هل آدم لفظة سامية ام سومرية؟
يوسف شبلاتورونتو – كندا
اقترحت في مقالات سابقة قراءة جديدة لاسماء رافدية عديدة مثل كلكامش وآشور (آثور) وبعيروتشام وكالدو وكالخو وتموز وبابل وكربلاء والقوش وتللسقف وكورد ويهود وغيرها بالعودة الى الجذور القديمة لاسيما السومرية منها. وفي هذا المقال سنتناول لفظة آدم بنفس الطريقة.
نقرأ في سفر التكوين في الاصحاح الاول والاعداد (26-28 :1 ) ان الله خلق آدم في اليوم السادس )اي بعد ان هيأ له كل وسائل العيش الكريم وخصه بتكريم خاص( حيث خلقه على صورته ومثاله وسلطه على كل المخلوقات الاخرى. ولا ذكر للتراب او الطين في عملية الخلق.
لكن ترتبط لفظة آدم تقليدا بالأديم بمعنى التراب بحسب الاشارة الواردة في الاصحاح الثالث من سفر التكوين ( 3:19) وهي ترد في سياق موت آدم وتحلل جسده بعد سقوطه هو وزوجه، اي بعد الموت الجسدي اللاحق للموت الروحي، ولا ذكر للطين او للتراب في عملية الخلق الواردة في الاصحاح الاول. وعليه فان ربط اديم وآدم بالتراب مسألة فيها نظر.
الا ان لفظة آدمو سابقة لتدوين سفر التكوين بأكثر من 1500 عام حيث يرد Adamu كاسم علم للملك الآشوري تسلسل رقم 2 في قائمة الملوك الآشوريين ذات ال 117 ملكا للفترة 2500 – 612 ق م وتورده قوائم اخرى في التسلسل رقم 3 اي انه حكم ردحا ما في حوالي 2450 – 2300 ق م. وحيث ان هذا التاريخ موغل في القدم فإن حاشية الخطأ بالقرون وليست بالعقود او السنين كما هي الحال في المجاميع الاحدث في ذات القائمة. ويرد اسمه في هذه القائمة ضمن اول واقدم مجموعة من الملوك والمسماة مجموعة " الملوك سكنة الخيام" . وقد حكم مباشرة بعد توديا (اول ملك آشوري) بحسب هذه القائمة.
واريد ان اخلص من هذه المقدمة الى ان الاسم آدم قديم جدا حيث كان قيد التداول حتى في هذه الفترة المبكرة في الحضارة الرافدية وفي بداية الحضارة الاشورية بالذات وعليه فانه يعود الى الفترة السومرية السابقة لها ويحتاج الى تأويل سومري.
ولاجل ذلك نقطّع الكلمة الى مقطعيها الظاهرين بوضوح وبدون تقريب او قلب الحروف متقاربة المخارج كما يحدث في التأثيل عادة:
1 – المقطع ( آ ) ويعني بالسومرية الهواء والسماء وينسحب كناية الى الاله كما في آنو اله السماء وآنانا الهة السماء، وآنوناكي وهم الآلهة الصغار الذين يقومون (بحسب الميثولوجيا السومرية) بايصال اوامر آلهة السماء الكبار الى سكان الارض (كي السومرية)، وأنشار ملك السماء، وآشور أو آثور الثور السماوي وأنكي اله العمق او الارض، وانكيدو (ابن الاله انكي) وغير ذلك.
وترسبت آ في اللغات السامية على شكل عا كما في عنان السماء بالعربية وعناني (عناني) بمعنى غيوم في الارامية والسريانية وأ في السورث كما في أنانا (مزنة قوية من غيوم سوداء) وربما كانت عا هي الاصل في السومرية وتحولت الى آ بسبب تأثير الاشوريين الذين يسقطون حرف العين لفظا، لكن لا سبيل الى الجزم لأن العلماء ما زالوا مختلفين على اللفظ الاصلي لبعض المقاطع السومرية.
2 - دومو dumu وتعني الابن لازما معناه اومجازا، والتي اختصرت في فترات لاحقة الى دو كما في أنكيدو وكالدو ويهودو وغيرها ووردت كاملة في دوموزي (تموز).
اي ان آدم تعني بالسومرية الابن السماوي وبالسورث يالا شميانا او مجازا ابن الله.
هل يؤيد الانجيل المقدس هذا التأويل؟ نعم.
نقرأ في بشارة لوقا عن نسب يسوع المسيح (ل.م.) سلسلة الاجداد التي تنتهي بالعدد التالي (3:38):
" ابن قينان ابن انوش ابن شيث ابن آدم ابن الله"
وهذا اللقب مفهوم حيث لم يكن لادم اب ارضي فهو تلقائيا ابن خالقه كنايةً.تعتبر السومرية لغة معزولة لا تنتمي الى اية عائلة من العوائل اللغوية المعروفة لكن الاب دايمل A. Deimel, المختص بالسومريات يرى ان السومرية ما زالت حية في الهنكارية واذا اخذنا بهذه الفرضية ولو على سبيل الدلالة لا الحسم يمكننا الاستعانة بالهنكارية لنرى تسلسل الكلمتين الدالتين على ابن الله وكما يلي: Isten Fia اي ان كلمة ابن Fia هي اللاحقة كما الحال مع دومو في آ دومو ، وهو عكس ترتيب المضاف والمضاف اليه في اللغات السامية.
يجدر بالذكر ان اللفظة السومرية للانسان الاول هي لو اولا وتعني بالضبط الانسان الاول حيث لو تعىي، ضمن ما تعني، الرجل واولّا تعني الاول وكان كاهن كلّاب ابو الملك كلكامش يحمل هذا اللقب اي انه كان الاول او المقدم على بني قومه في الرتبة الاجتماعية كونه الزعيم الديني لمنطقة كلاب ضمن اوروك وكان اسما او لقبا متداولا آنذاك.
لكن لماذا النحت السومري لاسم ابي البشرية؟ الجواب ليس عسيرا فسومر من اقدم الحضارات التي تميزت باستخدام "القلم" كما كان لها ثيولوجيا متقدمة اثرت في الحضارة الاكدية (بفرعيها الكالدي والآشوري) والتي بدورها تركت بصماتها الواضحة على تراث وحضارة العبرانيين. اي من المعقول ان يرد اسم اول انسان بلغة اول قوم اطلاقا او نسبيا عرف القلم.
ماذا عن قوم آدوم ؟
الادوميون هم سكان دمشق الاقدمون ويبدو ان اسمهم من نفس مادة اسم آدم من حيث تشابه الحروف اولا كما انهم معروفون بممارسة عباداتهم غير العفيفة على المرتفعات بحسب مز (12:20) أخ روما زليلا د بني آذوم (مثل رابية الرجاسة التي لبني آدوم) تماما كما كان السومريون يفعلون ويبنون لذلك الزقورات السامقة، حيث لا توجد جبال، لعبادة الهتهم. ولشدة تقارب آدم وآدوم فقد فسر البعض بني آدوم على انها الناس اي بني آدم بدلا من قوم آدوم لكنها في السريانية واضحة ومستقلة ولا تقبل اللبس.
و تكتب آدوم في السريانية بالالف المزقوفة اي بالمد (الهمزة المفتوحة المشبعة اِدوم ) اما في الانكليزية فانها تكتب بال E Edomites وهكذا الحال مع اسرحدون حيث يكتب على شكل Esarhaddon او Esserhaddon .
هل كان الادوميون يعرفون الله بحكم جيرتهم لليهود؟ مسألة فيها نظر، لكنهم على اية حال، كانوا يعتبرون انفسهم ابناء آلهتهم او المؤمنين بهم المخلصين لهم. وهذا العرف بدأ في سومر واستمر في القاب الملوك في الحضارات المتعاقبة مثل انكيدو (ابن الاله انكي السومري) و (آشور باني بال) آشور ابن الاله بعل وبرمارين (ابن سيدنا وسيدتنا) الحضري وديوجينس (ابن الرب) اليوناني وبرنابا او بر نيبو(ابن اله المعرفة نابو) المتداول في كنعان وغيرهم.
نخلص من كل ذلك الى ان لفظة آدم، سومرية وتعني ابن الله عند الخلق لكنها استحالت ترابا عند الموت والتحلل كمصير المسمى بها.
تفاصيل اكثر عن هذه المواضيع الرافدية في الكتب الاملودية (الالكترونية) التالية لصاحب المقال وعلى الروابط التي تحمل نفس عناوينها:
1 – From Gilgamesh to Christopher
2 – Sons of gods or Chaldu.