هل ستوقظ خسارة الراهب أيوب شوكت الكلدان من سباتهم وينقذوا أنفسهم ومؤسستهم الكنسية من الضياع والفوضى العارمة التي هم فيها
ليون برخو
جامعة يونشوبنك – السويد
مقدمةاخذت قضية الراهب الكلداني أيوب شوكت الكثير من الحيز على هذا المنبر (رابط 1 ). والقضية ذاتها عقب عليها موقع البطريركية الكلدانية ببيان فيه الكثير من المغالطات والتجني على الراهب أيوب شوكت وبعض القسس الكلدان من الذين جرى ذكرهم فيه لا سيما العلامة الكلداني الذائع الصيت الفونس منكنا (رابط 2).
ان يأتي مقال من شخص عادي عن الراهب أيوب شوكت وغايته الأساسية، كما بدا من المتن والتعقيبات لا تتجاوز الدفاع عن الطائفة والمذهب على حساب الهوية والثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها، فهذا امر عادي.
ربط الثقافة والهوية بالمذهب والطائفة امر مؤسف حقا. إن غادر كلداني المذهب، أدين وفضح بغض النظر إن كان لهويته وثقافته حافظا او خاسرا. صاحب الهوية (القومية) يأخذ الثقافة مقياسا وليس المذهب او الطائفة او أي ميل أخر.
ولكن ان يأتي التجني والخطاب الجارح الذي ينتقص من الأخر دون وجه حق من موقع البطريركية الكلدانية، فهذا لعمري مأساة حلت بالكلدان منذ امد أربع سنين عجاف رمتهم في صراع داخلي وتكاد تقضي على هويتهم وثقافتهم ولغتهم وتراثهم وإرثهم وفنونهم وطقوسهم وأدبهم وريازتهم وأزيائهم وكل ما يشير إليهم كأمة وهوية وكنيسة ذات خصوصية.
شيء من التاريخ القريب
ترجع معرفتي بالراهب أيوب شوكت الى منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. كان هو وكوكبة من الرهبان الشباب شعلة من النشاط في بغداد. وكنا كلنا ومعنا البطريرك المرحوم روفائيل بيداويد نرى فيهم أمل الكنيسة الكلدانية لحبهم وشغفهم بثقافتها ولغتها وطقوسها وأناشيدها وتراثها وإرثها وأزيائها وفنونها.
وكنا مجموعة من الأساتذة نلقي محاضرات في شتى العلوم على هذه الكوكبة من الرهبان الشباب وكان تدريس اللغة الإنكليزية من حصتي. كان الراهب أيوب واحد من اذكى الرهبان في الصف وكله خلق وخشوع واحترام وهمة ونشاط لتقبل واكتساب العلم والمعرفة.
وكانت الرهبنة في حينه فيها حوالي 30 كاهنا وعدد كبير من الرهبان برتبهم المختلفة من مبتدئ الى راهب بسيط وراهب قد أدى النذور. وكانت الأديرة عامرة في بغداد والموصل وروما والسليمانية والقوش.
وفي حينه، كانت هناك فكرة تأسيس فرع للرهبنة في أمريكا لخدمة الجالية الكلدانية هناك وبناء دير باسم "دير مار كوركيس". وكنت من اشد المتحمسين للفكرة التي تبناها المرحوم الأنبا قرياقوس ميخو ولكنها لم تلق النجاح.
هذه مقدمة تاريخية غايتها تسليط ضوء ولو خافت على ما كانت عليه الرهبنة الكلدانية التي كانت طوال تاريخها المعاصر العمود الفقري للكلدان وثقافتهم ولغتهم وهويتهم وخصوصية كنيستهم.
علاقة البطاركة الكلدان بالرهبنة الكلدانية
والتاريخ يشهد وتواريخ البطاركة الكلدان الأجلاء شاهد انه لم يحدث ان قام أي بطريرك بتهميش او عداء الرهبنة الكلدانية.
والأديرة الكلدانية كانت فيها قلايات خاصة للبطريرك والأساقفة الكلدان الذين كانوا في الغالب يفضلون المبيت والبقاء في الدير على أي مكان أخر اثناء ترحالهم.
وشخصيا كان من واجباتي في الدير (دير السيدة في القوش ومار كوركيس ودير الابتداء في بغداد) العناية بالقلاية الخاصة بالبطريرك والأساقفة وتنظيفها وان تكون معدة دائما لأننا لم نكن نعرف متى سيحل البطريرك علينا او أحد أساقفته زائرا.
وكان المرحوم البطريرك بولس شيخو والبطريرك بيداويد يحضرون شخصيا المراسيم الطقسية وبلغتنا الساحرة والحانها الملائكية في المناسبات لمشاركة الرهبان الرمش وأحيانا صلوات الفجر او الصباح.
وكان للرئيس العام لأديرة الرهبنة الكلدانية لدى كل البطاركة الكلدان مكانة متميزة أحيانا ترقى لا بل تفوق ما تمنحه البطريركية لأي من اساقفتها.
هذا أيضا بإيجاز شيء من التاريخ القريب.
ماذا عن العهد الجديد
في العهد الجديد، أي السنين الأربع العجاف الأخيرة، قلبت الآية، ومع الأسف.
البطريرك لم نراه يوما يزور الدير او يزور الرئيس العام. ولم نلحظ أي اهتمام بالرهبنة الكلدانية في السنين العجاف الأخيرة وليس لدينا صورة واحدة او خبر صغير منشور في الموقع البطريركي عن الرهبنة ونشاطاتها او نشاطات رئيس عامها الجديد.
على العكس، هناك جفاء وتهميش يرقى الى العداء للرهبنة الكلدانية وهذا لم يحدث في تاريخ كنيستنا الكلدانية المجيدة برمته.
ليس هذا فقط. كل فترة للبطريركية قصة مع أحد الرهبان الكلدان.
والبطريركية تستغل منبرها الإعلامي، الذي يجب ان يكون منبرا للمحبة ولا ينشر غير قصص الإنجيل وما يتعلق بها، تستغله للهجوم على هذا الراهب او ذاك مستخدمة أحيانا خطابا هابطا لا يليق بجريدة محلية عادية فكيف بموقع كنسي. ولم يسلم الرهبان حتى من المراسلات الداخلية للبطريركية:
كنا سابقا ننتقد موقع كلدايا.نت في عهدة إدارته السابقة لاستخدامه خطابا لا يليق بموقع أبرشي، بيد ان الموقع البطريركي عبر كل حدود اللياقة والكياسة في بياناته التي لا تنقطع في كل ما هبّ ودبّ ومنها ما يرتقي الى الشخصنة والمباشرة وإهانة الأخر وتهميشه واستغلال المنبر المسيحي هذا للإيقاع بالأخرين وهم رهبان او قسس او افراد كلدان. بدلا من ان يلم الشمل، صار هذا الموقع سببا للتفرقة والشرذمة في الصف الكلداني والصف المسيحي المشرقي العراقي بصورة عامة. والأدلة كثيرة ليس هناك حاجة لتفصيلها.
البيان البطريركي الخاص بالراهب أيوب
ومن ثم انظر البيان الخاص بالراهب الكلداني أيوب شوكت. هذا ليس بيان من رجل دين مسيحي غايته المحبة. هذا بيان من شخص غايته الانتقام من الأخر المختلف مستغلا المنصب وتعاطف الناس مع المنصب.
والذي يقرأ البيان، لا يخرج الا بنتيجة واحدة وهي ان كاتبه حاقد على كل من يختلف عنه او لا يرضى عنه بأي شكل من الأشكال. فيه إهانة واضحة للراهب أيوب، وهذه الإهانة وبهذا الشكل السلبي الذي يفتقر الى الكياسة وأخلاق الكتابة لا ينطلق الا من أناس لا علاقة لهم بالروح الإنجيلية التي غايتها الأولى والأخيرة التسامح والغفران والمحبة.
إن كانت البطريركية منزعجة من الراهب الكلداني أيوب لأنه ترك الكنيسة الكلدانية ومذهبها والتجأ او ا انضم الى كنيسة أخرى، كانت هناك حلول كثيرة للحيلولة دون تفاقم الأمور الى ما وصلت إليه من فوضى عارمة في كل شيء من الإدارة والشؤون الكنسية والثقافية والطقسية واللغوية والثقافية والتراثية الى الأمور المالية والإعلامية وغيرها.
كم راهب كلداني تعادي البطريركية اليوم؟ إنها لا تستثني أي راهب كلداني. هي تعمل بالضد من الرهبنة الكلدانية الى درجة انها تنبذها ولا تقبل حتى ان تنشر خبرا صغيرا عن نشاطاتها في موقعها الرسمي المليء بالبيانات الهزيلة التي لا ترقى الى إنشاء في الثانوية حول نشاطاتها واستقبالاتها الدنيوية التي لا يتعدى تأثيرها مواقع ومنتديات شعبنا وهي في الغالب تؤدي الى البلبلة والشقاق والفرقة.
لم يحدث في التاريخ ان وقفت بطريركية بالضد من الرهبنة الكلدانية مثل البطريركية هذه وكل هذا لقب الجالس على الكرسي هو بطريرك الكلدان.
ما زلت قريبا من الرهبنة الكلدانية. وأكاد أجزم لم اتصل او التقي راهبا كلدانيا الا وكانت له قصة مؤلمة تجرح القلب وتدمية مع هذه البطريركية.
نحن لم نخسر الراهب أيوب وحسب. نحن خسرنا الرهبنة الكلدانية في السنين الأربع العجاف الأخيرة. نحن لم نخسر الراهب أيوب بل خسرنا هويتنا وطقسنا ولغتنا وتراثنا وفنونا وريازتنا وأزيائنا وثقافتنا الفريدة من نوعها في السنين الأربع العجاف الأخيرة.
أي بطريرك كلداني او أي بطريرك في المشرق برمته تجرأ او يتجرأ على إطلاق تصريحات مناوئة ومنتقصة ومهمشة لتراث وثقافة ولغة وطقس وأزياء وريازة شعبه وكنيسته غير بطريركيتنا العتيدة هذه؟
ومن ثم لماذا التباكي او التشكي او الهجوم على راهب كلداني غادر الكنيسة الكلدانية في السنين العجاف الأخيرة؟ هناك فلتان وتسيب وفوضى عارمة افقيا وعموديا على المستوى المؤسساتي والإداري في الكنيسة الكلدانية.
ولهذا لا ينظر البعض ابعد من أنفه ويتصور ان كل المشكلة التي نحن فيها والفوضى العارمة التي نحن فيها سببها الراهب أيوب.
العهد الحالي يمثل أخطر فترة يمر فيها الكلدان ومؤسستهم الكنسية، فيه جرى تسرب كبير وخرق خطير للكنيسة الكلدانية من قبل الكنائس الوافدة (المبشرون الغربيون) إن في العراق او الشتات.
هل تتفضل البطريركية وتقول لنا كم ألف كلداني انتقل الى الكنائس الإنجيلية في العراق وخارجه في عهدها الميمون وبسبب سياساتها التأوينية الهوجاء التي فيها صرنا لا نميز بين خصوصيتا وهويتنا وثقافتنا ولغتنا وطقسنا وفنوننا وأزيائنا وريازتنا وأناشيدنا الكلدانية الكنسية وبين ما لدى أي كنيسة انجيلية أخرى؟
وهذا اعتراف من البطريركية ذاتها (أي شهد شاهد من أهلها) للخرق الخطير لكنيسة انجليه واحدة في عهد صاحب التأوين الميمون وفي مدينة دهوك فقط. اما في مسقط رأس صاحب سياسة التأوين الهوجاء (كركوك) التي تقريبا انهتنا وقضت علينا ككلدان وهوية وثقافة فحدث ولا حرج. لماذا لا تسطر مقالات وبيانات عن هذا الخرق الخطير في الكنيسة الكلدانية وعن هجرة المئات والالاف من أبنائها وبناتها الى كنائس أخرى في العهد البائس هذا ويتم التركيز فقط على الراهب أيوب؟
هل وصل الأمر بالبطريركية وإعلامها الهزيل الاستهانة بعقول الناس الى هذه الدرجة؟ هل يتصور هذا الإعلام الهزيل ان القراء من الجهل بمكان حيث انهم لا يفهمون وهو الوحيد الذي يفهم؟ أظن ان العكس صحيح وإلا لما وقع الموقع البطريركي بمطبات كبيرة مثل هذه التي لا يقبل كاتب هاو ومبتدئ اقترافها.
تجني وإسقاط لا يليق بالمقام
ولماذا التجني على واحد من العلماء والباحثين الكلدان الذين تشهد الدنيا ببراعتهم مثل الفونس منكنا الذي لمكانته العلمية وأبحاثه وكتبه له خزانة كبيرة باسمه في واحدة من اهم المكتبات الجامعية في العالم. (رابط 2 ).
من اين اتى اعلام البطريركية الهزيل وصاحبه بهذه المعلومة (ادناه)؟ المطلوب توثيق هذه المعلومة الخطيرة لأن حسب علمي، وشخصيا انا متابع لسيرة وكتابات وأبحاث العلامة الكلداني الشهير هذا وزرت خزانته التي لا تثمن في جامعة برمنكهام، انه لم ينضم ككاهن الى الكنيسة الأنغليكانية. المعروف انه ترك الكهنوت. فلماذا كل هذا التجني؟ ان يتزوج المرء جزء من الحياة ومتطلب انجيلي ولكن ان يتجنى الشخص على الحقيقة ويسقط الأخر لأنه تزوج فهذا لعمري امر معيب لا يقوم به أصحاب الكياسة والأخلاق. ومن ثم الزواج في كنيسة أخرى لا يعني بالضرورة ان الشخص تبع الكنيسة التي تزوج فيها علما ان زوجته إيما صوفيا نرويجية حيث تقريبا لا تواجد للكنيسة الأنغليكانية في الدول الإسكندنافية:
"نذكر على سبيل المثال في القرن المنصرم ان القس الفونس منكنا ترك الكنيسة الكلدانية وانضم الى الكنيسة الانغليكانية وتزوج فيها." (رابط 2).
العالم الكلداني الشهير الفونس منكنا
بأي حق يتجنى الموقع البطريركي وإعلامه الهزيل على هذا العالم الكلداني الجليل الذي لولاه لفقدت الدنيا والعالم وفقدنا نحن جزءا كبيرا من تراثنا وثقافتنا ومخطوطاتنا.
بدلا من الاحتفال بهذا العالم الكلداني الجليل وتخصيص يوم للاحتفاء به، يأتي الموقع البطريركي من خلال بياناته الإنشائية الهزيلة ويتهمه زورا وبهتانا بأنه التحق بالكنيسة الأنغليكانية كي يتزوج.
العالم الكلداني الفونس منكنا ترك الكهنوت لأسباب خاصة لا اريد الغوص فيها، ولكن لماذا تتجنى البطريركية عليه وتتهمه اتهامات باطلة كي تبرئ ساحتها ومسؤوليتها عما يحدث في الساحة الكلدانية العلمانية والكنسية من مشاكل وأمور لم نشهدها ولم نقرأها في تاريخنا المعاصر.
العالم منكنا تزوج بعد تركه سلك الكهنوت بصورة رسمية ولأسباب لو راجعناها اليوم بموضوعية وتجرد لرأيناها منطقية وسليمة.
إن كان للبطريركية الكلدانية مثقال خردل من تحمل المسؤولية عليها ان تعتذر عن الإهانة التي الحقتها بعالمنا الكلداني الجليل هذا وتعيد الاعتبار له في صفوف قراء مواقع شعبنا رغم ان مكانته في عالم التاريخ واللغة والمخطوطات الخاصة بكنيستنا وتاريخنا وتاريخ الشرق الأوسط لا ينازعه عليها أحد.
ولكن متى راجع أصحاب الإعلام والخطاب الهزيل أنفسهم وقبلوا النقد ومن ثم تغيروا؟
الهجوم على الراهب الكلداني أيوب لا يختلف عن الهجوم على العالم الكلداني منكنا. الفرق هو ان منكنا من الرفعة السمو والمكانة العلمية والبحثية والأكاديمية ما لم ولن يتمكن موقع اعلامي هزيل مثل موقع البطريركية الكلدانية ان يهمشه او يزدريه كما يفعل بنا وبتراثنا ولغتنا وثقافتنا وأزيائنا وريازتنا وأناشيدنا وطقسنا وفنوننا ورهبنتنا الكلدانية المجيدة؟
بيد ان الهجوم على الراهب الكلداني أيوب يختلف لأن الراهب هذا جرى ذبحه تقريبا من الوريد الى الوريد في البيان البطريركي وفي المراسلات الداخلية للبطريرك التي في حوزتنا وجرت تعريته في بعض المقالات دون ان يتمكن او يقبل ان يدافع عن نفسه او يرد على منتقديه.
وفي الختام، اؤكد مرة أخرى ان الكلدان في خطر وأدعو الى تشكيل مجلس أسقفي طارئ لإدارة البطريركية وموقعها الإعلامي قبل فوات الأوان.
=============
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,835261.0.html#msg7519174رابط 2
http://saint-adday.com/?p=16820