مناشدة .........
انقذوا آثارنا
د. منى ياقو - مدخل بعد ان تم العثور على قصرٍ ، يعود للملك الآشوري (أسرحدون ) ، في اسفل موقع النبي يونس (عليه السلام ) ، في الساحل الأيسر من الموصل ، يضم كنوزا و آثار ، و بعد ان تم وضع الحجر الأساس لأعادة اِعمار الجامع ، فأننا نحاول البحث عن الحماية القانونية لما تم اكتشافه من آثار تحته ، تلك الآثار التي لم تكلف السلطات نفسها ، حتى في مجرد الاشارة اليها ، او التفكير في أدنى اهتمام و صيانة لها .
ان أبرز النصوص المعنية بالموضوع ، هي التي سنشير اليها تباعاً :-
اولا – على الصعيد الدولي 1- اتفاقية لحماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي 1972( أندثار او زوال أي بند من التراث الثقافي و الطبيعي يؤلفان اِفقاراً ضاراً لتراث جميع الشعوب ) ، بهذه العبارة ، ذات المعنى العميق ، ، تبدأ ديباجة الاتفاقية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة ، بعنوان ( اتفاقية لحماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي 1972 ) ، كما تشير الديباجة ذاتها ، الى انه " يتعين على المجتمع الدولي ، امام تسارع و اشتداد الاخطار الجديدة ، الاسهام في حماية التراث الثقافي و الطبيعي ذات القيمة العالمية الاستثنائية ، عن طريق بذل العون الجماعي ، الذي يتمم بشكل مجدِ عمل الدولة المعنية دون ان يحل محله " ، نفهم من ذلك ، ان الأمم المتحدة ، قد الزمت نفسها كمنظمة ، و الزمت جميع الدول ، الموقعة منها وغير الموقعة ، لأن النص لم يشر الى (الاطراف الموقعة ) بل الى ( المجتمع الدولي ) ، بحماية هذا الارث الأنساني الكبير .
و اِذ تعرف المادة 4 ، من الاتفاقية "التراث الثقافي " بأنه " – الآثار : الاعمال المعمارية ، و اعمال النحت و التصوير على المباني ، و العناصر او التكوينات ذات الصفة الثرية و النقوش و الكهوف و مجموعات المعالم التي لها جميعاً قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ ، او الفن ، او العلم .
- المجمعات : مجموعات المباني المنعزلة او المتصلة ، التي لها بسبب عمارتها ، او تناسقها ، او اندماجها في منظر طبيعي ، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ ، او الفن ، او العلم .
- المواقع : اعمال الانسان ، او الاعمال المشتركة بين الانسان و الطبيعة ، و كذلك المناطق بما فيها المواقع الأثرية ، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية او الجمالية او الاثنولوجية او الانثروبولوجية ." ،يتضح من ذلك ان القصر الآشوري المكتشف اِثر تفجير جامع النبي يونس ، يدخل في اطار التراث الثقافي الذي تحميه هذه الاتفاقية .
و تنص المادة 4 من الاتفاقية ، على ان " تعترف كل دولة من الدول الطرف في هذه الاتفاقية بأن واجب ................ حمايته ، و المحافظة عليه ، واصلاحه ، و نقله الى الاجيال المقبلة ، يقع بالدرجة الاولى على عاتقها ، و سوف تبذل كل دولة اقصى طاقتها لتحقيق هذا الغرض و تستعين عند الحاجة بالعون و التعاون الدوليين ............. " و تلزم المادة 6/1 ، جميع الدول ، بالتعاون من اجل حماية هذا التراث الانساني ، دون ان يعني ذلك المساس بالسيادة او التجاوز عليها ، حيث جاء في الفقرة " انه يؤلف ثراثاً عالميا ، تستوجب حمايته التعاون بين اعضاء المجتمع الدولي كافة " ، نفهم من ذلك ، ان المجتمع الدولي ملزم و ليس مخير ، بالتدخل في الأمر .
كما و تتعهد الدول الأطراف في الأتفاقية ، وفق المادة 6/3 من الأتفاقية " الا تتخذ متعمدة ، أي اجراء من شأنه الحاق الضرر بصورة مباشرة او غير مباشرة ، بالتراث الثقافي و الطبيعي " .
و حددت المادة 7 معنى " الحماية الدولية للتراث العالمي الثقافي و الطبيعي " بأنه يعني " نظام التعاون و العون الدوليين " الذي يستهدف مؤازرة الدول الأطراف في الاتفاقية في الجهود التي تبذلها بغية المحافظة على هذا التراث و تعيينه " .
و من أجل تحقيق الأهداف التي أبرمت الاتفاقية لتحقيقها ، تم انشاء لجنة دورية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة بأسم ( لجنة التراث العالمي ) – المادة 8/1 ، و انشاء صندوق بأسم ( صندوق التراث العالمي ) – المادة 15/1 - .
و في اطار الأتفاقية ذاتها ، و فيما يتعلق بالمناهج التربوية و الاعلام و علاقتهما بالآثار ، اكدت المادة 27/ 1 من الاتفاقية ، على الزام الدول الاطراف ، بكل الوسائل المتاحة ، و تحديدا المناهج التربوية و الاعلام ، على تعزيز احترام و تعلق شعوبها بالتراث الثقافي و الطبيعي ، كما اكدت الفقرة 5 من المادة ذاتها ، على ان " تتعهد باعلام الجمهور ، اعلاما مستفيضا ، عن الاخطار الجاثمة على هذا التراث " ، و هذا الأمر مفقود تماما ، في العراق ، حيث ان النص الدستوري الخاص بأدارة المواقع الأثرية ، قد ورد ضمن – الباب الرابع – الخاص ب ( اختصاصات السلطات الاتحادية ) ، على العكس من النص الخاص بالزام الدولة بتأكيد و صيانة حرمة العتبات المقدسة ، و المقامات الدينية ، الذي ورد في اطار – الباب الأول – الخاص ب( المبادئ الأساسية ) .
2- اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح 1954 وفقا لنص المادة 1 من الأتفاقية ، يقصد ب (الممتلكات الثقافية ) " أ- الممتلكات المنقولة او الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية و الفنية منها او التاريخية ، الديني منها و الدنيوي ، والاماكن الأثرية ، ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية او فنية ............" ، يتضح من ذلك ، ان ما تم اكتشافه يدخل في اطار الممتلكات التي شرعت الاتفاقية لحمايتها .
و في اطار المادة 19 ، الخاصة ب "النزاعات التي ليس لها طابع دولي " ، وكون منطقة الموصل ، التي نحن بصدد الحديث عنها ، تمر بوضع غير طبيعي ، بسبب اجتياحها من قبل تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ، و ان وضعاً كهذا يرقى الى مستوى النزاع الذي ليس له طابع دولي ، لذا يمكننا الاستفادة مما ورد في المادة المشار اليها ، و التي اكدت على ان "1- في حالة نزاع مسلح ليس له طابع دولي ينشب على اراضي أحد الاطراف السامية المتعاقدة ، يصبح على كل طرف في النزاع ان يطبق على الاقل الاحكام الخاصة بأحترام الممتلكات الثقافية الواردة في هذه الاتفاقية " .
كما تنص الفقرة 3 ، من نفس المادة ، على ان " يجوز لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة ان تعرض خدماتها على الأطراف المتنازعة " ، يتضح من ذلك ، ان من حق ( اليونسكو ) ان تتدخل ، لكن ذلك يتطلب مناشدات من المعنيين ، و متابعات حثيثة ، علَ المنظمة تستجيب ، قبل ان يفوت الاوان .
ثانيا- على الصعيد الوطني 1- دستور العراق النافذ رغم العبارات الرنانة التي تزخر بها ديباجة الدستور ، الا ان ذلك لم ينعكس بتاتا على النصوص الدستورية ذات العلاقة ، حيث جرى الحديث في الديباجة عن " نحن ابناء وادي الرافدين .............. مهد الحضارة ، صناع الكتابة ......... على ارضنا سن اول قانون وضعه الانسان ، و في وطننا خط أعرق عهد عادل لسياسة الاوطان ..........." .
و أكد دستور العراق ، في المادة 113 منه ، على ان " تعد الآثار و المواقع الأثرية و البنى التراثية و المخطوطات و المسكوكات من الثروات الوطنية التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية ، و تدار بالتعاون مع الاقاليم و المحافظات ، وينظم ذلك بقانون " .
نلاحظ اِذن ، ان الحديث عن الآثار ، و رغم اهميته ، لم يستحوذ على الاهتمام الكافِ ، من عدة نواحِ :
أ- ان النص لم يأت في الباب الخاص بالمبادئ الاساسية ، و هذا يجعله أقل اهمية ، على الاقل من الناحية المعنوية .
ب- ان الحديث عن الآثار لم يشمل جميع النواحي ، بل اقتصر على تحديد السلطة المختصة بالادارة ، أما مسألة حماية هذه المواقع و الزام السلطة بذلك ، فكانت غائبة تماما .
2- قانون الآثار و التراث رقم 55 لسنة 2002 حددت المادة 1 اهداف القانون بما يلي "اولا – الحفاظ على الآثار و التراث في جمهورية العراق بأعتبارهما من أهم الثروات الوطنية .
ثانيا – الكشف عن الآثار و التراث و تعريف المواطنين و المجتمع الدولي بهما ابرازاً للدور المتميز لحضارة العراق في بناء الحضارة الانسانية " ، و الزمت المادة 2 /ثالثا ، السلطة ، بأعتماد جملة أمور بغية تحقيق اهداف القانون ، منها " صيانة الآثار و التراث و المواقع التاريخية من
التلف و الضرر و الاضمحلال " ، و هذا بالضبط ما نطالب السلطات المختصة بتحقيقه ، أن تصون هذه الآثار المكتشفة من (التلف ، الضرر و الاضمحلال ) ، و الا فأنها تكون قد خالفت التشريع الذي الزمت نفسها بتنفيذه .
و نؤكد هنا ، على اهمية متابعة القوانين التي يقرها ( مجلس النواب ) من زاوية الحفاظ على حقوق شعبنا ، من قبل ممثلينا ، فالمادة 10 من القانون ، نصت على ان " تخضع الجوامع و المساجد و العتبات المقدسة و دور العبادة و المشاهد و المقابر و التكايا و الجوامع و البيع و الكنائس و الأديرة و الخانات المملوكة او الموقوفة لتصرف الاشخاص الطبيعية او المعنوية ........ مع عدم الاضرار بها او تشويهها ، مع النظر مع توسيعها و تطويرها وفق متطلبات العصر و
خاصة العتبات المقدسة " ، نتسائل هنا ، لماذا هذا الاهتمام بالعتبات ، و ماذا بشأن بقية المواقع الأثرية و التراثية ، لو كان النص قد اشار اليها ، لما كنا سنقع في هذه المتاهة ، و كنا سنستفيد من تلك الاشارة ، بعيداً عن الحساسيات التي تثيرها خلط الأمور التاريخية بالأمور العقائدية و الدينية ، و كنا سنحافظ على هيبة أي موقع يتم اكتشافه ، بغض النظر عن طبيعته .
و تؤكد المادة 15 على منع افعال معينة ، منها " اولا –
التجاوز على المواقع الأثرية و التراثية و التاريخية بما فيها التلول و الاراضي المنبسطة التي عثر فيها على الملتقطات الأثرية و ان لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية ......." .
ثانيا- القيام بالزراعة او السكن او
اقامة البناء او المحدثات الاخرى على المواقع الاثرية و التراثية و محرماتها
او تغيير معالمها .
ثالثا – استعمال المواقع الاثرية مستودعات للانقاض او المخلفات او
اقامة الابنية او مقابر او حفر مقالع فيها .
رابعا- قلع الاشجار و المغروسات و ازالة المنشآت من المواقع الاثرية او
اجراء أية اعمال يترتب عليها تغيير معالم المواقع الاثرية .
سادسا- قلع البناء الاثري او التراثي او التصرف بمواده الانشائية او
استخدامه استخداما يخشى معه تلفه او تضرره او تغيير مزيته "يتضح مما سبق ، ان اكثر من فقرة تنطبق على الأمر الذي نتحدث عنه ، و ان الفعل غير جائز اطلاقا استنادا الى هذا القانون النافذ المفعول .
من المواد الاخرى التي فيها خلل كبير ، في هذا القانون ، والتي تمس بتاريخ شعبنا و حضارته ، و تجعله يبدو و كأنه حضارة من الصنف الثاني ، هو نص المادة 23/ثانيا ، الذي جاء فيه " تمسك الجهة المشاركة سجلا خاصا تسجل فيه الابنية التراثية و المناطق و الاحياء السكنية ذات الطابع المعماري التراثي
لأهميتها التراثية العربية و الاسلامية حسب ما تراه السلطة الاثارية و تعلن عنه تحريريا " .
و نصت المادة 28 على انه " لا يجوز :
1- التجاوز على المباني و الاحياء التراثية المعلن عنها في الجريدة الرسمية او هدمها او تغيير المهنة و الاختصاص الذي يمارس فيها في المحلات و الاسواق و الشوارع التراثية او
الغاء وظيفتها الاساسية التي منحتها الصفة التراثية " . 3-قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم 81 لسنة 1994 النافذتنص الفقرة 1 من القرار ، على ان " يعد متجاوزا كل من قام بالزراعة او السكن او اقامة البناء او المحدثات الاخرى على المواقع التي تعد من اماكن و اراضي من الاثار و
احدث بها ضرراً تاريخيا او ماديا " ،وهنا نؤكد على التزام الحكومة الاتحادية و الحكومة المحلية ، في محافظة نينوى ، بصيانة تلك الآثار المكتشفة ، و عدم الاضرار بها في سبيل ترميم الجامع .
الحلول المقترحة :
أبرز الخطوات التي نقترحها كحلول هي :
1- توجيه مذكرة عاجلة ، الى مجلس الوزراء العراقي ،للمواءمة و التنسيق ما بين الحفاظ على هيبة الجامع و قدسيته اسوة بصيانة هذا الموقع الاثري المهم ، و التريث في اعمال الترميم ، و تقييم الوضع استنادا الى الحقائق المستجدة ، و مطالبة الحكومة بالرد خلال مدة محددة.
2- التأكيد على ان يتم دراسة الوضع ، انطلاقا من مبدأ كون هذه الاثار ارثاً عراقيا اصيلاً ، مع الالتزام ببث التوعية بأهمية هذه المناطق الاثرية و بضرورة عدم المقارنة و المفاضلة بين الديني و غير الديني منها .
3- في حالة عدم الحصول على اجابة شافية من السلطات ، خلال المدة المحددة ، علينا اللجوء الى تدويل القضية ، و مطالبة (اليونسكو ) بالقيام بدورها الذي التزمت به بموجب المواثيق الدولية .
ختاماً ، نؤكد على ان احدى صور محاربة الفكر الداعشي التكفيري الخطر ، تكمن في حماية معالم الحضارة العراقية الاصيلة ، و أملنا كبير بالسلطات المكلفة بحماية الآثار ،ان تؤدي دورها بالشكل المطلوب، و الا تقوم بطمس هذه الآثار ، لأي سبب كان .
اتمنى ان اكون قد وفقت في ايصال فكرتي