فتلقفها فم ثعلب كان يشم رائحتها خارج الزريبة ، فلا تعيدي هذهِ القصة أرجوكِ أنتِ أيضاً ...
فصمت طويلاً لكلامها ... أيكون الهروب حلاً ؟! ولكن ما زالت أوراق إحداهن عالقة في الأذهان إلى الآن ! ...
ــ هجرنا أمس الزريبة البشعة كنا ثلاث دجاجات ، لكننا مع الأسف نمنا ليلة مخيفة في العراء جعلتنا نعود إلى جحيمنا في الصباح التالي ...
آه من الأحلام اللذيذة المفجعة ! وآه من قولة الآه ... كم تمنيتُ أن أكون نسراً ! .....
في صغري كنتُ أرى النسور تحلق ، لم أكن بادئ الأمر أحلم بالتحدث معها ، لكن قبل ما يقرب من شهر ، صادفني نسراً حط على سطح المنزل ، استدرجته للكلام ، تشعب الحديث بيننا ، كان حديثاً غريباً وشيقاً ، حقاً إن الحديث شيق مع النسور ، فمغامرتها عجيبة غريبة ملذة ، في نهاية الحديث قال لي :
ــ حتى وإن كان في مقدوركن الطيران ، لكنه سيكون على ارتفاع منخفض ، ولمسافة قصيرة جداً ، فلا تعقدي أمالاً كبيرة بالمساواة بالنسور ! فعبر التاريخ كانت النسور أكثر حكمة وأرقى الطيور جميعاً ....
سُدَّت كل المنافذ أمامي ، وكيف لي أن أهرب وأصغر كلب سيمزقني ! هل أتذمر فأكون أولى القرابين عقاباً على إشهاري بحقي ؟! .....
( 6 )
توالت الأيام ثقيلة كئيبة ، أفاقتني من كآبتي نظراتُ هذا الديك كان يسترق النظر ويتعمق في فضح نظراتي ! اعتقد إنه مزيج من الإعجاب أو الحب ، لكن لحد الآن لم أعرف نواياه ربما هو إحساس بالحب ، فالأنثى تحس بأية عاطفة يكنها الجنس الآخر ، ما كان يعجبني في هذا الديك إنه كان زاهداً في علاقاته مع الآخرين ولهذا دفعتُ نفسي إليه لأعرف ما يدور بخلده ، وما أدهشني أن مصارحته لي أتت بسهولة ، إنه ببسيط العبارة يريد الزواج مني إن أنا قبلت به ...
في هكذا موقف يستدعي التأني في التفكير ! إنها قضية تطال العمر كله ! ولكثرة ما أترصد مفاجآت من هذا النوع فقد أعددتُ لها حلولها وبدون تردد قلتُ له دون أية مقدمات :
ــ الزواج يعني الشراكة !!
ــ ماذا تعنين ؟!
فقذفتُ بوجهه كلماتي دون توقف ...
ــ المعنى في أشد وضوحه ، سنتناوب النوم على البيض حتى يفقس عن أفراخ ، فليس من الإنصاف أن أحرم نفسي واحد وعشرون يوماً من الخروج والأكل بوجبات سريعة مقلقة والنوم على البيض في مختلف الظروف ثلاث وعشرون ساعة في اليوم ومع ذلك الريش المنفوش الذي يعيقني من اللعب والقفز والحركة والمرح والتمتع بأوقاتي ....
كان يستمع إليّ فاغراً فاهه ، وما أن انتهيتُ من كلامي حتى صرخ مصعوقاً :
ــ هل سمعتم يا معشر الدجاج بأن ديكاً نام على بيض ؟ هذهِ منتهى الإهانة بل هدر لكرامة كل الديكة !!
ــ لا تصرخ ! لا تفضحنا ! نحن نتحدث بهدوء وسرية فلا تجعلنا هزءاً للآخرين ، ليكن ، وماذا في ذلك !
وأردفتُ :
ــ إنها مساعدة شريك لشريك حياته ... فقط أردتُ أن أصارحك بهذا ...
ظل فاغراً فاهه ، لا يستوعب ما الذي سأقوله ، فانتهزتُ فرصة اندهاشه البليد حتى أردفتُ وبنفس النبرة وبلغة التحدي :
ــ ليس هذا فقط بل أن نتقاسم تربية الأفراخ أيضاً !! ..
ــ تربية الأفراخ ؟!!
ــ نعم يجب أن نطعمهم كلانا سوية وبالدور !! ...
فعلا صراخه :
ــ ايا مجنونة ! هل تريدين كسر كل القوانين والأعراف والتقاليد ؟ أنا أسير أمام الأفراخ ؟ أنا أتوسل إليك أن تنوبين الدور بعدي ؟ أنا أسير خلفك ؟! أنا ...
فتركني غاضباً لا يعرف موقع أقدامه وهو يدمدم !! ..
ــ دجاجة مجنونة مجنونة !! ...
( 7 )
أحلامي أصبحت أكبر من حجمي ، تحول التفكير إلى قلق واكتئاب ، لم يعد بمقدوري حتى النوم فقد أصبح رأسي مطحنة صاخبة ... باتت الهموم تلاحقني من كل جانب ، والأرق يعذبني ليالٍ طوال ، أحلامي أضحت كوابيس خانقة ... رحمك الله يا جدي العزيز حين كنت تقول ... ** :
ــ الوعي جرثومة ما أن تدخل رأسك حتى تظل تنخر وتنخر إلى أن يحيلك جثة هامدة ــ
اللعنة على الوعي بالحال والأحوال ، اللعنة على الأحياء والأموات ! وعلى كل ذي جناح من الطيور والمدجنات .. أخيراً قررتُ أن أحفر أخدوداً في جمجمتي ! وليكتب على شاهد قبري بعد أن أموت ...
أيتها الدجاجة ! كوني بليدة لتعيشي سعيدة ! ...
ــ انتهت ــ
* كونفوشيوس
** دستويفسكي
//////////
الانْتِقَام
ــ قِصَّة قَصِيرَة جِدَّاً ـ
بِقَلَمِ : ابراهيم كولان
كان لداروين في طفولته صديقة حميمة ، لكن لسوء حظه وحظ البشرية انفصلا عن بعضيهما ، لسبب بسيط هو إنه في أحد الأيام ، حين عيرها بشعرها المجعد ، عيرته بقدميه الهزيلتين ويديه الطويلتين ، فأصبح كلما يتذكر هذهِ الحادثة تنتابه حالة من الألم والإحباط ، ويعتصر لها قلبه ، خصوصاً حين انتقلت هذهِ الصفة على لسان أقرانه ، فأصبح محط تندر الجميع .
في إحدى الصباحات حين كان يسير في طريق خارج المدينة داهمته المفاجأة ، وهو ينظر إلى يديه الطويلتين ، فرأى أصابعه قد طالت بسرعة رهيبة ، ونما شعر كثيف حول قدميه ، ثم حول جسده ، وأمتد له ذيل قصير في الخلف ، نظر وراءه لئلا يكون قد شاهده أحدهم ، وبسرعة بالغة وبكتمان شديد ، شد رحاله إلى شواطئ أميركا بعيداً عن أعين المشتفين ونظرات المتطفلين ... وبعزم لا يلين قضى بقية حياته مستخدماً كل خبرته وجهده لينتقم من الجميع ، وليثبت بما لايقبل الجدل بأن طول الأطراف وكثافة الشعر لا يقللان من قيمة الإنسان ، بل العكس هي تعبير عن الأصالة في حمل خصائص الأجداد الأولين ........
ــ انتهت ــ
///////////
سعيد ..... يا سعيد
ــ مَسْرَحِيَّة ــ
تَأْلِيف : ابراهيم كولان
( غرفة ، نافذة ، على الحائط ساعة معلقة وصورة فتاة ومرآة وما يشبه منصة مرافعة ، بدالة ، شبكة حبال مرمية على الأرض ، سعيد في منتصف العمر ، نحيف ، مرهف الحس ، ينظر بخوف من خلال النافذة ... يذهب ويجئ كمن فقد القدرة على الصبر ، ينظر إلى الساعة المعلقة على الحائط ... ثم يهرع إلى النافذة ويطيل النظر من خلالها ... ) ، كل شيء ينذر بخطر محدق ، الحيطان تكبت أمراً ما ... نافذتها تهمس بخطب جلل ، أغصان الأشجار توحي بسر غامض ... هدوء مقيت ... المأساة نائمة ... العاصفة تنتظر خلف تلك الحشائش ، الموت يزحف على رؤوس أصابعه ، هكذا بهذهِ البساطة تنتهي حياة بأكملها ؟ ... ( ينظر من النافذة ) ها هي واقفة أمام الباب وقد ارتشقت قامتها ولملمت سحر تكورات جسدها ، وعطرت أنوثتها .
مسكينة ، تنظر ولا تعرف ما الذي ينتظرها ... وفي الغد ستستيقظ ابنتها على صباح من نواح وعويل ... وولدها سيستقبل الموت كضيف ثقيل جاء في غير موعده ... وعلى الدار سيخيم كابوس طويل ... وغداً حين يرى الزوج صورة زوجته مهملة بين الأثاث المبعثر ؟ كيف ستكون لحظة الندم ؟ انسحاق ؟ تكسر ؟ تصدع ؟ لكن هل يمتلك القتلة لحظة ندم ؟ ... إنهم لا يجيدون التأمل ، ولا القلق ولا الحذر ... يسيرون إلى الأمام ولا ينظرون إلى الخلف ... ما الذي أستطيعُ أن أفعله حتى أدفع عنها هذهِ الفاجعة ، كيف لي أن أشرح لكم بأن هناك جريمة ستحصل وليس معي ما يجعلكم تصدقوا ذلك ، إنني أرى الجريمة ستحصل ولا يراها غيري ، هذهِ هي مشكلتي ، اغيثوني .
ياإلهي سيقتلها قبل أن استطيع عمل شيء ، تلك الرغبة الأزلية في الإنسان ، أن يقرأ الأحداث قبل وقوعها ، إنها مهمة مستحيلة ... أليس كذلك ؟
( يضحك ) ها ها ... أنا أستطيعُ ذلك ، إنني أقرأ أفكار الآخرين ، فأعرف ما سيحصل ..... صدقوني ... حينما أكون بجانب أحدهم ، أرى أفكاره كما ترى أية صورة .. فقط أنظرُ إلى جبينه وأُخلي من ذهني كل تفكير فتنفلت الصور أمام عيني وتتشكل في مخيلتي كشريط سينمائي ، اكتشفتُ ذلك عن طريق الصدفة ، مرة كنت جالساً في عربة قطار وهناك شخص جالس قبالتي ... إنه نائم يهتز مع اهتزازت العربة ... رأيتُ فوق جبينه هالة ورأيت وسط الهالة فتاة جميلة خضراء العيون ، وحين أفاق الرجل من نومه في المحطة التالية قلتُ له :
ــ هل عيون زوجتك خضراوان ؟
فانتفض الرجل صارخاً في وجهي :
ــ وما شأنك بعيون زوجتي ؟!
أخجلني كلامه ، لكن فرحتي كانت عظيمة ، هذا يعني إن الرجل متزوج ... واستفزازه بهذه السرعة يعني بأنني أصبت الحقيقة .
استهوتني اللعبة ، تلذذتُ بها ، فأصبحتُ ألعبها ، حين يحتال عليّ أحدهم لبيعي حاجة ما ، أو يكذب عليّ آخر فأقذف بوجهه الحقيقة ... تلبّسني الغرور فأخذتُ أجربها حتى على الحيوانات ... فأصبحت القطط والكلاب تهرب من نظراتي حين أحدق بها ... مرة وقفت أمام حمار ...واجهتُ حماراً نظرتُ فوق رأسه بدا هو أيضاً ينظر إليّ ، أفرغتُ من ذهني كل تفكير ، حدقتُ به طويلاً وأطلقتُ العنان لخيالي فرأيتُ هالة بين أذنيه ... حاولتُ أن أعرف بماذا يفكر ... ولكن أتعرفون ماذا حصل ؟ رأيتُ وسط الهالة صورتي أنا ...
أنا أيضاً تلذذتُ بهذهِ اللعبة في البداية ... لكنها حين تلتصق بك تتحول إلى لعنة لا تفارقك ... لعنة تتمنى منها أن تنزع جلدك لتنزعها ، ولكن هيهات ... كنتُ عامل بدالة ... البدالة الجنوبية ....
ــ ( بدالة صوت تزويل رقم ، صوت جرس في النهاية الأخرى ) ــ
الو ... الو .. أهلاً خالد ... شكراً جزيلاً ... آه مبروك ... هكذا بهذهِ السرعة ! حسناً ( بنبرة جدية ) خالد انتبه ارفع قدميك من على الطاولة سيدخل عليك ضيوف .... ها ؟ صحيح ؟ فعلاً دخل عليك ضيوف ؟ ... لقد صدق حدسي إذن ... من أين أعرف ؟ لا أعرف من أين أعرف ... سأقول لك ما اسمه ... أمجد ... مجيد ....هه ، صحيح ؟! عظيم ! ألم أقل لك ... لا تسألني كيف حزرت فأنا نفسي لا أعرف كيف ... فقط إحساس داخلي ... أحس فجأة باهتزاز أسلاك الهاتف ... فأعرف أن هناك خللاً ما فأركز لأعرف ما هو ... كحيوان يشم رائحة فريسته فيتجه نحوها حتى يتمكن منها ... لحظة من فضلك ... ألو ... نعم ...
( تتبدل نبرته إلى ضجر ثم إلى خوف ) سيدتي ... عفواً ... دعيني فقط أشرح لك ... لقد حذرتك من سرقة القلادة ... صدفة ، صدفة يا سيدتي ... أن تطابق ما حدث مع ما قلته لك ... لا ، لا تتهمينني يا سيدتي ... تستطيعين إقامة دعوى ضدي ؟ ولكن ما ذنبي أنا ... إنني بريء أرجوكِ أن تفهمي ، لا ليس تدخلاً في حياة الآخرين .. ليس ذنبي لكنه ذنب هذا المخبول الذي في رأسي .. لا أرجوك لا تفعلينها ( يرمي سماعة الهاتف من يده ... ويصرخ يكلم المرآة ) سعيد ... ياسعيد ، اللعنة عليك كل حين .
( أمام منصة المرافعة ) : سيدي القاضي .. لقد قلت الحقيقة التي رأيتها في ذهني ، لم يكن ذنب الشاب في حادثة السيارة ، بل كان ذنب الشخص الذي برأته المحكمة ، ما ذنبي إن أكتشفت بأن المجرم بريء والبريء مجرم ... كيف أشرح لكم بأنني أقرأ ما بين اللحظات ، ما ذنبي إن كان جلدي يستشعر الضوء في وسط الظلام ، وأوراقي حساسة تلتقط الذبذبات من أبعد النجوم ورقائق العدسات في عيوني فائقة الحساسية .... فكل واحد منكم كان سيفعل ما أفعله أنا وسيقول ما أقوله ... لو كان يلبس لون جلدي ، وتسري في جسده ذات الشرايين ، ويمتلك نبضات قلبي ... أقبل أياديكم أن تلبسوني جلد ثور أو تستبدلوا رأسي برأس نعامة ( مع المرآة ) سعة خيالك يا سعيد جرثومة تنخر في رأسي ... عمق نظراتك تخرق أحشائي ... أحلامك لعنة تلاحقني ... أريد أن أغمض عيني وأفتحها فلا أراك .
( يكلم الصورة ) عذراً يا حبيبتي لم يكن ذنبي لكنه ذنب سعيد .. مرت الأيام بيننا لذيذة كالأحلام ، كنا نتلهف إلى ذلك اليوم الذي سيجمعنا معاً إلى الأبد ... نظرتُ إلى عينيك ، وجهكِ ، جبينكِ .... ثم حضر سعيد ... هذا الكلب ... فرأيت تلك الهالة ... رأيتُ تاريخاً كاملاً ، رأيتُ صورة عجوز .... رأيتُ غلالة بيضاء تتمزق ... شفاه تتقطر ... وعيون عطشى .... من يومها تبادلنا نظرات الشك ... كثرت أسئلتي عن تلك العجوز وعن شاب أزرق العينين جالساً مع فتاة على شاطئ البحر ... لم أعد أفرق بين ما كان وما سيكون ... مع مرور الأيام ازدادت حدة نظراتي ، ونظراتها تزداد رعباً ، تحولت أيامنا إلى غيرة وشك واتهام ، إلى أن جاء ذات يوم قالت لي أن الحب والخوف لا يمتزجان ... وتركنا حبنا هناك وعدنا .
( يصرخ ) سعيد ... لقد خسرت كل شيء فإلى أين تقودني ؟ ( بألم ) سعيد ! ... هل أنت أخي أم عدوي أم صديقي ، هل استطيع أن أمنحك إجازة راحة لعدة أيام ؟ هل استطيع أن أقلك عن منصبك لمرة واحدة وتذهب عني ، خذ ما تشاء مني واتركني ... وخذ كل ما أبقيته لي من سهر وكوابيس أحلام وقلباً منهكاً ، لو كان لي أن أبتر أحد أطرافي وتتركني لبترت أطرافي كلها ... لو كنت تلبس جلدي لسلخت جلدي وتركته لك ( ينظر من الباب ) أيها الناس ! ستستمع تلك الحشائش هذه الليلة إلى حكايات الموت والجان ، سترقص الأشجار على سيمفونية الألم ، وسيكون هناك ظلم واظلام ، سيحمل الهواء من هنا رائحة الفضيحة والدم ... ( يصرخ ) أيها المارون ! بعد قليل ستكتمل سطور مأساة ، إنها تكتب الآن ، سطراً بعد سطر ... إنها في السطور الأخيرة ... لا ... لا أريد منكم أن تتفرجوا أو تتنصتوا ... لا أريدكم أن تحزنوا ... لا ... ولا أن تمزقوا ثيابكم أو تعفروا رؤوسكم بالرماد .... فقط أريد منكم أن تمنعوا الجريمة قبل أن تحدث ، امنعوا المأساة قبل أن تبدأ ( كأنه يكلم آخرين ينتشرون من حوله ) ... نعم ، هنا ، ألا تصدقون ؟ ماذا تقول ؟ لا يا سيدي لم تحدث الجريمة بعد ، لكنها ستحصل ... لِمَ تضحكون ؟ إنني لا أهزأ معكم ... لا لست عشيقها افهموني لست مخبولاً ... لا تهربوا ... هيي أنتم يا من هناك ... يا إلهي ، لا أحد يسمع ... ( ينظر إلى الساعة ) يا إلهي لم يبق غير ساعات ... الوقت يمضي وعقارب الجريمة تقترب إلى بعضها ... ( ينظر من خلال النافذة ، ويعود ) .. لِمَ لا أذهب إليها مباشرة واختصر المأساة ... أقول لها ... سيدتي هناك جريمة ستحدث في هذه الدار ... نعم زوجك ... هو المجرم وأنتِ الضحية ، سيقتلك زوجكِ ... لا تكثري من الأسئلة سيدتي فإني لا أجيد الإجابة ... صدقيني إنني أمتلك القدرة على رؤية ما سيحصل ... إنهار جسدك فوق هذِ الحشائش ، لكن هل ستسمعني ؟ لا ليس حلاً ، لن تغفر المرأة رجلاً اقتحم غرفة أسرارها ... ستقول لي هل تتلصص على غرفة نومنا ، لا ، لا ليست هذهِ طريقة مأمونة في فضح كل هذهِ التفاصيل ربما ستقيم ضدي دعوى التشهير ... الأفضل أن أمنع زوجها من اقترافِ الجريمة ... نعم ... سأهدده ... أيها الجار العزيز ... لا تفعلها .. سأفشي سرك إلى العدالة ، لا تقتل زوجتك يا سيدي ( يضحك ) ها ها ها سيستقبل هذهِ الطرفة بضحكة جنونية وسيصرخ في وجهي :
" إن كنت صادقاً يا سعيد فسأقتلك قبل أن تفشي السر ، وإن كنت كاذباً فلن أكتفي بقتلك فقط "
( يصرخ ) سعيد لا جدوى يا سعيد ! ... آه .. ( يجلس لفترة وهو ينظر من خلال الباب ثم يقفز ) هاي أيها الشرطي .. لم يبق لي غير الالتجاء إلى العدالة ... من فضلك كلمة واحدة فقط .. سيدي هناك جريمة ستحدث هنا ، أتوسل إليك يا سيدي أن تمنع هذا الرجل من قتل زوجته ، انقطعت كل السبل أمامي ، أصبحت أنت الملجأ الأخير لي ، فلا تخذلني هذهِ المرة ، إن كان الجميع قد خذلني فالعدالة لا تخذل يائساً ، هناك كارثة ستحصل فقط علينا الأن أن نمنع حصول المأساة ، ماذا تقول ؟ ها ! ... تريد أدلة ... أعذرني يا سيدي هذهِ المرة ... فليس معي أية أدلة ... من أين لي أن آتيك بالأدلِة يا سيدي وكل ما أملكه هو هذا الأبله الذي في رأسي ، ماذا ؟ ... يجب أن أودع التوقيف على ذمة التحقيق ؟ ستكون الجريمة قد وصلت إلى نهايتها واكتمل كل شيء ... ثم كيف أكون شاهداً والجريمة لم تحدث بعد ؟ لكنها سوف تحدث ... صدقني ... لا تذهب يا سيدي فلم ننتهِ بعد .. أرجوك لا تتركني ... لا تدعوني وحدي ... لِمَ تهربوا مني جميعاً ؟ ( مخذولاً ) فعلاً ، متى كان للشرطة وقتاً لسماع مثل هذهِ التفاهات ... ( متألماً ) لا جدوى يا سعيد لا جدوى ، وحدك تظل تصرخ وتصرخ ولا يسمعك غير صدى صوتك ... تنبح ليل نهار ولا يجيبك غير عوائك مثل كلب تهز ذيلك بين الناس ولا أحد يلتفت إليك ... تناديهم ، تتوسل إليهم ... تمد يدك ، تستجدي منهم ( يمد يده بالاستجداء ) أيها الناس صدقة ، إيها الناس ، يا محسنين قليلاً من المروءة ، شيئاً من دماثة الأخلاق ، يا عباد الله مضغة من الطيبة ، يا أولاد حواء فضلة من خيال ، يا محسنين ، كسرة براءة ، شيئاً من المودة ... ماذا جرى لكم ؟ أما في قلوبكم شيئاً من القلق والحذر ؟ أما في جيوبكم آذان للسماع ؟ هل أنتم أولاد آدم ؟ .... لا لم يكن أبي بينكم ولا أمي خرجت من بطونكم ... كان أبي قد مات منذ زمن لا أذكره ... وأمي ... هل تعرفون ماذا جرى لها ؟ ... أما أنا فكانت ولادتي عسيرة ... كانت ولادة عسيرة ( يتقلب على الأرض فوق شبكة الحبال ) ونحن نزحف بين الصخور نمنا من فرط التعب ، وعندما استيقظت أمي وجدت ولدها يصرخ ، ووجدت الحبل السري ما زال متشبثاً بها ، مدت يدها إلى صخرة والتقطتها فقطعت الحبل السري وواصلنا المسير وحدنا في هذا العراء ، يطاردنا الجوع والخوف ، كنا ، نزحف ويزحف خلفنا آثار دمائه فوق الصخور ، أسمع نشيج آلامه ، إنه يصرخ ، يستنجد بنا .... وفي آخر الطريق مات الحبل السري ، لكنه ظل ينادي خلفنا ... ومن يومها تعلمت لغة ما تقوله الحبال السرية جميعاً ، وهكذا تنامت لدي مَلَكة قراءة أفكار الآخرين ، إلى أن أصبحت أنا الذي أزحف خلفها ( يبدو متثاقلاً منهكاً ) أريدُ أن أنزع جلدي كالحية حين تنزع جلدها ، في كل سنة ترمي جلدها القديم مع كل ما علق به من قذارات وتلبس حلة نظيفة طرية جديدة ، بت أشتاق أن أذهب في سبات طويل كسبات الحية ، وأتكور مثل تكورها كجنين في بطن أمه يقضي العمر نوماً هانئاً ( ينام ، تغيير في الإضاءة ، يصحو ) ما يزال كل شيء على حاله ...
( ينظر من خلال النافذة ) ما تزال المأساة قائمة ... لِمَ لا يحدث خللاً في الكون ليتغير شيء ما ، ألا يقفز الزمن ليعبر مأساتي ... أريد أن أغمض عيني وأفتحها على محطة أخرى ، أم تُرى أصبحت حياتي كذاك الطفل ابن السابعة حين مات أبوه وتركه وحيداً ، أخذ يبكي أباه ، إلى أن جهدت جفناه فنام ، ثم صَحا ليجد المأساة ممتدة أمامه ، فغرق في نشيج متهدج ، لم تقو عينيه الصغيرتين هذا الكم من الحزن فنام ثانية ... وهكذا ينام ثم يصحو على المأساة ( يبكي ) قصة مأساة لا تنتهي ، مأساة متواصلة لا تقطعها غير محطات النوم ...
( يسمع ضجيجاً فيهرع إلى النافذة ) يا إلهي إنه زوجها يطرق الباب ، فتحت له الباب ( يرقص من الألم ) ستبدأ المأساة ... أيها الناس ... إنه الآن يدخل غرفة النوم ... يا إلهي ماذا أعمل ، سيفعلها الآن ( يذهب ويجيء ) لن أقوى على رؤية الدماء تسيل وأنا أتفرج هكذا ... مثل ثور ينظر ببله إلى سكين جزاره ... إلى من أنادي ؟ ومن سيرى كل هذا أمامه ولا تتقطع أوصاله ... هاي أيها الرجل ! .. أيتها المرأة ! ... ( بيأس ) ولكن لمن تنادي ، ومن يسمعك ؟
( يصرخ ) أوقفوا هذا الألم ، اسكتوا هذا الصراخ الذي في داخلي ( يدور كالمجنون في الغرفة ) لم أعد أطيقً لجم هذا الوحش الذي هاج في أحشائي ...
( يهرع إلى المرآة يكلمها ) سعيد ! ما زلت تنظر باستخفاف ، تبتسم لعذاباتي ... كأنك تقول لي لم ارْتوِ بعد من تعذيبك ... ولكن لا .. لن أدعك بعد الآن تلعب بجراحي ، سأصفي الحساب بيننا يكفي مهانة يا سعيد ... يكفي ما تحملته ... سأقطع دابر الليالي المخيفة التي قضيتها معك ، سأنحر الأيام التي نزفت مني ... سأقتلك ... سأقتلك يا سعيد ... جاء دوري الآن في الانتقام .. آن لك الآن أن تسدد كل الفواتير التي قطعتها من جسدي ... أتألم لآلامهم ، أحمل على أكتافي صلبانهم ، وأكاليل الشوك نزعتها من رؤوسهم وألبستني إياها ( يضرب المرآة .. يقف ، يجفل وكأن أحداً قد ضربه ) ... إذا انكسرت موجة في البحر تؤنبني ، حين تتعرى أوراق شجرة حملتني وزرها ، أو انقلبت سمكة على ظهرها في عرض البحر تنذرني بكوابيس رهيبة ( يضرب المرآة ) .. سأنهي كل شيء بيننا ... سأحطمك ... سأقتل سعة الخيال .. سأنحر جرثومة الوعي ، إلى الأبد سأقتلك .
( يضرب المرآة بهيستيريا إلى أن تتكسر ) وداعاً ... وداعاً يا سعيد ( يسقط متهالكاً ) ...
ــ انتهت ــ
//////////////
أَشْبَاحٌ في المَدْرَسَة
ــ أُوبريت لِلفُتْيَان ــ
بِقَلَمِ : ابراهيم كولان
الشخصيات : المديرة / المعلمة / الطالبة / العاملة / شرلوك هولمز .
الطالبة : ( في باحة المدرسة ، تذهب وتجيء وهي تفكر ) إنني جد حائرة .... رأيت وأنا سائرة ... فراشة سوداء طائرة ... هذا فأل سيء ..... ( تأتي المعلمة راكضة ) ها قد حصل ما كنتُ منه خائفة ... ( ترى العاملة قادمة وهي مذهولة ) ما بكِ يا صديقتي جارية ....
العاملة : شيء لا يُعقل ....
الطالبة : قولي لي ماذا حصل ؟ ....
العاملة : ظهر أمامي فعجب عجب ... يفطر لمرآه القلب ... وأنا أكنس ... ومن غير ما أحسب ... طارت من يدي المكنسة ... عبرت فوق سياج المدرسة ... وحين عدتُ أنظفُ بالمغرفة ... فإذا خلفي تسير المنشفة ... خائفة أنا مما يتحقق ... أشياء لا تصدق ... هناك خطر محدق ...
الطالبة : مكنسة طائرة ... ومنشفة سائرة ... وما تفسيرك لهذهِ الظاهرة ؟
العاملة : ربما ضربتها عجوز ساحرة ... أو سحرتها سعلوة ماكرة .... هل لك لها تفسيراً ... قصة جد محيرة ...
الطالبة : وأنا التي كنتُ أقول ... ليس هذا من المعقول ... لكن حين سمعتك ... أصبح كلامك هو المقبول ....
العاملة : أنتِ أيضاً حصل لك ما حصل لي ... إذن حل بنا المحظور ....
الطالبة : اكثر من هذا يا أخية ... حلت بي مصيبة شجية ... رأيت في المدرسة أشباح ...
العاملة : أشباح في المدرسة ؟ ....
الطالبة : على الحائط رأيت شبحاً ... وسمعتُ صوتاً كصوت الرُحى ... وما أن أغلقت الباب زال من أمام ناظري ومحا ... ثم دخلت صفاً آخر ... فأذا على الحائط صورته مرسومة ... وعلى الرحلات رسومه موسومة ... فهربتُ وأنا خائفة ....
العاملة : هذا أمر لا يعقل ...
الطالبة : بت أخاف المدرسة ...
العاملة : لم يعد في الخزان قطرة ماء ... كيف أدبر أمري بلا ماء ... فإني لا أعلم ما جرى له ... أسعلوة أخذته أم جنية شربته ....
الطالبة : سعلوة تشرب خزان الماء ؟! ... ما يجري لا يُفسر ! ...
العاملة : بت أنا أيضاً خائفة ... من يصدقنا ... ولمن نشكي حالنا ؟!
الطالبة : سنخبر المعلمة بما جرى ...
العاملة : وإن لم تصدق ما نرى ... ماذا نفعل يا ترى .....
المعلمة : ( تتقدم خائفة ) هل ترون ما أرى ؟! .... لا أعرف ماذا جرى ! ... شيء في المدرسة لا يُرى ! ... فعل عابث في خفية قد سرى .. شيء مخيف مخيف ! ... صوت كضرب الدفوف ... أو صراخ الريح في الصفوف ... بت أخشاها ، كأنها صارت مثل الكهوف ...
العاملة : ونحن لم نكن نصدق ... ما كنا نخاف منه قد تحقق ...
المعلمة : أصوات أصوات ... تنفخ مثل الحيات ... تأتي من كل الجهات ...
المديرة : ( تأتي بغضب صارخة ) من منكن يا بنات ... كسرت الرحلات .. وسرقت من الإدارة السراج ؟ ... رأيتُ الباب قد خُلِع من الرتاج ... النوافذ مكسورة والحيطان منخورة ... هل دخل غريب إلى المدرسة ؟ .. من الذي يعبث في المدرسة ؟!
المعلمة : أشياء لا تُفسر ... كل شيء قد تغير ... لا بد في الأمر شيا ...
العاملة : وأنا أيضاً .. كنتُ أنظف أكنس الأرض وأمسح ... مكنستي صارت ... ومنشفتي عن عيني غارت ...
المديرة : ( تقلدها ) مكنستي طارت مثل الطيارة ... كأنها غرائب تحدث في مغارة .....
المعلمة : دخلتُ فإذا الرحلات مكسورة ... وعلى الأرض أقلاماً منثورة ...
المديرة : أسأل عما حدث فلا أحد يدري .... قولوا لي ماذا يجري ؟! ... أم بيننا أسرار خطيرة تسري ... لابد في الأمر شيا ... أم في الخفاء أيادي خفية .. بت أخاف مما يجري من المدرسة ....
العاملة : ما من أحد في الساحة ... وأنا أنظر ، شيء أمام عيني قد لاح ...
المعلمة : أهذهِ مسألة عابرة ؟...
الطالبة : وما رأيتُ أيضاً ؟ .....
العاملة : عجوز ساحرة ... رأيتها عابرة ... تنظر بخبث ماكرة ... انكسر الأنبوب تحت قدميها والماء جرى ... وخزان الماء قد فرغ ....
المديرة : اختفى الصنبور ...
المعلمة : وغرق في الماء الطبشور ....
المديرة : شيء يضيق الصدور ...
الطالبة : وأنا أركض أركض من خوفي .. شبح يصرخ خلفي ... صوت كصوت بومة يزعق ... أو قولي كغراب ينعق ...
العاملة : لا بد أن سحراً قد حصل ... جنيه أو سعلوة ....
الطالبة : وسقطت من الخوف ... ( تصرخ ) آي ! ...
العاملة : ( تجفل ) ما الذي يجري ؟ ....
الطالبة : يدي انكسررت ... ومني الحقيبة سقطت ... ضاع مني قلمي والكتاب ... صرتُ كأني في أرض يباب ... بتُ أخشى حتى من ظل باب ....
المعلمة : انظروا ملياً إليها ... أسحر سحرها أم شبح ضربها ....
العاملة : أيد غريبة تريدنا ترك المدرسة ....
المديرة : شيء مثر للعجب ... قولوا من كان السبب ... من يريد بنا الأذى ؟! ... من يريد منا ترك المدرسة ...
المعلمة : إذن هناك من يريد السوء بنا .....
الطالبة : لكنها أشباح ...
المديرة : بل فعل فاعل ...
العاملة : لا نستطيع بعد اليوم الدوام ... وإن تركناها لا نُلام ....
المديرة : هل أنتن في الأمر معي ... فالأمر خطير للغاية ...
العاملة : سأهرب من المدرسة ....
المعلمة : يجب أن نفكر ماذا نعمل ...
العاملة : وما بمستطاعنا أن نفعل ؟ ...
الطالبة : لكني أحب المدرسة ....
المعلمة : ( خائفة ) لكني لا أستطيع بعد أن أعلم ...
المديرة : لا لن نترك المدرسة ....
الطالبة : إن في المدرسة خطر ...
المديرة : لكن تركها أخطر ...
العاملة :بلى فلنسد إذن أبواب المدرسة ...
الطالبة : ستزن أمي ... وأبي لن يقبل .. وأين ألعب ومع من أضحك ...
العاملة : المدرسة صارت مهجورة ....
المعلمة : كيف نعيش بلا علم ... بلا أدب ... بلا أمل .....
الطالبة : ونصبح بلا مستقبل ؟ ....
العاملة : أنا سأهرب إلى الحارة .....
المعلمة : وحين يسألونك المارة ... ماذا تقولي للأهل ؟ ... ماذا تقولي للصديقة ؟ للجارة ؟ ....
العاملة : لا أعرف إني أنا أيضاً خائفة ... ومن هذا المكان هاربة .... ( تتحرك للذهاب ) .
المعلمة : أمنعك من الذهاب ....... عودي إلى المدرسة ....
المديرة : هناك أحد يريدنا ترك المدرسة ... أيدي غريبة تعبث بقلوبنا ....
المعلمة : قوة غريبة تريدنا أن نهرب ... يريد بنا السوء ومن المدرسة لا نقرب ... فعل فاعل خبيث ... فبمن نستغيث ؟ ....
المديرة : لا تخافي عندي حل ...
العاملة : لهذا الذي يحصل ؟
المديرة : سنعود إلى المدرسة ....
المعلمة : لكننا خائفون ... قد يعرضنا هذا إلى الموت أو الجنون ....
المديرة : سنعود رغماً عن الخوف والمنون... تعالوا معي ( تتقدم بشجاعة ثم تنكص إثر سماعها أصوات ) هل سمعتم شيئاً ؟
المعلمة : سأذهب أنا ( تذهب وتعود خائفة ) رأيت هيئة عجيبة ... لم أر مثلها صورة رهيبة ...( للطالبة ) أنتِ اذهبي ....
الطالبة : ( كذا ) مازال الشبح يصرخ ( للمديرة ) بل أنت أولاً ....
المديرة : أقول لكم بل نحن جميعاً ... هيا نذهب كلنا ... وتقدمن إلى الأمام ....
المعلمة : فلنتقدم بثبات بلا وجل ( يتقدمن بحذر ) أنصتن يا بنات ....
المديرة : ( ينظرن ، ضربة موسيقية ، يتراجعن خوفاً ) بل الصوت أوضح من كل مرة ...
المعلمة : إنه صوت الريح ....
العاملة : لا بل أصوات مفزعة ... وصور بالحزن مترعة ....
الطالبة : هل شممتم رائحة ؟ ... إني أشم رائحة تأتي من هنا ....
العاملة : الرائحة تأتي من هنا ....
العاملة : إنها من هناك ...
المعلمة : لا بل من هناك ...
المديرة : فلننظر من خلال النافذة ( تتقدم إلى النافذة ، ثم يتقدمن خلفها ) انظرن يا بنات .... هيئة مخلوق هائم ، أو شبه حيوان نائم ...
المعلمة : بل عفريت برأس ثعبان ....
العاملة : قد تكون سعلوة نائمة أو جنية هائمة ....
الطالبة : ( تبكي ) صرنا مثل الحملان ... نخاف من ظل يبان ...
المعلمة : بل أصبحنا شبه الجرذان ...
العاملة : فعلة عجيبة غريبة ....
المعلمة : ما سبب هذهِ المصيبة ....
الطالبة : ( تندب ) راحت أمنا الحبيبة ....حلت بنا معضلة رهيبة ... إني ضائعة ضائعة ... لا أعرف ماذا أفعل ... فأنا أحب المدرسة ....
العاملة : إني إلى البيت عائدة ( تذهب وتعود ) ... لكني لا استطيع ترك المدرسة ...
المعلمة : ( تندب ) ستقتلنا الحيرة والوسواس ... ما العمل أيها الناس ...
العاملة : هل نبقى هكذا حائرين ...
المديرة : لا أحد يعرف إلى أين نحن سائرين ...
المعلمة : ( بيأس ) أصبحنا تائهين .....
الطالبة : ( كذلك ) وفي الدروب ضائعين ....
العاملة : لم يعد لنا من معين .....
الجميع : ( يجلسون بحزن وينشدون معاً ) ضاقت بنا الأحزان .... تفرق الإخوة والخلان ... لم يعد لنا من أمل ... محل العلم والعمل ... حل الجهل والكسل ... سنسير بطريق الخطأ ... إن خطوة للعلم لا نطأ ... ماذا تبقى لنا أن نفعل ... ولم يعد بنا أحد يحفل ... ما من أحد يسأل ... دلونا ماذا نفعل ؟! ....
المعلمة : إلى أين نذهب ... لابد من عمل ....
المديرة : ما من مشكلة إلاولها حل ....
العاملة : كيف نخرج من هذا المشكل ؟ ....
المديرة : يجب علينا أن نسأل ... إن عجزنا نحن فغيرنا قد يقدر .... إن كان كبيراً أو صغيراً ... عاقلاً أو حكيماً ... إن كان منّا في الحل أجدر ....
الطالبة : ومن هذا الذي يساعدنا ؟ ....
العاملة : ( يفكرون جيئة وذهاباً ) وكيف لنا أن نعرف المجهول ....
المعلمة : ( بحيرة ) ترى من يخبرنا ما يكون ....
المديرة : من يدلنا على السر المكنون ....
الطالبة : من يعيننا ، من يرشدنا ....
العاملة : وإلى من نلتجئ ونسأل ؟!
ــ ( يقفز بينهم شرلوك هولمز بهيئته المعهودة نحيف طويل ، على رأسه قبعة ، والغليون في فمه ، وعصا معقوفة في يده ) ــ
المديرة : من هذا ؟ ...
المعلمة : من أين لي أن أعرف ! .....
هولمز : كنتُ ماراً في الطريق ... لم يكن معي صديق ... حتى ولا ظل رفيق ... حملت إليّ الريح أخباراً مذهلة ... إن كنتم في معضلة ... جئت لحل المشكلة ... فأنا لها مهما صعُبت ... وفي أي مكان نبتت ....
الطالبة : من أي عصر أتى ؟ .....
العاملة : إنه لا يشبه أهل عصرنا ....
المعلمة : من اين نبعت وكيف أتيت ؟....
هولمز : خرجت من رواية ... أو أنا من التاريخ حكاية ... نبعتُ من الماضي ... هذا لا يهم ! فما يعنيكم إنني الآن معكم ....
المديرة : ما اسمك ، ومن أنت ؟....
هولمز : إني أنا شرلوك هولمز ... لا شيء عندي يصعب ... ففي رأسي هذا ألف عجب ....
المعلمة : أوه ! شرلوك هولمز ... أظن إنه المخبر السري المعروف في الروايات .....
هولمز : ألم تقرأوا في الكتب ؟ إني أنا أكشف المستور ... أفضح المخبوء وأفك المسحور ... فما من مجرم فلت من يدي ... ولا من جريمة غضت عن عيوني ... سأتي بالمجرم بهذهِ العصا ... فهل يسعفكم حضوري ؟ ...
المعلمة : وما من جريمة قتل هنا حتى تأتي إلينا ! ...
هولمز : ( ضربة موسيقية ) بل هناك جثة في المدرسة ...
المديرة : جثة ؟ لا يُعقل !
المعلمة : من القاتل ومن المقتول ؟
المديرة : إذن خطر محيق مجهول .....
الطالبة : ( بهلع ) وأنا أشم رائحة العفونة ....
المديرة : أكشف لنا من يريد بنا السوء إذن ... وافضح السر المخبوء ....
هولمز : هل تريدون أن أكشف حقيقة الجريمة ؟
الجميع : نعم ! ... فإننا نحب المدرسة ....
المديرة : بل أسرِعْ فنحن لا نريد ترك المدرسة ....
المعلمة : وحتى يفشل الجاني بفعله المشين .... وينكشف عاره أمام الجميع ...
هولمز : قولوا لي ماذا كنتم تفعلون ؟ ... أُظْهِرُ لكم السر المكنون ! ... قولوا لي ماذا حصل في ذلك اليوم ؟ ...
العاملة : أي يوم ؟
هولمز : يوم الجريمة !
المديرة : يا لها من مصيبة !
هولمز : احكوا لي ما جرى ... أقول لكم من الفاعل يا تُرى ! ( يؤشر للمعلمة ) تعالي أنتِ ، فلنبدأ بك أولاً ... احكي لي ما كنتِ تفعلين ؟ ......
المعلمة : إني أنا المعلمة ... كنتُ في الصف أُعلِّم ... ( تتكلم وهو يراقبكل جزء من جسدها ويدور حولها ) من كثرة الوقوف تعبت قدمي ... وكثرة الكلام قيد فمي ... كلت يدي من مسك الطبشورة ... والكتابة على السبورة ... هدني التعب ولفني الكرب ... من كثرة ما أشرح وما أكتب وما أتعب ....
هولمز : بل تكذبين ...
المعلمة : أنا أكذب ؟ ....
هولمز : لم تكوني تعلمين ... ولا على السبورة تكتبين ... فلا أثر لطبشور في اليدين ...
المعلمة : بل غسلتها تواً ...
هولمز : لكانت ألوان الخيوط أيضاً مغسولة ... أنتِ كنتِ تغزلين بخيوط ملونة ... وهذه آثارها ... وقد بانت على الأصابع ألوانها ....
المعلمة : ( مترددة ) لا لا أقصد ... بل كنتُ أقرأ للتلاميذ ...
هولمز : بل كنتِ تغزلين أحلامك الوردية الأنانية ...
المعلمة : لكني ... كنتُ أنظر ....
هولمز : لا لم تقومي بالواجب .... بل كنتِ غافلة عما يجري ... وكان الجاني في المدرسة ..... وأنتِ عنه بأشياءك شاغلة ... وقصرت طوال اليوم في الواجب ... ولهذا ساعدت الجاني أن يدخل المكان ... وأنتِ عنه غافلة ... قفي هناك للتحقيق ... وتقدمي أنتِ للتدقيق ....
الطالبة : أنا الطالبة كنتُ أقرأ ... فبعد يومين عندي امتحان ... فأنا أبداً ما أمسكتُ بيدي غير الكتاب والقلم في الصف طوال الوقت ....
هولمز : بل كنتِ في الحديقة تلعبين ... تقطعين الزهور وتلهين ... وهذهِ ورقة من زهرة على ثيابك ....
الطالبة : هل أنا هكذا ؟
هولمز : كنتِ تخطين أحلامك الوردية على الرمل في الحقيقة ... وترسمين خيالاتك الفتية بين أزهار الحديقة ..... وتلعبين على الأعشاب الندية .... فكنتِ لاهية عما يجري يا صبية ... في المدرسة ... لم تمسكي في يديك كتاب أو قلم أو مداد ....
الطالبة : ( تبكي ) لأني خفتُ من المعلمة ...
هولمز : ها إنكِ تعترفين ... واعلمي لم يكسر الشبح يدك بل المعلمة ... المعلمات أصبحن أشباحك المخيفة ...
الطالبة : ماذا أفعل ولا استطيعُ قول الحقيقة .....
هولمز : ولهذا كنت السبب في دخول الجاني ...
الطالبة : لكني لستُ الفاعلة ...
هولمز : قفي هناك للتدقيق وأنتِ تقدمي للسؤال ...
المديرة : وأنا المديرة جئتُ إلى المدرسة أتفقد المعلمين والمعلمات ... وعلى الطلاب أوزع الكراسات ... وأنا أدور بين الجميع حتى لا تقع هنالك مشكلة .....
هولمز : بل كُنتِ في أكل السمك لاهية ... في المدرسة أو المدينة ... وهذهِ رائحة يديك بائنة ... وكنتِ عن الجاني لاهية .... فاقترف الجريمة ....
المعلمة : هذا لا يُعقل .... ولكني جئت أخيراً ....
هولمز : وجئت متعبة فنمتِ على الأريكة ... وحين الطالبة كسرت يدها .. سمعت صرخات ولم تخرجي إليها ... وتقولي هناك رائحة في المدرسة ... الرائحة من يديك وليست من المدرسة ....
المديرة : يكفي هذا الملام ...
الطالبة : بل فليكمل الكلام .....
هولمز : يوم حصول الجريمة ... كانت الستائر مسدلة ولم تنظري حتى ما تعمل المعلمات ... بل همك النوم على المنضدة أخذ الجاني الصنبور .... ليضرب به الضحية .....
المديرة : لكني لستُ أنا الفاعلة ...
هولمز : لقد ساهمتِ في حصول الجريمة ... لهذا أسأتِ التصرف في الإدارة ... يا لها من شطارة .... أن تغضي بصرك عن كل ما يحصل أيتها الجارة ...
المديرة : لكني لستُ قاتلة ...
هولمز : اذهبي هناك وتقدمي أنتِ ....
العاملة : إني أنا العاملة ... كنتُ أنظف وأغسل الحمام ....
هولمز : كفى من هذا الكلام ... لو كنتِ في الحمام كنتِ اكتشفتِ الجثة ... فالجثة كانت في الحمام ...
العاملة : في الحمام جثة ! ...
هولمز : نعم إنها في الحمام وهذا ما شجع الجاني لأنه لم يجدكِ هناك ...
العاملة : كنتُ أنظف المدرسة من الجهة الأخرى ...
هولمز : ومن زمن لم تنظفي الحيطان والصفوف ... والإدارة عنك غافلة ... بل كنتِ ترسمين على السبورة .. انظري يديك وعليها آثار الطبشورة ...
العاملة : ( تنظر يديها وتجفل ) ما الذي جاء بك الساعة ؟ ...
هولمز : فدخل الجاني بسبب تقصيرك في واجبك ، وحين دخل لم تسمعي .. ثم إني لم أجد أثراً لمكنسة ....
العاملة : السعلوة أخذتها ...
هولمز : بل برأسك السعلوة وليست في المدرسة ...
العاملة : هل تشك بي ؟...
المديرة : (تلوم العاملة ) وأنا كنتُ أقول كل شيء على حالهِ لم يُنظف .... وأنا أقول كل شيء قذر في المدرسة ... وتقولين لي إنك لستِ كسولة ...
العاملة : وأنتم جميعاً لا تعملوا على نظافة المدرسة ....
المعلمة : هل كل ما يقال صحيح ؟ ...
الطالبة : كلامه واضح وصريح ... فإنني رسبتُ بسببك ... وحين بكيتُ كسرت يدي ....
المعلمة : وأنتِ كسلانة لا تقرئين .....
المديرة : ( للمعلمة ) وأنتِ كنتِ لاهية بمشاكلكِ البيتية ... وأنا التي كنتُ أغض النظر عنك يا لا أبالية ....
المعلمة : ( للمديرة ) إنك لا تبالين بالذي يحصل .... ولا تلقي بالاً إذا فاعل فعل ... وتهربين إلى البيت في كل مشكل .....
المديرة : وأنتِ لا تعلمين ... ودائماً في الصف تغزلين ....
المعلمة : وإذا الطالبة رسبت ... ما أنا كنتُ السبب .....
الطالبة : أنت السبب في رسوبي لم تكوني تعلمين .....
العاملة : ( للمعلمة ) صحيح إنك مهملة ... وحين جاءت طالبة تشتكي ... ضربتها وكسرت يدها ...
المعلمة : لم أكسر يدها كذب ...
العاملة : أنا من خلصتها من بين يديك ... هل تذكرين ؟ .....
المعلمة : ( للمديرة ) كل هذا بسبب إدارتك المهملة ....
هولمز : ( يراقب ، يكتب ، يتفاعل ، ويرصد كل هذا المشهد ، ثم في النهاية يذهب بسرعة ليأتي بجسم مغطى بقماش أبيض ويكشفها فإذا هي مدرسة مُصغَّرة ) هذهِ هي الجثة ....
المديرة : إنها جثة المدرسة ! ....هولمز : كلكم مشتركون في قتل المدرسة ... الجميع مقبوض عليهم للتحقيق ... إنكم قتلتم المسكينة المدرسة ...
الطالبة : كلنا مذنبون ....
هولمز : ها إنكم تعترفون ... إنها رائحة أعمالكم النتنة .... ونفوسكم الكسلانة ... والمدرسة صارت جثة وأنتم الجُناة ...
العاملة : كل هذا صحيح إننا نعترف بكل هذا ...
المديرة : لقد ماتت المدرسة ! هل ذهبت منا إلى الأبد ؟ ...
المعلمة : لكننا نحب المدرسة .. لا نستطيع ترك المدرسة ....
هولمز : هل ندمتم إذن ؟ ...
الطالبة : لا لن نقتل المدرسة بعد ...
العاملة : لأننا نحبها ...
المديرة : دعونا نحل المشكلة ....
هولمز : المدرسة ستحيا وتنهض بشرط واحد ...
الجميع : ( بفرح ) قل ما هو الشرط ؟ .....
هولمز : أن تُكفِّروا عن ذنوبكم ... تتبرؤوا من أفعالكم ....
الجميع : وهو كذلك ...
المعلمة : ونتبرأ من نفوسنا السابقة ...
العاملة : ونُنشِئ نفوساً جديدة ...
المديرة : سنُنشِئوها من جديد ....
الطالبة : لأنها أمنا .....
الجميع ينشدون نشيد النهاية :
سنبنيها بأيدينا ..... غرسة للمستقبل
زهرة لربيع آتٍ ..... لغد ، لصباحٍ أجمل
ـــــ
لكِ مِنَّا ألف تحية ...... أنتِ بنت تغلبية
فيكِ أمجاد أبية ..... يا مناراً يا بهيَّة
ــــــ
أنتِ للتاريخ هامة ..... أنتِ للمجد علامة
أنتِ رمز للعطاء ..... أنتِ نبراس الوفاء
ــــــ
يا ابنة المجد التليد ..... أشرقي بالنور الوليد
فجري العهد الجديد ..... للغد الآتي الرغيد
دوحة العلم والأدب ..... أنتِ لي أمي وأبي
ــــــ
يا بلاد النخل والمياه ..... يا بلاد الخير والرفاه
انهضي هيا بلادي ..... الحقي بالركب المنادي
فلك المجد ينادي ..... للعلا تسمو بلادي
ــــــ
كلما طال الفراق ..... نهفو إليك باشتياق
مع كل فجر وصباح ..... اهتفي عاش العراق
ومن حرائق الظلام ..... انهضي عاش العراق
ــ انتهت ــ
////////////////////////////////////
قِراءَة مُوجزَة في بَعْضِ مَسْرَحِيَّات ابراهيم كولان
بِقَلَمِ : شذى توما مرقوس
الأَحد 29 / 1 / 2017 م ــ الخميس 9 / 2 / 2017 م .
ــ 1 ــ
مسرحية / لكِنْ لَيْسَ الآن
لكِنْ لَيْسَ الآن / مَسْرَحِيَّة مونودراما قَصِيرَة / بِاللُغةِ العرَبِيَّة الفُصْحَى / نُشِرَتْ في مَوْقِع عنكاوا عام 2006 م / قُدِّمَتْ المَسْرَحِيَّة ضِمْنَ بَرْنامَجِ الحَفْلِ التَأْبِينِيّ الَّذِي أَقامَتْهُ حرَكةُ تَجَمُّعِ السرْيَان المُسْتَقِّل في بَخْديدا في ذِكْرَى يشوع مجيد هداية ، المَسْرَحِيَّة مِنْ إِخْرَاجِ نشوان مبارك ، تَمْثِيل أنس عولو / فِكْرَةُ المَسْرَحِيَّة تَدُورُ حَوْلَ المَوْت والإِنْسَان ، حَيْثُ يُقَرِّرُ بَطلُ المَسْرَحِيَّة أَنْ يَتْرُكَ العالَم ويُوَدِّعهُ لِيَنْضَمَّ إِلى الأَمْوَات ، فيُجَرِّبُ التَوابِيتَ في المَقْبَرَةِ واحِداً تِلْوَ الآخَر ، ثُمَّ يَسْتَلْقِي في أَحَدِ التَوابِيتِ بِرَاحةٍ تَامَّة ويُوَجِّهُ مُسَدَّسَهُ إِلى صَدْغِهِ صارِخاً : ( وداعاً ...لا لن أقول وداعاً بل مرحباً في العالم الجديد ) ، ثُمَّ يَرْمِي مُسَدَّسَهُ جانِباً ويُواصِلُ حدِيثَهُ إِلى الشَواهِدِ المُنْتَشِرَةِ حَوْلَهُ في المَقْبَرَةِ ويَتَحَدَّثُ إِلى الأَمْوَات لِيَعْرِفَ بِالَّذِي جَرَّهُم إِلى المَوْت مُحاوِلاً فِهْمَ المَوْت وماهِيَتِهِ مُفَلْسِفاً الحال ، وحِيْنَ يَظُنُّ نَفْسهُ قَدْ اسْتَعدَّ لِلاخْتِبَاءِ في أَحْضَانِ المَوْت بَعْدَ أَنْ غَابَتِ الشَمْسُ ولَفَّ الظلامُ كُلَّ عَيْنٍ ، يَتَحَرَّكُ مُسْتَعِدَّاً بِالمَسِير نَحْوَ التَابُوت ، فيَلْتَقِطُ المُسَدَّس ، يَسْمَعُ صَوْتَ إِطْلاقَة فيَسْقُطُ مَيتاً ( آه .. ولكِنْ لَيْسَ الآن ! ) .
رَابِط المَسْرَحِيَّة لِلقِراءِة :
http://bakhdida.ca/Letters/IbrahimGolan.htmhttp://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,57330.msg195390.html#msg195390ــ 2 ــ
مَسْرَحِيَّة / سعيد .... يا سَعِيد
سعيد .... يا سَعِيد / مَسْرَحِيَّة قَصِيرَة / بِاللُغةِ العرَبِيَّة الفُصْحَى / نُشِرَتْ في مَوْقِع عنكاوا عام 2006 م .
مَسْرَحِيَّة جمِيلَة جِدَّاً ، بَلْ هي مِنْ أَجْمَلِ مَسْرَحِيَّات ابراهيم كولان المَنْشُورَة والَّتِي قَرأْتُها ( القَاتِل والشَحَّاذ ، الحفِيد ، الطبِيب والشَيْطان ، لكِنْ لَيْسَ الآن ، مِنْ يَقْتُلُ التنين ، مَرْثِيَّة ُ أُور ، مَقْهى البرازِيلِيَّة ، وبَعْضٌ أُخر مِمَّا تَوفَّر ) .
هُنا تَتَحدَّثُ المَسْرَحِيَّة عَنْ شَخْصٍ لَهُ قُدُرَاتٍ اسْتِثْنائِيَّة ( خَارِقَة أَوْ غَيْر مَأْلُوفَة لا يَمْتَلِكُها إِلاَّ البَعْض دَوْنَ غَيْرِهِم ، وهي نَوْعٌ مِنْ الإِدْراك المُتَفَوِّق ) وهُنا على مَا أَرى يَتْرُكُنا الكاتِب قَبَالَة ما لَهُ بَعْض الصِلَةِ بِعِلْمِ ما ورَاءِ النَفْسِ ( الباراسايكولوجي ) أَوْ ما يُسَمَّى أَحْياناً بِالحاسَةِ السَادِسَةِ ، فسعيد شَخْصٌ لَهُ قُدْرَة على إِدْرَاكِ مَا حَدَثَ و مَا سَيَحْدُث فيَرَى ما لا يَرَاهُ أَحَدٌ غَيْرهُ ، يَرَى الحقِيقَة والوَقَائع ، فإِدْرَاكهُ مُتَفَوِّقٌ ووَعْيهُ عالٍ .
يَأْخُذُنا المُؤَلِّفُ مِن العِنْوان " سعيد .... يا سَعِيد " فسعيد لَيْسَ سَعِيداً مُغْتَبِطاً بَلْ مُعذَّباً ويُقاسِي مِنْ مَقْدِرَتِهِ على اخْتِراقِ حدُودِ حاضِرِهِ ليَقْرأَ ما سَيَأْتي بِهِ المُسْتَقْبَل كـ ( التَنَبُؤ ) أَوْ كمَا يُسَمِّيها المُؤَلِّف ( جَرْثُومَة الوَعْي ) ... فالعُنْوان قَدَّ غَطَّ بِالمَعْنَى والمِغْزَى ( سعيد ... يَا هانِئاً مُغْتَبِطا في حيَاتِكَ ، سعيد ... يَا أَيُّها السَعِيد ) ، فالاسْم الأَوَّل هو اسْمُ علَم ، أَمَّا الثَانِي فهو دَلالَة على المَعْنَى المُضَادّ تَماماً لِلاسْم وبِلُغَةٍ ذَكِيَّةٍ سَاخِرَةٍ مَرِيرَة تَتَوَافَقُ مَعَ فَنِّ التَأْلِيفِ المَسْرَحِيّ ، فسعيد هو تَعِيس وغَيْرُ سَعِيدٍ ومُعذَّبٍ ، إِنَّهُ يُعاني بِسَبَبِ اخْتِلافِهِ وتَميُّزهِ عَنِ الآخَرِين ، فقُدُراته وقَابلِيَاته على قِراءَةِ ما سَيَحْدُثُ في تَوالِي الأَيَّامِ القَادِمَة والمُسْتَقْبَل ، وقُدْرَته المُثِيرَة على تَوْظِيفِ حوَاسِهِ الذَكِيَّة لِتَنْطلِقُ إِلى إِمْكانِياتٍ أَبْعَد وأَبْعَد مِمَّا يَسْتَخْدِمُها الآخَرُون فتُصْبِحُ طَوْعَ وَعِيهِ ، تَجْعلَهُ يَتَعذَّب ( إِنْ جازَ التَشْبيه ) كمَا تَعذَّبَ الأَنْبِياء وكمَا قَاسَى العبَاقِرَة ، هم مَنْبُوذِين مِنْ الكُلِّ وتَنَبُؤاتِهم وعلُومِهِم مَوْضِعَ سُخْرِيَةٍ وتَهكُمٍ .
سعيد يُحاوِلُ ويَتَمَنَّى أَنْ يَنْزَعَ عَنْهُ جِلْدَهُ ويَنْتَزِعَ عَنْ رَأْسِهِ هذَا الـ " سَعِيد " الَّذِي دَمَّرَ حيَاتَهُ بِقُدُرَاتِهِ الفَائقَة والَّتِي تَعدَّتْ حدُودَ المَأْلُوف ، يُرِيدُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ عذَابَاتِهِ ولكِنْ لا سَبِيلَ إِلى ذَلِك فقُدُرَاتِهِ الفَائقَةِ هذِهِ قَدْ دَمَّرَتْ حيَاتَهُ وصارَ الكُلُّ يَنْظُرُونَ إِلَيْه نَظَراتَ شَكٍّ ورِيبَة كمَعْتُوهٍ ومَخْبُول ، وجَعَلَتْ الجَمِيع يَهْرَبُونَ مِنْهُ : الحبِيبَة ، النَّاس ، الحيَوانات ...... الكُلّ ، ما فَضُلَ لَهُ سِوَى نَفْسهُ ، وحَتَّى نَفْسهُ تُعذِّبُهُ غَدَتْ حلِيفَةً لِلآخَرِينَ ضِدَّهُ ، فإِلى أَيْنَ يَهْرَبُ مِنْ ذَاتِهِ ، ولا مَنَاصَ لَهُ لِلتَخَلُّصِ مِنْ بَلْوَاه ( لِنُلاحِظْ هُنا القُدُرَة الفَائِقَة والتَميُّز تَحَوَّلَتْ إِلى بَلْوَى ولَيْسَ نِعْمَة ) ، القُدْرَةُ الَّتِي تَحَوَّلَتْ إِلى بَلْوَى بِسَبَبِ جَهْلِ النَّاسِ لَها وعَدَمِ تَقْدِيرِها حَقَّ قَدْرِها ، وهو يَتَوَسَّلُ النَّاسَ أَنْ يُسَاعِدُوهُ على التَخَلُّصِ مِنْها إِذْ غَدَتْ مَنْبَعَ مَتَاعِبِهِ وتَعاسَتِهِ ، وكانَ المَفْرُوض أَنْ تَكُونَ مَنْبَعاً لِمَنْعِ الحوَادِثِ والجرَائمِ والظُلْمِ والبَلايَا الإِنْسَانِيَّة .
إِنَّهُ يُطالِبُ العدَالَة ( في قَضِيَّةِ مُحاولَةِ قَتْلِ الرَجُل لِزَوْجتِهِ ) مُمَثَّلَةً بِشَخْصِ رَجُلِ العدَالَة ( الشُرْطِيّ ) ، أَنْ تُحَقِّقَ العدْل فيَقُول ( إن كان الجميع قد خذلني فالعدالة لا تخذل يائساً ) ، لكِنْ العدَالَة لا تُحَقِّقُ العدْل ولا تَنْتَشِلُ المَخْذُول مِنْ الكلَلِ واليَأْسِ لِتُعِيدَ إِ