المحرر موضوع: قصتي مع عيد الاضحى  (زيارة 1328 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سرتيب عيسى

  • ادارة الموقع
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 755
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصتي مع عيد الاضحى
« في: 10:37 31/08/2017 »
قصتي مع عيد الاضحى
سرتيب عيسى
31-8-2017
كلما يأتي عيد الأضحى ومنذ حوالي أربعين عام ينتابني حزن شديد ليس لأني ضد العيد او احمل ضغينة او حقدا ضد الاخوة المؤمنين بالدين الإسلامي او المحتفلين بهذا العيد وانما في اليوم الأول من هذا العيد تعرفت على سوط الجلاد.
كان ذلك في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كنت حينها قد انهيت دراستي المتوسطة وفي العطلة الصيفية تحديدا كان أحد اقاربي يدير نادي شركة النفط في قضاء دبس في محافظة كركوك. ولان قريبي لم يكن له أولاد يعينوه استعان بي وبقريب اخر من عمري لكي نساعده خلال فترة الصيف.
وفي الفترة التي كنا فيها في دبس نعمل مساءا ونقضي بقية وقتنا بين مشاهدة الأفلام ومباريات كرة القدم وقراءة الصحف والمجلات. كنت انا مولعا بمجلتي المزمار ومجلة مجلتي للأطفال وصفحة مرحبا يا اطفال في جريدة الطريق بالإضافة الى الصفحة الرياضية وفي نفس الفترة كانت القوات السوفيتية قد اجتاحت أفغانستان وكنت أحب متابعة الاحداث ليس حبا بالسياسة وانما حبا للمعرفة وزيادة معلومات!
كان يرتاد نادي شركة النفط في دبس ضابط امن اسمه النقيب غالب ومعه شلة من رجال الامن. جلهم لم يكونوا لطيفين معنا نحن العاملين في النادي خاصة انا وقريبي حيث كنا أطفالا وكنا نعيش طفولتنا أحيانا في المزاح او الجري وراء بعضنا والخ..
كان حبي للقراءة دافعا لشراء المجلات والجرائد واحداها كانت جريدة الطريق، ولم أكن اعرف ان جريدة طريق الشعب التي كانت تباع في السوق بشكل علني ستجرني الى اكبر حدث غير حياتي كلها.
في احدى الأيام وقبل حلول يوم العيد كنا انا وقريبي الذي كان (بعثيا متحمسا) نلعب في حديقة النادي الامر الذي اغاض النقيب غالب، نهرنا وصرخ بنا ومنعنا من اللعب. قريبي كان يعرف ان لنقيب الامن سيارة مرسيديس.  بعد انتهاء عملنا كان نقيب الامن مازال في النادي.
 قال قريبي هذه سيارته وكسر مباشرة علامة سيارة المرسيدس وكأن شيئا لم يكن. لم يمضي سوى يومان وجاء العيد.
كانت الساعة التاسعة صباحا اول يوم عيد الأضحى وصادف مثل أيامنا هذه في بداية شهر أيلول. انا فتحت النادي مع الطباخ. كنت واقفا عند طاولة البار لما جاءني عنصرين من الامن طلبا مني ان ابيع لهما صندوق بيرة ( عندما تبيع صندوق معبأ يجب ان تستلم مكانه فارغ) هكذا كان يتم البيع والشراء. قلت لا يمكنني ان افعل ذلك ان لم استلم صندوقا فارغا.
قالا انه للنقيب غالب.
قلت: فاليكن
هكذا كانت تربيتي. الصدق والاستقامة  ، ولم أكن مطلعا بعد على قانون القسوة لم تكن طفولتي قد اغتصبت بعد.
قال العنصرين اترك كل شيء وتعال معنا.
قلت الى اين؟
الى دائرة الامن انت تخالف القانون.
 لم اكن اعرف ان صندوق البيرة كان طعما. ذهبت معهم. كان النقيب غالب ينتظرني في سيارة الامن. لم تمر سوى خمسة دقائق ودخلت السيارة دائرة الامن.
كنت حائرا، خائفا بل الرعب تملكني. دخلنا معا النقيب غالب وثلاثة من عناصر الامن .قاعة فارغة لم يكن فيها غير كابلات مبرومة وعصا يشدوا عليها الرجلين بحزام جلدي(كانت للفلقة عرفت ذلك لاحقا).
بدأ فلم الرعب بلكمة ثم كف ثم بركان من اللكمات والرفسات ومسبات لم اسمعها لا سابقا ولا لاحقا. كان الأربعة يتناوبون بالضرب بالأيدي والارجل والكابلات التي كانت كل ضربة منها تشعرني أنى ميت لا محالة. جاء بعد ذلك دور الفلقة بعدما ينتهون من ضربي يجبروني على الوقوف والسير على قدماي كنت أحس حينها ان النار تشتعل فيهما.
بعد ساعة من التعذيب جاء السؤال الا تعرف انه ممنوع شراء طريق الشعب
قلت لا اعرف وان كانت ممنوعة لماذا تعرض في المكتبات
انت خائن للحزب والثورة
لماذا؟
تتحايل على القانون؟
ماذا فعلت؟
هل انت من كسر علامة المرسيدس؟
طبعا لا
من فعل ذلك اذن؟
لا اعرف ولا اعرف ان سيارة حظرتك هي مرسيدس.
بدأ الحفل مرة أخرى. كابلات على الرأس على جميع انحاء الجسم. يتناوبون على الضرب وعلى الفلقة لم يعد للضرب تأثيرا على جسمي. لكن روحي كانت خائرة لم يكن بإمكاني تدارك الحدث.
كنت طفلا.
من اين جاءوا بهذه القسوة؟ ولماذا؟ هل شراء جريدة او كسر علامة سيارة يستحق هذه القسوة وحتى التجاوز على القانون يستحق هذه المسبات والكلمات النابية. اين الانسان فيكم؟
سألوني وانا تحت سياطهم
هل انت شيوعي؟
الجواب: لا
هل تعرف ان هذه المدينة هي للبعثيين فقط.
سكت! لا جواب عندي.
استمر الضرب بت اشعر بتعبهم. لم اعد افهم شيء الى ان قرروا ان يتوقفوا والخطوة التالية كانت وضعي في باحة المديرية امام الشمس.
بعد اقل من نصف ساعة جاء غالب. كانت الساعة الرابعة عصرا.
سنقدمك لمحكمة الثورة بتهمة الخيانة والتجاوز على القانون وسنحلق رأسك صفر.
كل هذا وانا حائر، خائر القوة مهزوم لا معنى للوقت والزمن. الى ان جاء قريبي صاحب النادي حينئذ لم اعد أستطيع حجب حرية دموعي التي سالت بغزارة. كان مع قريبي رجال كان يبدو عليهم انهم زلم كبار! يبدو ان اتفاقا ما قد تم مع النقيب المجرم بان يطلق سراحي مقابل مغادرتي لمدينة دبس مباشرة.
هكذا غادرت دائرة الامن الى بيت قريبي لكي اخذ حقيبتي واحمل بقايا روحي مغادرا دبس لأخر مرة حاملا في روحي وشما من القسوة والعنف اتذكره في كل عيد اضحى وهكذا بدأت رحلتي مع الامن ومنظمة البعث والسياسة وكانت لي لقاءات اخرى مع الجلاوزة! وعندما اشاهد جرائم داعش اتذكر الوحش الساكن في النقيب غالب وعناصره وأتساءل واحاول ان افهم لماذا ؟ انها  قصة صغيرة لتأريخ القسوة في العراق.