المحرر موضوع: ألا يكفي أنْ يجمعنا الإيمان والوطن؟  (زيارة 1415 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ظافر نوح

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 71
    • مشاهدة الملف الشخصي
ألا يكفي أنْ يجمعنا الإيمان والوطن؟

ظافر نوح كيخوا

يعيش أبناء شعبنا المسيحي في العراق تحت أحلك الظروف وأعقدها، أدت به إلى أن يصاب بحالة من الذعر والضبابية في رؤية المستقبل، وفي إمكانية بقائه وعيشه هنا في هذه البلاد أو مغادرتها والرحيل عنها بحثا عن الملاذ الآمن.
 ووسط هذه الحيرة والقلق يتساءل أبناء شعبنا المسيحي: هل سيكون هناك في المستقبل القريب عراق جديد مستقر آمن؟ ومنفتح في علاقته مع  نفسه وعلى العالم؟ إن ما نشهده اليوم من أحداث دامية، وانتشار الظواهر المسلحة وتصاعد في مشاهد العنف والقتل والتهجير، كله يدق ناقوس الخطر ليعلن حالة من التمزق والتفكك في لحمة هذا المجتمع، وليظهر لنا منقسما إلى مذاهب وطوائف وكتل، مع تهميش تام لمصلحة الوطن والشعور بالانتماء الوطني والتجذّر الحضاري،  بل آلت الأمور إلى ظهور حالة مرضية هي سيطرة " الأنا المنغلقة" على جوهرها الصحيح، ناهيك ذلك عن التداخل والخلط الحاصل ما بين الدين والسياسة، وما بين الثقافة وغاياتها، وما بين ما يروج باسم الديمقراطية وما يمارس منها على ارض الواقع.
   إن القراءة المعرفية لواقع وحقيقية الماضي المشترك والتراث الغني بكل تنوعاته الأدبية والحضارية. يحتم علينا عدم تجاهل أو تجاوز هذا الإرث المشترك، فهو بمجمله يشكّل عِبَرًا ودروسًا يُستخلص منها الحكمة المتأتية عن التجارب والواقعية الملموسة لتكون أساسا نافعا لحاضرنا المشترك على الرغم من اختلافاتنا وخلافنا، لنصل بذلك إلى صنع مستقبل أفضل.
    لقد قُدر لنا، نحن المسيحيين ، العيش على هذه الأرض ، وأن نكون حلقة وصل ومصدرًا لتواصل الثقافة والحضارة بين الشرق والغرب، ومنبعا لرسالة الإيمان المسيحي الذي أسسه رسل الكنيسة الأولى. فانطلقت من هنا رسالتنا المسيحية وامتدت إلى أقاصي الشرق لتشمل أنحاء العالم، إذ إتصف أسلوب حياتنا المسيحية بفكر وعقلية نابعة من الأنفتاح والواقعية ومنسجما مع المتطلبات والغايات الجوهرية لوجدانية الإنسان والمجتمع، وحققنا أهداف إلالفة الاجتماعية مع الجماعات التي نعيش معها، ونحن نسمى "الأقلية ". وتعاملنا مع هذا الواقع الإنساني بشكل مؤثّر وفاعل، ولم نُصبْ بعقدة الشعور بأننا أقلية، بل العكس كان عيشنا بحسب مفهوم "المواطنة" وبشكلها الشمولي، جعلنا ان نكون شركاء في هذا الوطن. وأن لا نعد انفسنا جماعة أضيفت أو جمعت مع بقية هذا الشعب، من باب الإضافة اوتكميل العدد. إذ إننا ثمرة لولادة أصلية وأصحاب حضارة على هذه الأرض.
   إن ما حققنا في بلدنا ليس بالقليل بل أنجزنا الكثير وأبدعنا في كل المجالات، وما زالت حتى اليوم شخوصنا شاهدعلى ذلك. كما قد تحملنا وتجاوزنا كل المعوقات وتفاعلنا وتداخلنا مع مجريات الاحداث التي مرت على  بلدنا، ولم نبتعد أو ننغلق على أنفسنا، بل بالعكس انفتحنا على الآخرين ونحن ننطلق من مسار تاريخنا، كوننا  مشاركين فاعلين في كل ما يواجه وطننا في السراء والضراء، وكان يدفعنا حبنا للوطن الى التمسك بوجودنا على هذه الأرض . وهكذا جمعنا اسم العراق الواحد كما جمعتنا الحالة الاجتماعية بنسيج من العلاقات الطيبة مع كافة شرائح ومكونات المجتمع. لقد جمعنا الإيمان بالله الواحد ووطن واحد . وهنا أجيب عن سؤال اثار حيرتي كثيرًا وهو: ألا يكفي أن يجمعنا الإيمان والوطن على هذه الارض؟!