المحرر موضوع: جاء يبحث عن دار أم لجين ... بقلم : آرا سوفاليان  (زيارة 561 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sound of Soul

  • الاداري الذهبي
  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 13100
  • الجنس: أنثى
  • اردت العيش كما تريد نفسي فعاشت نفسي كما يريد زماني
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.ankawa.com/forum/index.php/board,53.0.html



 يحمل أكياس بيديه ويقرع جرس بابنا يسأل مرة عن منزل كمال ومرة عن منزل أم لجين وقبلها عن دار البحري حتى ظننته السندباد البحري.

سألته بدماثتي المعهودة : ألا تعتقد أن مرحلة تصفية الثأر قد انتهت ما بينك وبين هذا الباب الأبيض الذي يحمل اسمي.
قال لي : آسف فأنا لا أتعمد ذلك.
وخرجت جارة من إحدى الأبواب وقالت بصوت مرتفع : هذه الحيلة لا تنطلي علينا ... تقرعون جرس الدار فإن لم يفتح أحد تعرفون أن الدار خاوية فتسارعون إلى خلع الباب وسرقة الدار لدرجة أن هناك بيوت في جرمانا تم سرقتها عدة مرات ... ثم أدارت وجهها باتجاه إحدى الأبواب وأردفت قائلة: ولأن الألفة والمحبة موجودة بين الجيران يمكنكم إفراغ كل محتويات الدار دون أن يعترضكم أحد أو يفطن لكم ولو بمجرد سؤال ... لأنه والحمد لله وبمعية قانون الإيجار الجديد فهناك شاحنة ذاهبة وشاحنة آتية أمام كل بناية الأولى تنقل عفش والثانية تنقل فرش.
قلت لها : على رسلك أيتها الجارة العزيزة ... دعينا نسمع من الرجل ... فتنهد ثم قال بنبرة لا تخلوا من الانكسار: أنا من العراق ... جئت مع عيالي إلى الشام في منتصف الصيف الماضي بانتظار مرور الغمامة التي تحولت إلى عاصفة لها بداية ولم تعد لها نهاية ونفذت النقود التي أحضرتها معي وقررت العمل بأي شيء، مقابل ما يسد الرمق ويستر على عيالي فلم أعثر إلاّ على هذه الشغلة ( بتفخيم الغين) ...!
أما الشغلة فهي التالية : عامل سوبر ماركت ... والسوبر ماركيتات في جرمانا (على قفا مين يشيل ) ، ففي العباسيين حيث سكن أهلي كانت أقرب بقالية تبعد عنا مائتا متر ولا يوجد غيرها في عين المكان، أما في جرمانا فإن أقرب عشرة سوبر ماركيتات تبعد عنا تقطيعة شارع ... فلقد كان منح الرخصة في الشام لبقالية يوازي في صعوبته نقل جبل قاسيون من مكانه وبالطبع لم يكن هذا الفعل صحيحاً على الإطلاق، أما في جرمانا فإن بناء ثلاثة طوابق مخالفة فوق السطح يعادل في صعوبته رشفة من فنجان قهوة.
فلقد عثر المسكين على عمل في سوبر ماركت والعمل هو التوصيل المجاني والتوصيل المجاني يقتضي البحث عن أم لجين ويقتضي إجتراع الذل والمهانة.
ورفع الرجل الأكياس التي في يديه وقال: هذه الأغراض لسيدة اسمها أم لجين وهي زبونة المحل تطلب أغراضها بالهاتف ... ومشكلتي أنني حديث العهد بهذه الشغلة وأخاف أن أفشل فأخسر عملي ... قالت الجارة : لا يوجد في هذه البناية أحد بهذا الاسم .
ونزل الرجل ودخل إلى المصبغة ثم خرج خائباً فسأل بعض الصبية وصعد إلى البناية المقابلة لبنايتنا ثم نزل وعلامات اليأس والإنهاك ظاهرة على وجهه والأكياس لا زالت في يديه ... وكل ذلك من أجل خمسة ليرات أو عشرة ليرات أو من أجل لا شيء تحقيقاً للمبدأ الذي درجت عليه المنافسة ومبتدعوها وهم أصحاب السوبر ماركيتات في جرمانا حيث تتم الاستهانة بإنسانية إنسان تربطنا به شعارات رددناها في باحات المدارس ومعسكرات الجيش ملايين المرات حتى بحت حناجرنا وأهلنا من قبلنا وأطفالنا كذلك .
فنلطش منه مبلغ مروع على سبيل الإيجار ونعامله معاملة السائح من الدرجة الممتازة ونساويه بأصحاب السيارات الفخمة المفيمة التي يبحث أصحابها عن المرابع الليلية طالت أعمارهم دون أن نلحظ بأن الخف الذي ينتعله في قدميه حيث تبرز أصابع قدميه المزرقة، ينتعله بسبب الفاقة وهو لا يناسب برد كانون الثاني ولا يناسب الماء الآسن في جرمانا المتخلف عن الأمطار حيث برك الأوحال التي تتوسطها أكياس الزبالة العائمة ، ونسمعه ما لا قبل له بسماعه من ترهات وتشفيات يفهم منها بأنه غير مرغوب فيه ولا بعياله تحت طائلة تكرار حفلة تكسير السيارات باستخدام الحجارة والعصي والمعاول والسيوف المسلولة في ساحة السيوف، مع أن المسيء واحد والمعاقبون بالآلاف وأخلاقنا العربية تأبى التشفي والتنكيل حيث لا تزر وازرة وزر أخرى، وحيث سيسجل لنا التاريخ مآثرنا وتلك الفعلة، أما العقوبات الجماعية فهي من شيم جيراننا الذين فرضوا جيرتهم قصراً فقبلناها صاغرين وعار علينا أن نتحلى بصفاتهم.
هذا الرجل وأمثاله ليسوا سياحاً ... ولم يعرفوا السياحة حتى في بلدهم ولم يألفوها... فلقد انشغلوا في تحقيق نزوات الغير... تلك النزوات الغير قابلة للتحقيق... انشغلوا في تأمين المليارات ووضعها تحت قدمي الغرب الذي رفه بها أبنائه وأنفقها على البناء والعمران والطب والبحث العلمي والفضاء وتطوير المخترعات وتطويع المكائن في خدمة الإنسان، وتطويع الإنسان وفرض العبودية عليه في أماكن أخرى من جنبات الأرض، وحبك المؤامرات وتغذية الصراعات وبث التفرقة والطائفية، وتجييش الجيوش وإرسال الأساطيل، وافتتاح السجون ونقل السجناء بالطائرات حول العالم، وتطويع الأمم المتحدة لترقص السامبا والرومبا على الألحان والإيقاعات الأفريقية في حين لا يعرف راقصوها إلاّ الرقص على ألحان شوبان.
انشغلوا في تأمين المليارات ووضعها تحت قدمي الغرب الذي أنفقها في المجون والجنون وهوليوود وحرب النجوم والأقمار والكواكب والمجرات وحروب العهر على الفضائيات وحروب الانحلال الخلقي والدعارة والمجون وتشريعات المثليين وزواج المثليين في برلمانات الغرب، وفضائح الرؤساء والتحرشات الجنسية بالمرؤوسات، ليتبين أن المرؤوسين والمرؤوسات أفخاخ وكمائن وضعها آخرون في طريق البعض بهدف تشويه سمعة البعض الآخر لإقصائه وحزبه قبل انتهاء ولايته في محاولة من الحزب المعارض لكسر ذراع الحزب الحاكم... ومحاكمات صورية ومهازل وتحليل بقايا السائل المنوي على الملابس الداخلية للضمائر وفواتير لها بداية وليست لها أية نهاية لطالما أن هناك سيل من الدافعين المتضررين الصاغرين الخاشعين الساجدين للراعي وعصاه وعصى جلاوزته القساة.
انشغلوا في تأمين المليارات ووضعها تحت قدمي الغرب الذي جهد مستميتاً لتشغيل مصانع الأسلحة لديه بالطاقة القصوى وتقديم نتاجه كضرورة مصيرية لمواجهة خطر وهمي غير موجود ضاعت أرواح الملايين في سبيل تحقيقه... ليتم رميه فيما بعد بجرة قلم...أو لمواجهة خطر آخر وليس وهمياً هذه المرة... وهو إفراغ حاضنات للأطفال في إحدى مشافي الكويت عن طريق إلقاء شاغليها منها إلى العراء بلا شفقة ولا رحمة إلاّ رحمة الله ... ومصادرتها... ونقلها مع آلاف السيارات المسروقة إلى الوطن وكأن الكويت تعود من حيث مواطنة الدولة إلى وطن آخر... وفي الحالتين لم تنفع الحاضنات ولا السيارات المسروقة في إيقاف جنازات الأطفال الجماعية التي كانت تجوب شوارع بغداد منطلقة من مشافي الأطفال ومنتهية إلى عين المكان الذي باتت تنتهي فيه كل أحلامنا وآمالنا.
انشغلوا في تأمين المليارات ووضعها تحت أقدام جلاديهم وأبناء جلاديهم الذين اجتمعت فيهم براكين شهوات راسبوتين وأمثال راسبوتين بحيث لا يستطيع إطفاؤها أسطول أو كافة أساطيل سيارات الإطفاء التي توالت على كل مراكز الإطفاء حول العالم في الماضي أو الحاضر وحتى في المستقبل... وحوش الجنس المنفلتة من عقالها في مواجهة حملان وديعة لا يحميها إلاّ قانون الغاب، ليبقى الجنس والغريزة البهائمية هي عقدة المؤلهين بفتح اللام في شرقنا العتيد الحالم والنائم دوماً على صدى نغمات العود الملقى في حضن شهرزاد .
وضاعت المليارات ، وتحولت الأسلحة إلى أكوام مروعة من مقابر الخردة الصدئة تنشر التلوث والأشعة الضارة، وضاعت الأرض وضاع الوطن وضاع الأمل وضاعت الفكرة السامية وهي وحدة الأمة لتتحول إلى شعار مقيت.
واستعاد الغرب كل المال الذي دفعه في شراء النفط بدءاً من أول قطرة نفط تم العثور عليها في أرض العراق ثم الكويت ثم السعودية والخليج وكل المشرق العربي ومصر وليبيا والجزائر وفي الجزائر قصص تدمي القلوب، وكل بترول المغرب العربي بكل دوله ودويلاته وصحاريه وسواقيه الغث منها والنفيس انتهاء بساقية الذهب وكل سواقي الذهب، مروراً بالزيادات والعلاوات التي تمخضت عن إرهاصات بترول العرب للعرب والبترول هو السلاح الأمضى في معركة الأمة... ليتضح أن كل ذلك قد ولى ومضى وبأبخث الأثمان وفرغت جيوب أصحاب العقل المذهبة والعباءات الفضفاضة البيضاء والخناجر المعقوفة المذهبة... الذين راهنوا على كل ما بقي من ذهبهم ونوقهم و خناجرهم المذهبة أيضاً في أسواق المال والبورصات وخسروا كل ذهبهم و خناجرهم التي ضاعت في فم تنين دول الشرق الأدنى وذيله، وفي كل بورصات الشرق وضاعت بقية أموالهم التي تم تجميدها في مصارف الغرب بحجة مكافحة الإرهاب الذي لا وجود له إلاّ في العقول المتحجرة المتقوقعة المتحولة إلى مستحاثات كان لنا النصيب الأكبر منها بسبب قلة فهمنا وتدبيرنا واستسلامنا لكذبة كبرى أسميناها قدرنا.
فلو أن ربع هذه الأموال صرفت في التعليم واحترام الإنسان وفرض مبادئ المساواة والعدالة والتكافؤ لكنا الآن في مصاف الدول العظمى... فالصين التي انضمت مؤخراً إلى نادي الدول العظمى كانت في الأربعينات من القرن الماضي من أكبر الدول التي تزرع فيها المخدرات وكان شعبها يلقب بعبارة الشعب الكسول المدمن بل والأكثر إدماناً من بقية شعوب الأرض قاطبة بل والشعب الذي لا خير فيه وكان ماو تسي تونغ قد قرر حمل مشعل الثورة والجري إلى الأمام فلقد بدأ بنفسه فطلب من زوجته تقييده إلى الكرسي الخشبي بالحبال وعدم الإجابة إلى توسلاته عندما تحضره نوبة طلب المخدرات... وشفي ماو تسي تونغ ... وشفيت الصين... وتحولت في فترة وجيزة من بلد الكوكائين وكافة صنوف المخدرات إلى دولة عظمى .
ونحن لا ينقصنا شيء سوى العزيمة الصادقة ومحبة الأوطان والأوطان هي بالمجمل كل تلك المزق التي نتجت عن تغلغل سكين المستعمر في جسد أمتنا... فلدينا الإنسان ولدينا الضمائر ولدينا اللغة الواحدة والمصير المشترك وكتاب الله يعصمنا... حيث يطيب لصديق لي وهو طبيب من أصل عراقي أن يردد على مسامعي العبارة الآتية بعد كل مناقشة تجمعنا : الأمة العربية بكل دولها والعراق من بينها هي من أكثر الأمم المنتجة للعلماء والفاقدة لهم في آن معاً.
وتدمع عيناي في كل مرة أرى فيها شريط فيديو سجلت عليه مسرحية عودة مغترب وهي مسرحية من تأليفي وتلحيني ومهدات لطلاب الصف السادس في مدرسة الرسالة الخاصة لزوم حفلة نهاية العام 2006 حيث علمت أن هناك طلاب أرمن جاءوا من العراق وكان من واجبي ضمهم إلى المسرحية فاخترت لأحدهم الدور الآتي:
المسرحية تفترض وجود فريق من الطلاب والطالبات توجهوا إلى المغترب لمقابلة المغتربين ومساعدتهم على العودة ... حيث تتم بالمصادفة مقابلة طبيب من أصل عراقي يعمل في المغترب وتتم محاورة باللهجتين العامية الشامية والعراقية ما بين طالبتين في مواجهة الطالب العراقي الذي يلعب دور الطبيب في المسرحية ... والمحاورة هي الآتية:
ـ بتعرفنا عن حالك يا سيد
ـ أنا ... أيمن
ـ منين يا أيمن
ـ أنا من البلد يلي ما كو أجمل منها ... أنا من البلد يلي توزع العلم والخير على كل البلاد... أنا من دجلة والفرات... أنا من البصرة والموصل ...أنا من العمارة ومن كربلاء ... أنا من بغداد
ـ وشو جابك لهون
ـ أنا هنانه من قبل الحرب تركت أمي وأبويي وأخوتي وخواتي وجيت أتخصص في جراحة القلب ولكن للأسف لقيت النخل يابس والتمر خلال ولاقيت أخلاقهم دق النجف ... الدنيا حرب وما كو مين يدزلي فلوس ... وهسا طردوني من المشفى ومن الجامعة.
ـ وشو كنت تعمل بالمشفى
ـ والله يا أختي ... أنا كنت أداوي العلوج
ـ بترجع معنا عالشام
ـ إي ... لكن أقليتش ... ما كو فلوس ولا أوراق
ـ شو ما بتعرف أنو الشام بلد الضيافة والكرم ... رجاع معنا ... بيسواك يلي بيسوانا.
أما الخلفية الموسيقية لهذا المشهد فلقد أخترتها من روائع الأغاني الشعبية العراقية ومما تدخره الذاكرة الشعبية لأبناء العراق فيما يخصنا كسوريين ننتمي إلى سوريا أحد أقاليم بلاد الشام التي تقع إلى جهة الغرب من العراق وفلسطين إحدى هذه الأقاليم والأغنية تقول:
يا زارع بزر الجروش
إزرع لنا حنة
وجمالنا غربن وا ويلي
للشام وما جنّ
ومحملات دهب وا ويلي
وفوق الدهب حنة.
الحمد لله أن جمالهم صارت تعبر الحدود باتجاه الغرب باتجاه الشام فهم اخوتنا وموضع محبتنا ... أما هذه الغمامة السوداء فمصيرها الزوال ... وعامل التوصيل المجاني العراقي سيعثر على دار أم لجين ولن تبقى هذه الأحمال في يديه ... وسيعثر هو والعراق أيضاً على رحمة الله لأنها الحق الأوحد والنور الساطع الذي يضيء كبد السماء.
أما العبارة العصماء التي رددناها في باحات المدارس ومعسكرات الجيش ملايين المرات حتى بحت حناجرنا... وأهلنا من قبلنا وأطفالنا كذلك دون أن نخطوا في سبيلها خطوة واحدة فهي طوق نجاتنا وهي الضمان الوحيد الذي يمنع ضياعنا وضياع أموالنا وأبناؤنا وأوطاننا وضياع عامل التوصيل المجاني وضياعنا معه كعمال توصيل مجاني من مشرق العالم العربي إلى مغاربه ومن ضياع العراق ومن خلفه وطننا بالمجل وشعبنا وكل أمانينا.

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الارمني
دمشق 12/01/2007




http://www.ankawa.org/vshare/view/10418/god-bless

ما دام هناك في السماء من يحميني ليس هنا في الارض من يكسرني
ربي لا ادري ما تحمله لي الايام لكن ثقتي بانك معي تكفيني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,603190.0.html
ايميل ادارة منتدى الهجرةsound@ankawa.com