مهزلة المهازل ، يسرقون بلدا بحاله لا احد يحاسبهم ، يسرق حليب لطفله مع حفاضات يـُحكم ب ١١ سنة سجن ..
بطرس نباتي بالامس كنت عند احد زملائي المحامين ، نتباحث في بعض الشؤون القانونية ، دخل علينا زميل اخر نعرفه عن كثب بيده طَلب استئناف في قضية مواطن من كفري ، وعندما قرأنا ما مدرج في لائحة الحكم وطلب الاستئناف ، ارتسمت على وجوهنا ملايين علامات التعجب ورحنا نحن الثلاثة نتفلسف قانونيا تارة وإنسانيا تارة اخرى ، وقصة هذا المواطن هي كما يلي ، أرويها بدون أية إضافات من الخيال او من التعاطف ، بطل قضيتنا عامل او مستخدم في بلدية كفري ، لم يستلم راتبا لمدة ثلاثة أشهر ، دخل الى متجر ، نظرا مليا بريق خاطف انعكس على عينيه من علبة حليب أطفال تذكر طفله الجائع ، مد يده اليمنى ليخطف بعجالة عبوة الحليب ثم كيس فيه ٢٤ حفاضة أطفال رضع لطفله وبما ان الجيب خاو من المبلغ المقدر خمسة عشر الف دينار ثمن الحليب والخفاضات او خمسة وعشرون كما يدعي صاحب المتجر ، عاملنا السارق لم يعلم حينها ان العلم قد اخترع له ولامثاله الفقراء عشرات العيون المبثوثة لمراقبة الزبائن ،تم إلقاء القبض عليه بالجرم المشهود ، حسب الشرح القانوني للواقعة القانونية وحسب قانون العقوبات والذي قام يتفلسف فيه زميلي العزيف ، الجريمة مكتملة بجميع أركانها الركن المادي والحفاضات والركن المعنوي النية في ارتكاب الجريمة ،طرح زميلنا الثاني سؤالا على زميلنا قال : بما ان لك خدمة اكثر منا وأنك بدرجة محامي استشاري ، هل الحكم لمدة ١١ سنة سجن هو العقوبة المستحقة على مثل هذه السرقة ، قال طبعا لا ولذلك وقعنا نحن الثلاثة على طلب الاستئناف وسيوقع جميع المحامين على هذا الطلب وهناك اخرون قدموا طلبات مماثلة لقد اصبحت قضية هذا المواطن قضية مجتمع بأسره ، عندها تأملت حالنا نحن سواء هنا في الإقليم أو في مناطق خارج الإقليم عشرات قضايا الفساد المالي وسرقات ترتكب في وضح النهار تقدر بملايين الدولارات ولا يحاسب فيها أحداً ، فهذا مشعان مثلا اعترف بانه عرضت عليه الرشوة بملايين الدولارات
وقبلها وذكر بان كلهم كذلك لا يعملون إلا بالرشاوى ،
وعدت الى القريب الى ما حدث في قصبتنا الصغيرة بالحجم الكبيرة بمكانتها وبساكنيها ، كيف اثرى من لم يكن يملك مسكنا يأويه وأصبح الان من اصحاب الملايين وعشرات المساكن والعمارات ، هل وجد من قال او يقول له ، من اين لَكَ هذا ؟ كيف سرقت ؟ ما هي السبل التي حصلت بها على عشرات الدونمات من الاراضي الزراعية ؟ وسجلتها باسمك او باسم غيرك لتكون فوق الشُبهات ، لقد بحت بما يجول في خاطري لزميلي الاستشاري ، أجابني : ان تفكر به ليس مسالة قانونية ، انها مرتبطة بسياسة البلد ، لكني لم اقتنع برده طبعا ، قلت زميلي العزيز السرقة من المال العام جميع عقوباتها مشددة بموجب فقرات والمواد القانونية في قانون العقوبات العراقي وتصل في بعض المواد الى الإعدام او المؤبد بينما مثل هذه القضية سرقة علبة حليب مع حفاضات نصفها بالجناية في نظري هي اقل من الجنحة ،فقال لي بماذا كنت تحكم لو انت قاض في مثل هذه القضية ، قلت كنت أوصي حارس المحكمة ان يشتري علبتين حليب وثلاثة اكياس حفاضات على حسابي الخاص من المتجر المسروق، وأصدر أمرا الزم به الحاكم الذي اصدر هذا الحكم الجائر (١١) سنة سجن أن يحمل ما اشتريته الى عائلة السارق ، تبا لهذه العدالة المترنحة الملتوية ..من يسرق حفاضات يحاكم بالسجن لمدة طويلة ، ومن يسرق وطنا بحالة يكافأ ويصبح سيدا ، وما أكثرهم