المحرر موضوع: النصر العسكري والمطاف الذي يسعى إليه الشعب!  (زيارة 575 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

كاظم حبيب
النصر العسكري والمطاف الذي يسعى إليه الشعب!
الانتصارات العسكرية التي بدأت تتحقق يوماً بعد آخر والمقترنة بتدمير مواقع عصابات داعش المجرمة بالموصل وتقليص مواقعها وإزالة فعلية لشبح "دولتها" اللقيطة بالعراق، وتحرير نينوى بالكامل من تلك العصابات الشريرة، أمر يسرُ كل العراقيات والعراقيين دون استثناء، ولاسيما بنات وأبناء نينوى الحبيبة. هذا النصر العسكري يدق مسماراً جديداً في نعش القوى الإرهابية والعدوانية لا بالعراق حسب، بل وفي العالم الذي يواجه القتل والتدمير الوحشي والجنوني من جانب عصابات داعش. 
إلا إن هذا النصر العسكري، الذي كلف الشعب العراقي المزيد من الضحايا البشرية، شهداء التحرير، والكثير من الجرحى والمعوقين، إضافة إلى آلام وأحزان ودموع وتشريد الملايين من البشر كنازحين ومهاجرين ومشردين بالعراق وبالشتات العراقي، وكذلك الخسائر المادية الحضارية لآثار العراق الفريدة، والذي كلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية أيضاً، لا يتوطد بهتافات الفرحة وسعادة النصر العسكري ولا بدموع العائدين الذين فقدوا الكثير من أبنائهم وبناتهم وما يعتزون به، بل النصر يتحقق بالعمل على كنس كل العوامل التي كانت سبباً وراء ما حصل بنينوى، وقبل ذاك بالأنبار وصلاح الدين وديالى وبغداد وغيرها من مدن العراق، بتغيير جذري للنظام السياسي الطائفي ومحاصصاته المذلة، بالتوجه صوب الدولة الديمقراطية الحديثة، الدولة التي تقوم على أساس المواطنة الحرة والمتساوية والواحدة، وليس على أساس الهويات الفرعية القاتلة، التي تسببت في موت مئات ألوف البشر بالعراق، والتي ستمارس موت الكثير أيضاً إن تواصلت سيادة هذه الهويات الفرعية على هوية المواطنة العراقية. إن القادم سيكون أمر وأقسى وأدهى إن استمر النظام السياسي الطائفي والمحاصصات الطائفية وذات الوجوه السياسية القميئة التي تسببت في الأعوام المنصرمة بما يعاني منه العراق حالياً.     
إن النصر العسكري يتوطد بتغيير كامل للسياسات التي مورست حتى الآن، بإعادة بناء الدولة الهشة الراهنة، بناء الدولة الديمقراطية الحديثة والعصرية وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الحديث، حيث كلاهما يرفض الطائفية والتمييز الديني والعنصرية ونشر الكراهية القومية والدينية والمذهبية والفلسفية أو الفكرية، كلاهما يعتمد مبادئ وقيم ومعايير لائحة حقوق الإنسان الدولية وبقية المواثيق والعهود الدولية (شرعة حقوق الإنسان) ويلتزم بتنفيذها والرقابة الصارمة على تنفيذها، دولة ومجتمع يسعيان إلى بناء التفاهم والثقة والاحترام المتبادل بين القوميات بالعراق وأتباع الديانات والمذاهب، والالتزام الثابت بحقوقها ومصالحها والتنسيق في ما بينها لصالح العراق الديمقراطي العلماني الحديث.
إن بناء المجتمع وتوطيد أركان الدولة الديمقراطية أثناء وبعد تحقيق النصر العسكري لا يتطلب التسامح بين العراقيات والعراقيين من كل القوميات والديانات والمذاهب والفلسفات لما حصل لهم حتى الآن حسب، بل يتطلب أولاً وأساساً وقبل كل شيء الاعتراف المتبادل بالوجود القومي المتعدد وبالوجود الديني والمذهبي (مذاهب دينية وفلسفية) المتعدد أيضاً وبالحقوق والواجبات، لأنه الطريق الوحيد والمناسب لضمان وحدة العراق ووحدة نسيجه الوطني والاجتماعي وتأمين تطوره السياسي وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتنظيف بيئت الملوثة.
إن الاعتراف المتبادل يتطلب أيضاً التسامح ممن تعرض للانتهاك، ولكن لا يجوز إهمال محاسبة من تسبب عن سبق إصرار بتدمير وحدة العراق ووحدة شعبه بمختلف قومياته واتباع دياناته وممارسة سياسات التمييز الديني والمذهبي والقومي بأبشع الصور والتجاوز الفظ على حقوق الإنسان وحقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب، والتي تسببت في نشر الكراهية والأحقاد والموت بالبلاد، ومن ثم فرض الاحتلال على أجزاء من وطننا الحبيب. إن فرحة النصر لا تتم إلا من خلال التغيير الحقيقي للنظام والنهج أولاً، وبإعادة النازحين والمهاجرين الراغبين في العودة وتعويضهم وإعادة إعمار المناطق المدمرة ثانياً، وحل المعضلات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق على أسس سليمة وعلى وفق دستور ديمقراطي عصري معدل لصالح توطيد الدولة العراقية الديمقراطية ثالثاً، ومحاسبة من كان السبب في ما تعرض له الوطن والشعب من خسائر بشرية وحضارية ومالية رابعاً.
على القوى المؤمنة بدولة ديمقراطية علمانية حديثة ومجتمع مدني ديمقراطي أن تتوحد في النضال من أجل تحقيق هذا الهدف لضمان تغيير ميزان القوى لصالحها لتحقيق هدف إزاحة من يسعى إلى تكريس ما كان سبباً في مآسي وكوارث العراق خلال الأعوام المنصرمة والمعرقل للتغيير الجذري المنشود.