المحرر موضوع: المجموعة يذرف دموع الزمن الغابر ... اهم شوارع الموصل وحاضرته الثقافية تنوء بتركة (داعش ) الثقيلة  (زيارة 1505 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المجموعة يذرف دموع الزمن الغابر
اهم شوارع الموصل وحاضرته الثقافية تنوء بتركة (داعش ) الثقيلة
عنكاوا كوم -سامر الياس سعيد

لم ارتكن لما قاله عالم الاجتماع العراقي علي الوردي وهو يؤشر ما مدى رسوخ المكان في اعماق  الانسان العراقي  او ما تنبته اشجار الذكريات في غابة نفس الانسان وما تتيحه عاديات الزمن من قلع عشوائي تلك الاشجار لتضحو تلك الغابة الوفيرة صحراء قاحلة بين ليلة وضحاها ..لن اوصف مدى الحسرة والالم الذي كان ينتشر في جسدي مع كل خطوة يخطوها  مصور مقطع فيديو يبين فيه حال شارع المجموعة من نفقها  حتى مشارف حي اخر يدعى حي الاندلس ..كم احسست بمدى نوء تلك الاماكن من ظروف استثنائية عاشتها هذه المنطقة وكم هي الالام التي تكبدها اهلها لتضحي اليوم قاحلة مهجورة تشعر بوطاة الزمن  واي زمن هذا !؟

لاادري وانا استنطق الامكنة حول عدد الايام والسنين وكل مسميات الازمنة القادرة على تغيير اي مدينة وجعلها عجوزا بعد ان كانت تنعم بالشباب ..ومازلت ادرك ان فيديو داعش الذي استظهر فيه بوق التنظيم جون هارتلي وهو يجوب بدراجته النارية في هذا الشارع بالتحديد مطلع اي عام من اعوام داعش في المدينة سيجعلني قادرا على استيعاب ان ثمة حياة كانت تنبض في هذا الشارع بالتحديد من خلال حجم الاضوية التي احالته نهارا رغم كل الظلام الذي امتد ليغتال  الحياة في شارع الحياة كما كان يطلق عليه الموصليون والذي كانت بداياته قد ارتقت لنهاية الستينيات من القرن المنصرم حيث تزامنت مع اللبنات الاولى لانشاء جامعة الموصل ..

 ولاادري تحديدا ما هي الحياة التي ابتغى التنظيم ابرازها في هذا الشارع من خلال تقرير مصور  ولون عناصره الفوضوي يخيم بكل ثقله الاسود على حركة السيارات او على المطاعم  او على اي محل يقع هنا بالتحديد  ومن ثم كل صور داعش سواء تلك التي كانت على شكل مقاطع فيديوية  او على شكل صور تتلاشى في خضم الضربة الجوية التي استهدفت معلم الشارع الحيوي وهو جامعة الموصل في ربيع عام 2016 لينقل حال  المدينة من حال لاخر  ثم تحظى بالتحرير في 16 كانون الثاني من هذا العام لتنجلي مشاهد اخرى مثيرة غبار من الاسئلة  استحضرها في السطور التالية ..فعلى امتداد تنقل الكاميرا من محل لاخر هنالك  بسطات كانت تمد اصحابها بالحياة في هذا الشارع فمتى توقفت تلك الحركة التجارية  التي يبدو انها نشطت خلال فترة داعش بالمقارنة مع قوانين منعها الدائمية التي كانت تواجهها من قبل القوات الامنية بعد ان كانت تشكل خقا امنيا يدفع بالفوضى بين فينة واخرى من اوقات الحركة الرائجة في هذا الشارع بالتحديد ..اعود لاجسد حركة اخرى  من احوال التجارة  من عناوين جديدة تعلو واجهات المحلات فيما تبقى عناوين اخرى محتفظة بمسمياتها  مع ابقاء اداتها الرئيسية خارج الخدمة في زمن داعش  واقصد بذلك محلات الموبايلات التي كانت تعد الموقع الرئيسي في هذا المكان بالتحديد .. لكن مع هذه العناوين تبقى هنالك مسميات دخيلة ابرزها محل صيرفة رفع على واجهته عنوان صيرفة ولاية سيناء في احد محلات تعود ملكيتها لمواطن مسيحي  في هذا الشارع  وربما استاثر صاحب هذه الصيرفة من قرار مصادرة  عقارات المسيحيين ليسمي محله بهذه التسمية التي تعبر عن نفاق ظاهر لقيادات التنظيم من اجل ضمان ديومة ممارسة العمل ..مازالت المطاعم تحتل  مواقعها فربما كانت  المكان الاكثر نبضا في ذلك الزمان الغائب عن الوعي فصحن متواضع فيه شرائح من الطرشي كانت موضوعة على مائدة احدى المطاعم او ربما وضعها داعش لتعريف المتابعين بفيلمه الذي يوثق فيه ضربة استهداف الجامعة بان الحياة كانت طبيعية الى ذلك اليوم  الذي غاب فيه شارع المجموعة  عن الوعي او عن الحياة على اقل تقدير .

كانت الكاميرا تجول  وسط موسيقى جنائزية ومعها كانت اقدامنا تستذكر خطواتها طيلة اربعة عقود لتتوقف عند عتبة الاربعين وتنتقل من مرتع الذكريات وموطن الصبا  نحو اماكن الضباب الذي لاينقشع عن مستقبل لايحمد عقباه او يعود للحياة في هذا المكان بالتحديد.

كل امكنة المجموعة كانت على موعد مع الالم طيلة الاعوام السابقة لداعش فعلى ارصفتها انفجرت اكثر من عبوة وسقط اكثر من شهيد ومع ذلك كانت المجموعة محور قيادة العمليات الاجرامية التي انتهت بشكل درامي ليلة العاشر من حزيران حينما دخلوا المدينة فحصدوا ارواح ممن لم يسعفهم الوقت من  عناصر القوات الامنية  للفرار وكان من بينهم عنصر  في عصر اليوم اجهزوا عليه وابقوا جثته طيلة الايام الاولى لسيطرتهم ملاصقة لسور الجامعة وربما انتفض هذا السور  بعد هذه المدة  لينهار تماما امام هول ما جرى للشارع الاثير في المدينة  والذي شهد استعراضات عديدة لاليات داعش وفرض هيبته او تمرير شرائعه وربما كان المكان الاعلامي الاول الذي يمكن ان يجير  لابراز سيطرة التنظيم على دقائق الحياة الموصلية ..والمفارقة ان هذا الشارع كان مهددا منذ ازمن غابرة ولم يشعر قاطنوه بالاستقرار بسبب الحروب المتتالية  وكان الكيماوي  هاجس يعيش وطاته اهالي المجموعة ليعود مجددا مع ما ابرزته وكالات عديدة في خيار قد يستخدمه داعش مستفيدا من امكانية تصنيعه في الكليات المعنية التابعة للجامعة  لكنني اعود بالذاكرة لايام الحرب الثمانينية الطويلة والى جانب ما كانت تشعر فيه العوائل من هاجس فقدان احبائها على طول جبهات القتال المنتشرة ما بين الشمال والجنوب كانت الجامعة من اكثر الاماكن المدرجة على برنامج قصفها بالاسلحة الكيماوية  او تاثرها بهذا السلاح  الذي يمكن ان يبعث بغازاته السامة من احدى المختبرات الواقعة دتخل الحرم الجامعي  وانتهت الحرب لتنتعش الجامعة وتبلغ عقاراتها ارقاما قياسية تشجع ممتلكيها على دخول سوق الاموال واطلاق صفة العقار التجاري على  المملوك السكني بعد بحبوحة اقتصادية شعرت بها المنطقة في تلك الايام التالية  من حرب الثمانينات الطويلة  لكن تلك الفترة لم تحظى بشي من الديمومة بعد غزو الكويت وبدء مرحلة جديدة  من الحرب القاسية التي عاشت ظلالها  محلات المجموعة لتعود للانطفاء في فترة انتعشت فيه ازمات التقشف والحصار الخانق  الذي تجسد بكتائب مرتبة من افواج المتسولين ممن كانوا يستقرون على  بوابات المطاعم ليستجدوا المال والطعام في ان واحد .

كان الكيماوي قد ظهر مجددا لكن بشكل خافت وربما كان تهديد الطائرات الامريكية التي كانت تقصف كل الاهداف الموصلية قد ادرجت في سياق كل حالات التدمير التي عاشتها مناطق مختلفة من المدينة ان تدرج الجامعة وكلياتها في عبثة التدمير واستهداف البنية التحتية التي تاثرت بشكل كبير في فترة مطلع التسعينيات  ومما ابرز مناخات تلك الفترة حركة دائبة للدراجات الهوائية التي انتفضت على نفسها لتعود بشكل رائج على الشارع الرئيسي المميز من شوارع الموصل  ولم يكن الكيمياوي  او تدمير الجامعة قد ظهر للعيان فانتهت الازمة وعادت الحياة مجددا بعد موت سريري مؤقت .

لكن مع دخول القوات الامريكية عاش شارع الجامعة اياما حزينة وتحديدا في 11 نيسان حينما عاش هذا الشارع كابوسه  الذي لايفارق الذاكرة حيث استباح المواطنون اثاثا وممتلكات تعود للجامعة بهدف استرداد دين افتراضي من .. الحكومة  الذي اغرقتنا بالازمات والحروب المتتالية ..امام هذه الصور التي تعاقبت عليها السنين الغابرة لترسم ملامح منوعة على شارع المجموعة  يبقى السؤال الاوحد يداعب مخيلتنا  ليقول هل سيعود هذا الشارع لسابق عهده  ام يتوارى وراء خجله وهو  يرفع اول اشارات سيطرة داعش على المدينة حينما ارتفع تلك الراية  على جسره المعروف بانه خط الشروع الاول لبلوغ هذه المنطقة الحيوية من احياء مدينة الموصل ..

أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية