المحرر موضوع: الثائر والثور  (زيارة 769 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الثائر والثور
« في: 19:31 31/07/2017 »
{الثائر والثور}

جوزيف إبراهيم
لكي يتمكن العمدة من السيطرة النفسية والجسدية على أبناء قريته ويتفرد بالقول والفعل, كان لابد له أن يزرع الخوف ويد
ب الرعب في نفوس قروييه وان يفرق بينهم ليسود عليهم, ولتنفيذ هذه الاجندة دلل ثوراً ضخماً هائجاً مائجاً لكي يستخدمه متى استدعت الحاجة, لقمع كل من يقف عثرة أمامه وأمام مشاريعه التوسعية الغامضة, مرت السنين دون أن يتحسن أداء العمدة وثوره ومستشاريه, رغم التطور التقني الهائل والتواصل الاجتماعي الذي جعل من الكرة الأرضية قرية صغيرة.
كان القرويون المساكين يتذمرون لبعضهم البعض عن وضعهم ألرديء السيئ خفيةً , خوفاً من بطش العمدة وثوره الهائج على حياتهم وحياة اسرهم ومصدر رزقهم لكن دون جدوى , هذا التذمر وفش الخلق الكلامي للتنفيس قليلاً عن الاحتقان النفسي وكرب صدورهم , وصل للعمدة عن طريق أعين وآذان عملاءه وجواسيسه المنتشرة بين بعض أبناء القرية وجوارها, انتقاماً لهذا التذمر البسيط قرر إطلاق العنان لثوره الجامح لتأديبهم ومنعهم حتى من الهمس لبعضهم البعض , فبدء الثور بالعبث بهم وبأرزاقهم وتخريب حقولهم ومحذرهم بالأسوأ ومتهماً ذكورهم بفقدان الرجولة.
هذه الجملة الأخيرة أثارت سخطاً شديداً لدى أحد القرويين المتعلمين, واعتبر هذه الكلمة الجارحة بمثابة تعدي صارخ على شرفه وشرف أهل القرية, فقرر تشكيل وإنشاء وقيادة جبهة سرية مناهضة للعمدة وثوره, فكان يعمل في جنح الظلام الحالك لتشجيع وتحريك القرويين ضد ظلم العمدة وثوره, وينام نهاراً, ونجح نجاحاً باهراً في استقطاب الغالبية العظمة من أبناء القرية.
هذه الحركة رغم بساطتها إلا أنها دبت الرعب والذعر في قلوب المتسلطين وثورهم , وأرغمت العمدة على تغيير أسلوبه القاسي مؤقتاً لكي يمتص حركة الثائر, فبدء بالتعامل بحكمة وروية مع الجميع دون اللجوء إلى العنف لإجهاض حركة الثائر والقضاء على مستقبله, كان الثائر يعمل دون كلل أو ملل لإنقاذ القرية من براثن ومخالب العمدة وثوره المائج ,إلى أن تمكن من إقناع معظم أبناء القرية بتنظيم مسيرة سلمية مطالبين, بتعديل أوضاع القرية وقرويها وإقالة الثور متلف الحقول أو وضع حدا له, وأيضاً لإنشاء مجلس إداري مصغر يشترك مع العمدة وعمدة العمدة بإدارة وتنظيم أوضاع القرية وساكنيها, ولينهي الكبت الجاثي على صدور الفلاحين ولتهيئة أرضية مستقبلية صلبة للأجيال الصاعدة,كانت الأخبار والمعلومات تصل بحذافيرها للعمدة وعمدته, فجهز كتيبة من الجوادة يتقدمهم الثور.
دنت ساعة الصفر انطلق القرويين من الساحة العامة للضيعة متجهين نحو دارة العمدة يتقدمهم الثائر وساعده الأيمن هاتفين بإيقاف الثور عن عمله ،وإنشاء مجلس إداري للقرية, وكان الجميع يداً واحدةً وقلبًا واحداً كما تعاهدوا الا يخونوا بعضهم البعض حتى الموت, وبينما هم سائرين لمزرعة العمدة لتقديم مطالبهم كان بعض من رجال العمدة قد انتشروا وتغلغلوا بين القرويين من خلال الصفوف الخلفية للمسيرة, محاولين إقناع القرويين تارة ترغيبا وأخرى ترهيباً بالانسحاب والعودة سالمين لمنازلهم.
وصلت المسيرة أمام قصر العمدة وإذ بكتيبة خيالة مدججة بالسلاح الأبيض تتقدمها الثور الهائج والرغوة البيضاء ترغوا من فمه وانفه, واقفين بحراسة العمدة ومزرعته منتظرين أوامر عمدتهم للفتك بالثائر وأعوانه.
تواجه الثائر وجهاً لوجه مع العمدة وثوره فبادره العمدة بالسؤال ماذا تريد أيها الثائر وما هي طلباتك, التفت الثائر كي يتقوى بمن خلفه و ليقول بصوت مليء بالقوة والحماس والثقة بالنفس عن شروطه وطلباته لكنه فوجئ وأندهش , إذ لم يجد أي قروي خلفه سوى ساعده الأيمن, فهز رأسه وقال : بصوت منخفض مبحوح, أبناء هذه القرية لهم الشرف العظيم أن يحرسهم ثوراً ناطحاً كثورك, لكن ليس حسناً يا كبيرنا وتاج رأسنا, أن يعيش ثورنا لوحده دون صديقة تونسه, فابتسم العمدة ابتسامة المنتصر, وعلم إن حركة الثائر قد تم إجهاضها وتم ترويضه ولو إلى حين فقال: له هذه ستكون مهمتك أيها الثائر فأمامك ثلاثة أيام كي تجلب بنفسك صديقة جميلة جذابة المنظر تناسب حجم وجمال ثوركم المدلل, وإلا نفيتك وعائلتك من هذه القرية إلى غير رجعة.
بقلم جوزيف إبراهيم في/25/06/2017/ استراليا..