قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ موشي بولص موشي/كركوكأَمْزِجَةُ الطَّقْسِ
بَيْنَ لَيْلَةٍ وضُحَاهَا اِنْقَـلَبَ الطَّقْسُ فَجْأَةً رَأسًا عَلَى عَقِبٍ كَمَا يَنْقَلِبُ السِّحْرُ عَلَى السَّاحِرِ. اِنْخَفَضَتْ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ اِنْخِفَاضًا لَمْ تَشْهَدِ الْبِلَادُ لَهُ مَثِيلًا مِنْ قَبْلُ بِسَبَبِ هُبُوبِ رِيحٍ مِن "سَيْبِيرْيَا"!. فِي طَرِيقِي إِلَى مَحَلِّ عَمَلِي لَمَحْتُ زَمِيلِيَ بِعَضَلَاتِهِ الْمَفْتُولَةِ النَّافِرَةِ وَقَامَتِهِ الْفَارِعَةِ مُرْتَدِيًا ثِيَابًا صَيْفِيَّةً!، كَأَنَّ طَارِئًا لَمْ يَطْرَأْ. يَمْشِي كَقَائِدٍ فَذٍّ مِغْوَارٍ مَشْيَةَ مُنْتَصِرٍ بِهَامَةٍ مُنْتَصِبَةٍ وَرَأْسٍ مَرْفُوعٍ مَزْهُوًّا فَخُورًا بِنَفْسِهِ كَمَنْ لِتَوِّهِ قَدْ عَادَ مِنْ سُوحِ الْوَغَى بَعْدَ أَنْ خَاضَ غِمَارَ حَرْبٍ ضَرُوسٍ وَأَبْلَى فِيهَا بَلَاءً حَسَنًا رَافِعًا الرَّايَةَ بِشُمُوخٍ وَعِزَّةٍ،أَوْ رُبَّمَا يَضْمُرُ نِيَّةً مُبَيَّتَةً لِإِغْوَاءِ أَكْبَر عَدَدٍ مُمْكِنٍ مِنَ النِّسْوَةِ،أَو(لِغَايَةٍ فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ).نَعَتُّهُ أَمَامَ الْمَلَأِ بِكُلِّ مَا تَخْزِنُ ذَاكِرَتِي مِنْ عِبَارَاتِ الْإِطْرَاءِ وَالْمَدِيحِ وَالْفُرُوسِيَّةِ حَتَّى اِحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ خَجَلًا.عِنْدَمَا وَلَجَ إِلَى الْغُرْفَةِ بِخُطًى حَثِيثَةٍ وَأَنَا تَابِعُهُ،أَلْقَى بِثَـقْلِهِ حَوْلَ الْمِدْفَأَةَ وَاحْتَضَنَهَا اِحْتِضَانًا كَأَنَّهَا مَعْشُوقَتُهُ الَّتِي لَمْ يَرَهَا مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ وَسَطَ ذُهُولِي وَانْدِهَاشِي.اِخْتَــلَطَ عَلَيَّ الْوَضْعُ وَاخْتَـلَّ مِيزَانُ تَّحْلِيلِيَ،تَرَجَّيْتُهُ أَنْ يُفَسِّرَ لِي هَذَا التَّـنَاقُضَ فِي سُلُوكِهِ،فَرَدَّ قَائِلًا:أَخِي،لَا تُسِئْ بِيَ الظَّنَّ،الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ بُطُولَةٍ أَوْ فُتُوَّةٍ،كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ، بَالْأَمْسِ فَاتَنِي أَنْ أُصْغِيَ إِلَى النَّشْرَةِ الْجَوِّيَّةِ بِسَبَبِ اِنْقِطَاعِ التَّـيَّارِ الْكَهْرَبَائِيِّ وَتَعَكُّرِ مَزَاجِيَ فَلَمْ أُهَيِّئْ الثِّـيَابَ الشَّتَوِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَاعَتَهَا عَصِيَّةَ الْمَنَالِ فَخَرَجْتُ إِلَى حَالِ سَبِيلِي مُجْبَرًا نَادِبًا حَظَّيَ وَقَدْ نَخَرَ الْبَرْدُ عِظَامِيَ نَخْرًا.