المحرر موضوع: أبني الشهيد ليس ميتاً  (زيارة 1183 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل آشور قرياقوس ديشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 88
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أبني الشهيد ليس ميتاً
« في: 13:51 05/08/2017 »
أبني الشهيد ليس ميتاً
لكل امة رموز عديدة تعتز بها  وتأخذ حيزاً ومكاناً في حياة المواطن  الى حد التقديس أحياناً . وهذه الرموز تحكي مرجعية ذلك الشعب وتأريخه ومكانته ومن الأمثلة لهذه  الرموز التي تجمع حولها الشعب هي الأرض او الوطن والعلم  والنشيد الوطني واللباس القومي والشهيد أو الشهادة .
الموت هو قدر الجميع وأن أي انسان يمكن ان يموت ولأي سبب . ولكن ان يضع أي انسان حداً لحياته من أجل الاخرين او  من اجل قضية او معتقد  ولأنه يرفض أن يتخلى عن مبادئه ومعتقداته ويضع حياة شعبه وأمته وأهله فوق كل أعتبار ويضحي بحياته من أجلهم  فذلك هو الشهيد .... والشهيد هو الشخص الذي يؤمن بقوة بمبادئه ومعتقداته ... وغير مستعد لقبول تسوية آخرى غير ان يحصل على حقوق شعبه وامته كاملة
وأيماناً بمكانة هذه الروح التي سيظل يومه صرخة مدوية في وجه الضعف والهوان الذي يسكن فينا وسيبقى تاريخه  أداة حشد وبناء لهذه الامة لبناء المستقبل.
كتبت هذه المسرحية باسم : أبني الشهيد ليس ميتاً ..نشرت في عنكاوة دوت كوم في 2010 واقدمها لقراء هذا المنبر مرة ثانية أعتزازاً  بذكرى الشهيد الاشوري المصادف في 7 أب - 2017
تم تقديم هذه المسرحية في جمعية الشبيبة الاشوري  في تورونتو – كندا وحضرها جمهور كبير من شعبنا اخرج المسرحية الفنان الكبير الأستاذ أندرية .. وتمثيل الفنان الكبير زيا البازي والفنان بانيبال ( باني ) والفنانة فيفيان.
أبني الشهيد ليس ميتاً

اشور قرياقوس ديشو
تورنتو ـ كندا
ashourdisho@yahoo.com



غرفة صغيرة تبدو من اثاثها بانها لعائلة فقيرة  ، كل ما فيها أشياء قديمة بالية. يجلس في هذه الغرفة ثلاثة اشخاص  رجل يبدو من ملامحهِ  بانه كبير في السن قد اخذ منه التعب كثيرا  وأمراة عجوزة منحنية الظهر جالسة في شرود فكري عميق. . وشاب في مقتبل العمر جميل الطلعة جالسا على كرسي قديم ينظر اليهما بابتسامة ... يقوم هذا الشاب  بين الحين والأخر ليضع أشياء في حقيبة سوداء موضوعة على طاولة امامه..اشياء من صور وكتب وملابس
جلس العجوزان بخضوع يتأملانه بحزن وحسرة..واخيراً استقر هذا الشاب في كرسيه ينظر الى العجوزين .. ويتطلع  في انحاء الغرفة ... ينهض الابن ويسير باتجاه الحائط في نهاية الغرفة ويقف امام صورتين معلقتين عليه.. احداها تحمل ملامح الشاب نفسه...والثانية هي صورة اخاه الشهيد و يتدلى في احد اركانها العليا شريط اسود . يرفع يده على الصورة ويمرر أصابعه على وجه أخيه الشهيد ثم يسحب يده  بطء الى شفتيه ليقبلها وهو يقول ... وداعا يا اخي
ثم يتقدم الى وسط الغرفة وهو ينظر الى والديه قائلا ..حسنا لقد حان الوقت . يجب ان ارحل الان.. ووقعت هذه الكلمات كالصاعقة على العجوزين. فنهض الوالد بسرعة  ليقف خلف ولده والذي كان في ذلك الوقت يهم بأغلاق حقيبة السفر.. ومرر الوالد بيده في شعر ابنه قائلا  ..
ـ اذا قررت ان ترحل يا ولدي. هذا هو قرارك الا خير ؟...ويبقى الشاب صامتا ويهز راسه بنعم. والدموع تنحدر على خديه..
ـ والى اين ياولدي ؟ ..أية ارض ستعطيك هذا العطاء؟ ....لقد كبرت انت فيها   وانا قبلك وابي واجدادي من قبلي واستمر الاب في حديثه...ابني انت الوحيد الذي بقى لنا في هذه الحياة بعد ان فقدنا اخاك الشهيد...فراقه كان علينا كارثة...لازال الألم يعتصر قلبنا كلما  تذكرناه ....لا نريدك ان تفجعنا انت ايضا..هو كان اخوك وصديقك ايضا.....لقد ضحى بحياته من اجل هذه الارض ..فلا تخيب ظنه فيك ...ابقى يا ولدي ... ابقى معنا

ويرد الابن عليه بحزن وعصبية  ..- ماذا نستطيع ان نقدم اكثر مما اعطينا ..لقد فقدت اخا وصديقا من اجل هذه الارض ..وها نحن ...انظر كيف نعيش .ـ وهو يشير بيديه نحو الاثاث في اركان الغرفةـ..ماذا تنتظر منا هذه الارض اكثر... لقد اعطيناها الغالي والنفيس..ماذا جنينا منها .لا شيء.. غيرنا حصل على الثمار. واخفت صوته وهو يقول : غيرنا حصل على كل شيء 
المرأة العجوز تبقى صامته ..جالسة تنظر الى هذين الشخصين بحسرة وحزن شديدين وذهول ...لا يدعها الموقف لتقول شيئا
..وأخيرا تنهض .لتجمع بعض من الطعام  في ورقة وتضعه في حقيبة ولدها
ينهض الشاب على قدميه. وكانه يريد ان لا يدخل في حديث جديد ليقول :
 ـ اترككم بالسلامة .. ـ
يحتضنه الوالد ويقبله وهو يمد يده الى جيب  سترته المتهرءة ..ليخرج كتاباً يمده الى ولده  وهو يبكي ..ـ هاك خذ هذا الكتاب المقدس ليحفظك ...اقرأ به دائما ..ستجد معه راحة دائمة.. وسيحميك من كل مكروه
يأخذ الشاب الكتاب ليقبله ويضعه في جيبه.. ثم يلتفت الى والدته التي تتقدم اليه لتحتضنه وهي تقول باكية .. ـ لا تنسى ان تغطي نفسك عندما تنام .. لا تترك الشباك مفتوحا  في الليل لئلا تبرد

ويقف الثلاثة في وسط الغرفة محتضنين بعضا وصوت العجوزة قويا وهي تبكي...
يسحب الشاب نفسه ببطء من بين حضنيهما.. ليحمل حقيبته ويتجه مسرعا نحو باب الغرفة...وتبقى يدا العجوزين ممدودة باتجاهه  والهلع والحزن باديا في وجهيهما.. ينظران باتجاه الباب بتوسل عسى ان يرجع عن كلامه... ولكنه لا يلتفت اليهما لينزوي خارجا من تلك الغرفة... وتبقى يديهما ممدودة لثواني ..لتسقط على جانبيهما بعد ان  ياسا من عودته   وبدون شعور يمسك احدهما بيد الاخر .. ليلتفتا حيث توجد الصورتين معلقتان على الحائط....ويقترب العجوزان نحو الصورتين.. ويمد العجوز يده ليلتمس بأصابعه وجه ابنه الشهيد ويرفع يده الى فمه ليقبلها.. ثم يرفع الشريط الأسود من زاوية الصورة ويضعها على صورة ابنه الثاني الذي تركهما تواً.. فتلتفت اليه العجوزة  صارخة بهلع شديد..
- ماذا تفعل يا رجل ؟
ومن غير ان يلتفت اليها والدموع تنحدر من عينيه قال...
- ابني الشهيد ليس ميتا . الان قد مات احد اولادي...