المحرر موضوع: عن المصالحة الوطنية وإدارة الأزمات  (زيارة 837 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عن المصالحة الوطنية وإدارة الأزمات
                     
عبد الحسين شعبان

راجت في العقود الأخيرة، خصوصاً بعد تجربة الانتقال السياسي في أوروبا الشرقية وجنوب إفريقيا، وبعض دول أمريكا اللاتينية، فكرة المصالحة الوطنية، ووَجدت هذه الأخيرة في «العدالة الانتقالية» وسيلة لتحقيقها. وفي المنطقة العربية ارتفع الجدل، واتسع النقاش حولها، بين موالاة ومعارضة، بعد موجة ما أطلق عليه ب«الربيع العربي»، تأييداً، أو تنديداً، فهناك من يرفعها إلى درجة التقديس، في حين أن هناك من ينزلها إلى درجة التدنيس، ولكل تفسيراته، ومبرراته. وبين هذا وذاك، فالمصالحة الوطنية، كما أكدت العديد من التجارب الكونية مسألة ضرورية للانتقال الديمقراطي.
لكن المصالحة الوطنية تحتاج إلى شروط ومستلزمات لإنجاحها، مثلما تستوجب وجود جهة معتمدة لإدارة النزاع، وهذه الجهة يمكن أن تفرزها التطورات ذاتها، لا سيما بتبادل المواقع بين معارضات سابقة، وحكومات معزولة، وما بينهما، حيث تبرز مشكلات عدة، واتهامات وملاحقات، تحتاج إلى الفصل فيها من جانب القضاء، أو عبر عملية سياسية انتقالية جديدة، وهو ما يندرج في إطار العدالة الانتقالية، التي تكون المصالحة الوطنية ختامها. كيف السبيل للوصول إلى المصالحة الوطنية المنشودة، خصوصاً بعد اندلاع العنف، وانفجار الصراع المسلح؟ بالتأكيد سيكون ذلك صعباً، بل عسيراً أحياناً، ولكنه ليس مستحيلاً، فقد توصل الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، إلى إنهاء النزاع المسلح مع المعارضة، الذي دام 52 عاماً بفعل توفر إرادة سياسية، ووصول الطرفين إلى قناعة أنه لا يمكن لأحدهما القضاء على الآخر، الأمر الذي يحتاج إلى تقديم تنازلات متبادلة وصولاً للمصالحة الوطنية.
ويتطلب ذلك أحياناً جهوداً كبيرة قد تتخطى القدرات الوطنية، لتتشابك مع قدرات إقليمية ودولية، وهي من دون أدنى شك تحتاج إلى اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية، لأن العنف ومحاولات الاستئصال تقود إلى شق المجتمعات بين موالين وأتباعهم، ومعارضين وأنصارهم، وستترك بلا أدنى شك، تداعيات اجتماعية خطرة، لا سيما إذا طال أمدها، لأنها ستؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، والروابط التقليدية.
والمسار الذي تتخذه إدارة الأزمات يبدأ بمحاولة الاحتواء containment، ثم يأخذ منحى تحويل الأزمة transformation، وأخيراً البحث عن الحلول الممكنة، أي اتخاذ قرار resolution بعد بحث ونقاش واتفاق، وقد يستغرق ذلك فترات زمنية طويلة وخطوات تدريجية، وصولاً لإنهاء النزاع، وتحقيق المصالحة الوطنية، أي تحويل النزاع العنفي العسكري إلى نزاع مدني إيجابي وبناء، تتم فيه معالجة مسببات النزاع الرئيسية، وصولاً إلى حله. ويحتاج ذلك إلى فتح حوارات واسعة، والبحث عن المشتركات المشروعة للأطراف المتنازعة، والسعي للتغلب على بعض المعضلات، لا سيما التوصل إلى توافق وطني يقدم الأولويات الوطنية على المصالح الخاصة، بأخذ أهداف الفرقاء المتنازعين في الاعتبار.
وتعتمد إدارة الأزمات على مسارات متعددة عبر تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية، والاستعانة بالتعليم والبحث العلمي وقطاعات المال والأعمال والإعلام والاتصالات، إضافة إلى دور بعض رجال الدين والشخصيات الاجتماعية والثقافية، كما يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً إيجابياً على هذا الصعيد، لكن ثمة عقبات تعترض الوصول إلى المصالحة الوطنية المنشودة، من أهمها تسييسها، أي جعلها وسيلة لإملاء الإرادة بفرض تنازلات من طرف على حساب طرف آخر. مثلما تتشبث بعض الأطراف المستفيدة من استمرار الصراع بمواقفها وإصرارها على محاكمة عهد كامل، أو اجتثاث جميع من كان بارزاً فيه، الأمر الذي سيكون عقبة أمام التوصل إلى مصالحة وطنية شاملة.
إن حالة عدم الاستقرار السياسي، والانفلات الأمني، وضعف المؤسسات العسكرية، وجهات إنفاذ القانون، تحول دون إنجاح المصالحة الوطنية، لا سيما إذا كان السلاح منتشراً، والثقة بين الفرقاء المتنازعين غائبة.
أما الخطوة الأولى لنجاح عملية المصالحة فإنها تتطلب اعترافاً رسمياً بما حصل من انتهاكات لحقوق الإنسان، ومساءلة المتهمين بارتكابها، لا سيما إذا كانت انتهاكات جسيمة، وممنهجة، والهدف ليس الانتقام والثأر بقدر ما يُراد التوصل إلى إحقاق الحق وتحقيق العدالة، مع أخذ مبادئ التسامح في الاعتبار.
وحسب تعبير لزعيم عراقي راحل، ينبغي اعتماد مبدأ «الرحمة فوق القانون»، وهو ينطبق أكثر على الظروف الاستثنائية، وهي التي نطلق عليها تعبير «العدالة الانتقالية»، أي أنها عدالة مؤقتة وانتقالية، محكومة بظروف استثنائية، وبانتقال البلاد من طور إلى طور آخر، ومن نظام إلى آخر، باستخدام أدوات قضائية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها، كما ينبغي أن تبقى الذاكرة الوطنية حية، حين يتم جبر الضرر وتعويض الضحايا والمتضررين، مادياً ومعنوياً، وإصلاح النظام القانوني والقضائي والأمني، لكي لا يتكرر ما حصل.
drhussainshaban21@gmail.com



غير متصل Adnan Adam 1966

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2883
  • شهادة الحجر لا يغيرها البشر ، منحوتة للملك سنحاريب
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تحياتي
الاستاذ عبد الحسين شعبان من الكتاب الذين لا يتحاورون مع المتداخلين ، ولكن طالما نشر في موقع يسمح بالردود ، فليس بخطا ان نرد هنا ،
اقتباس
الخطوة الأولى لنجاح عملية المصالحة فإنها تتطلب اعترافاً رسمياً بما حصل من انتهاكات لحقوق الإنسان، ومساءلة المتهمين بارتكابها، لا سيما إذا كانت انتهاكات جسيمة، وممنهجة، والهدف ليس الانتقام والثأر بقدر ما يُراد التوصل إلى إحقاق الحق وتحقيق العدالة، مع أخذ مبادئ التسامح في الاعتبار.،،
انتهى الاقتباس
سؤالنا بان هل يشملنا الشعب المسيحي الكلداني السرياني الشوري المصالحة في الوطن ام كلا ؟
اذا حسبونا باننا مسيحين مساكين وليس لهم عداء مع احد ، فلا يشملهم المصالحة ،
ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف الرسمي بانتهاكات لحقوق الانسان وانتهاكات  جسمية ومنهجية لما حصلت لشعبنا من مذابح في سميل وصورية ،، وفي كل الحالتين على دولة العراق الاعتراف رسميا بتلك المذابح سواء دخلنا ام لا في المصالحة ،