المحرر موضوع: همسة سياسية في آذان أبناء شعبي وأمتي  (زيارة 1164 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل آنو جوهر عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 378
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
همسة سياسية في آذان أبناء شعبي وأمتي



تعرض أبناء شعبنا و أمتنا سنة 2014 لأبشع جينوسايد وتطهير عرقي شهده التاريخ الحديث بعد مذبحة سيفو 1915 وسيميل 1933 وصوريا 1969، حيث دمرت كنائسنا وأديرتنا  التاريخية ومدننا وقرانا في سهل نينوى و شردت عشرات الالاف من العوائل المسيحية من الموصل وأطرافها ونزحوا إلى إقليم كوردستان، هذا المسلسل من الظلم والاستهداف لم يكن وليد أيام وشهور، بل نتيجة لأكثر من عشر سنوات من غياب سلطة الدولة والقانون في العراق بعد 2003، حيث تمت خلالها أكثر من 111 حالة تعدي على الكنائس في وسط وجنوب العراق واستشهاد أكثر من 1700 مسيحي من بينهم أساقفة وقسان حسب إحصائيات نشرتها الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية.

في مقالي هذا لن أتطرق للتفاصيل المملة، فهي جلية للجميع صغيراً وكبيراً من على صفحات الفضاء الرقمي والتواصل الاجتماعي، ولكنني سأهمس بهدوء في آذانكم أخواتي وإخوتي الكرام من الناشطين في المجال السياسي والقومي والكنسي لأبناء شعبنا:

أي دافع أكبر من "جينوسايد وتطهير عرقي" تعرض له أبناء شعبنا وأمتنا سيلزمكم بالاحترام المتبادل في الحوار والعمل؟!، ألا يكفينا تخوينا لبعضنا البعض، هذا يقول لذاك أنت تابع لبغداد وذاك يقول للآخر أنت تابع لأربيل والأخر أنت تابع للسليمانية أو أنت تابع لذلك القصر أو غيره في المنطقة الخضراء!، وذلك أنت تابع لشيكاغو وذلك أنت تابع لسانتياغو والآخر آنت تابع لبروكسل آو تابع لجماعة في السويد، أنت تابع لهذه الرئاسة الكنسية أو تلك  "مع حفظ الاحترام و الألقاب".

نعم جميعنا تابعين ... فقط وفقط تابعون لشعبنا ومصلحة أمتنا في هذا الزمن الصعب، تابعون للنازح والمهجر المتألم، تابعون لكل فرد من هذه أمة تتسائل أين نحن مما يحدث من حولنا من تغييرات سياسية وجيوسياسية ومصيرية تمس وجودنا في أرض بابل وآشور، أرض آبائنا وأجدادنا، تمس صلة الرحم لكل مهجر، يعيش في أميركا وأوروبا وأستراليا ولكن قلبه ينبض عند أسوار قلعة أربيل ونينوى وجبال نوهدرا ودير الربان هرمز والشيخ متي، قلبه ينبض لكل شبر من سهل نينوى وعنكاوا وكويي وديانا وبرور والعمادية وزاخو وجميع القرى والمدن العزيزة على قلوبنا جميعاً.

لا يمكنني أن أتبين أين مصلحة شعبنا وأمتنا من حملة التقليل من الشأن أو التسقيط السياسي والاجتماعي الذي أصبح هذه الأيام موضة شائعة بين قوانا وأحزابنا وكنائسنا على حد سواء، الفيصل في كل هذه الخلافات هو رأي الشعب والشعب هو وحده من يقرر مصيره، وجميعنا رجال دين وسياسة وناشطين مدنيين أبناء هذا الشعب وهذه الأمة وهذه الصراعات لن تزيد شعبنا سوى حيرة و تشتتاً.

اليوم إقليم كوردستان وشعبه وشعبنا كجزء أصيل من شعب الإقليم في هذا الجزء الحبيب من أرض بابل وآشور، مقبل على مرحلة حساسة ومهمة من تاريخه الحديث، مرحلة الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان، مرحلة تأسيس دولة جديدة تولد من رحم الشرق الأوسط، دولة يتوجب علينا جميعاً أن نشارك في بنائها ونضمن فيها حقوق شعبنا كاملة دون نقصان، لتكون دولة مدنية مبنية على سيادة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، دولة نكون فيها شركاء حقيقيين مع إخوتنا في الوطن، وهذه الشراكة لن تتحقق، إلا بالمشاركة الفعالة في الاستفتاء كأحد الأساليب الديمقراطية التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية وأحد أسس حقوق الإنسان، أن نشارك في بناء المؤسسات التي ستولد فتية في هذه الدولة الجديدة، أن نرسخ حقوقنا في الدستور الجديد، ليكون وجودنا فيها مؤثراً وفعالاً ملتزمين ببوصلتنا الحضارية والأخلاقية، عدم المشاركة لن يكون حلاً أبداً، والجلوس دون حراك أيضاً ليس حلاً، والبقاء جزءاً من حالة عدم وجود سلطة القانون والدولة والصراع الدائم في بغداد ليس بحل أيضاً "كما صرح عضو مجلس النواب العراقي السيد جوزيف صليوا حول وجود 30 ألف مسيحي في العراق تم تزوير عقاراتهم والاستيلاء عليها في بغداد وبقية المحافظات كالبصرة والناصرية والعمارة وبابل والكوت"، طبعاً على سبيل المثال لا الحصر، فهذا الوضع وكما أسلفت أدى إلى هجرة أكثر من 70% من شعبنا من وسط وجنوب العراق ونزوح الكثيرين إلى كوردستان.

علينا أن نعمل ونجتهد بالعمل، فليس من المعقول أن نطلق أحكاماً مسبقة، فالعمل السياسي والمدني عملية مستمرة وطويلة الأمد وتراكمية كما يعلم الجميع، نعم هنالك إخفاقات عديدة مررنا بها في بغداد وأربيل وليس كل الذنب يقع على عاتق شركائنا في الوطن دائما، بل علينا أيضاً أن نعيد النظر في سياساتنا وطريقة تعاملنا مع الشريك وننتهج نهجاً واقعياً يضمن للجميع حقوقهم ويحدد واجباتهم، ولكن وبشهادة العالم أجمع هل يمكن لأي كائن يكون أن يقول إن وضع أبناء شعبنا وأمتنا في بغداد وأربيل هو في نفس المستوى؟!، الضمير والعقل والمنطق يقول غير هذا، والإحصائية التي نشرها موقع البطريركية الكلدانية الإلكتروني حول غلق ثمان كنائس في بغداد وحدها وبناء كنيستين جديدتين في أربيل وكنائس أخرى في طور البناء لمختلف الطوائف في أربيل خير دليل على كلامي هذا، طبعاً سيقول البعض وهل ستختصر حقوقنا بالكنائس، طبعا لا، فهنالك العديد من المواضيع العالقة، ولكن هذه إشارة واقعية حول الهوة الكبيرة بين الواقع المسيحي بين بغداد وأربيل رغم جميع الملاحظات، فالمسيحية في بغداد في تناقص مهول وفي كوردستان في ازدهار واضح رغم التحديات الاقتصادية.

استقلال كوردستان يمثل فرصة ثمينة يتوجب علينا اغتنامها لنثبت وجودنا في أرض آبائنا وأجدادنا، ورغم أنني أستوعب الإحراج الذي تتعرض له العديد من أحزابنا وقوانا السياسية والكنسية التي تمسكت بالعديد من المشاريع والشعارات لسنين عديدة والتي تحولت إلى نوع من التعريف لشخصية هذه الأحزاب والمؤسسات السياسية والشخصيات الكنسية، ولكن ونحن نمر في هذه المرحلة المفصلية والحساسة يتوجب علينا أن نلائم أنفسنا مع الواقع السياسي الحالي والجديد وما كان يعتبر مشروعاً واقعياً بالأمس، لم يعد كذلك اليوم أبداً، فلا الواقع السياسي في أربيل هو نفسه قبل سنوات ولا الواقع السياسي في بغداد هو نفسه على حد سواء، فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك حالتان أريد أن أسلط عليهما الضوء في مقالي هذا، الأولى في بغداد، ففي الجلسة رقم (20) في يوم الإثنين 26 أيلول 2016 صوت البرلمان العراقي وأصدر قراره الذي ينص على "أن نينوى بحدودها الإدارية الحالية محافظة عراقية محمية بالدستور العراقي والقوانين العراقية النافذة وأي تغيير بوضعها القانوني والإداري مخالف للدستور ويعد باطلاً ويرفض الشعب العراقي من خلال ممثليه استغلال وجود داعش لتحقيق مكاسب على الأرض وجميع الآراء والمواقف والمطالب يتم بحثها بعد التحرير الكامل وعودة جميع النازحين إلى مناطقهم حسب الدستور والقوانين العراقية وعلى الجميع توحيد الجهود لتحرير المحافظة من إرهاب داعش ومصير محافظة نينوى يحدده أبناؤها بعد التحرير حسب الدستور والقوانين"، ومن خلال النقاشات التي بثت مباشرة على الفضائيات، تبين أن الغالبية العظمى من  القوى الشيعية التي تمثل غالبية أصوات مجلس النواب العراقي  وعدد كبير من النواب الممثلين للقوى السنية ضد استحداث محافظات جديدة في نينوى، وطبعاً هذا يشمل سهل نينوى، وهذا واقع جديد علينا أن نتعامل معه، فكيف هو السبيل إلى تحقيق هذا المطلب الذي سيكون تمريره شبه مستحيل في مجلس النواب العراقي حالياً وفي المستقبل بسبب القناعات السياسية المعارضة له والتي تمثل غالبية أصوات مجلس النواب العراقي؟!

أما الحالة الثانية ففي كوردستان تابعنا لفترة طويلة عملية كتابة وإعادة صياغة الدستور في إقليم كوردستان في الأمس، أما اليوم ونحن مقبلون على الاستفتاء، علينا أن نحضر أنفسنا لمرحلة جديدة مختلفة كلياً، ألا وهي عملية كتابة وصياغة دستور دولة كوردستان الفدرالية التي من المؤمل أن تكون النتيجة الطبيعية للاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان، فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث ولكل زمان رجال "ونساء أيضاً".

أبناء شعبي وأمتي من السياسين والكنسيين والناشطين المدنيين، هذا الصراع السفسطائي وكما تعلمون جميعكم فسح المجال أمام البعض ممن نستطيع عدهم على أصابع اليد الواحدة من المتسلقين وأصحاب المصالح الضيقة ممن تخول لهم أنفسهم بالاسترزاق بمعاناة هذه الأمة وهذا الشعب الكريم وفي خضم هذا التشرذم مكنهم من التسلق على أكتافكم ليتبؤا مكانات ليست لهم، ليدعوا تمثيل هذا الشعب وهذا الشعب من أساليبهم الملتوية والغير قانونية براء!، ورغم كل هذا وبسبب هذا التشرذم تراهم يتشدقون ويناورون على مرأى ومسمع شعبنا الذي يزداد يأساً يوماً بعد يوم وخاصة بوجود هكذا نماذج "ضحلة" تدعي تمثيله في المحافل الرسمية.

علينا جميعاً أن نكون واقعيين ونتعاطى مع المستجدات السياسية بواقعية تامة، لنظمن حقوقنا وحقوق الأجيال القادمة في كوردستان وهي تمضي نحو الاستفتاء المصيري للاستقلال، أرجوكم لا تسمحوا لاختلافاتكم السياسية والفكرية والكنسية وحتى مصالحكم الذاتية من أن تجعلكم أعداء لبعضكم البعض، وهنا أخص بالذكر القوى التي لها تاريخها السياسي الطويل، لا تتركوا الساحة فارغة لمن لا يستحقها، بل لنكن جميعنا "من العاملين في المجال السياسي والكنسي و المدني" متبارين لخدمة أبناء هذا الشعب وهذه الأمة العظيمة لنقطع الطريق أمام أقزام السياسة وتجارها من اللعب بمقدرات شعبنا في هذه المرحلة الحرجة والحساسة والمصيرية من تاريخنا وتاريخ المنطقة على حد سواء.

"أبناء شعبنا وأمتنا وهنا أقصد المسيحيين الكلدان الآشوريين السريان، الكلدوآشوريين، الكلدان، السريان، الآشوريين، الآراميين، السورايي .. إلخ، لأني أومن بأننا شعب واحد وأمة واحدة بتسميات حضارية تاريخية متعددة".


آنو جوهر عبدوكا
عنكاوا
4/9/2017