المحرر موضوع: الحياة قصيرة جدا ما بالنا لا نعي لهذا الأمر  (زيارة 1399 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
الحياة قصيرة جدا ما بالنا لا نعي لهذا الأمر
شمعون كوسا

اننا نحس بأهمية هذا الموضوع كلما غادَرَنا قريب  او صديق عزيز لا سيما اذا كانت مغادرته مبكرة او مباغتة . نفقد من نحبّهم بلمح البصر والى الابد ، يرحلون دون التمكن من الوداع ، حاملين الكثير من الذكريات الجميلة والخطط والمشاريع  التي كانوا يبنون عليها آمالهم غير انها لم تجد طريقها الى الانجاز. يردّد مثل هذا الكلام أيضاً من وصل في مسيرة حياته الى قمة الجبل ووجد نفسه امام منحدر لا بدّ من سلوكه  لأنه السبيل الوحيد الى النزول، وهكذا يكون قد بدأ عدّه التنازلي ، مرحلة تسرق الكثير من قوته ، وتخفض مقاومته وتقلص امكانياته ، فيغدو في مهبّ الرياح ،التي تضعه في حالة ترقب دائمة.
اننا في عصر غدت الامراض المستعصية سيدة الموقف ، لأنها  تسلمت  زمام الحكم في منطقة تدعى جسم الانسان ، تنزل في الساحة على هواها لتفتك بالبشر بصورة عشوائية ، بحيث ان الانسان لم يعد يطمئن لشيء ، ولم يعد يضمن المعدل المخصص له من سنوات عمره . يفرضُ المرض نفسه دون مقدمات ، وكأنه قد تتلمذ على يد أنظمة عوّدَتنا منذ نعومة اضفارنا على الخوف والخضوع والخنوع  والتوجس. يشير الداء بأصبعه من بعيد الى  ذبيحته ،  غير آبهٍ بأيّ اعتبار او استحقاق بهذا الخصوص ، ضارباً عرض الحائط الاسباب ، أو السوابق او حتى المنطق ، وهذه الضحية سيئة الحظ لا يبقى لها إلاّ التوجه بشكواها الى الله قائلة :   لماذا انا ؟ أليس جارنا شخصا مُدمنا على الكحول ، وتعاقد مع التبغ منذ نعومة اضفاره فيتفنن بأشكال الدخان المتنوعة التي يخرجها من فمه؟  وتتابع ايضا قائلة : لماذا انا ؟ أنا لم  أحد يوما عن الطريق القويم  ، والفلان الذي اعرفه لم يَدَع وصية لم يخالفها ؟ من خلال  أمراض هذا الزمان ، ينتهي  الانسان  وكأنه متهم خطير صدر بحقه حكم الاعدام ، ولا يتم تنفيذ هذا الحكم  إلا بعد قضاء فترة اشغاله الشاقة ، او بالأحرى آلامه الشاقة التي تفوق كل تصوّر.

ولأجل كل هذا ولأجل كل ما لم  اتمكن من ذكره ، اقول :  ان الحياة قصيرة جدا ولا يجب تفويت أوقاتها السعيدة . اننا نجهل ساعة هذا الحكم الصارم الذي يقرر حرماننا من الحياة ، لذا يجب ان نسخّر كافة حواسنا للاستمتاع بها  ، نفتح اعيننا لرؤية جمالها ، ونستنشق عبق رائحتها ، وندعو آذاننا لتنتعش  بسماع ما هو عذب من لحن جميل وصوت شجي ، ألحان واصوات تنتقي كلامها ضمن  مفردات بسيطة  وعميقة المعاني . ونطلق أيضا العنان لفكرنا للتحليق في الأعالي نحو السماء الزرقاء  والغيوم البيضاء المتحركة ، أو حتى السوداء الداكنة منها ، المليئة بالأسرار ، فهي تأخذ بيد من يلجأ اليها  لتخفيه داخل ثناياها المتشعبة والمظلمة.
يجب ان نخرج كثيرا لنرتمي في احضان الطبيعة ، انها احضان لا تحدّها حدود وهي مُلك لكل مخلوق على الارض. يجب ان نبحث عن سعادتنا مع الغير ، في السماع الى الناس  ، في مرافقتهم واسعافهم ، وبالمقابل قبول مساعدتهم والاصغاء الى نصائحهم وحكمهم . يجب ان نتمتع بصحبة الطيور ، نمعن النظر في الوانها الزاهية ، ونتابع  حركة اجنحتها  وتحليقها ، والانصات الى ما تنوّعه لنا من صفير وزقزقة وتغريد. يجب ان يدعونا كل شيء في الطبيعة الى الاستمتاع وتمجيد من أوجدها لنا ، فالماء والاشجار ، والنور بشمسه وقمره ونجومه الليلية ، هي هبة لا تقدّر بثمن  . النظر الى الافاق البعيدة حيث تلتحم الارض بالسماء  او حيث تنتهي الاشجار الباسقة جدا أو قمم الجبال العالية في نقطة من  الفضاء الجميل . هذا النعيم سينتهي بانتهائنا، لان وجوده مرهون بوجودنا نحن، وببقائنا أحياء.
ان الانسان سعيد بعقله ،  فالخيال الذي حباه الله به  ، يمكّنه من العثور على السعادة حتى في اوقات الجفاف ، عندما تتأخر مؤقتا  اسباب هذه السعادة   في اوقات الجفاف هذه ، يجب ان يتعوّد الا نسان على رؤية عقله وتسخير خياله ،  فيرتفع بعيون عقله الى العلى ويَدخل عالما يُبعده عما قد لا يعجبه . هذا أمر مهم ويجب ان تتوفر الارادة والعزم في ترك المنظور للذهاب الى الطيف غير المنظور الذي قد كوّنه عقلنا ، مستقر يهدّئ من روعنا ويعيدنا الى حياتنا الطبيعية . كما يجب ان نعرف بانه لا شيء يبقى على حاله ، وكما يقال إنما بعد العسر يسرا .

كما يجب ان يكون للإنسان حبّ الاطلاع عبر المطالعة . لا شيء يغني الانسان ويسعده مثل قراءة كتب مختارة توسع دائرة معلوماته  او تعيد الى اذهانه ما  كان قد نساه فيدخل في فترة صمت وتحليل يجلبان له ارتياحا داخليا .
أنا اقارن السعادة الابدية بالسعادة الروحية التي تملا نفسنا سلاماً وطمأنينة ونحن في هذه الحياة . انها صورة للسعادة الابدية . إننا لم نتلقَّ إلا القليل عن حقيقة السعادة الابدية ، ولكننا استنادا الى القليل الذي تلقيناه نقول : بان الازلية شبيهة  بأوقات طمأنينتنا الحقيقية وراحة بالنا  وتفاؤلنا وفرحنا هنا. هناك تكون هذه الحالة مضاعفة وكاملة . سعادة الانسان تبدأ من الارض  ضمن ما وصفتُه من مفاهيم السعادة الروحية ، وأنا بعيد هنا كثيرا عن الماديات والغرائز، وإلا لكنتُ قد حدّدت موقع السماء والحياة الابدية ، في كينيا  او احدى الغابات البرية في افريقيا مثلا !!
الحياة قصيرة جدا، لأنها حتى إن طالت لا يشبع منها الانسان . دعونا اذن نسعد بما توفره لنا   كل يوم في شمسها المشرقة ، ومواسمها التي  تتوالى ولكل موسم جماله . كم من مرة قد بقيت لدقائق طويلة جدا احلق عاليا في سعادة لا توصف وانا اتطلع الى افق بعيد بعيد وانا اصغي الى لحن جميل يؤديه صوت جميل جدا ، وكل مرة اقول : أليست هذه السعادة الابدية ؟؟ لنفرح مع نفسنا ومع الناس ونحبهم ، لان كفيل بزيادة سعادتنا.
لعلني سبق وأن تطرقت بصورة عابرة الى بعض فقرات هذا الموضوع ، ولكني لا اعرف لماذا  أحب العودة اليه . انا لست واعظا ، ولا لاعبا في ساحة رجال الدين ، وإن كنت قد مررت بمراحل دراستهم كاملة ، بكل تواضع اقول باني في تفكير متواصل مع نفسي ،  وبعد ان اقرأ واطلع واقارن بما اعرفه ، تخطر ببالي بعض الافكار وهذه واحدة منها ، انها افكار تعبر عن رأيي الشخصي .


غير متصل albert masho

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2017
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ العزيز شمعون: تحية الى قلبك المحب الذي اوعز الى اصابعك لكي تخط لنا هذا الموضوع الشيق الذي حلق بنا معك لنسمع ونرى ونستمتع بكل سطر من سطور هذه السنفونية الجميلة ,الحياة جميلة للذي يتمتع بها ليس شرط ان يكون الانسان غني او بصحة جيدة لكي يستمتع بل ان يكون محاط بناس تحب الحياة وهم الناس الذين لديهم قلوب عامرة بالامل في بعض الناس والايمان في البعض الاخر . اذا تكلمنا عن الامل فيجب ان نؤمن انه موجود وان كان الانسان في قمة الضيق عليه ان يصبر لان لابد من فرج وان طال الوقت لكن يجب ان ياتي . واذا تكلمنا عن الايمان يجب ان نؤمن ان الله هو المسيطر على كل شيء ونحن فقط علينا ان نسلم دفة الحياة له لانه الوحيد الذي يقودنا في الاتجاه الصحيح . تقبل محبتي .

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ البرت

كيف لي ان اشكرك على كلماتك الجميلة وتعليقك الذي اختصر الحياة بفقرات بسيطة واساسية . نعم انا لم اتكلم عن المحبة ولكنها حل للحياة السعيدة ،لانها فعلا  توفر لنا السعادة الحقيقية ، وعندما نقول المحبة هي المحبة الصادقة التي تتسم بالتجرد والانصراف للقريب والطبيعة ولكل ما خلقه الله من جمال ، لان المحبة هي التي تصيّر الناقص الى كامل والمشوه الى مقبول .  شكرا مرة اخرى لمرورك الجميل وحفظك الله .