جـرائـم وبـلاء بـحـق الأُصـلاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زاهـر دودا / 7 آب 2017
ربما يخطر في بال احد المعنيين هذا السؤال الاتي وخاصة نحن نعيش حدث تاريخي اليم منذ 6 آب 2014 ويتوافق مع ذكرى أكثر ايلاما وحزنا على ما اصابنا في السابع من آب عام 1933 مذبحة سميل الاشورية التي ذهب ضحيتها اكثر من خمسة آلاف نفس بريئة من الاطفال والنساء والشيوخ على ايدي الجيش العراقي وبتعاون الحشد العشائري العربي والكردي . والسؤال :
ـــــ لماذا لم يقتل الجيش العراقي ومعه الحشد الشعبي نساء وأطفال مقاتلي داعش الإرهابي مثلما فعل سلفه بعوائل الثوار الاشوريين في 7 آب 1933 !؟
مع ان المقارنة بين اعمال داعش الاجرامي بحق الانسانية عموما واضحة ومرفوضة وبين مجموعة ثائرة طالبت بحقها القومي التاريخي العادل بغض النظر عن الاسباب والدوافع التي ادت الى هذه الحركة القومية !
المحقق الجنائي الناجح في اي جريمة مهما كانت ، السؤال المهم الاول الذي يبني عليه مسار التحقيق هو العثور على المستفيد الأول ماديا أو معنويا وربط علاقته بالحدث . رغم ان الخيوط البارزة والأشخاص الذين كانوا اداة ووسيلة لفعل الجريمة غير كافية وناجحة لتحقيق الحق والعدل في توزيع العقوبة على الجناة ..
الذي يهمنا للوصول الى جواب شامل يضم اسباب كل الافعال الاجرامية بحق شعب اعزل مدني لم تكن مطالبه شريرة او نواياه كانت في ابادة الآخر ، وإنما كل ما اراد هو الحفاظ على وجوده على اراضيه التاريخية ، وهو الشعب الاصيل صاحب الارض وله الفضل في احتواء واستضافة القتلة طوعا او مرغما عبر التاريخ .
الدفاع عن النفس مشروع وحسب الامكانيات المتاحة ، ولكن ، لم تكن المعادلة وكفة الميزان بين الطرفين الثوار اصحاب الارض في دفاعهم عن وجودهم وبين السلطة الغاشمة بعسكرها وحشدها لأفراد العشائر المختلفة العربية والكردية ، ولكن ، ربما شعورهم الجبان تطلب الى هذا الرد والانتقام ، ولكن ، لماذا تم القتل والتمثيل بالجثث المدنيين من الشيوخ والنساء والاطفال ؟
هل وصل بهم الرعب والخوف من الجماد ايضا في حرق وهدم الدور والكنائس وكل ما كان يصادفهم اثناء هجمتهم على القرى الآشورية ؟!.
العقاب لم يكن وحده الغاية المطلوبة ولكن كانت النوايا في النتائج الاخيرة التي تحققت لهم وكانوا ينتهزون مثل تلك الفرصة للانقضاض على الفريسة ليس لإشباع غريزة القتل الدموية المتأصلة في نفوسهم فحسب ، ولكن من اجل الواقع الذي نلمسه الان في محو الوجود لإفراغ المنطقة من اهلها الاصلاء لكي لا يبقى وريث حي يطالب بحقوقه التاريخية يوما .
لننظر كيف تغيرت ديموغرافية قضاء دهوك بعد عام ١٩٣٣ اثر افراغ قرى من سكانها وتهجير من نجى الى مناطق اخرى وقسم منهم رحلّوا الى سوريا في حوض الخابور ، نجد اليوم دهوك محافظة كبيرة سكانها الاصليين اصبحوا أقلية بين غالبية كردية ، ماذا حل بالبلدة الاشورية المسالمة سميل وقرى اشورية اخرى ، وبيد من الان ، واين اهلها وكيف تغيرت ديموغرافية المنطقة كلها ومن الذي استفاد من تلك الجرائم البشعة بحق اهلنا !..
لم تكن النوايا المعلنة بمعاقبة الثوار وحتى في قتلهم فحسب، انما المبيتة كانت لإبادة جماعية لشعب اصيل مالك الارض والحضارة ، لغزو المنطقة واحتلالها كما شاهدنا وعايشنا احفادهم اليوم وما قاموا به في آب عام ٢٠١٤ باحتلال القرى وبلدات سهل نينوى بأجمعه وافراغه من سكانه الاصليين طمعا فيه بدون حجة او مبرر او جرم فعلوه بالضد من السلطات الشرعية او مخالفا لأحكام قوانين الدولة الاسلامية (داعش) الوجه الحقيقي لمجرمي الامس .
اسلوب داعش في الترهيب وإدخال الرعب في قلوب المدنيين كان ناجحا للوصول الى هدفهم العام الاول في احتلال الارض بدون سفك دماء كثيرة ربما كانت ستعيق تقدمه وتثير ضده حفيظة المتعاونين الخونة قبل غيرهم للرأي العام العالمي الذي كان اسيرا مشلول الضمير فاقد الكرامة الانسانية على ما لحق ونقل في الوسائل الاعلامية بالصورة والصوت ، وستكون وصمة عار في جبين قادة الدول العظمى على تواطئهم وسكوتكم على ابادة بشر من مجموعة عرقية اصيلة وبتحطيم الحجر المتمثل بالآثار الشاخصة المرعبة لكل غازي بربري .
لا اعتقد العامل الديني او القومي لوحده كان المبرر الوحيد او السبب الرئيسي وراء تكالب المجرمين للنيل من الودعاء المسالمين ، وانما الاستحواذ على السلطة وعلى اكبر مساحة ارض جغرافية ممكنة لإشباع غريزة اطماعهم المتوارثة وهو هدفهم المخفي الحقيقي مستغلين التعاطف المذهبي الديني لجلب مرتزقة من دول اوروبا واسيا الوسطى ومن افريقيا واميركا رغم اختلاف قومياتهم ولغاتهم وثقافة حياة دولهم ..
ان عدم قيام الجيش العراقي ومعه الحشد العشائري والشعبي وغيرهم بقتل اتباع داعش المدنيين بعد انتصارهم لمعارك شرسة قدم الجيش خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات ، لأن غاية الجيش كانت لتحرير الارض وإعادتها الى سيطرة وحكم الدولة، وبانتهاء وجود المقاتلين تكون قد سيطرت على الارض وما فيها وبذلك تتحقق الغاية .
اما ما حدث في 1933 لم يكن باستطاعة الدولة السيطرة على الارض بانتهاء وجود المقاتلين وبقاء اهلهم وأتباعهم وعائلاتهم الورثة الشرعيين وأصحاب الارض التاريخيين ، لذلك تمت عملية التصفية والإبادة من قبل الجيش والمتطوعين من ابناء العشائر العربية والكردية المستفيدين الاكثر من هذا الغزو الدموي ، اضافة الى ادخال عامل الديني والقومي في تأجيج الرأي العام الشعبي لمؤازرة هذا الاجراء مما ساعد على تحقيق الهدف بأسرع وقت ممكن .
لا يختلف هذا الاسلوب الدموي في آب 1933 مع مفهوم داعش الارهابي وما قامت به حيث لا تبقي أحدا حيا عندما تحتل منطقة جغرافية تابعة لغير مذهبها الطائفي لكي لا يشكل خطرا وعائقا في مسيرة توسعها الجغرافي . وما اشبه بداعش الأمس وداعش اليوم وإن تغيرت الأسماء والمسميات والعناوين ، ولكن الافعال نفسها والاسلوب متقارب والهدف واحد للسيطرة على الأرض وإخضاع الباقي من سكانها ..