المحرر موضوع: العراقيون يعيدون طباعة أول رواية عراقية بعد مئة عام  (زيارة 765 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31322
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراقيون يعيدون طباعة أول رواية عراقية بعد مئة عام
البحث عن بدايات الرواية العربية أو منشئها في كل قطر عربي على حدة يساهم في اكتشاف مسارات تطور هذا الجنس الأدبي، حيث ما تشهده الرواية العربية اليوم من طفرة ليس وليد الصدفة أو الفجئية بل له جذوره العميقة.
العرب/ عنكاوا كوم علي لفته سعيد [نُشر في 2017/07/07]

العراق الجديد يستجير بماضيه
تسعى دور النشر التي تبحث عن ربح إلى نشر النتاجات الروائية الحديثة ولكتّاب محليين أو عالميين من الذين وضعوا لهم بصمةً في الخارطة الإبداعية بهدف الحصول على زيادةٍ في المبيعات، وبالتالي الزيادة في الأرباح. لكن دار سطور العراقية التي لم يمض على تأسيسها إلّا بضع سنوات، وبعد أن تمكنت من تحقيق سمعة ورواج لمطبوعاتها المختلفة، فاجأت الوسط الثقافي العراقي وربما العربي بخبر إعادتها طباعة أول رواية عراقية صدرت في مطلع القرن العشرين والتي عدت بحق الرواية الرائدة في السردية العراقية.

رواية رائدة
ربما سمع الكثير من الأدباء رواية “جلال خالد” للأديب والصحافي العراقي محمود أحمد السيد التي صدرت طبعتها الأولى عام 1928، وتداولوها في المؤتمرات والمهرجانات وحتى الأماسي الثقافية حين يكون الحديث عن تاريخ السرد العراقي أو الرواية العراقية تحديداً وبواكيرها، لكن الأغلب والأعم من الأدباء وخاصة من الأجيال المتأخّرة لم يقرأ هذه الرواية، وهو ما يعطي أهمية بالغة لإعادة إصدار هذه الرواية الأولى عراقيا.

رواية (جلال خالد) تمازج ما بين القص والرواية وربما تكون أقرب إلى التلاقي مع المفهوم الجديد الذي ربط الرواية بالقصة
لكن إعادة نشر الرواية لا يخلو من مجازفة لأنها ربما لن تكون الرواية التي تحصل على مبيعات أكثر، ولكنها المجازفة الكبيرة في أن أوّل رواية عراقية يعاد طبعها ربما بعد أقل من 100 عام على صدورها وتلاقي الرواج عند الكتاب والأدباء وحتى القرّاء وهو أمر يدعو إلى التفكير مليا بتاريخ الرواية العراقية، وهو ما أكدته دار النشر بأن الإقبال على الرواية كان بشكلٍ غير متوقّعٍ، وما خطّطت له الدار بأنها تسعى إلى توثيق السرد العراقي وإعادة الروح إليه بغض النظر عن الربح.

ثم إن إعادة طبع الرواية تعد تشجيعا على البحث عن الروايات الرائدة الأخرى لإعادة الروح إليها، وفتح ذائقة الجيل الجديد، إضافة إلى إثارة الدارسين والباحثين.

إعادة إصدار هذه الرواية تعني إعادة الروح إلى النصّ السردي الرائع الذي كان من أولى علاماته التي يؤكّد عليها النقاد العراقيون أنه يحاول ربط الواقع بالوهم وتمييز الحقيقة من الوهم إذ تقدم الرواية قصصا مشوّقة وتعطي مرجعيات زمنٍ ومرحلةٍ مهمةٍ من تاريخ العراق. كما تبين المرحلة التأثيرية ما بين الأدب العربي والأدب المستورد أو أدب التأثّر بما وصل إليه في تلك المرحلة من محايثة وتأثير خاصة من حيث تأثير الترجمات التي كان يعيها محمود أحمد السيد بسبب دراسته في الهند ومعرفته باللغة التركية في حينها التي تطّلع على ثقافات أوروبا بكل تأكيد.

فرواية “جلال خالد” حتى وإن كانت تمازج ما بين القص والرواية فإنها اليوم ربما تكون أقرب إلى التلاقي مع المفهوم الجديد الذي ربط الرواية بالقصّة تحت يافطة السرد، ونتبيّن من خلالها أيضا المرحلة الثقافية التي كان عليها منتج النص في تلك الحقبة الزمنية. ولهذا فإن الخبر الذي تلقّاه الوسط الثقافي العراقي وخاصة الوسط الأدبي ومتلقّي النص الروائي، هو أن الجميع يعود إلى مرحلة التأسيس ثم ينطلق صعوداً إلى المراحل الزمنية التي امتدت من عمر الرواية العراقية خلال 100 عام والتي أنتجت المئات من الروايات. لكن رواية “جلال خالد” لمؤلفها محمود أحمد السيد تبقى الثريا التي أنارت طريق السردية العراقية، لأنها، أي هذه الرواية، ظلّت مثار إعجاب الأجيال اللاحقة لها في مرحلة الثلاثينات والأربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي.

سردية تجمع الرواية بالقصة

مسار تاريخي
وقد تلا إصدار هذه الرواية خلال تلك الفترة إصدار روايات منها “مجنونان” لعبدالحميد فاضل و”الدكتور إبراهيم” لذي النون أيوب، الذي أصدر رواية ثانية حملت عنوان “اليد والأرض والماء” ليكون التطور اللاحق في مرحلة الستينات حين صدرت رواية “النخلة والجيران” لغائب طعمة فرمان ورواية “الوشم” لعبدالرحمن مجيد الربيعي في السبعينات. وقد ساهمت هذه الروايات في مغادرة الرواية العراقية للتأثير الأول كرواية أخلاقية ووعظية، الذي ابتعدت عنه الرواية الستينية، لتدخل الرواية العراقية مرحلةً جديدة.

لكن العين الأولى التي فجّرت ينابيع السردية العراقية كانت “جلال خالد” التي بثّت وجود القلق والأسئلة، سواء ما كان منها أسئلة وجودية أو أسئلة دينية، فقد أسّست لمنطلقٍ أن السؤال هو الأساس الذي تتحرّك حوله الممكنات السردية للبحث عن إجابةٍ جديدةٍ خارج دهشة القراءة، وما بعد القراءة وهي كذلك أسست للانتقاء الأيديولوجي في الكتابة وعدم التفريق بين الأفكار الخاصة والأفكار المبثوثة، لأن الوعي هو الذي يحرّك كلّ هذه المترابطات.

وإذا كانت رواية “زينب” للأديب المصري محمد حسين هيكل الصادرة عام 1914 تعد رائدة الرواية المصرية فإن “جلال خالد” تعد أساس الرواية العراقية، لذا يعاد إصدار هذه الرواية بهدف المشاركة بإعادة تأسيس الوعي والذاكرة التاريخانية، بل لتوصيل الخطوط المتقاطعة ما بين الأثر والأصل وما بين السطور وما يلي ذلك من

كتابات وسرديات، دون القول إن هناك نقطةً في رأس السطر، لأن الواقع يقول لا شيء بلا بدايات.

والرواية العراقية ما كان لها أن تتوغّل في الإبداع وأن تصل إلى مدياتٍ أوسع، سواء في الخارطة المحلية أو العربية أو حتى العالمية لولا “جلال خالد” ومنتجها محمود أحمد السيد، لأنها كانت العلامة الواضحة والمضيئة وليس الفارقة فقط لأن الأشياء الجديدة تستجير بماضيها وتفتخر به.