المحرر موضوع: مسيحيو العراق وتحديات استقلال إقليم كردستان  (زيارة 1027 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فادي كمال يوسف

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مسيحيو العراق وتحديات استقلال إقليم كردستان
فادي كمال يوسف

تتزايد الدعوات من القيادات في إقليم كردستان العراق، لتنظيم استفتاء يسبق اعلان الدولة الكردية على مناطق نفوذ تلك الادارة، مع الإشارة إلى أن العديد من المتابعين والخبراء في الشأن الكردي يعزون تصاعد نبرة تلك المطالبات إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها الإقليم.
 
الحسابات الكردية
فهذه الأزمات حشرت القيادات الكردية في زاويةٍ ضيقة أمام مواطنها الذي أصبح ناقماً من انحدار المستوى المعيشي الذي لم يشهده منذ سنوات خلت، فيما يحملها المسؤولية المباشرة في تفشي الفساد الإداري وهدر المكاسب الاقتصادية والمالية الضخمة التي جناها الإقليم في السنوات السابقة.
وهذا ما جعل الحل الوحيد امام القيادات الكردية للخروج من أزماتها، إعادة طرح قضية استقلال كردستان، ولكن بجدية أكبر هذه المرة في محاولة لإلهاء جماهيرها الغاضبة، وتوجيه البوصلة نحو قضية مصيرية طالما كانوا يحلمون بها وناضلوا من أجلها من جانب، ومن جانب آخر كسب بعض الوقت في محاولة يائسة لترتيب البيت الداخلي الكردي سياسياً والذي يشهد هو الآخر أزماتٍ معقدة تعصِف بتجربةِ الإقليم وتهدد بانهيارها.
 
الهيئات المسيحية والتحديات المصيرية
بعيدا عن كل تلك التداخلات والصراعات والأزمات السياسة الكردية الكردية والكردية العربية بشأن الاستفتاء وخطوة استقلال الإقليم التي ستليه حتماً، تطرح تساؤلات مشروعة حول مستقبل المسيحيين "الكلدان والسريان الاشوريين" من أبناء الإقليم وموقفهم من استقلاله، وكيف ستتفاعل مؤسساتهم السياسية والدينية مع هذا التحول السياسي الخطير، وفي مقدمتها الأحزاب والكنيسة والتي تقع على عاتقها مسؤولية دقيقة. وربما ستكون الأكثر أهمية منذ انشاء الدولة العراقية الحديثة إلى اليوم، لذا عليهما أن يعيا تلك التحديات وخطورتها وأن يكونا بحجم المسؤولية التاريخية، لا كما تعودنا منهم دائماً بتبني مواقف ضبابية بعيدة كل البعد عن تحقيق مكاسب ملموسة لشعبنا.
 
المطلوب شراكة حقيقية
إن ما يطمح إليه الكلدان والسريان والأشوريون فيما لو أعلن استقلال كردستان، دولة يكونون مشاركين فيها بفعالية تتناسب مع عمق وجودهم التاريخي على هذه الأرض. شراكة لا تكن مجرد حبر على ورق ولا قيمة لها على أرض الواقع. إذ لم تكن التجربة خلال السنوات الماضية من عمر الحكم الذاتي، ومنذ انطلاقتها عام 1991 مع شعبنا مشجعة.
فرغم أنهم كانوا من أوائل من شارك في تأسيس الجبهة الكردستانية والتي كانت النواة التي انطلق منها البرلمان والحكومة وباقي المؤسسات السياسية، إلا أن السلطة والتي روجت للتعدد الديني وشراكة المكونات في إدارة الإقليم، كان تطبيقها لتلك الشعارات مختلفاً تماماً. فهمش شعبنا واستمرت التجاوزات على حقوقه، واقصي وأستبعد من أي مركز فعال في إدارة الإقليم، كما تم استبعاد أبناء شعبنا عن مختلف المؤسسات العسكرية، البيشمركة "الجيش"، والأسايش "الامن العام"، قوى الأمن الداخلي والشرطة، وأصبحت تلك المؤسسات التي هيمنت عليها الأحزاب الحاكمة والتي من المفترض بها أن تحمي أمن المواطن، محل تخوف وريبة من أبناء شعبنا والذين استبعدوا عنها وأخذت تتعاطى معهم ضمن مفهوم حزبي ضيق.
 
دولة المواطنة والمساواة
ما يطمح إليه شعبنا هو تأسيس دولة علمانية مدنية، وعدم إجباره على الاختيار بين دولة علمانية قومية عنصرية وأخرى دينية متطرفة، كما يحصل في العديد من البلدان التي تشهد اضطرابات في محيطنا المشرقي. فالعلمانية وحدها لا تكفي ليعيش فيها شعبنا ضمن بيئة تساعدهم على الثبات ضمن أراضي أباءهم واجدادهم، فيما يتمّ التعامل معهم بتمييز على أساس قومي هذه المرة وليس ديني، فالسعي لبناء دولة مدنية تقوم على أساس تساوي المواطنين في حقوقهم وواجباتهم أمام القانون ومن خلفه قضاء نزيه ودولة تطبق قراراته هو ما نسعى اليه في شكل الدولة القادمة.
 
مسؤولية القوى الحاكمة في كردستان
إن إدارة الإقليم وخلال سنواتها الماضية اتبعت سياسة تسويفية وغير جدية في حل قضايا شعبنا والتي تهدد وجوده وكيانه، وخاصة قضية استيلاء بعض المتنفذين على مساحات شاسعة من أراضي القرى والبلدات المسيحية، فيما كانت تقف عاجزة عن تنفيذ قرارات قضائية صدرت بحق المخالفين والمتجاوزين.
ومن جانب آخر غضت الادارة بصرها عن عمليات قتل استهدفت سياسيين وقادة بارزين كثيراً ما كانت تسجل ضد مجهول، فيما القتلة أحرار طلقاء يصولون ويجولون، وكثيراً ما تكررت تلك المشاهدات لتضفي طابع الانتقائية وعدم المساواة بين المواطنين فطغت على الدولة صفة العشائرية والحزبية الضيقة.
 
الإستقلال المفقود لقرارنا السياسي
احترام استقلالية القرار السياسي لشعبنا، من أهم ما يدعم الشراكة، كما يعزز المواطنة ويجعلها أكثر فعالية وواقعية. ولكن الأحزاب الكردية طالما عملت لمصادرة هذه الاستقلالية، لمصالح هذا الطرف او ذاك.
وعمدت إلى خلق أحزاب مسيحية تابعة لها تعمل وفق أجندتها، وتجيرها للسيطرة على المناطق التي يشكِّل فيها شعبنا أغلبية كناحية عنكاوا ونواحي وقرى عديدة في محافظة دهوك، وبالتالي فرض قيادات لا تمثِّل شعبنا للسيطرة على تلك المناطق. أما الأحزاب التي كانت تتصدى لمشاريعها وتفضح ممارستها فكانت تحَارب وتُمارس معها مختلف الضغوط لمحاولة إجبارها على السير وفق سياساتها ومشاريعها.
 
فدرالية في داخل "دولة كردستان"
من هذه المنطلقات، لن يتغير في واقع شعبنا شيئاً مع إعلان دولة كردستان، إذا استمرت مؤسساتنا المختلفة بهذا الأداء الضعيف وغير المدروس، وكما أسلفنا إن المرحلة التي سيمر بها الإقليم ستكون من أخطر وادق المراحل والتي ستحدد مصير شعبنا لعشرات السنوات القادمة.
إن طرح وثيقة سياسية تضمن كل حقوق شعبنا القومية والدينية والسياسية في الدولة المزمع إعلانها، ستمنح أملاً جديداً لشعبنا لبناء مستقبل على ارضه بعيداً عن مشاريع الهجرة والتهجير. ومن أهم القضايا التي يجب أن تتضمنها الوثيقة، هو ضمان دولة فيدرالية تقر في دستورها حق المكونات القومية الاخرى التمتع بحكم ذاتي او أي صيغة قانونية اخرى تمنح لهم حق الادارة الذاتية، وإقرار الشراكة في السلطة على الاساس القومي كمكون أساس في البلاد ويشمل ذلك جميع سلطات والهيئات والادارات الأمنية والمدنية، إقرار دستور دائم يضمن الحقوق المتساوية لجميع مكونات الاقليم.
من جانبها على قوى شعبنا إدراك أن الخطوة القادمة لن تكون سهلة وعليها أن تواصل الجهود لانتزاع حقوق شعبها، وأن تهيء نفسها لمرحلة مواجهة مع الجانب الكردي للتفاوض على تلك الحقوق والتي ستمثل نواة لبنود أساسية يتضمنها دستور الدولة الجديدة، وكذلك تهيئة الأرضية الصالحة لتطبيقها، إذا أرادت العيش بكرامة ومواطنة حقيقية...
*كاتب عراقي