على أن كل هذا لا يعني عدم كفاءة السيد يونادم كنا، فخلال السنوات الطويلة التي تخبر بالممارسة السياسية الصعبة وهو على رأس زوعا ولا يعني أيضاً إستمراره على زعامة زوعا لمدى الحياة، فالعيب ليس في شخصه ونقص في كفاءته وبقاءه في هذا المنصب لفترة طويلة بل في طبيعة مجتمعنا وأحزابنا السياسية التي تفتقر إلى كوادر قيادية بمستوى التحديات الصعبة والمميتة التي واجهت وتواجها أمتنا. لقد كان هناك همسة تسربت من أروقة المؤتمر الثامن لزوعا تقول بأن السيد يونادم كنا أضطر لترشيح نفسه ووعد بأنها المرة الأخيرة له في هذا المنصب وأنه سيتركه خلال الدورة القادمة.
انا شخصيا اصدق هذه الهمسة ولكنها تحتاج الى تطوير.
واقول بان من يدعي بان يونادم كنا يقوم بتدمير زوعا عبارة عن مقولة تذكرني بقصص في تاريخ العلم ومنها مثلا قصة احد العلماء الذي كان يقول بان الاطباء يدمرون حياة المرضى وهو من رواد عمليات التطهير واسمه ايجنز Ignaz Semmelweis والذي يسمونه اليوم بمنقذ الامهات.
هذا العالم كان قد لاحظ بان هناك نسبة كبيرة من الامهات يموتون في عيادات الولادة ورى بان السبب في ذلك ان الاطباء يقومون بنقل عدوى اليهم من اقسام التشريح ولا يقومون بتعقيم اياديهم قبل معالجة المرضى. وهذه العدوى كان قد سماه بالمادة الرمادية القاتلة, حيث في وقته لم تكن الجراثيم والبكتريا معروفة ولم يكن هناك بعد اختراع الميكروسكوب. ولكن مع ذلك كان هذا العالم قد توصل الى نتيجة ناجحة للغاية حيث قال بان لو قام الاطباء بتعقيم اياديهم باستخدام محاليل الجير المكلور فان ذلك سينقذ المرضى.
ولكن نظريته هذه كانت قد رفضتها المؤوسسة العلمية في ذلك الوقت. ولم تكتفي بالرفض فقط وانما قامت المؤوسسة العلمية بفصله من وضيفته وسمته ايضا بالشخص المجنون والفاقد للوعي وكان حتى قد تم ادخاله في مستوصف للامراض العقلية غضبا عنه, وهذا ما ادى الى ان تخجل زوجته منه وقامت بتركه...وبعدها ترك بلده وتوجه الى بلد اخر كلاجئ ومن ثم مات بسبب القهر الذي تعرض له.
ولكن المؤوسسة العلمية في ايامنا هذه ترفض ان تسميه بشهيد العلم مثلما يتم وصف غاليليو, لماذا؟ لان المؤوسسة العلمية تشير بان Ignaz Semmelweis لم يكن لديه صبر, فهو كان يريد ان تقوم المؤوسسة العلمية فورا بالاعتراف بنظريته واعتبارها حقيقة موضوعية, ولم يكن لديه صبر , بمعنى انه كان عليه ان يقدم المزيد من الحجج وليقوم باقناع المزيد من الزملاء له بشكل تدريجي ليحصل على دعم اكبر تدريجيا. فهو بدلا من ذلك كان قد كتب بالفعل بان الاطباء هم في الحقيقة من يقومون بقتل المرضى وسماهم بانهم مرتكبي المذابح نسبة للاعداد الكبيرة من الامهات اللواتي كانوا يموتون في العيادات. وبالاضافة الى ذلك فانه كان يسخر من هؤلاء الاطباء الذين كانوا يقدمون حجج لرفض نظريته وكان يسميهم بانهم حمقى وجهلة...الخ..
وهذه القصة تشبه قضية غاليليو وهذا هو نفس ما جرى في حالة غاليلو فالتلسكوب لم يكن معروفا في زمنه. هو جاء بانبوب معدني يحتوي على زجاجيات صنعها بنفسه وشاهده الناس في ذلك الوقت لاول مرة. التلسكوبات حتى في هذا اليوم نحن نعلم بانها تحوي اخطاء, واي طفل اليوم يملك تلسكوب هو افضل بالف مرة من انبوب غاليلو, ونسبة الاخطاء حتى الشركة الصانعة تذكرها. ونحن نعلم ايضا في انها تنقل صور خادعة بسبب الانعكاسات الضوئية. غاليلو كان دعا عدة اشخاص مهتمين بالشأن العلمي في ذلك الوقت وكلهم نظروا من خلال انبوبه الا انهم لم يروا ما راه وهذا لانهم لم يكن يمتلكون اية افكار مثله...
غاليلو كان يمتلك وقاحة قبيحة ايضا فهو بدلا من ان يصبر ليقدم براهين جديدة قام بالسخرية من الاخرين واعتبرهم حمقى الخ...وهو كان مخادع فقام بتغيير عدة نتائج لتتناسب مع نظريته ..وهو كان ايضا شخص كذاب, فهو ادعى بان علماء امثال كيبلر يؤيدونه بالرغم من انه لم يكن قد التقى به اصلا.
ويمكن لاي شخص ان يتصور بان ياتي في ايامنا هذه شخص ويقول بان كل النظام عن الكون الذي نملكه هو خاطئ وليقدم الدليل فانه يخرج مثلا كرة زجاجية تحوي اربعة نقاط مضيئة ليقول هذا هو الدليل وليطلب منا الاعتراف فورا بكل ما سيقوله والا فانه سيتهجم علينا الخ, كيف سيكون موقفنا؟
والان ماذا اريد القول من الامثلة اعلاه من تاريخ العلم؟
الجواب: ان ما جرى في كل من حالة ايجنز وغاليلو هي لم تكن صراعات من اجل السلطة, سلطة الكنيسة او سلطة المؤوسسة العلمية, وانما كانت
صراعات حول الموضوعية. ففي وقت انجيز ووقت غاليلو كان البشر يمتلكون حقائق اخرى عن الكون وحقائق اخرى حول سبب انتقال الامراض. وما قامت به كل من الكنيسة في حق غاليلو وما قامت به المؤوسسة العلمية بحق انجيز كان عبارة عن دفاع كل من الكنيسة والمؤوسسة العلمية عن حقائقهم الموضوعية في زمنهم.
وما قام به كل من انجيز وغاليلو من سخرية من الاخرين وعدم الصبر لاقناع الاخرين بشكل تدريجي بحقائقهم الجديدة التي اكتشفوها جديدا كان من اجل ان يحصلو على الموضوعية من خلال ان يحصلوا على الاعتراف بها لتصبح اكتشافاتهم حقائق موضوعية بسرعة...
اذن ذنب من كان في كل ما حصل؟
الجواب:
اولا: هو كان ذنب كل من غاليلو وانجيز لكونهما لم يصبرا ولم يحاولوا اقناع الاخرين بشكل تدريجي بحقائقهم المختلفة وليحاولوا اقناع الاخرين بشكل تدريجي الى ان يقوموا بالتغيير...
ثانيا: ومن جانب اخر كان ذلك ذنب الكنيسة والمؤوسسة العلمية ايضا لكونهما قاما فورا بالطرد واخذ الانتقام ولم يعطوا غاليلو وانجيز فرصة طويلة ليقوموا بتقديم الاثباتات وبالتالي تكون مفيدة للجميع.
ومن هنا اقول بان ما يجري في قضية زوعا هي ايضا صراع حول
الموضوعية. فالموضوعية المنتشرة الحالية والشائعة تقول بان ابناء شعبنا مثل غيرهم من ابناء الشرق مؤمنون بقضية القائد الواحد , قائد الضرورة, القائد المنقذ...اذ لحد الان لم تتبلور قضية العمل الجماعي المشترك , والعمل الجماعي اقصد به مجموع الجهود الفردية.
ومن ناحية اخرى فان قيادة زوعا لا تعطي الفرصة لاشخاص من قاعدة زوعا بان يقوموا بنشر وعي ونضوج نحو اجراء عملية تغيير في مسيرة زوعا لكي تخرج من دائرة الاعتماد على القائد المنقذ ولتسير نحو حقيقة بان جهود كل شخص مطلوبة وضرورية لعملية الانقاذ وبان اي انجاز يحتاج الى جهود كل فرد من جماهير زوعا. فقيادة زوعا التجئت في عدة مرات الى سياسة الطرد الفوري.
ومن ناحية اخرى ايضا فان البعض من الذين يريدون السير بالاتجاه الصحيح يستخدم اسلوب السخرية واحتقار لقيادة زوعا ولا يريدون ان يكون هناك صبر ليحاولوا بعملية اقناع اشخاص اكثر من قاعدة زوعا لاجراء تغيير في مسيرة زوعا نحو مسيرة واليات اكثر نضوجا, وذلك لكي يخلقوا واقع موضوعي جديد بشكل تدريجي يخلق ايمان بطريق اخر وليس كما الان الذي يؤمن فقط بفرضية القائد الواحد قائد الضرورة والقائد المنقذ.
ومرة اخرى ماذا اريد ان اقوله؟
الجواب: انا ارى فقط انتقاد لطرف واحد في هذا الشان وهو طرف قيادة زوعا ولا ارى انتقاد للطرف الذي ينتقد قيادة زوعا ولا انتقاد لقاعدة وجماهير زوعا. اذ ان وجود واقع موضوعي وهو ان ابناء شعبنا يؤمنون بفكرة القائد الواحد الضرورة والمنقذ هو شئ لم يخلقه يونادم كنا, فهي فكرة منتشرة في هذا الشرق وهي عبارة عن واقع موضوعي.
التقرب من الراي العام يعني عندي انتقاد الراي العام وليس فقط الاكتفاء بانتقاد قيادة زوعا, لان ببساطة الراي العام هو الذي يخلق الواقع الموضوعي.
https://www.researchgate.net/publication/33550810_Ignaz_Semmelweis_the_Father_of_Infection_Control