المحرر موضوع: التطهير الثقافي والديني المدمّر والمتعمد لحضارات الشعوب  (زيارة 1197 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير يوسف عسكر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 335
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مصطلح التطهير الثقافي والديني لا يوجد سابقاً في الدراسات السوسيوسياسية مثل هذا المصطلح الذي تم صكه من كلمتين (التطهير) المَسْتَلُ من التطهير الطائفي والعرقي والدين، الكلمة الثانية (الثقافي) الذي له جانبين مادي وإنساني. وبذلك يصبح المصطلح (التطهير الثقافي) بمعنى التهجير والتدمير وقتل وتهجير النخب الاجتماعية وتدمير مؤسساته الثقافية وتاريخها وحضارتها. كتاب (التطهير الثقافي او التدمير المتعمد للعراق/ المؤلف ريموند لبكر الأمريكي)، ذكر فيه ان هناك مخطط محكم لقتل وتهجير النخب العراقية تم بإشراف وتدريب ضباط من الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، ففي صفحة 38 (عملت وحدات من الكوماندوس والموساد بشكل وثيق مع نظيرتها الامريكية في قاعدة تدريب القوات الخاصة بفورد براج (شمال كارولينا). وفي إسرائيل لمساعدتهم كمستشارين خاصين -في سرية- حينما تبدأ العمليات الميدانية وقد لعبت إسرائيل دوراً أكثر وضوحاً في العراق عام 2003، بتزويد قوات البِشمركة الكردية بالمساندة المالية والتدريب، من أجل اختراق وجمع المعلومات الاستخباراتية في قيادة التمرد الشيعية والسنية في العراق ثم قتلها). وفي الفصل السادس صفحة 159 كتب (في نهاية 2004 خلص مؤتمر مناهض للحرب في القاهرة ان عملاء سريين إسرائيليين كانوا مسؤولين عن مقتل أكثر من 300 عالم عراقي منذ 2003، هذه الأدلة، والمنفذ لذلك الموساد الإسرائيلي الذي اتخذ من كردستان العراق منطلقاً لعملياته). ان ما حصل من التطهير الثقافي والديني لقتل وتهجير جريمة إنسانية لا تقرها الأديان والاعراف الدولية، والطريقة التدميرية في الجانب المادي في التراث العراقي والتدمير المتعمد لمواقع التراث جريمة حرب في الشرق الأوسط. في سوريا وفي مدينة تدمر الاثرية ومدينة حلب القديمة ومناطق أخرى، بالإضافة الى الدمار في ليبيا واليمن فهي جريمة حرب تستخدم لنشر مشاعر الخوف والكراهية بين الشعوب. المتطرفون والمخربون يستهدفون ثقافة وحضارة الشعوب فهم بذلك يزعزعون الوحدة الاجتماعية ويدمرون قدرة الشعوب على المقاومة. يرمز الى هذا المصطلح الى الإزالة المُنظّمة والقسرية لمجموعات عرقية أو دينية في المناطق التي يعيشون فيها، فمثلاً نرى الصراع المزمن الفلسطيني الإسرائيلي تحاول الصهيونية اليهودية إزالة كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني من أراضيهم عن طريق القتل والتهجير باسم الوعد التوراتي. الحركة الصهيونية ارتكبت سياسة التطهير بكافة صنوفها منذ عام 1948 وما زالت تمارس هذه السياسة وبأشكال مختلفة. توجد شواهد وثوابت لفضح عورات ثقافة ومجتمعات قميئة منها الفضائح الإنسانية والأخلاقية لحكام ورؤساء الدول. فعندما نرى نزوح المهاجرين الى الغرب (الكافر) هرباً من الحروب المشتعلة في المنطقة، يلازمها الانتهاكات والاضطهادات والفقر يفضح ثقافتنا ومجتمعنا المقبور بكل التخلف والبلادة والغطرسة. هذه الجماعات من المهاجرين تتجه الى أوربا وأمريكا، فلماذا لم يتجه هذه القوافل المهاجرة نحو السعودية ودول الخليج بحكم أواصر الذين واللغة والقومية والتاريخ. لم نجد دولة واحدة في استقبال المُهجرين خاصة مسلمي سوريا والعراق، هذه الدول عبر امبراطورتيها الإعلامية بدعمها للمعارضة السورية للدولتين فهي حريصة على تحرير سوريا من بشار الأسد (الطاغية)، وتنفق المليارات الدولارات على السلاح والتدمير للإطاحة به. فكيف يكون لها من الإنسانية شيء وهي تعيش بالترف وثقافة اسيادهم. الغرب يقدم المساعدات والاعانات والتعليم والرعاية الصحية والاحتضان للأغلبية الساحقة من المهاجرين المسلمين وبالتحديد السُنه. مقابل ذلك بابا الفاتيكان دعا الكنائس الى إيواء اللاجئين الفارين من الموت. والانسانية تسأل هل سمعنا دعوة من علماء رجال الدين المسلمين؟ نعم نجد لهم المئات من دعوات تكفيرية ودعوات مساندة ومؤازرة للقاعدة وداعش والاخوان والنصرة. فاين هم هؤلاء الذين يتباكون على المسلم من منطلق طائفي ليأججو الصراع الطائفي والمذهبي. فإذا كان نظام بشار قد ظلم هؤلاء المهاجرين فلماذا لا يهرعون لإيوائهم إذا كانوا صادقين. الحال نفسه في العراق من النازحين والمُهجرين أكبر مرارةً وجرحاً، فعند نزوح العراقيين الى فنلندا وجدوا أبوابها مفتوحة، كذلك في دول الغرب. بينما نازحو الانبار ظلوا عالقين عند جسر بزيبز وظلوا اياماً عالقين. كذلك نازحوا أهل جرف الصخر من يرحمهم لليوم. بلاد المسلمين تطرد أهلها فيفرون بحثاً عن الأمان والامن في أصقاع الأرض، ولم نرّ بلداً مسلماً فتح ذراعيه بالرحمة والترحاب لأبناء رسول ونبي الامة محمد بل لنبي جلدتهم. في حين نرى بلاد الكفرّة او لنقول المشركون والملحدين والعلمانيين في أوربا وامريكا يمدون يد العون لإخوانهم المسلمين المهددة حياتهم واطفالهم ورزقهم وعرضهم ومالهم. المستشارة الألمانية (ميركل) كانت الأجرأ وهي تتساءل وتقول: (لماذا يهجر العرب المسلمون الى بلاد الغرب ولم يذهبوا الى مكة حيث الأرض التي نزل فيها القرآن وبلاد كرّمها الله بأن جعلها حاضنة لبيئته؟! ميركل بعد خطبتها الشهيرة عن أطفال سوريا أرسلت الباخرة الأولى لشواطئ تركيا المسلمة. الغرب الكافر لديه ضمير، لكننا نستثني دوماً الأنظمة العربية في خارج الخدمة في موضوع الضمير، فلا يمكن اعتبارهم جزءاً من أي ترتيب إنساني. الالمان الكفرة نظموا مظاهرات ضد العنصرية، فلماذا لم تهز ضمائر الشيوخ والرؤساء المدافعين عن الإسلام والمسلمين الشيء ذاته. فهؤلاء الحكام والشيوخ وعلماء الدين خارج اهتماماتهم فهم لا يجيدون إلا لغة إثارة المجتمع بالكراهية والتناحر والجهاد والحوريات. الثقافة الإسلامية تعتني أشد الاعتناء بالفصل بين المسلم ومع الآخر، والبحث والتفتيش في الهويات والاعتقادات لتحديد المواقف والمشاعر قبل البحث والتراحم الإنساني، فهناك فقه الولاء والبراء الذي يعني تقديم المودة للمسلم والكراهية لغير المسلم. حينما تدخل الكراهية والنبذ فلا تتوقع مكان للمحبة والترافق. اننا لم نشاهد على مدار التاريخ الإسلامي القديم او المعاصر أي مشاركة إنسانية لمصائب الآخرين، بمد يد العون والمساعدة لهم. وهل سمعتم عن داعية إسلامية واحد حثّ المسلمين على التبرع لفجيعة آلمت لغير المسلم. فمن المستحيل ان تجد هذا الداعية ولكن من المؤكد ستجد الكثير منهم يشتمون ويشمتون في مصاب الآخرين. يتم زرع الجفاء والقسوة في القلوب فلا تتصور الرأفة والرحمة ستحل بعدها في مشهد موجع المسلم، (إلا من هم لا يؤمنون بفتاوي الشيوخ). هناك حالات شاذة في الثقافة الإسلامية فهي لا تنزعج من انتهاكات تتم على يد المسلمين سواء على حكام او متنفذين. عندما احتلت الموصل من قبل داعش وطرد ابناءها المسيحيين، نرى الاستيلاء على املاكهم واموالهم من ابناءها ا. كما حصل في بغداد ومحافظات الجنوب والاوسط. بحجة ان المسلم أقرب الى الله من غيره (أقول هذه الحجة لأنها حصلت معي)، ومستندين من حديث النبي محمد: (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، فلا نندهش، وعندما نجد تصنيف محمد للمسلمين بقوله: (ان هناك 72 فرقة في النار وفرقة واحدة ناجية). فهكذا أحاديث تشكل وعي وثقافة وسلوك جمعي داخلي متراكم يشكل حتى بشكل غير واعي. أن أزمتنا وتخلفنا وهمجيتنا وقسوتنا وَبَلادتنا ليس عارضة فهي ترجع الى الأنظمة والأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة وأيضاً الى تعليم لثقافة قميئة متخلفة في الوعي والسلوك لتشوه انسانيتنا وتنتهك كرامتنا. لذا لا حل إلا بتجميد وشّل هذه الثقافة وروافدها واستبدالها بثقافة إنسانية تعلي من قيمة الانسان وكرامته وحريته، وحلم الإنسانية القادمة للعالم المتحرر من الانانية والظلم.
                   الباحث/ ســــمير عســــكر