الهم لا شماتة بأهل تكساس
تداعيات وخواطر
بطرس نباتي (1)
عندما تهجر اهلنا من غرب البلاد ، وجدنا آلاف العوائل تفترش الطرقات والحدائق العامة والارصفة ، وفِي البداية كانت طرق الاغاثة ساذجة وبسيطة جدا وكانت المعانات جدا كبيرة ، اتذكر افترشت عوائل من بخديدا الرصيف المجاور لجمعية مارعودا الزراعية ، أطفال صغار بعمر الربيع جاءوا ودخلوا الى حديقة مارعودا احدهم كان تعبا كنتُ جالسا آنذاك بجوار احدى مراجيح الحديقة ، جاء وجلس بجانبي ولم تمضِ عليه فترة حتى نام هو وجميع أصدقائه تركناهم في منامهم لنتصل برئيس الجمعية الاخ زياد سلمان لنخبره بالوضعية وبالعوائل التي تنوي الدخول الى مقر الجمعية ، فتحنا لهم الأبواب زودناهم فورا ببعض احتياجاتهم ، بطانيات دواشك وغيرها ، اتذكر هذه اللقطات وانا انظر عبر التلفاز الى العواصف والأمطار التي كانت سببا في تهجير مئات بل الآلاف من العوائل الامريكية من بيوتها بعد ان غمرتها المياه ، وجدتٌ نساء تبكي وتنتحب لما اصابها من ويلات جراء الفيضانات ، تذكرت حالنا في بداية التسعينيات اثر هجوم قوات صدام على اربيل لإجهاض الانتفاضة الشعبية أضطررنا الى ترك دورنا وممتلكاتنا والقصف والرصاص يلاحقنا لنلوذ بالجبال على الحدود التركية العراقية ،ذهب من ذهب آنذاك ليعيش في أمان واحترام في كنف دول الشتات ، وعاد من عاد ليعاني من شظف العيش متحملا حصار دولي قاتل وحصار صدامي أَمَر منه وأفضع .
(2)
تكساس ثاني أكبر ولاية أمريكية من حيث المساحة تضم 256 مقاطعة كانت وكالات الأنباء ومنها وكالة ناسا الفضائية قد حذرت قبل الفيضان الاخير في الشهر الثامن السكان من الفيضان ونصحتهم بترك بيوتهم ، الا ان بعضهم ابى ترك منزله ، وفعلا بعد عدة ايام اقبل إعصار مخيف تهجرت مقاطعة هيوستن نتيجة امطار ودمرت منازل ولكن منازلهم لها من يُعَمِرُها ، شركات ستعوض جميع الخسائر بموجب القانون لان المساكن الخشبية التي تعرضت للتدمير او للخسائر محمية بنظام التأمين الشامل ( full insurance ) ماذا يا ترى عن المنازل التي دمرت وأحرقت ؟ بمواد (التي ان تي ) (والسيفور ) وكل الأدوات والآلات الجهنمية المصنوعة بتقنية في شركات لا تعرف غير اثارة الحروب والنعرات لتزداد ثرواتها وغناها على حساب دماء شعوب اخرى ، في تكساس وجِد من اخبر وتنبأ بالإعصار لكن عندما ضرب الإعصار الشر في الجهة الغربية لبلادي لا احد تنبأ به وربما لم يدر به احد ، اللهم حكومتنا الفضائية هي التي كانت تعلم وبم تخبر شباب قاعدة سبايكر فاخذوا فجأة لتحصل اكبر مذبحة في التاريخ الحديث ، كنت أراقب من هلال عدة قنوات إعلامية انتشال الشيوخ والأطفال والعجائز بواسطة طائرات عملاقة من وسط العاصفة ، وكنت ارى مشاهد لشعبي وهم يركضون من عصابات القتل والجريمة لا يجدون من ينقذهم ، حتى ذلك الالاه الذي تعودوا ان يصَلوا له لياتي لنجدتهم كان غائبا عنهم ، كان منشغلا بامورٍ اخرى ربما في مجرات اخرى غير مجرتنا التي تضم ارضنا ، شاهدت احدى النساء كانت لا تزال غارقة لنصفها في الماء حمدت الرب على سلامة الوصول الى بر الأمان وكانت رغم حالها تحتضن كلبها تريد انقاذه هو الاخر ، وكم تمنيت لو كانت تلك الام المسيحية ان تنقذ طفلتها من براثن ذلك الوحش الذي كان على هيئة إنسان ، وتمنعه من ان يستل تلك الطفلة الجميلة من حضنها الدافيء ، وأخيرا وصلت قوافل المهجرين بواسطة إعصار تكساس او هيوستن الى بر الأمان ثم بدأ إيوائهم في قاعات فارهة فيها بعض اسباب الراحة لتوزع عليهم المساعدات ، ولكن غضب الطبيعة اذا ما تفجر لا احد يحمد عقباه لقد دخلت مياه الإعصار واجتاحت حتى تلك القاعات وحتى بعض المستشفيات ، ما هذا أهو داعش اخر قد تجسد في قوى الطبيعة الغضبى يطارد الناس هنا في تكساس ايضا؟ يطردهم من بيوتهم ونعيمهم ، ام اية قوة اخرى شريرة تتلبس الإعصار هذا ، حتى ان دهاء وغضب الرئيس الامريكي ( مستر ترامب )وهو يحضر بطائرته الخاصة لتفقد احوال الناس الهاربين من غضب الطبيعة ، رغم إرشاداته ونزول الجيش لاعمال الإنقاذ الا ان الإعصار ظل غاضبا يطارد الناس من منزل الى منزل تذكرت المرحوم قذافي
(وهو يقول زنكة زنكة دار دار ، )
(3)
ولكن اين كانت حكومتنا الطائفية (لحد الكشر )كما يقول المثل العراقي ، عندما كان الإعصار الشرير الأسود يطارد ويطرد أهالينا في نينوى ، آه لقد تذكرت ، مستر ترامب يزور المناطق المنكوبة ويأمر ويخطط لإنقاذ الأهالي اولا ، كان رئيسنا المحفوظ بجميع أولياء الله الصالحين ، السيد المالكي يأمر قواته بالانسحاب من الجهة الغربية من البلاد ليتركوها بيد شراذم داعش وكان معظم او جميع المسؤولين في حكومتنا العتيدة يخفون رؤوسهم في التراب او في الرمال كما تفعل النعامة مثلا ولكن النعامة تخفي رأسها عندما تشعر بان خطرا يحيق بها لتتعرف على الصوت والذبذبات التي تنتقل أسرع في التراب حسب القاعدة الفيزيائية ، ولكن سياسيونا لم يدفنوا رؤوسهم آنذاك من الخوف لانهم اشاوس لا يخشون شيء لان لهم حراس وهمرات وأسلحة فتاكة تتقدم مواكبهم ، هم دفنوا رؤوسهم إبان التهجير كي لا يراهم الناس لانهم تصوروا لو دفنوا رؤوسهم سوف يختفون من الوجود لفترة ريثما تنتهي الأزمة او يفرجها على العباد رب العباد ، وعندما وصلت وفود اوروبا للمساعدة ، خرجوا لاستقبالهم علهم يتلقون بعض الأموال والهبات من تلك المساعدات التي خَص بها بعض أثرياء العالم لإنقاذ اطفال العراق ..
(4)
رغم ذلك وقد هبت دول العالم لإنقاذنا من ذلك الإعصار الأسود الغاشم وارسلت امريكا سفنها وجنودها وطائراتها ، الا اننا لا زلنا في كل مجالسنا ومحافلنا نسب ونشتم امريكا ولا نهرع لمساعدتها في ازمتها لكونها هي سبب كل المصائب حسب نظرية اصبحت مزمنة كالأمراض التي تفتك بِنَا منذ الحرب العالمية الاولى ولحد آلان الا وهي ( نظرية المؤامرة ) لو احرقت امريكا الدنيا من اجل شعرنا الأسود وعيوننا السود لقلنا بانها أساس كل المصائب او هي طامعة بالبترول ، والله لو ما كان الإنكليز قد اكتشفوا النفط لكنا لحد الان نبول عليه يوما ، ولا ندري اصلا اكو (سبب كل المصائب) او ( الذهب الأسود ) في اراضينا ، اني كفرد من مجموع هذا الشعب المنحوس أطالب ان تأخذ امريكا حصتي على ان تجعلني أتمتع فقط ببعض حقوقي كأي مواطن اخر غير عراقي .
(5)
على كل حال ، والله اليوم لا اريد ان أتدخل بالسياسة دعنا نعيش أجواء تكساس هذه المرة ..
بموجب خبر خطير جدا من وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية (إن عدد من مواقع "النفايات السامة" في هيوستن غمرتها مياه الفيضانات، وسط مخاوف على حياة الملايين )، نجيهم يا رب ولا تدع هذه المياه تتسرب اليهم ، لا ندري ما هي الأضرار التي خلفتها الضربة الامريكية على مركز التويثة العراقي ، ولا اثار ضرب اسرائيل لمفاعل تموز، لان لا يوجد عندنا إحصاءات ولا اجهزة اكتشاف السموم والإشعاعات ، (هسه فوق هالقهر تجي تسرب المواد السامة في هيوستن) ، نحن العراقيين اذا أردنا ان نهرب من المواد السامة والإشعاع نذهب لنلتجأ عند الجدة ميركل او عند العم اوباما او ترامب لكن المساكين الأمريكان اين يرحلون من اين يحصلون على الإقامة الموقتة او الدائمة او الكرين كارت يا رب ارحم بحالهم ..
(6)
كانت الطائرات المروحية تحوم في سماء تكساس لإنقاذ المرحلين قسرا من العراقيين ( عفوا ) لإنقاذ الهاربين من إعصار ( هارفي ) لم تقع طائرة واحدة كما وقعت طائرة الشهيد البطل ماجد التميمي وهو يحاول انقاذ العشرات من عوائل في جبل سنجار ، رغم ان طائراتهم لا تحمل لا سورة ياسين ولا أية من الانجيل ، وطائراتنا رغم انها تحمل كل ما يحرسها من العين ومن الحسد الا ان البطل ماجد لم يشأ ان ينقذ العوائل بواسطة الحبال بل حط بطائرته في نقطة حرجة فوق الجبال ومن شدة الزحام وكثرة الركاب حدثت الفاجعة واستشهد هذا البطل رحمه الله ، اما الطيارين الأمريكان فهم يدلون بحبالهم لينتشلوا بها الناس كما يُصطاد السمك بصنارة ، عندما كان احد المعمرين معلقا في الهواء وهو يتدلى بحبل ، دعوت له من كل قلبي ان يصل بسلامة وان لايصيبه مكروه ، وهناك خبر لم تتناوله الوكالات الأجنبية ، يقول ان الجوامع فتحت ابوابها لإيواء الهاربين من غضب الإعصار ، بدون ان تفرق بين دين او اخر او طائفة او اخرى ، وهي تدعوا الرب ان ينقذ اهالي تكساس من مياه الفيضان ، يبدوا أن هذا قد تعلّموه منا ايضا لقد فتحت أبواب الجوامع والكنائس لاستقبال عشرات العوائل الهاربة من بطش إعصار الشر الداعشي ..
يا ترى من قدم دعاء او صلى للرب او عمل خيرا لينقذ أهالينا من يد الإعصار الأسود الذي يجتاح العراق منذ 2003 ولحد الان ..