المحرر موضوع: { البطريرك أفرام الثاني والإرث الثقيل }الجزء الثاني  (زيارة 782 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
{ البطريرك أفرام الثاني والإرث الثقيل }
الجزء الثاني. جوزيف إبراهيم.
إن ارتباط مسيحي المشرق بأرض أجدادهم هو ارتباط عضوي لا يمكن فصل عراه إلا من خلال إخوانهم بالمواطنة, وقد ساهموا بشكل فعال بتمتين البنية التحتية لدولهم, وفي سورية كان المسيحيون حلقة الوصل للسلسلة المتنوعة الأقوام والأديان والمذاهب كقطع الفسيفساء الخلابة. لكن بسبب ضعف التأثير الفعلي للأحزاب { المسيحية} السريانية على الساحة السورية, بالإضافة إلى الحرب الضروس, والوضع الصحي المتدهور للبطريرك عيواص, واختطاف المطارنة { يوحنا إبراهيم وبولس يازجي }, تهشمت الحلقة المسيحية, وذلك من خلال إفراغ التواجد المسيحي في كل من سورية والعراق. فتشير الإحصائيات الرسمية والكنسية, أن مسيحيي سوريا كانوا يمثلون اكثر من 15 بالمئة /2.7/ مليون من إجمالي الشعب السوري البالغ عدده حوالي22 مليون نسمة, لينخفض العدد إلى حوالي /1.2/ مليون, أيضاً انخفاض عدد المسيحيين في العراق من 1.5 مليون إلى أقل من ربع مليون { وتدنى الوجود السرياني }, ولأول مرة إلى أدنى حد له في سورية الطبيعية وبلاد ما بين النهرين الموطن الأصلي للسريان { الكلدان الأشوريين السريان } عبر تاريخهم الطويل, الذي تمتد جذوره في هذه الرقعة الجغرافية لأكثر من /7500/ سبعة آلف وخمسمائة عام متواصلة دون انقطاع..
في خضم هذه الأحداث وهذا المشهد المأساوي السوداوي القاتم والمعقد جدا, وبعد أشهر عديدة من العناية الطبية خارج مقره البطريركي بدمشق, تنيح { توفي } البطريرك زكى الأول عيواص بتاريخ /21/3/2014/ بعيداً عن موقع مهده مدينة الموصل ووطنه الأم مسرح وقلب الأحداث { سوريا والعراق } فكانت مدينة كيل الألمانية حيث كان يعالج من أمراضه المزمنة مكان انتقاله و رقاده . هذا القيادي الفذ الذي خدم شعبه بكل حب وتفان وإخلاص, بالسراء والضراء قرابة ربع قرن من الزمن, ترك ورائه امبراطورية سريانية مترامية الأطراف ذات مساحة جغرافية واسعة, من الهند إلى الأمريكيتين مروراً باستراليا وكامل القارة الأوربية, وإرثاً ثقيلاً جداً مملوءًا بالهموم والقضايا العالقة والأفكار {والتوجهات السياسية المتضاربة} والمتشعبة بين أبناءه الروحيين والتي لا يحسدون عليها.
تداركاً للخطورة الكبرى و لاستحالة وصول السفينة السريانية المنهكة دون قبطان إلى بر الأمان, ولضمد الجروح النازفة ومعالجة الملفات الساخنة والعالقة ومداواة الآم الأمة السريانية, تم انعقاد المجمع السرياني الأنطاكي المقدس بالسرعة القصوى في العاصمة اللبنانية بيروت بتاريخ / 31/3/2014/ لانتخاب البطريرك الجديد. بعد عدة مداولات اتسمت بروح المسؤولية العليا, تم وبالغالبية انتخاب مطران غربي الولايات المتحدة الأمريكية أفرام كريم, ليصبح بذلك البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني , ويأخذ الرقم /123/ في سلسلة تاريخ البطاركة للكرسي الرسولي الأنطاكي, الذي أسسه هامة الرسل مار بطرس في مدينة أنطاكية السورية. يا لها من مفارقة كبيرة فالبطريرك الجديد كان تلميذاً للمطران يوحنا في إحدى مراحل تدرجه في سلك الرهبنة والكهنوت, هذا المطران المبعد قسراً عن كرسي الرئاسة والمختطف عن سابق إصرار وتصميم يتسلم تلميذه مقاليد الرئاسة السريانية,, اقتصرت مراسيم التنصيب البطريركي على الجانب الكنسي الديني فقط دون إجراء أية احتفالات دنيوية تكريماً واحتراماً لشهداء الحرب السورية والعراقية.
فمن هو البطريرك الجديد المثير للجدل لدى شريحة معينة من أبنائه الروحيين ؟
هو من عائلة سريانية نازحة بعد المجازر العثمانية { سفر بلك السيفو } منحدرة من قرية { حاح } السريانية بطور عابدين بتركيا. استوطنت عائلة { السيد عيسى كريم وكريمته السيدة خانمة } إحدى قرى الجزيرة السورية, يتكلمان اللغة السريانية { اللهجة الغربية لهجة طور عابدين } ولد لهم الطفل الأخير للعائلة باسم { سعيد ,,, البطريرك} في الثالث من أيار عام 1965/5/3/ في مدينة القامشلي السورية, العاصمة السريانية العريقة منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي ولغاية السنين الأولى من الحرب السورية, هذه المدينة القابعة على انقاض مدينة نصيبين التاريخية مهد الثقافة والعلوم والكليات السريانية العريقة السابقة, وكانت أيضاً مسرحاً وحداً فاصلاً بين الامبراطوريتين المتناحرتين البيزنطية والفارسية.
تيتم { سعيد } باكراً بعد انتقال والده وهو طفلاً رضيعاً بعمر البراعم, فكانت السيدة الوقورة { خانمة } بمثابة الأم والأب معاً لإطفالها السبعة { 7 } فنجحت بأداء مهام الأمومة والأبوة معاً وأحسنت التربية الأخلاقية والعلمية لفلذات أكبادها جميعاً حيث تخرج أحدهم طبيباً بشرياً.
درس البطريرك الابتدائية بمدينة القامشلي, ثم نذرته الوالدة لخدمة هيكل الرب فالتحق بكلية مار أفرام الإكليريكية بالعطشانة بلبنان, عين سكرتيراً للمطران يوحنا إبراهيم {المخطوف} درس العلوم اللاهوتية لدى الأقباط ألأرثودكس في مصر, حصل على شهادة ماجستير في اللاهوت العقائدي من جامعة القديس باتريك بإيرلندا, عمل سكرتيرا في البطركية السريانية بدمشق وفي عام 1996 رسمه البطريرك زكا الثاني عيواص مطراناً باسم أفرام على أبرشية أمريكا. حصل على رسالة دكتوراه في حقل التربية الدينية من جامعة فوردهام اليسوعية بنيويورك, غبطته يتقن اللغات { السريانية, العربية, الإنكليزية والفرنسية }. هذه النبذة المختصرة عن حياته تبين إنه قد نذر نفسه منذ نعومة أظافره للخدمة الكنسية الروحية وأمضى جل حياته متدرجاً في السلك الكهنوتي, ينهل من البشارة السارة ومن منازل الحكمة والمعرفة أفكارها, خادماً و بحب هيكل الرب وشعبه .
بيد أن هذا البطريرك الذي لم يلد سعيداً كاسمه لحرمانه من مشاعر الأبوة لتيتمه بعد وفاة والده, فرضت عليه الأقدار ألا يكون سعيداً ويتيتم مرةً أخرى في رئاسته للكرسي البطريركي, ولكن هذه المرة بتشرد ونزوح أولاده الروحيين في كل من سوريا والعراق.
فبعد تنصيبه بثلاثة أشهر فقط إذ بأبنائه تتقاذفهم أمواج العنف من منظري ومنفذي الشتاء العربي. ففي العاشر من 10/6/2017/ حزيران اقتحمت الجحافل التترية البربرية للقرن الواحد والعشرين { داعش } مدينة { الموصل نينوى } التاريخية العظيمة وسهلها, وانتهكت حرمة مقدسات هذا السهل الذي شهد آلاف المعارك السابقة لكن ليس بهذه التترية المنظمة, فبات البطريرك أفرام يشاهد بأم عينه عبر شاشات التلفاز كيف يهان ويتشرد شعبه في البراري والاقفار دون مأوى ولا مأكل, ساعياً نحو المناطق الآمنة كمدينة أجداده السابقة أم الأربعة آلهة { أربيل } شقيقة نينوى. وهناك كان العشب سريره والسماء لحافه.
وعلى الجانب السوري تتزايد وتيرة العنف بين الأشقاء السوريين لتغدو الأرض السورية مختبراً للأسلحة الفتاكة المكتشفة حديثاً, فيتشتت شعبها, منهم من قضى نحبه بالمعارك وآخر بالتفجيرات العشوائية, وقسم أصبح وليمة لاسماك البحر والبعض رهائن وسبايا في سوق النخاسة بساحات النصر الداعشية كما حصل لأكثر من /230/ من آشوريي الخابور, أما القسم الأكبر فسيصبحون عاجلاً أم آجلاً في غياهب النسيان بسبب الهجرة, طارقين وبإذلال أبواب السفارات الغربية ليوضعوا لاحقاً إلى جانب المنحوتات والآثار الصخرية المهيبة من أعمال أجدادهم, في متاحف كل من برلين وباريس وغيرها من العواصم الغربية, فتكتمل بذلك فصول القصة والمسرحية المعدة مسبقاً في المطبخ الدولي لشعب سوريا والرافدين, ويكون السبي البابلي قد رد على أعقابه. جوزيف إبراهيم في /26/8/2017/ الجزء الأخير يتبع لاحقاً