المحرر موضوع: الحس العاطفي في المجموعة القصصية (عطر الحب) للدكتورة غادة م سليم  (زيارة 794 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. خليل الجنابي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 103
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحس العاطفي في المجموعة القصصية (عطر الحب) للدكتورة غادة م سليم

د أمين المظفر
في البداية أود ان أوضح اني أقدم د غادة سليم في هذه المجموعة القصصية كقارئ وليس كناقد أدبي فهذا الأمر متروك لذوي الإختصاص. وربما لا تتفق معي القاصة في بعض الوصف والتفسير لقصصها وخاصة لرموز القصص وتنقلات أحداثها .إن هذا حق مكتسب لي ولها فقصصها تذكرنا بألرسم التشكيلي .
قرأت بعض القصص لاكثر من مرة وكلما يزداد ألمرء إمعاننا في قراءتها يجد معان جديدة لم يكتشفها من قبل فتحلو له قراءتها من جديد. كما أن كل قصة من قصصها تفك لغزاً من الغاز حياتنا اليومية وتعيد لملمتها بمرآة تعكس حقيقة ثنايا الواقع بتناقضات الوانه المتداخلة. فقصصها كما ذكر د سيار الجميل الذي كتب مقدمة المجموعة "أنها تهدف لإحداث تأثير قوي مهيمن على القارئ". وقد لاحظت من خلال قراءتي لهذه القصص أن من أهم أسباب هذا التأثير أن د غادة كثيراً ماتعرض حكاياتها بصورة سردية مع ذاتها فتطوي حوار صراع شخصيات الحدث وتختزلها بشكل فني رفيع محدثة تفاعلاً سريعاً قوياً بينها وبين القارئ فيجد القارئ نفسه منساقاً لفعل هذه القوى دون ردة فعل معاكسة لذلك.
رقة ألتعبير وجمال ألتصوير
إن قراءة كل قصة لاتستغرق سوى دقائق معدودات لكنك لاتستطيع الإفلات من سحر ايقاعاتها فتبقى تلازمك حتى تملأ خيالك أحداث قصة أخرى ففي قصة الشفق القطبي نجد الحبيبة ترفض خلع قلادتها التركواز لانها تعتبرها تعويذة تقي حبهما
ولكن ما أن يفتح الحبيب عينيه حتى يجد إختفاء الحبيبة كالسراب ولم يبق منها سوى كرات التركواز تتدحرج على الارض.
لاتخلو أية قصة من تعبير فني تصويري يهيمن على أحاسيس القارئ  تصوير.. نجده كالهدهدة حينا وصراخ صامت حينا آخر. منها ماقرأته في قصة زائر القلب حيث توظف د غادة أجمل الكلام عن أسوأ حال لحبيبة ويمكن وصفها بأنها تحفر الأمل في صخرة اليأس ونجدها ترسم ببضع كلمات لوحة فنية رائعة تستفز الأحاسيس الإنسانية بقولها " وتركها تغزل الشوق بالصبر وتكتب حكايا للعاشقات الصغيرات..." ألا ترى عزيزي القارئ أن هذا التعبير بجملة واحدة فقط يوحي بلوحة فنية لإمرأة تغزل وفي نهاية خيط مغزلها قلم وتجلس بجنبها شابة يافعة تقرأ في قصة منحوتة على الصخر. على عكس  الفكرة التقليدية ومايكتب عند هجر أوفقدان الحبيب حيث يفيض الكاتب في وصف حال الحبيبة المزري والبكاء والعويل.
النقلات النوعية
كثيراً ماتنقلنا الكاتبة في لحظات فقط من أرقى الأحاسيس الإنسانية والمشاعر المفعمة بالحب الى أدنى حالاتها في الخوف والرعب كما في قصة الإفتراس"اندفعا يتقلبان ضاحكين .... يؤرخان لحياتهما بالدقائق التي يقضيانها معاً مرحين متألقين" تنقلنا فجأة الى " أخذ نباح الكلاب يعلو .. الى آخره من الوصف المرعب تعابير تنقلك الى أجواء الحدث فيزداد قلبك إضطراباً وتتحرج الكلمات إذ يتراءى لك سماع عواء ذئابهم وهي تنهش جسم الوطن.
أما في قصة التلويحة فتتمتم الحبيبة "كنا مثل عطشان إندفع ملهوفاً نحو الماء العذب ينهل منه بشغف وجنون من دون أن ينطفئ عطشه أو تخف حدته" ثم تنتقل فجأة وبدون إستئذان إلى لب الموضوع وكأنها لاتريدك أن تغادر الأجواء التي رسمتها لك فنسمعها تتساءل:
" لكنه لم يبرح المبنى ابداً , كيف السبيل الى الدخول اليه؟ أودعت أفكاري وكل شيئ عند الباب....
ولابد أن أشير هنا الى أن النقلات النوعية عامة تكاد تكون صفة مميزة للكاتبة غادة سليم لم تكن لتلجها وتزهو بها لولا ملكتها اللغوية العالية وخيالها الخصب.
الرمز
لقد علمنا النظام المقبور فن الرمز في جميع نواحي حياتنا تعلمنا أن نكتب بالرمز فقط بل نرمز بالصمت وحتى نقطع أنفاسنا وأنسالنا كي لا نعيش في الرمز وحتى أحلامنا الوردية شوهتها قوارض تدبي بأسنان وحشية.
لذا نرى د. غادة وهي تعيش اليوم في المهجر في رحاب الحرية لا تلجأ كثيراً الى البناء الرمزي السياسي في مجموعتها الجديدة (عطر الحب 2016) إلا في بعض القصص وأبرزها الإفتراس والتلويحة وكذبة نيسان على عكس مجموعتها الأولى الهاوية والتي صدرت في بغداد 1987 . إن الرمز هو جزء من بناء قصصها وهو جزء من قوتها وصورها الجميلة وإلا لتحولت القصة الى حلقة من قصص كان ياماكان الشعبية. في قصة الإفتراس تلخص الكاتبة مرحلة الهروب بكلمات قليلة دخل"أحد البيوت المظلمة" ليؤدي إمتحانه المطلوب "إجتاز الإمتحان بجدارة" ووافق مرغما على شرطهم في أن يقطع علاقته بحياته الماضية "وعندما خرج ليخبرها لم يجد سوى يدها وقد علقت بها بعض بقايا من ثوب". هذه اللقطة الفريدة تفتح الأفق واسعاً لكل ذوي القدرات الخلاقة , شاعر يحلق بخياله الى مهد الحضارة الى بلاد سومر ليحكي لها تداعي حضارتنا والرسام يجسد صورة مأساة أمه بكاملها والروائي يحكي رواية نزوحنا وهجرتنا. أما أنا فقد رأيت في هذه اللقطة يداً تشهد على جريمة إجهاز النظام وكلابه على الحرية وأبكتني أصابعها المعطرة برداء الوطن وهي تشير الينا، الى كل من ترك الوطن أعزلاً لينفرد به جبابرة النظام.
الأساس العلمي
الأساس العلمي يظهر خلال كتابات بعض الفقرات في قصص الكاتبة د. غادة م. سليم متخصصة في علم الجيولوجيا وليس الأدب وقد حصلت على شهادة الماجستير من بريطانيا والدكتوراه من نيوزيلندا) فمثلاً في قصة (كذبة نيسان) ذات البناء الرمزي المتكامل نجد أن د. غادة تجيد الإستخدام العلمي لخصائص قطرة الزئبق فالقطرة فيزياوياً تقاوم التجزئة والإنفصال والمارد لايستطيع تقطيع أوصال حب الحياة والحرية فقطرة الزئبق تقاوم بشدة رغبته العارمة في تحطيم قوى الإنسان من الداخل. أما في قصة (زائر القلب) تصف أستاذة الجيولوجيا وبرونق جميل هادئ تراكم الألم على الحبيبة عندما نقرأ " اما هي فمن طول الإنتظار تحولت تدريجياً الى صخرة ملساء نحتتها الأمواج بين المد والجزر فيتكئ عليها العشاق، ذابت كل الملامح مرة أخرى بعد أن أصبح العذاب طبقات وطبقات بين الأمل والإنتظار والإشتياق".
الغزل
اما في الغزل فالكلمات الرقيقة تنساب ببطء الى أعماق قارئها فتصيبه خمرة الحب ويطير ثملاً في فضاءاته ، كما تخللت قصصها تعابير جريئة لم تبلغ مداها المرأة العراقية من قبل فهو اسلوب جديد إمتازت وحدها به الكاتبة (المرأة) د. غادة  دون منازع. حاولت أن أجمع شواهد يسيرة من ثورة غزلها ومن رصاص كلماتها فوجدت أني أعيد كتابة وبعثرة قصصها مرة ثانية وعندها أدركت وهم بلوغ غاية الحلم ...حلم ستجدونه أنتم بقراءة نصوصها .