المحرر موضوع: جماليّة النّصوص في كتابات الشّاعر "بهاء الطّائي"  (زيارة 1193 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نوميديا جرّوفي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 78
  • الجنس: أنثى
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
  نوميديا جرّوفي، شاعرة، باحثة و ناقدة


جماليّة النّصوص في كتابات الشّاعر "بهاء الطّائي"

 

"بهاء هدب الطائي" من مواليد 1967 ، بالكاظميّة، بغداد، العراق، خرّيج كليّة الزراعة سنة 1991.
صنع لنفسه عالمه الخاصّ من خلال كتاباته المتنوّعة و الكثيرة ببصمته الخاصّة بإبداعه الاستثنائي من خلال قلمه و أفكاره.
تُشكّل تجربة الشاعر بهاء الطائي حيّزا إبداعيّا و جماليّا في كتاباته الأدبيّة و الإبداعيّة حيث يستخدم الرمزيّة الحديثة في كتابة الشّعر و يعتمد الصور الإبداعية في كتابة نصوصه النّثريّة، مثلما وظّف الفراشات في كتابته التّاليّة: 

أيّتها الفراشات
صمتا
حوريتي حضرت


الفراشات هي رمز الرّبيع و اخضرار الطّبيعة و بهجة الفصل، حيث تعمّ الطبيعة احتفالا و ابتهاجا بقدوم فصل الرّبيع، لكنّ الشّاعر هنا جعلها تحتفي بقدوم حوريته الأسطوريّة التي كانت غائبة ربّما و حضرت لتعمّ الفرحة من جديد كما تعمّ الفرحة بالفصل المشرق.

و في قوله:

أراك إرثي المحتوم
لن أتنازل َعن نصيبي
ولو سالت ِالحروف دماً


الشّاعر استخدم الإرث هنا لكن بمدلول لغوي جديد، يتكلّمُ هنا عن الوطن أو الأمّ أو الحبيبة، فيقول ( لن أتنازل عن نصيبي ... و لو سالت الحروف دما) مدلول لغوي له صدى في دم الحروف.
كما قيل يوما:

متى من طول نزفك تستريحُ؟
                         سلاما أيّها الوطنُ الجريح

لا يتنازلُ المرء عن الوطن أبدا فهو الأرض التي ارتوت بدماء خيرة شبابها منذ بدأ الخلق.
 
إنّه الوطن الذي قال عنه الشّاعر أحمد شوقي يوما:

وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه
                      نازعتني إليه في الخلد نفسي

و في قول الشّاعر بهاء الطّائي:

رسالة متيّم...

من أخبر جدران مدرستك
خط اسمك خلسة ..
من أخبر
حارتك بأنّي جعلتها ميدان
تمرّد ضدّ عجائز الدّكاكين المراقبة
لكلّ من اقترب
من أخبر
بنات الحيّ سُقوطي و حُروفي
في سلّة غوايتك
لا تُصدّقي
هي حرب إشاعات لا أكثر..
عفوا..
سهوا ..
أمام دارك رسالة متيّم


كتابة الشّاعر هنا سافرت بنا للزّمن الجميل حيث لم يكن هناك نت و لا موبايل فقط الورق، حيث يتبادل الحبيبان الهيام بالرّسائل التي يبعثانها لبعضهما البعض من حين لآخر، و منها كلّ واحد يبثُّ فيها أشواقه للآخر.
عندما نقرؤها جيّدا و بتمعّن، نتذكّر كيف كانت العجائز تراقب فتيات الحيّ و تعرف ما يجري بينهنّ و تعثرُ على من يبادلهنّ الحبّ و الإعجاب.
كيف كان الشّباب يمرّ على الحيّ أو الحارة فقط لتنشّق نسيم المحبوبة، كما قال قيس حينها:

أمرّ على الدّيار ديارُ ليلى
                    أقبّلُ ذا الجدار و ذا الجدارُ
و ما حُبّ الدّيار شغف قلبي
                    و لكن حبّ من سكن الدّيارا

و في قول الشّاعر هنا:

غيابُك
جعلني تلميذا
في دمعته الأولى
قهر تعلّم العدّ
حائر كيف يلملم
نجوما تساقطت
من أنامل براءته ...
أتذكّرُ هدهدة خطواتك
يُمازحني و روحي
نداءُ عينيك


إنّه الحنين و الشّوق في غياب الحبيبة، التي جعلته في غيابها ( كتلميذ في دمعته الأولى)
كما يُقال:

الحنينُ هو اشتياق لقطعة من روحك
موجودة بمكان آخر

و يُقال:

الحنينُ، هو وجع عشوائي لا يستأذنُ من أحد.

 و الشاعر بهاء هنا استخدم لغة شعرية موسيقيّة و إبداعيّة في نفس النصّ حيث يقول:

فاتنتي ارجعي
و لك هديتي
سبّورة لا يُكتب عليها إلاّ شعرك
و رحلة تضطربُ قياما
لحضورك.


إنّه الإبداع في العثور على الهديّة الثّمينة، فالشاعر يُهدي شعرا لفاتنته  و محبوبته  في سبّورة لا يكتبُ عليها سوى شعرا خاصّا لها وحدها.

و في قول الشّاعر في نصّ آخر:

تريدني نسيانها
إذن كيف سأكتب
إسمي بعدها!!
صديقي...
وحقك وذنوبها
ألفاً من القصائد
وقوفًا سأنظمَُِها
لأشتريّ غُفرانها


راقيّة استخداماته الأدبيّة بصورها الإبداعية و فنّ استخدامه للكلمات       و الخيال الواسع أثناء الكتابة، فهو يستخدمُ دائما رموزا خاصّة وسمت شعره و منها صنع عالمه الإبداعي.
حيث يقول:

ألفا من القصائد
وُقوفا سأنظّمها
لأشتري غفرانها


يطلبُ عفوها و غفرانها بألف من القصائد يكتُبها لها حتّى تُصالحهُ، كم جميلة هذه الشعريّة و الرومانسيّة الرّاقيّة جدّا.

و في النصّ الآتي حيث جعل الحروف تشعُّ ضياءا يقول:

حروفكِ القمرية
وهمٌ جميلٌ
وسطَ ديوان ٍعنوانهُ
شمسٌ تحترقْ


جعل الشاعر برمزيّته الإبداعيّة الخاصة الحروف قمريّة تُشع بهاءا في اللّيل الحالك، جعل الحروف تُنير الظّلمة، و شبهّها بالقمرية لبياضها و ضيائها.
فقط هي حروف الملهمة القمريّة.
و سمّى ديوانه (شمسٌ تحترقُ) تشبيه و استعارة للشّوق و الحنين الذي يجعلُ القلب يتحرّق شوقا للمحبوب.

و في الكتابة الآتيّة يقول:

أميرةُ الحرف

و ما العشقُ
إن لم تكوني
أنت هيامُهُ
و ما القمر َ
إن لم يستأذنك ِ
للغسقِ
منارة ُالنور ْ

هنا الشّاعر يُناجي مُلهمته سيّدة الحرف و يخبرها أنّه لولاها ما كان العشق.. و لولاها ما كان هائما في الحبّ ، و لولاها ما كان للقمر ضياء.
إنّها أميرة حروفه و ملهمته في الكتابة هكذا وصفها في الكتابة.



كلمة أخيرة:


في الختام أقول أنّ الشّاعر بهاء الطّائي، صنع لنفسه حيّزه الشّعري الخاصّ، كتاباته لها نسمة موسيقيّة جميلة بغزل حديث، حيث يستخدم في نصوصه العديد من الآليات الجمالية فيما يحاول إيصاله للقارئ بلغة بسيطة دون غموض أو رمزيّة صعبة التّفكيك كما بعض الأشعار التي تستلزم القواميس لتفكيك ما ترمي إليه بعض الألفاظ ، لكن الشّاعر بهاء هنا و في كلّ نصوصه نجدها تمتاز باللّفظ السّهل و النّثر العذب .
جعله إبداعه يتألّق بكلّ ما تجود به أنامله و خياله الشّعري الواسع         و العميق، فحروفه بهيّة بهاء اسمه و ألقه.