المحرر موضوع: إعلاميان، أرثوذكسي وكاثوليكي علماني وكاهن ، يتساءلان...  (زيارة 967 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
إعلاميان، أرثوذكسي وكاثوليكي علماني وكاهن ، يتساءلان:
أي منعطف يقف أمام كنيسة أنطاكيا الارثوذكسية؟

بقلم الأب نويل فرمان السناطي والشماس كابي جوزيف يوسف

منذ فجر المسيحية بقيت الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية من الكنائس الرسولية العريقة. وقد وصفت المسيحية بأنها تتنفس بالرئتين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
الأب نويل فرمان السناطي والشماس كابي جوزيف  يوسف، اعلاميان تعرفا على بعضهما منذ الورشة الاعلامية التي شارك فيها الشماس (الأب) نويل بمبادرة وبصحبة الأب (البطريرك) لويس ساكو، في بكفيا- لبنان في مطلع العام الفين. ومنذئذ انعقدت بين الكاهن والشماس خيوط متنامية متينة من الروابط الودّية والعائلية في سوريا، دمشق، وصولا إلى كندا. فعندما يتحادثان، يتكاشفان بدون مواربة، ويتكلمان بالمباشر، هذا ما تمخض عنه هذا المقال.

ما يميّز، في المسيحية، العائلة الارثوذكسية، تجاه الكنيسة الرسولية الشقيقة من خط العائلة الكاثوليكية، أنها تتوزّع على عدة بطريركيات في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وأوربا الشرقية، وأن كل كنيسة بطريركية أرثوذكسية تحوز على كيان ذاتي خاص بها، بحسب الرقعة الجغرافية لكل كنيسة وأبرشياتها عبر العالم. ويجمعها نهج ارثوذكسي واحد وثوابت مشتركة تتبعها كل كنيسة بطريركية أرثوذكسية، وتحسب لها الحساب، بحيث لا تحيد عنها تحت طائلة أن ترفع عن هذه الكنيسة أو تلك الصفة الأرثوذكسية من قبل باقي البطريركيات الارثوذكسية. وكل كنيسة ليست تحت الوصاية الادارية والاكليريكية لأي من هذه البطريركيات. هذا ما يبيّنه أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، في إشارة ضمنية الى ما يميّزها عن علاقات الكنائس الشرقية الكاثوليكية المتحدة بكنيسة روما. وهذا ما يوحي، في الوقت عينه، بنوع استقلالية أرثوذكسية، قد لا تجد بموجبها الحافز الى المزيد من الخطوات الاندماجية سواء نحو شقيقاتها الارثوذكسية او الكنيسة الرسولية الشقيقة الكاثوليكية.

على أن هذه الاستقلالية، ربما تتمخض عن هواجس ما، عندما تعصف انقسامات في إحدى الكنائس البطريركية الارثوذكسية، فقلما توجد ضوابط هيراركية (تراتبية) ترجع اليها البطريركيات في حالة حدوث انقسام ما في إحداها؛ وكأن الخط الاحمر فيما بين هذه البطريركيات هو ما تخطوه هذه الكنيسة أو تلك تجاه روما أو تجاه توحيد أعياد الفصح. فكم سُمع أكثر من مرة، عن اجتماعات متواترة تحكي عن وحدة السريان بشقيهم الأرثوذكسي والكاثوليكي، لكن ذلك لم يثمر عن شيء يذكر لحد الآن، مما يستحق وقفة مقال مستقل.

القلق الذي يتبادر إلى الذهن هو عندما يحدث انقسام بين مجموعة معترضة تتعدى أصابع اليد الواحدة، وبين غالبية ساحقة تلمّ ضمن تأثيرات متباينة أساقفة بعدد اكبر حوالي البطريرك. هذا ما قد يلفت الانتباه مع ما حدث في المدة الاخيرة، في رحم الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، ليكون حدثا غير مسبوق بخصوصيته، فأحدث الحزن، كما وردنا، في صف الغالبية الساحقة، قبل صف الأقلية المعترضة. ومما يوحي بأن هذه الغالبية تقودها يد صلبة، وأن ثمة خطوطا حمراء تمنعها من أن تتزعزع عن التفافها نحو القيادة الحازمة، تحت أنواع متباينة من الضغوط.

وكان قد طفى الانقسام على السطح، بسبب موقف تم تأشيره على قداسة بطريرك انطاكيا للسريان الارثوذكس، مار اغناطيوس أفرام الثاني، بشأن موقف علني وجد غير مألوف محليا وغير مقصود، وكان لصالح غير المسيحيين في المنطقة.
على أن ما أثار التساؤل أيضا هو أن التعامل الايجابي جدا مع السلطة المحلية في سوريا، والتآلف الملفت للنظر مع الغالبية الاسلامية في البلاد، كل هذا لم يوحِ، لا من قريب ولا من بعيد، بأي تطور يذكر، على نطاق تحرير المطرانين المخطوفين في سوريا، نيافة المطران بولس اليازجي من الروم الارثوذكس إلى جانب المطران الذي كان المرشح الساخن ، لخلافة البطريرك الراحل مار اغناطيوس زكا عيواص، وهو نيافة مار يوحنا ابراهيم؛ بحيث حصل الانطباع أن مصير المطران يوحنا ابراهيم بأن يكون طي النسيان، صار كتحصيل حاصل، وكأن ما تتمتع به الحكومة السورية من نفوذ على الساحة الدولية، لم تحفزّه قيد انملة مسألة المطالبة بانجلاء قضية المطرانين المخطوفين ومن بينهما ذلك المرشح سابقا للبطريركية السريانية الارثوذكسية مار يوحنا ابراهيم. ومما يزيد الحيرة والحزن أحاديث هنا وهناك تتكهن بإخفاء قسري أو تصفية جسدية تطال تلك القامة الروحية، مار يوحنا ابراهيم الذي طالما اسعدنا اللقاء به والعمل معه خلال مؤتمرات مجلس كنائس الشرق الأوسط.

بين الاعتذار وعودة الابن الشاطر: ومما طرح علينا اكثر من تساؤل مثير هو عن مدى مقارنة اعتذار الاساقفة الستة مع مثل عودة الابن الشاطر، وما مدى تطبيق رسالة الغفران للمسيح في الانجيل المقدس. ذلك ان عودة الابن الشاطر، الذي كان طوال الطريق قد حفظ درس توبة متسلسل ومتواصل، حالما يصل الى الأب. واذا بالأب الذي كان ينتظره من بعيد، ما ان وصل الابن الى احضانه، حتى لم يدعه يكمل تلاوة درس التوبة: أعود إلى ابي وأقول له يا أبتاه خطئت الى السماء وقدامك، وما أستحق... فإذا بالأب يأمر له بكل ما يعيد له بنوّته.

وعودة إلى مسببات موقف الاساقفة، فقد كان تأشير حالة رأوها غير طبيعية، وطالبوا باتخاذ الاجراء بشأنها. هذه الحالة كانت تتعلق بمجاملة مبالغ فيها لطرف الغالبية غير المسيحية في البلاد. فإذا بقداسة البطريرك يستيجب وبنحو جرئ وشجاع، مبينا ان الموقف من كتاب يقدّسه مواطنون آخرون لا يعني الاعتراف بكتابهم...

ومن الشجاعة الى التواضع: فمجرد استجابة قداسة البطريرك الى توضيح الموضوع، فإنه بذلك جمع بين موقف الاب تجاه الابن الشاطر، وبين الاحتكام إلى آلية الحوار فيما بين الإخوة وأخيهم الاكثر تقدما منهم.

كانت ثمة إذن استجابة، وكانت ثمة حاجة الى التوضيح، وكان توضيحا شجاعا. وكان يمكن عند هذا الحد ان تفيض المحبة فيما بين الاخوة خلفاء الرسل، وتتضاعف فرحة اعادة اللحمة. ولكن للاسف الشديد، رأينا ولعلنا واهمين، بأنه بدأ العدّ التنازلي في الابتعاد عن مؤشرات المصالحة المألوفة، وكما نراها، كسواد المؤمنين:

- فبيان التراجع للأساقفة المعترضين والاعتذار قوبل بأنه لم يكن وافيا بما فيه الكفاية.
- وعندما زاد الاساقفة بأن ذهبوا لملاقاة الاخوة الأحبار ومعهم البطريرك، لما نحسبه نوعا من مصافاة القلوب بروح الدالة الاخوية، إذا بالكيل يطفح في باب المقارنة، مع المصالحة المسيحية. إذ بدل ان يُستقبل الاخوة المعتذرون بالاحضان، اذا بهم يواجهون بما عليهم ان يدلوا به من صيغة اعتذار وتوبة، قد لا تكون بعيدة عن الإذلال.
في الواقع، بات ثمة تساؤل يتكرر أمام آليات انتخاب رهبان شباب بعمر الورد للأسقفية ليكونوا بمثابة خلفاء الرسل، وبين مسألة محاسبتهم بالطريقة التي سمعناها، وقد توحي بنوع من الطاعة العمياء.

بعد هذه المؤشرات، نرى ان ما يوشك من انقسام في الجسم الارثوذكسي لكنيسة انطاكيا، لا يوحي بالانسجام مع معطيات رسالة المسيح في أن أغفر لأخي سبعين مرة سبعة مرات، وأن انتهج نهج الفادي الذي غفر للمخلّع والزانية وحل ضيفا عند العشّار، وقبل توبة الخاطئة بدموعها وقارورة طيبها، ووعد لص اليمين بالفردوس.
هذه المؤشرات، لا بد وأن تكون أمام البطريركيات الارثوذكسية الأخرى فكيف الأمر وأكثر من مراقب يراها لا تحرّك ساكنا، باستثناء زيارات بروتوكولية تضامنية مع طرف الغالبية.
وهذه المؤشرات لا بد وان تأمّل بها الاساقفة المعترضون، أو الاساقفة السائرون وراء الغالبية الساحقة. فأي الحلول باتت بنات ساعتها.
تساؤلات تعتصر القلب، لابنين من الكنيستين الرسوليتين العريقتين الكاثوليكية والأرثوذكسية، كاهن كلداني كاثوليكي وشماس أرثوذكسي يعبران عنها بعيدا عن التعليقات الالكترونية الفورية الفاقعة، وقريبا من استصراخ الصوت النبوي نحو وحدة كنائسنا المقدسة في داخلها وفيما بينها؛
تساؤلات تنادي باستئناف المسيرة المسكونية الرسولية المسيحية، خصوصا وان الموضوع ليس بعد أمام نهاية العالم؛
تساؤلات تقف بمواجهة الكنائس المعنية والاساقفة المعنيين وإلهامات الروح القدس.