المحرر موضوع: في المواطنة والحوار والإرهاب  (زيارة 803 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في المواطنة والحوار والإرهاب
عبد الحسين شعبان


       أعادت حوادث القتل والتّهجير التي جرت في شبه جزيرة سيناء والتي استهدفت الأقباط، ما حصل لمسيحيّي العراق، سواء نزوحهم من البصرة وبغداد وكركوك والموصل خصوصاً بعد احتلالها من قبل داعش العام 2014 ،إلى كردستان ومنها إلى المنافي البعيدة، الأمر الذي لا يزال مستمرّاً في سوريا كما جرى في لبنان خلال الحرب الأهلية، وينبغي أن نتذكر باستمرار ما حدث لمسيحيّي فلسطين الذين كان عددهم يزيد على 20 % من السكان قبل الاحتلال وبسبب التهجير المنظّم، وصل عددهم الآن إلى أقل من 1،5 % وكان في القدس وحدها ما يزيد  عن 50 ألف مسيحي، في الوقت الذي لا يصل عددهم اليوم إلى 5 آلاف.
      إنّ حوادث القتل ومحاولات الاستئصال والإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر تطرح مسألتين أساسيّتين :
      أوّلها: غياب أو ضعفِ المواطنة، فحيثما تكون هذه هشّة يتمّ التّهميش والإلغاء وتجري محاولات للتّسيّد والهيمنة،حيث تستقوي جهات نافذة تفرض نفسها على مصادرة حقوق الآخرين، وكلّما ضعفت أو اهتزّت أركان المواطنة كان التعصّب والتطرّف جاهزين ولها بالمرصاد، وحيث يسودان فذلك يعني أنّ العنف والإرهاب سيجدان طريقهما إلى المجتمع.
     ثانيها: غيابالحوار الذييفترضالاعترافبالآخر على قدر من المساواة، وذلك يعني الإقرار بالتنوّع والتعدّدية، وغيابه سيفضي إلى نوع من الإلغاء أو التّهميش أو الانتقاص من الحقوق، وليست تلك سوى حقوق المواطنة. هكذا تظهر العلاقة العكسية بين الإرهاب والمواطنة، فسيادة الإرهاب ستكون بسبب ضعف المواطنة أو الانتقاص من أركانها، والعكس صحيح، فإنّ وجود مواطنة حيوية تقوم على الإقرار بالحريّات وممارستها، ولاسيّما حرية التعبير، والحق في التنظيم و الاعتقاد ، والحق في المشاركة والشّراكة،سيعني الإعلاء من القيم الإنسانية العليا، وهذه تغتني بمبادئ المساواة وعدم التمييز والعدالة وخصوصاً الإجتماعية، إذ إنّ المواطنة ستكون قاصرة وناقصة مع الفقر، والمواطنة تحتاج أيضاً إلى الاعتراف بالحق في المشاركة وتولّي الوظائف العليا دون تمييز.
        خلال الشّهرين المنصرمين قدّر لي أن أشارك بعدد من المؤتمرات والأنشطة الثّقافية والفكرية والحقوقية، وفي عدد من البلدان العربية، وكان العنوان الأساسي لها: ماالسّبيللمواجهةالتعصّبوالتطرّف؟ وما علاقتهما بالعنف والإرهاب؟ وأيّ تعارض بين الطائفية والمواطنة؟ وأخيراً هل نحتاج إلى خطاب جديد لمجابهة ثقافة الكراهية والإقصاء والتّهميش؟
         وبقدر ما لهذه الظواهر من اشتباك ثقافي واجتماعي وسياسي، فلها خلفيّات دينيّة وطائفيّة وثقافيّة وتربويّة، وتنعكس على سلوك الأفراد والمجموعات، لاسيّما التي تدّعي امتلاك الحقيقة، أو التيتعتبر لها أفضليّات على الآخرين، لهذه الأسباب أو لغيرها.
       وإذا كان الخطاب السّائد قاصراً، ويتّسم بالشّحن والتّحريض، أفلا تستلزم الحاجة إلى إعادة النظر به، بل مراجعة منطلقاته الفكرية والثّقافية؟ ثمّ كيف يمكنإصلاح الخطاب دون إصلاح الفكر؟ والمسألة لا تقتصر على الفكر الدّيني وحده بل على إصلاح الفكر الطاغي، وتعزيز مستلزمات مراجعة نقدية مفتوحة، يشارك فيها الجميع، قوى وتيّارات ومنظّمات مجتمع مدني ونقابات وإعلام، لأنّ الأمر يتعلّق بصميم توجّهات المجتمع وسلامة جميع أفراده. والمجتمعات المتصالحة مع نفسها تجد فيها نوعاً من "التّطامن" يساعد على تطويق ظواهر إلغاء الآخر أو إقصائه أو تهميشه أو محاولات التسيّد عليه.
        ولأنّ ظواهر التعصّب والتطرّف استفحلت في عالمنا العربي بشكل خاص، وباتت تهدّد وجود الدولة الوطنية، فقد استوجب الأمر إحياء لغة الحوار، الذي لم يعد اختياراً فحسب، بل أصبح ضرورة و اضطراراً، فبدونه ستكون التّربة خصبة للعنف والإحتراب، خصوصاً في ظلّ التمترسات المذهبية.
        والحوار ينبغي أن يستهدف أوّلاً وقبل كلّ شيء الاتّفاق والتّوافق حول سبل تعزيز المواطنة، التي ستبقى حجر الزاوية في مواجهة العنف والإرهاب اللّذين يتحوّلان إلى فعل، بعد أن يستحوذ التعصّب والتطرّف على عقول أفراد أو مجاميع فئويّة، وهو ما أضحى جزءًا من المشهد البارز في بغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء، ووجد حواضن له أحياناً لـ "يفقّس فيها بيضه" في مصر وتونس، وصولاً إلى المغرب والجزائر وغيرها،خصوصاً بفعل عمليّة "غسل الأدمغة" لبعض الشّباب المقبل على عنف لاحدود له، بما فيه مع النّفس حين يُقدم على عمليّات إنتحاريّة تحت مزاعم ومبرّرات شتّى، بعضها ديني أو مذهبي، وآخر إجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، وبقدر ما ينطبق على إرهابيّي المنطقة، فإنّه أيضاً يشمل إرهابيّي الغرب الذين يأتون ليفرغوا ما في جعبتهم من عنف في بلداننا.
        هل تنفع الوسيلة الأمنية لوحدها في التّصدّي للظاهرة الإرهابيّة؟
سؤال حائر ظلّ يتردّد في العديد من المؤتمرات الدوليّة والعربيّة الحقوقيّة، وهو وإن كانت الإجابة عنه معروفة سلفاً، لكنّ الرّكون إليه لوحده أو تقديمه على سواه من سبل الوقاية والحماية، جعل استمرار الإرهاب، يعيد طرحه بشدّة كبيرة، خصوصاً وإنّ الحاجة تتعاظم إلى تكامل الوسائل المتنوّعة للتّصدّي للظاهرة الإرهابيّة سياسيّاً، واجتماعيّاً، واقتصاديّاً، وثقافيّاً، وتربويّاً، ودينيّاً، إضافة إلى الوسائل الأمنيّة والعسكريّة، وهذه كما يقول "العرب" هي آخر "العلاج-الكي".
         وإذا كانت المواطنة نقيضاً للإرهاب، فهذه الأخيرة تحتاج إلى حوار بعقل مفتوح وقلب "حار" كما يقال، خاصة وإنّ بلداننا تقف عند مفترق طرق، فكلّما ارتفع شأن المواطنة تناقص خطر الإرهاب، والعكس صحيح أيضاً، حيث تظهر "العنعنات" الدينيّة والمزاعم الطائفيّة والدعوات الإنفصاليّة والإستتباع للخارج الإقليمي،ولكلّ ما له علاقة ببقايا ما قبل الدولة.