهم !!!!! .
هكذا اصاب المسلمون  بمرض نفسسي واصبح في جيناته  وراثيا . وسوف نلاحظ انعكاس هذه الايات عبر التاريخ على تعاملات وتصرفات الخلفاء ورجال الدين والغوغائيين المسلمون ، الذين قاموا بأعمال شنيعة وظلم وتعدي على المسيحيين ومقدساتهم واغتصاب أرضهم وأموالهم واحيانا كثيرة القيام بابادات جماعية ، كما حدث في القرن الماضي عندما قتل العثمانيون الأتراك أكثر من مليون مسيحي في تركيا الحالية .
فممّا يؤسف له أنّه حيثما كان "ماهو ديني " وثيق التمازج "بما هو إجتماعي"  كان السبيل الوحيد الى ألأندماج هو الدخول في الديانة السائدة (ألأسلام ) التي لاتلبث أنّ تصبح ديانة ألأكثرية . فاذا رفض المنتمي الى ألأقلية الدخول ، وقف المنتمي الى ألأكثرية منه أحد موقفين : التسامح أو العدوان .

التسامح في الأسلام اتخذ الوجه السلبي وليس الوجه الأيجابي ، كأن يشعر المتسامح مثلا أنَّ الحق بيده دون الآخر ، وإنَّه هو الأقوى ، وإنَّ بمقدوره أن يرفق ، بالتالي ، بمن هو أضعف منه . فالمفهوم اليوم من  التسامح هو تنازل المتسامح عن بعض حقِّهِ وشعوره لذلك بأنَّه متفوِّق ، مع أنَّ دلالة "تسامح" (المؤلفة من مادة سمح ووزن تفاعل) تُفيد وقوع فعل التساهل والتلاين من طرفين لا من طرف واحد. وقد صنّف "زغلول مرسي" (مؤلف عربي معاصر)  في "التسامح" . "ماذا يمكن أن يكون مدلول لفظ "التسامح كما تشكِّل حتى ألآن ؟ إنّهُ تصور ضيِّق الحدود جدّا ضمن واقع لا يفتا يتوسّع ويتجدِّد .إنّ استعمالات اللفظ نفسها تنم عن توازن مزيَّف فيها اهتمام بصون الوضع الراهن أكثر مما فيه دعوة الى تضامن ألأنسان مع ألأنسان" .
أمّا المؤرخ المسيحي المشهور إبن العبري  في كتابه "التاريخ الكنسي"يكتب:
" في منتصف القرن الثامن كان النصارى ورؤسائهم قد أدركوا أنَّ التسامح ألأسلامي الرسمي ، الذي بدأ جذّابا منذ حوالي قرن ، لم يكن في الواقع إلاّ سجنا صارما لامناص منه الاّ بالأسلام أو الفرار ".

يقول ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة:

"إن المسيحيين عوملوا كرعايا من الدرجة الثانية وأخذ السلاطين والولاة يستبدون بهم وكان البدو يقتحمون الكنائس والأديرة لسلبها على ما يذكر المؤرخ ابن بطريق والمسعودي وغيرهما.
إحدى نتائج ذلك،هجرة المسيحيين الذين رفضوا اعتناق الإسلام من المدن نحو الجبال،
وهكذا أخذ الموارنة بالنزوح من وادي العاصي باتجاه جبال لبنان العصيّة ، وكذلك سجلت حركات هجرة مسيحية نحو طور عابدين وماردين وغيرها من الأماكن المنعزلة . إنَّ حركة دخول النصارى في ألأسلام، التي تُعزى جزئيا الى الرغبة في التحرر من الجزية ، وهي حركة بدأت منذ صدر ألأسلام، وأستمرت في ظلّ الخليفة العباسي ألأول(السفاح) ".
ويقول ساويرس بن المقفّع :" وكتب عبدالملك بن مروان (الخليفة الأموي) الى جميع مملكته أنَّ كُلِّ من يصير على دينه ويصلّي كصلاته(اي صلاة المسلمين) يكون بغير جزية ، فمِن عِظم الخراج والكلفة عليهم (على اهل الكتاب)، أنكر كثير من ألأغنياء والفقراء دين المسيح وتبعوهُ(اي تبعوا الأسلام)".
ومنذ بداية العصر العباس وفي عهد أبو جعفر المنصور الخليفة العباس الثاني(754-775) ، بدأ التنكيل والأهانات بحق المسيحيين وحتى الأساقفة  وسلب الكنائس وأديرة والزم الذميّين أن يتقلّدو في أعناقهم أقراصا من الرصاص للدلالة على كونهم ذُمّيين ، وتلك كانت علامات تمييز سنجدها فيما بعد..... يسرد المؤرخ البيزنطي ثيوفانوس (المتوفي نحو 818م) قائمة بهذه الأجراءات .
1 – سنة 757م يُحظر بناء كنائس جديدة وإنشاد الترانيم الدينية خارج جدران الكنيسة ، وكذلك مجادلة المسلمين .
2 – سنة 758: أُخضع الرهبان والعموديّون للجزية التي سبق إعفائها منها وختم على السكرستيات الى أن يستردُّ النصارى ألأواني المقدّسة من اليهود ويدفعوا أثمانها .
3 – سنة 760 أقصيَ النصارى عن كتابة ديوان بيت المال ، ولكنهم أُعيدوا الى وظائفهم للحاجة اليهم .
4 – سنة 767 : أمر المنصور بنزع الصلبان عن قبب الكنائس ، ومنع إقامة الشعائر الدينية ليلا وتعلُّم ألآداب النصرانية .
5 –سنة 770 أمر بحلق اللحى وباعتمار قلانس طول الواحدة منها ذراع ونصف .
6 – سنة 773 أمر بوسم اليهود والنصارى بالحديد الحامي ، هؤلاء يهربون الى ألأراضاي البيزنطيّة
يخبرنا المؤرخ البيزنطي ثيوفانوس
انّ المهدي(775-785) نهج منهج المنصور في اضطهاد النصارى ، حيث ارسل من دبيق ، قاعدة عملياته ضد البيزنطينيين ،" ماكيسياس المتعصب" ، وأمره باستعباد النصارى وإكراههم على الخروج من دينهم وتخريب الكنائس .
وفي عهد هارون الرشيد(786-809) تم تنظيم أحوال النصارى ويعود ذلك الى القاضي أبي يوسف يعقوب ألأنصاري .ويعالج فصل كامل من كتابه قانون "الخراج " مسالة الكنائس والبيع : خلاصتها "إنَّه يجوز ترميمها ويُحظر إحداث اي منها ، كما أنَّه يجب ألا تُظهر الصلبان في العلن .
سنة 801 م امر الرشيد بهدم الكنائس بالثغور . بينما يقول الطبري أنّه في سنة 924 م ثار المسلمون بدمشق وهدموا كنيسة واخذوا ما فيها ونهبوا بعدها عدة ديارات . وحصل شغب ايضا في الرملة فهدم المسلمون كنيستين للملكية وكنيسة قيسارية . كذلك ثار المسلمون بعسقلان ، وهدموا كنائس ، ولكن اليهود هناك كانوا يضرمون النار في سقف الكنائس سرا، ليزيدوا من الخلاف بين المسلمين والمسيحيين ، ولكن أسقف المدينة ذهب الى مدينة السلام(بغداد) وطلب بوقف تلك الأعمال المشاغبة (الغوغائية).
أما في زمن الأمين(809-813)، فعندما وقعت إحدى المعارك بينه وبين أخيه المامون عند باب الشماسية ، بالغرب من حي النصارى بشمال شرق بغداد ، أُنتُزعت أعمدة الكنائس ليُعمل منها قذائف تُرمى بالمجانيق إذ" لم يكن في بغداد حجارة ".
في زمن المأمون0813-833) عانى المسيحيين بفقدان ألأمن والأضطرابت بسبب النزاع على السلطة بين ألأمين وأخيه المامون .
ويخبرنا ابن القيم الجوزي  أنَّ المامون جمع ، كل من كان في خدمته من الذُميّين " وصرف وسجن الفين وثمان مئة " وابقى على جماعة من الكتاب اليهود في ديواني الجيش والخراج  لكنه سرعان ما أمر بصرفهم ايضا ، عملا بنصيحة "الكسائي" الذي قال له :"يا امير المؤمنين أتقرأ كتاب الله ولا تعمل به" اشارة الى قول كاتب القرآن:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" المائدة 51".
لم يظهر النصارى إلا قليلا في عهد المعتصم(833-842) . وفي زمنه هدمت بعض الكنائس السريانية الغربية صباح عيد الفصح سنة 835م ، بحجّة أنها قد أُحدِثت  . وفي سنة 838م سعى أحد أبناء المعتصم ، المُكنى بأبي داود والذي يعدُّه ميخائيل السرياني "عدوُ النصارى" باستصدار أمر من ابيه (المعتصم )" يُحضر على النصارى أن يُظهروا الصلبان خارج الكنائس ، ومنع أن يقرعوا النواقيس ، وأن يجهروا بالصوت في الصلاة أو في الجنائز بالسبل ، وأن يظهروا الخمر باية مدينة أو على الطرق.
فصار الناس منذئذ طُعمة للعمال الذين كانوا يتشدَّدون أو يترفقون في تنفيذ هذا الأمر حسبما يشاؤون أو بقدر ما يأخذون"
في عهد الخليفة "الواثق"842-847):
 يكفي أن نستشهد بالمؤرخ ابن العبري عندما يقول:" كان خلفاء الى هذا الحين(اي الى عهد الواثق) لايهمُّهم الا إحراز النصر والظفر لكنهم بعد ذلك استسلموا للخلاعة وانهمكوا في السكرة "
لقد القى هذا الخليفة على أعناق الناس عبئ نير لايطاق من الضرائب الباهضة تُجبى منهم بلا رافة . وقد صادر هذا الخليفة اموال الناس . أقصيَ بختيشوع الطبيب المسيحي الى جنديسابور . وكذلك قام الخليفة بالقاء القبض على بعض النصارى وبخاصة الكتّاب الذين كان الوزير بن الزيّات يلاحقهم بعدوانه .
الخليفة المتوكل(847-861): من اكثر الخلفاء العباسيين تقلبا في المزاج في موقفه مع الناس عامة ومع المسيحيّين  خاصة وحتى مع ابنائه . وغالبا ما كان ندماؤه وحاشيته ضحايا نزواته . في عهده الذي دام خمسة عشرة سنة " قتل كثيرا من الكتاب(وغالبيتهم مسيحيين ويهود) واستصفى أموالهم وهدم منازلهم  .
امر المتوكّل بتنفيذ إجراءات تمييزية تستهدف الذُميّين بالذات . أعاد هذا الخليفة تطبيق الشروط العمرية  المتعلقة .
- تغيير أزياء الذميين بلبس الغيار وشد الزنار
- حظر دق النواقيس أو الجهر بالتراتيل
- عدم تجاوز مباني المسلمين في العلو
- التستر في الجنائز وعدم الجهر بالندب والنياحة
- حظر ركوب الخيل ، ويباح لهم(للذميين ) ركوب الحمير والبغال فحسب ، ويجب أن تكون الركاب من خشب وأن تتخذ البراذع بدلا من السروج . وقد اضاف المتوكل ،على اهل الذمة ،  شرطا جديدعلى الشريعة العمرية
-بحظر التسمي باسماء المسلمين أو التكني بكناهم او التلقّب بالقابهم . كانت هذه الشروط شديدة الوطئة على المسيحيين ، ودفعت بالعديد منهم على اعتناق الأسلام.
أدت إجراءات المتوكّل الى تهديم خمس كنائس بالبصرة ايضا . كما أنَّ بعض المقابر المسيحية قد "سويت بالأرض  لكي لاتعلو قبور النصارى على قبور المسلمين ". فرض المتوكل ضريبة العشر على منازل اهل الذمة  وبنى بعض المساجد على انقاض الكنائس.
وقد أمر المتوكل ، في فورة غضبه على طبيبه بختيشوع (الذي كان يجالس الخليفة على سدة الملك) ، بحبس تاذاسيس الجاثليق ، كما أمر بتهديم دير "يزدفنة" بسامراء . وزاد الأضطهاد على المسيحيين في زمانه حتى شهدت فترة حكمة خروج أكبر عدد من الكتاب النساطرة الذين ترقّى بعضهم الى رتبة الوزارة ومنهم عيسى بن فروخان شاه ، وأحمد بن اسرائيل ألأنباري ، واخوين من بني مخلد الدورقنائي.
في عهد الخليفة المعتمد(870-892) أستولى "شطار بغداد" على دير كليليشوع ، الواقع على نهر عيسى الى الجنوب من الجانب الغربي من بغداد ومقر الجثلقة منذ ايّام طيماثاوس . نهبوا ألأواني المقدسة وكل ما وقعت عليه ايديهم من النفائس ونقضوا بعض الجدران ونقبوا السقوف ليبيعوا الخشب ومواد البناء. وحدث غوغاء ضد المسيحيين في زمانه
و في عهدالمقتدر(908-932)  يقول ابن العبري: "في عام 920 وقع شغب ببغداد فخلعت أبواب السجون وأطلق اللصوص والمجرمون ، فاعتدوا على النصارى(المسيحيين) ونهبت بعض دور الكتّاب ....وفي عام 923 هدمت كنائس للمكانيين بفلسطين وكذلك في تنيس بمصر  .
وفي عهد المقتدي(1075-1094)، الذي لم يحكم حكما فعليا أكثر من أسلافه . فالسيد الحقيقي المطاع كان السلطان السلجوقي التركي ملكشاه الذي أتخذ لقب "مولى العرب والعجم ".
يقول جورج مقدسي: "إنَّ المطالبة بتطبيق القيود (على اهل الذمة ) لم تزل تتكرر طيلة القرن الحادي عشر ... ..وإن العامة من المسلمين اخذوا على عاتقهم مهمة ألأنتصاف (تحقيق العدالة كما يزعمون) فاحرقوا ألكنائس ونهبوا المنازل واشعلوا الفتن الدامية أحيانا !!!!".
وقد هدمت بعض منازل اليهود في بامر من المقتدي بحجة انها كانت أعلى من منازل المسلمين المجاورة لها ، وكان على اليهود ان يتعهدوا بعدم تلاوة التوراة الاّ في منازلهم ، وان يتعمروا بعمائم من اللون المفروض عليهم . وفي عام 1087 إمتدّ تطبيق هذه الأجراءات . وتم تشكيل هيئة ألأمر بالمعروف والنهي عن  المنكر فكسرت جرار الخمر وآلات الملاهي (كما تطبقها السعودية اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين ).
كان من شان الحميّة التي ولَّدها لدى المسلمين فرض السمات المميزة على المسيحيين ، فادى الى القضاء على طائفة مسيحية بتكريت شمالي بغداد ..... وفي سنة 1089 نهبت الكنيسة الكبرى المعروفة بالكنيسة الخضراء وما فيها ( وكانت اثار الكنيسة باقية الى عهد قريب عندما تم نسفها من قبل داعش ). كان من نتائج أمر الخليفة هذا أن "هرب المسيحيين كل مهرب"
في عهد المستضيء (1170-1180) سبب تشدد نور الدين ألأتابك متاعب كثيرة للنصارى بدمشق وحلب والموصل وسواها. فقد زاد وأعاد فرض السمات المميّزة من قصّ الشعر وعقد الزنانير .كما أمر بنقض ما استحدث من كنائس ، في نصيبين مثلا .
في عهد الناصر(1180- 1225) ، كان وقع النكبة على العالم النصراني بأسره شرقا وغربا عندما دخل صلاح الدين ألأيوبي القدس ورأوا نصارى بغداد كيف ان صلاح الدين أرسل الصليب الذي كان قد نُصب على قبة الصخرة بالقدس ليُدفت تحت عتبة بوابة بغداد المسماة بباب النوبي الشريف ويستبقى منه جزء مكشوف بحيث يدوسه المارة بألأرجل ويبصقون عليه".
يؤرخ ربّن عزيز وهو من يعاقبة برطلي القريبة من الموصل فكتب يقول: "بعد سنتين من  فتح صلاح الدين لبيت المقدس (اورشليم) اي سنة 1247 ، كتب سبريشوع الخامس جاثليق النساطرة الى البابا اينوكنتوس الرابع : "كان من الواجب على كنائس المسيح كُلّها وعلى ألأديرة وكلّ المؤمنين في الشرق والغرب أن يلبسوا المسوح ويجلسوا الأحزان ويبكوا على بيت المقدس وعلى ما حلَّ به في أيّأمنا "....يبدو أنَّ نبأ فتح القدس قد أدى الى موجة اضطهاد للمسيحيين في أماكن شتىّى من المملكة العباسية .
ورد في شهادة ميخائيل السرياني الذي عاصر  الحدث وكتب يقول: "إنّ ما أنزله المسلمون من احتقار وإهانات وشتائم بالشعب النصرانيّ المضطهد بدمشق وحلب وحرّان والرهّا وآمد وماردين والموصل وسائر أنحاء المملكة لأمر يعجزعن وصفه الكلام" .
لم يكن من شأن ذلك كُلُّه إلاّ أن يُعمّق الهوة التي فصلت بين النصارى والمسلمين ، ويعزِّز المشاعر التي برزت سنة 1258 ، لدى دخول التتر بغداد .
في عهد الظاهر (1225-1226) : نُهب ما تبقى من دور النصارى في تكريت في ايامه  حيث امر الخليفة بنهب دورالنصارى وفرضت سلطات تكريت المحلي على المفريان وعلى أعيان النصارى غرامة قدرها 20000 زوزي وسجنتهم . ولم يطلق صراحهم الا بعد تدخل الأتابك لؤلؤ.
اماّا في عهد المستنصر (1226-1242) :تمكن هذا الخليفة من ان يفرض على أهل الذمة مبادئه الصارمة ، وبدّل حتى اصحاب المراتب العالية منهم ، حيث في خلافته حَلَّ ألأطباء المسلمون محل ألأطباء المسيحييون . واستنادا الى تفسير حرفي للآية 29 من سورة التوبة ، أصرَّ  عام 1230 م على أن ياتي كل ذمي بنفسه نهارا ويؤدي الجزية "عن يد" واقفا طول مدّة العملية !!!!!!!!!!!!!!!!.
أستمرت ألأعمال القهرية في عهد المستعصم (1242-1258) وخاصة على أهل الذمة . فمن ذلك أنَّ ابن الصليحية "ناظر ديوان التركات ختم على جميع ما في القلاّية" بعد وفاة الجاثليق ." وفي اليوم الثالث جاء والي بيت مال المسلمين وعمل باليد القويّة غير الواجب وفتح الختوم وأخذ جميع ما وجد في القلاّية والكتب والبيرونات ، واحضرها قدام الخليفة " .
خلاصة موقف الخلفاء العباسيين من ألمسيحيّين يمكن تلخيصها بما كتبه رجل ارمني معاصر لسقوط بغداد بيد التتار (اسمه كيراكوس الجنزوري ) كتب في هلاك بغداد:
" وكانت بغداد مدة حيازتها عصى المُلك اشبه شيء بعلقة تمتص الدماء : ابتلعت العالم كُلّه ثم قاءت (تقيئت ) عندئذ كل ما بلعت ...ولما طفح كيل مظالمها قدّام الرب عوقبت على ما اراقت من دماء وما عملت من شرور ...وقد دامت سيادة الطاجيك (الخلفاء المسلمون) القاسية 647 سنة (اي منذ فجر ألأسلام الى يوم سقوط بغداد بيد هولاكو ). أمّا ماركو بولو كتب مايلي:"وأظن أن ربنا اراد الثار لنصاراه الذين كان الخلفاء يكرهونهم اشد الكره ".



المراجع التي تم اخذ المصادر منها
1 – "كتاب أحوال النصارى في خلافة بني العبّاس"  للمستشرق الدكتور جان موريس فييه (  كمصدر رئيسي)
2 – "كتاب المسيحيون في الدولة ألأسلامية " للأب سهيل قاشا
3-  قصة الحضارة: ول ديورانت: الصفحة : 3006- 3017
4 – كتاب" القرآن "