المحرر موضوع: فضل الأم  (زيارة 830 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نوال اسطيفان ممو

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 12
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
فضل الأم
« في: 16:05 24/07/2017 »

فضل الأم
(مناجاة لروح المرحومة العمة العزيزة نزهت جبرائيل ـ ممو)
أنقى وأجمل وأرقى كلمة حب تجدها في قلوب الأمهات المؤمنات... وأعذب بسمة تتراءى على محياها حين ترى من أنجبتهم وهم قد بلغوا ما كانت تتمناه... ومهما بلغ بها العمر تحرّكُها أحاسيسها ومشاعرها وكأنهم بحاجة إلى لمسات حنان الطفولة رغم مسعاهم في تواصل بنائهم عش الزوجية... كما وتعصرها الحسرات وتلهبها الآهات عن أي مُصاب يحل بهم رغم كبرهم. وأكبر دليل على ذلك ما صاغه أحد الشعراء حين طلب أحدهم أن يأتيه بفؤاد أمهِ مقابل مبلغ مُغر ٍ من المال، وما أن غرس الخنجر في قلب أمهِ وحمله لمن أطمعه وأقنعه بذلك الفعل، راح مهرولاً وقلبها في يده ليتعثر من غضب السماء. وحين أحس بجريمته
(ناداه قلبُ الأمِ وهو مُعفرٌ:
ولدي، حبيبي، هل أصابك من ضررْ؟

واستلَّ خنجرهُ ليطعنَ صدرهُ
طعناً سيبقى عبرةً لمن اعتبرْ

ناداه قلبُ الأمِّ: كُفَّ يداً ولا
تذبح فؤادي مرتين ِ على الأثر)

هكذا هو قلب الأم مهما حلت بها المصائب وبلغت بها المتاعب وصادفتها أحلك المصاعب لا يفارقها الشوق والحنين لفلذات أكبادها من حين لحين.
بهذه التقدمة شدني الحزن والأسى لأناجي من كانت لي السند المعين رغم معاناتها من الداء العضال اللعين. وعلى حين غرّة وهي تعاني من نزاع الإحتضار ومن حشرجات روحها، فقد أسعفنا الوقت أن نكون بالقرب منها من الأبناء والأحفاد بعيون تذرف العبرات، والغصة تعصر قلوبهم بإلتفافهم حول سريرها في لحظاتها الأخيرة بسماعها لأدعيتنا وهمسات مناجاتنا لها بأعمق المشاعر وأرهف الأحاسيس، وهي مستجيبة لتوسلاتنا بنظراتها الغائمة بين الحين والآخر وبتلك القبلات الأخيرة المتتالية التي تلبي فيها دعواتنا وهي في شبه غيبوبة وكأن تلك إستجاباتها رمز الإشارة لنا لتلك اللحظة التي أستجابت ولبت نداء ربها.
ومن جراء هذا الموقف المؤلم والمحزن والمؤثر جداً، هزتني مشاعري لأناجيك على الغيب يا أمّنا الحنونة ويا عمتاه الرحومة، وأنتِ في رحلتك الأبدية لدار حقك في جنان الخلد من الفردوس الأبدي.

(فضلك يـا أمي      ما فـوقه فـضـل
فـكـل خـيـر لي      أنـت لـه أصــل
كـيـف أوفــيــك      شـيئا من الدين؟
أو كيف أجزيك      يـا قــرة الـعين؟)

نعم.. يا عمتاه ويا أماه، هكذا شاء القدر، تحت سماء ذلك الليل الحالك، إنطفأ نورك البهي.. خمدت أنفاسك المتثاقلة معلنة للكون إختفاء نجمة ظلت متوهجة طيلة ثمانية وثمانين عاماً.. كافحتِ وتحملتِ.. ربيتِ وتعبتِ .. حملتِ الهموم وتحملتِ وخزاتها وحيدة في هذه الحياة الفانية.. لتنجبين نجوماً لامعة في سماء الحياة. كنتِ قمراً ينير ظلام ليالينا بتلك نصائحك المجدية وأحاديثك الشجية بوجدانك المرهف.. كنتِ بسمة تداوي أحزاننا في كل وقت من الضيق.. كنتِ نسمة تبعث روح العزيمة فينا إلى اللحظة الخاطفة التي أعلنت فيها عن التحاقك بمن سبقوك إلى الأخدار السماوية وهم في إنتظارك وأقربهم فلذة كبدك المرحوم سلمان والمرحومة نرجس.
وبالرغم من رحيلك الأبدي فإن ما تركتيه لنا من ذكريات جميلة ستبقى عالقة في خيال ذاكرتنا بتلك ملاطفاتك وإبتسامتك التي لا تغيب عن بالنا في السراء والضراء.. فألف رحمة عليك يا عمتاه ويا أماه، ومثواك الجنة بين الصالحين والأبرار.
وفي خاتمة المطاف أضيف همساتي الرقيقة لأجمل صورة أضافتها إحدى الشاعرات حين جسدت مشاعرها عن ربّها وعن أمها قائلة:
( لو لم تكن ربي وسر هدايتي       لعـبدت أمي فهي نور حياتي
      لكنني يــــا رب مؤمنــة بـمن                  خـلق الحيــــاة وأنزل الآيـات)
   

نوال إسطيفان ـ ممو