المحرر موضوع: في سيكولوجيا الأنتماء الطائفي " بمناسبة استشهاد الامام علي(ع)"  (زيارة 665 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عامر صالح

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 331
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في سيكولوجيا الأنتماء الطائفي " بمناسبة استشهاد الامام علي(ع)"

د.عامر صالح 

توفي الامام علي بن أبي طالب في 21 رمضان 40 هجرية/ 27يناير 661 ميلادية, أي قبل أكثر من ألف وثلاثمئة وخمسين عام, والطائفيين الاسلامويين اليوم يستخدمون ذكرى استشهاده لأعادة انتاج الفتنة بين المكونات المذهبية المختلفة, وبدلا من البحث في التراث الانساني الذي خلفه الامام علي والذي تفرد به بين رجالات الاسلام ومفكريه, أصبح حديث البحث عن قاتله وأصوله " هل كان فارسيا أم من عرب الجزيرة " يتصدر بعض الفضائيات الصفراء والصحافة المعوقة لبث السموم وصرف الأنظار عن ما لحق بشعبنا من خراب ودمار شامل جراء السياسات الطائفية السياسية الرعناء. 

يقول الامام علي " أطفئو ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية وأحقاد الجاهلية, فأنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته, ونزعاته ونفثاته ". وسأتحدث في هذا المقال عن مشروعية الانتماء للطائفة او المذهب, وعدم مشروعية إقصاء الآخر, وتنوع مصادر الانتماء للفرد الواحد, مع الاشارة الى خصوصية الوضع في العراق.

أن الانتماء الطائفي والمذهبي هو نتيجة طبيعية لواقع يولد ويترعرع وينشأ فيه المرء, فإذا ولد في عائلة مسلمة ـ سنية, أو مسلمة ـ شيعية, أو مسيحيةـ كاثوليكية, أو مسيحية ـ بروتستانتية, أو صابئية أو زيديه, فأنه يشعر بطبيعة الحال بانتماء وشعور ما للطائفة وللدين الذي ولد فيه, وهذا أمر طبيعي يقارب في تجلياته صورة من يحمل الخصائص الوراثية لوالديه, من طول القامة ولون الشعر وشكل الأنف والوجه وبعض من مظاهر السلوك النمطي, ولم يفكر احد منا بتغير طائفته أو مذهبه باعتبارها تحصيل حاصل أو مستقر حال.قد ينساق البعض تحت وطأة ظروف التطرف والانهيار ألقيمي في البحث عن أدلة مفرطة في تأكيد صحة انتمائه الطائفي على حساب الطوائف والمذاهب الأخرى, وهي حالات من صور طبق الأصل لعمليات التجميل الجراحي لشكل الأنف, والشفاه, والخدود, والصدر أو لبس العدسات الملونة في محاولات لتغير حقائق الشكل, والذي لا يمكن فيه تجاوز سنة الوراثة, حيث يبقى طفح الصفات الوراثية الحقيقية في الأجيال القادمة دون أن يتغير من الجوهر شيء يذكر, ويبقى الإحساس الداخلي للفرد هو الأهم والفيصل في ذلك !!!!.
 
من الناحية الحيادية الخالصة أن الانتماء الطائفي لا يحتم العداء للطوائف والمذاهب الأخرى, بل يمكن أن يتعايش المرء مع الشعور بمحبة أبناء الطوائف الأخرى ومع احترامهم, وهو خلاف التعصب الطائفي تماما الذي يؤكد على تمجيد وتفضيل للطائفة التي ينتمي إليها الفرد وإقصاء الآخرين أو التميز ضدهم أو اتخاذ موقف معادي لهم. قد يتصور العديد من الناس للوهلة الأولى بأن الانتماء الطائفي هو نوع من الانتماءات المتخلفة والبدائية والضارة, وقد تلحق الأذى بالانتماء القومي والوطني, وهو تصور مستعجل ومنفعل يستند إلى حجم الكوارث والأهوال والاقتتال الذي يحصل بين الطوائف والقائم على خلفية تعصبية ـ طائفية, وليست انتمائية خالصة نزيهة ونظيفة للطائفة بعينها !!!!.

وكما نعرف فأن الإنسان المعاصر يتمتع بدوائر انتماء متعددة منها الانتماء الطائفي والوطني والقومي والسياسي والإقليمي والمهني والجيلي وغيرها من الانتماءات, والشعور بالانتماء لهذه هو دينامي وسياقي, دينامي لأنه يتحرك ويتغير في فضاء الزمان والمكان, وسياقي لأنه يتعلق بالسياق الذي يوجد فيه الفرد, ففي سياق ما مثل أثناء نقاش سياسي مع مجموعة كردية أو عربية يكون الشعور بالانتماء القومي هو الأبرز, بينما يكون الانتماء المهني هو الأبرز أثناء جدال مهني. ومن غير المنصف والأخلاقي أن يطلب من الفرد أن يحصر شعوره بالانتماء إلى دائرة واحدة كالدائرة الوطنية أو القومية أو الأممية أو الطائفية, وان يتخلى عن دوائر الانتماء الأخرى, إذ أن لكل دائرة انتماء دورها النفسي والسلوكي والاجتماعي في حياة الناس, وعليه من غير المنصف وغير المجدي أيضا التعامل مع الانتماء الطائفي باعتباره مرض عضال أو آفة يجب مكافحتها. نحن هنا نكافح التعصب الطائفي الذي يقوم بقتل الإنسان من خلال حصره في دائرة انتمائية ضيقة, كالانتماء الطائفي ـ الديني الضيق, واعتبار الفرد الضحية ممثلا حقيقيا لدائرة الصراع الطائفي ـ الطائفي, متناسيين بغباء انتماءات الإنسان الأخرى الوطنية والقومية والسياسية.فكم من عشرات الألوف من الضحايا في العراق قتلوا ظلما وبهتانا, وعشرات ألوف أخرى ينتظرها القتل بدوافع الانتماء الطائفي قد تنفذ بأيدي قاتل أو مجرم متعصب ـ طائفي, يرى في انتماء هؤلاء الطائفي ذريعة لجرائمه, وهم أبرياء حقا لا يمتلكون من التعصب ـ الطائفي شيئا يذكر, سوا لأنهم انتموا بالأسماء أو الطوائف لهذه الطائفة أو تلك, أو لأنهم ورثوا هذا الدين أو هذه الطائفة عن أبائهم وأجدادهم, وقد لا يحمل الضحايا أي مساحة تذكر في شخصياتهم من التعصب الطائفي, وقد ينتمون إلى دوائر أخرى أوسع بكثير من الطائفية الفطرية " الموروثة " !!!!.

أن بالإمكان للانتماء الطائفي أن يسخر للمصلحة الوطنية, وان التناقض بين الانتماء الطائفي وبين الوطني هو ليس أمرا حتميا, وان تاريخ العراق السياسي يشهد كثيرا من التوظيف المثمر للانتماءات الطائفية في الدفاع عن الوطن وسيادته ضد المحتل الأجنبي, ومن اجل ترسيخ السيادة الوطنية, وخاصة ما حصل في بداية تشكيل الدولة العراقية وما قبلها حيث لعب زعماء الطوائف السنية والشيعية وغيرها دورا مشرفا في مقارعة الاستعمار وردع طموحاته اللامشروعة والحفاظ على الوطن" , وبالإمكان من جانب آخر استغلال الانتماءات الطائفية والمذهبية لأهداف فئوية أو سياسية ضيقة أو لمعاداة القوى الوطنية, كما حصل ذلك في بعض المحطات المؤسفة والمؤذية لبعض فصائل الإسلام السياسي في تحالفها مع انقلابي 8 شباط عام 1963 والعمل بفتوى " الشيوعية كفر والحاد " والذي راح ضحيته عشرات الآلاف من المناضلين الوطنين والضحايا الأبرياء, وعلى العموم يجب عدم معاداة الانتماءات الطائفية, بل يجب تفهم دورها النفسي والاجتماعي في حياة الناس, وفي نفس الوقت التحذير من التعصب الطائفي الذي يقصي أو يعادي الآخرين, أذن هناك فرق بين أن تنتمي إلى طائفة ما وبين أن تتعصب لها !!!!.
 ويبقى الحديث عن مشروعية الانتماء إلى طائفة ما أو قومية ما أو هوية سياسية ما ناقصا بالتأكيد إذا لم يقترن بالحديث عن التعددية والديمقراطية كمنهج وكقيمة اجتماعية, والتعددية تعني قبول الآخرين المختلفين قوميا أو طائفيا أو سياسيا واحترام رأيهم وحقوقهم وطريقة حياتهم طالما أن ذلك لا يمس بحقوق بقية الفئات, ففي الوقت الذي ندعو به إلى حق الناس في ممارسة انتمائهم الطائفي يجب الدعوة بقوة إلى انتهاج التعددية والديمقراطية السياسية لكي يأخذ كل مكون اجتماعي أو ديني حجمه الطبيعي وألا يبقى خطر تحول الانتماء الطائفي إلى تعصب طائفي, كما تشهد على ذلك المظاهر العلنية والخفية للصراع في الساحة السياسية العراقية والمتلبس بثوب الطائفية والذي قام على خلفية نهج الاحتلال في التأسيس لنظام المحاصصة وزرع بذور الفتنة بين المكونات الدينية والمذهبية والطائفية والاثنية العراقية, والمتمثلة بالعديد من الإجراءات الانتحارية : مثل قانون إدارة الدولة, واجتثاث البعث, وحل القوات المسلحة العراقية, وشكل المنظومة السياسية, والدستور, وقانون مكافحة الإرهاب, ودمج المليشيات في القوات المسلحة وغيرها في العديد من الإجراءات التي تدفع صوب الاحتقان السياسي والطائفي, والذي اتضحت أثارها منذ الأيام الأولى بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003, والتي تجسدت في الحرب الأهلية السياسية ـ الطائفية, والتي سمحت لتنظيم القاعدة الإرهابي وداعش لاحقا مع فلول النظام المنهار أن تتصدر معارك " الشرف والبطولة " لإبادة شعبنا, والتي كادت تطبق على مكونات شعبنا وسحرها الجميل إلا أن نباهة شعبنا وتقاليده في التسامح الاجتماعي  واللاعصبية ساهمت في تضيق نار الفتنة في محاولة لإخمادها !!!.

واليوم إذ ينبذ شعبنا بشدة الاحتراب والاقتتال الطائفي والصراع السياسي ذو الذرائع الطائفية, نجد أن هناك زحفا آخرا طائفيا منظما لا تقل خطورته عن الزحف الطائفي المسلح" والذي لا تزال بقاياه رهن الإشارة والصفقات السياسية والظروف المحيطة  بين التهديد والوعيد ", حيث يشهد العراق زحفا طائفيا " غير مقدس " بدون رحمة أو رجعة على الوزارات والدوائر الحكومية ومجالس الحكم في المحافظات وغيرها من مرافق الحياة الحكومية, فقد تحولت الوزارات والدوائر الحكومية إلى محميات ومقرات حزبية وخلايا تنظيمية وأصبحت الوزارات مغلقة لجميع المنتسبين والعاملين فيها لجهة حزب الوزير الذي يقود الوزارة, ويشمل ذلك كل الوزارات والدوائر الحكومية بدون استثناء, من أجهزة أمنية, ومخابراتية, وجيش, ووزارة الخارجية وسفاراتها وقنصلياتها الدبلوماسية في الخارج "والتي أصبحت تمثل حزب السفير أو القنصل في الخارج ولا تمثل الوطن", ووزارة الصحة, والتربية والتعليم وغيرها, وعلى خلفية ذلك يستشري الفساد الإداري والمالي والأخلاقي محتميا ومحميا بالمظلة الطائفية والسياسية لتلك الجهة المتربعة في الجهاز الحكومي المعني دون أدنى رقيب, ومؤسسا لأحترابات قادمة لا نعرف مدايات سقفها وخطورتها على الاستقرار السياسي المنشود للبلاد, وخاصة في مرحلة ما بعد داعش.

أن ما يؤذي الناس والشعب عموما وبمختلف أطيافه هو ليست الانتماء إلى طائفة, فذلك واقع حال, حيث عاش العراق فترات من المحبة والمودة بين الطوائف والمذاهب والأديان المختلفة, وهي فترات إنسانية حقه نعتز بها جميعا, لم نعرف فيها دين أو مذهب جارنا وصديقنا,ولم نؤسس تعاملنا الحياتي على أساس هذا الانتماء , ولم نجرئ لأسباب أخلاقية أن نسأل عن انتماءات جارنا وصديقنا المذهبية والطائفية, فكان ذلك من المعيب والمخزي في ثقافة التعامل اليومي, وان عرفنا بذلك فنكن له كل المودة والاحترام, حيث كان الانتماء للوطن هو سيد الموقف والثقافة السائدة !!!!.
 
إننا اليوم نعاني من الفتنة الطائفية القائمة على ذلك السلوك المتمثل في بث روح التعصب الطائفي أو إثارة النعرة المذهبية, وخاصة عندما يستخدم هذا السلوك للنيل والانتقام من طائفة على حساب طائفة أخرى, أيا كانت هذه الطائفة " سنية, شيعية, زيديه, مسلمة, مسيحية, صابئية وغيرها " وهي سلوكيات تستهدف التفرقة الطائفية والمذهبية والدينية حيث المساس المباشر لحياة الناس وأرزاقهم وحقوقهم ومصالحهم وكرامتهم وآمالهم وأمنهم وسلمهم, بل وقتلهم باعتبارهم مرتدين, والتفرقة الطائفية هنا هي جريمة بعينها, يكون ضحاياها شرائح واسعة من المجتمع المدني, وهي سلوكيات تخالف ابسط مقومات الدين الحنيف, وكما ورد على لسان النبي محمد : " لا فرق بين عربي و لا أعجمي إلا بالتقوى " , وهو كذلك بالتأكيد سلوك مخالف للأعراف والتقاليد الدولية, حيث تنص المادة ( 55) من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان على عدم الفوارق بين الناس, حيث تؤكد المادة المذكورة على : ( احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تميز بسبب الجنس أو اللغة والدين, و لا تفرق بين الرجال والنساء, ومراعاة تحقيق تلك الحقوق والحريات فعلا).

أن التعصب بمختلف مظاهره من عنصرية, وطائفية دينية أو مذهبية, أو سياسية, أو قومية أثنية, أو حزبية وفكرية, تمثل اتجاها نفسيا جامدا ومتحجرا مشحون انفعاليا أو عقيدة وحكم مسبق مع أو ضد جماعة أو أي شيء أو موضوع, ولا يقوم على سند منطقي أو معرفة أو حقائق علمية. أو هو موقف معاد ضد الجماعات الأخرى المختلفة في المعتقد أو المذهب أو الدين أو القومية, وخاصة عندما لا يكون هناك تفاعلا حقيقيا ومعرفة واقعية بين هذه الجماعات, وان هذا التحجر وعدم التفاعل يحول الوطن الأم إلى كانتونات منعزلة تسودها الريبة والشك والبغضاء فيما بعضها البعض, وبالتالي يحرم التعصب هذه المجاميع من فرص التقدم الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستديمة تحت مظلة الوطن, لأن التعصب بطبيعته يناهض العلم ويحارب التقدم ويعادي الحقيقة ويقاوم المبادرة الفردية ويخاف من الأفكار الجديدة ولا يقبل بالنقد البناء ويرفض التساؤل باعتباره مصدر الحقائق والمعارف, ويترك التعصب لدى أهله انطباعا وهميا بالكمال والامتياز والأهلية في مختلف المجالات, وهو بذلك يغلق أبواب الرحمة والتفاعل مع البيئة الخارجية, وهو بذلك يكتفي بالاسترجاع والاجترار ويغلق قابليات العقل ويخنق فعاليات العلم ويكرس الجهل ويملأ النفوس مسرة وفرحا بالجهل واستماتة في الدفاع عنه.

إن شعبنا في العراق اليوم يطمح إلى بناء حكومة وطنية قوية في المركز, تحترم مصالح وحقوق كل الطوائف والأديان والأعراق والاثنيات, وتحافظ على وحدة البلاد وحمايته من التدخلات الإقليمية, تحظى بثقة العالم في تطبيقها للديمقراطية بعيدا عن المحاصصات, ويكون وزرائها وكادرها في مختلف المواقع من التكنوقراط  والأكفاء والقادرين على محاربة الفساد بمختلف مظاهره. ولعل في ذكرى استشهاد الامام علي تجري الاستفادة الحية من تراثه الانساني للحفاظ على وحدة المجتمع العراقي وتنوعه الجميل, وكما قال الامام علي ان الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق !!!.