المحرر موضوع: عن الإصلاح والصلاح في العراق  (زيارة 441 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 425
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عن الإصلاح والصلاح في العراق
لويس إقليمس
بغداد، في 15 آب 2017
نال موضوع الإصلاح في الدولة والحكومة بالعراق، قدرًا من التفاعل الرسميّ والمجتمعيّ وإبداء الرأي في الشارع العراقي، مذ تولّي رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي رئاسة الحقيبة الوزارية من سلفه الذي لم يصن أمانة الحفاظ على سلامة الأرض والعرض والثروة الوطنية، بل أشعل فتيل الفتنة الطائفية وقاد البلاد إلى شفير الإفلاس وأطاح بأي أملٍ بانتقال البلاد من الفوضى الخلاّقة إلى دارة الدولة المدنية. فالمشروعُ الإسلاميّ المشبوه الذي مازال هذا الأخير يسعى لتسويقه ضمن برنامجه ليضمن سطوتَه على مقدّرات البلاد، لا يمكن أن يُكتب له النجاح ويجد النور، لأسباب كثيرة وواقعية، منها ما يمسّ ذهنية المواطن العراقي وأخرى ترجع إلى طبيعة الأرض التي احتضنت حضاراتٍ وشعوبًا وأديانًا لها تاريخُها وصفحاتُها المشرقة الخالدة في حياة شعوب المنطقة والبلاد على السواء. فهذا المشروع، علاوة على شبهات ارتباطه بدولة الجارة إيران، والذي يتطلع فيه إل تقليدها في مبدأ ولاية الفقيه التي لا تنسجمُ مع ما هو قائم تقليديًا وحضاريًا واجتماعيًا من تعددية في الأديان والأعراق والمذاهب والأجناس، سيكون طعنة مثخنة في خاصرة التوّاقين لرؤية العراق بلدًا متطوّرًا ومتحضّرًا، ليعود إلى حاضنة المجتمع الدولي معافى من أدران الماضي المعفّر بالدم والكراهية والطائفية والحقد والخصام والتمزّق والدكتاتورية المتوارثة عبر الأجيال لدى شعوب المنطقة، ومنها بخاصة الدول الإسلامية على وجه التحديد. من هنا كان الاتفاق على ضرورة استبدال المالكي بعنصرٍ من كتلته ومن حزبه ظاهريًا، كي يقوم بما عليه في ساحة الإصلاح من أجل نقل البلاد وأهلها إلى واحة مختلفة ترفل بالأمن والسلام والرفاهية وإجراء مصالحة مجتمعية لإصلاح ما تمّ التفريط به على عهد سلفه. 
عملية الإصلاح، أيًا كانت بداياتُها أو غاياتُها، لا تخلو البتة من مغامرات وهواجس واختلاجات وإرهاصات على الصعيد الشخصيّ للأفراد، وعلى صعيد المجتمعات كمكوّنات جامعة ومنضوية تحت لواء دولة ذات سيادة، على السواء. والعراق كان في غابر السنين ضمن مثل هذه المواصفات التي تحققت وتكوّنت منها هوية أية دولة لها شأن في التاريخ البشري. فبلادُ وادي الرافدين، بتاريخها الموغل في القِدَم والحضارة البشرية، تشهد لها آثارُها وتركتُها الثقافية الغزيرة والسِيَر المأثورة لعلمائها ومفكريها ومثقفيها وما تركه هؤلاء للأجيال. وهذه العملية، لا تتحدّد بهدف معيّن أو شأنٍ محدّد دون غيره، إذا أُريد لها أن تكون شاملة بمفرداتها ومعطياتها وبنودها التي تغطّي سائر مكامن الحياة وشؤون البلاد والعباد. 
بدءًا، يأتي إصلاح النظام السياسي والاقتصادي على رأس الأولويات، لأنه يحفظ للبلد سيادتَه وتحكّمَه بشؤون مقدراته الداخلية والخارجية التي تجعلُ منه قوة تتحكم بمصادر القرار، وتمنحه مَنَعةً وتحصينًا إزاء أية محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار فيه أو تلك التي تسعى لإبقائه رهينة بيد القوة التي تصرف عليه وتوجه أداءَه الداخلي والخارجي وسياستَه السيادية وفقًا لأجنداتها ومصالحها في استهلاك أيّ شيء وكلّ شيء. ومن المهمّ بمكان، الاستفادة من الدروس السابقة والاسترشاد بالخبرات المتراكمة حول نوع النظام الأصلح لسياسة أية بلد، بالوقوف على شكل النظام السياسيّ الذي ينفع ويأتي بالسعادة والاستقرار والرفاهة للمواطنين بغضّ النظر عن تلاوينهم وتشكيلاتهم وخلفياتهم الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية والاجتماعية. فهناك النظام البرلماني الذي يُؤمّن نوعًا من الديمقراطية وحرية التعبير والرأي والتنقل، هذا من حيث المبدأ لا الواقع. وهناك النظام الرئاسيّ، الذي في حالة استغلالِه من قبل هرم السلطة بتحويله إلى أداة لحكم العائلة والقرابة والمحسوبية والمنسوبية، يتحول إلى كابوسٍ لكمّ الأفواه وزجّ الأحرار في الغياهب وقتل أية بادرة للتعبير عن الرأي والحرية في اتخاذ الخيارات الشخصية والاجتماعية وتقرير وسائل العيش الحرّ الكريم. وهذا الأخير، تتصف به غالبية دول المنطقة، والإسلامية منها بصورة خاصة، ولدينا من أشكاله الكثير من الأمثلة والدروس، إلاّ في حالة واحدة قد تنفع، وهي أن يكون مثل هذا الحاكم عادلاً بحكمة سليمان الملك وشديدًا بحدّة حمورابي صاحب المسلّة وأول قانون نظاميّ يُطبَّق على الجميع. وهذا من النادر إيجادُه والعثور عليه. فهذا الصنو من الحاكم "الدكتاتور العادل"، سيكون قادرًا على إحلال الطمأنينة في قلب المواطن وفي إرضائِه من حيث حقوقه في التساوي بالمواطنة وتحقيق العدالة وفقًا للدستور الناضج الذي ينبغي أن يتولاّه أصحاب الاختصاص وفيه تُرسم سياسة البلاد الداخلية والخارجية لتنسجم مع طموحات عامة الشعب بجميع مكوّناته، حينما يُكتب بنَفَس مدنيّ حافظ لحقوق الجميع.   
أمّا لماذا فشل النظام البرلمانيّ في العراق، وهو الذي من وظيفته من حيث المبدأ إتاحة فسحة أوسع للحريات العامة، فهو لكون الدستور الذي وضعه مَن أتوا على ظهر الدبابات الغازية أو بدعمٍ من إدارتهم لاحقًا، لم يكن عقدًا وطنيًا ومجتمعيًا متكاملاً بسبب وجود ثغرات عديدة في بنوده وتضمينه ألغامًا كثيرة وتسييسه لجانب فئة على حساب العامة من سائر الشعب. وكذلك باعتماده على مبدأ المحاصصة والسماح للزعامات أو بالأحرى لمافيات الزعامات السياسية لاستغلال هذه وتلك في مسألة انتهاب ثروات البلاد واقتسام موارد الدولة والمناصب الرسمية والحكومية ووضع أيديهم على فعاليات السوق الوطنية التي همّشت دور النخب وأهملت دور القطاع الخاص في بناء دعامات اقتصاد البلاد، وهو الأجدر بقيادة وإدارة هذا الأخير والأكثر نزاهة في توجيه السياسات التجارية والاقتصادية وتطويرها نحو الأفضل.
 مثل هذا الفشل في صيانة الحق الطبيعي للفرد والوطن بسبب تراكم الخروقات والأخطاء، يعني الحاجة لتأكيد النزوع إلى نظام بديلٍ ونزيه ومتطور يحفظ توازن المصالح العليا للبلاد وليس فرض منافع لسلطات حاكمة ومافيات متنفذة ليس بإمكان الحكومة الضعيفة الحالية محاسبة الفاسدين والمفسدين منهم، بسبب ضعف الأداء العدلي والقضائي والجهات الأمنية التنفيذية التي يُفترض توليها حماية البلاد وثرواتها وسيادتها، والحرص على صيانة أمن المواطن على السواء.
في ضوء هذا التوجّه نحو إصلاح الدولة، حكومةً ومؤسسات وأفراد، هناك حاجة ملحة قبل كلّ شيء، لإصلاح النظام الانتخابي الذي يمثل إحدى حلقات الفساد عبر التحكّم بطبيعة القانون الانتخابيّ وإخراجه عن الشفافية في طريقة الترشّح وأدواته وشروطه. فهناك، مَن يسعى دومًا لفرض الذات وأجندة الحزب والكتلة والجهة التي تسند وتدعم وتقدّم المرشَّح "ممثلَ الشعب" المفترض، وتوجهه في حالة الفوز بمقعد برلماني، بالطريقة التي تحفظ عادة مصالح الأحزاب الكبرى ذات الأغلبية، والمتنفذة دومًا في العملية السياسية. فالقانون الانتخابي مازال غير قادرٍ على إتاحة الفرصة لجميع المواطنين بالمشاركة في الانتخابات والترشح، بسبب غلبة الأحزاب المتسلطة والمتنفذة التي ماتزال تتخاصم وتهدّد وتفرض أدواتها القسرية بصياغة القانون الانتخابي وفق مصالحها، كلّما سعت جهاتٌ وطنية مهمّشة لإجراء تعديلات عليه كي تُتاح فيه الفرصة لمشاركة أوسع، لاسيّما من أوساطٍ مستقلّة ذات توجهات وطنية أو من جانب مكوّنات ترى نفسَها خارج العملية السياسية بسببٍ من قلّة أعدادها. وهذا ما يجري حاليًا، حيث هيمنت الكتل والأحزاب الكبيرة فارضة شروطَها في تشريع القانون الانتخابي، بالرغم من اعتراض الكثير من الكتل والأحزاب الصغيرة التي ترى نفسَها مغبونة في حقوقها الانتخابية. فقانون سانت ليغو الحالي، سواء بنسخته1,9   أو 1,7 ، لا يلبي طموحات المستقلّين والأحزاب الصغيرة التي تمثلها الأقليات. وما تطالبُ به هذه الأخيرة يقارب المنطق والحق في التعامل العادل والمتساوي بين كافة المواطنين، وبما يتيح لإجراء توازن وفق المصلحة العليا للوطن وبالاستناد إلى مبدأ المواطنة المتساوية للجميع التي تتيح الحق للجميع من دون استثناءات أو امتيازات لفئة دون أخرى.
كان من ضمن أبجديات حكومة العبادي، تشكيل حكومة "تكنوقراط"، قادرة على مواجهة البلاد الغارقة في أزماتٍ عديدة لا حصرَ لها. وبالرغم من موافقة "ظاهرية"، أو بالأحرى موافقة "إعلامية ودعائية" مبطنة بنوايا مشكوكٍ فيها من جانب زعماء الكتل وأتباعهم من المنتفعين من نواب البرلمان، إلاّ أنّ تلك الرغبة من جانب رئيس الوزراء، سواءً كانت صادقة أو مراعية لصوت الشارع ظاهريًا، قد اصطدمت بصخرة الرفض من تحت الكواليس. وجرى ما جرى لإجهاضها ووأدها وهي في التكوين الرحمي. وفي الحقيقة، أنّ صفة التكنوقراط، بعيدة بعض الشيء في وصف الوزارة الحالية، إلاّ في حقائب معدودات يتسم وزراؤُها بالكفاءة التي تدعمُها الشهادة والخبرة معًا. أمّا مَن اعترض أو حاول إجهاض مشروع التكنوقراط، فجلُّهم من الأحزاب والكتل والنواب من غير ذوي الكفاءة والجدارة والأهلية في إيثار مصالحهم الفئوية الضيقة والحزبية والطائفية على حساب المصلحة العليا للوطن والشعب، بسبب أنّ مثل هذا التوجه نحو الكفاءات الوطنية العراقية، ومنها تلك المستقلّة بوجه خاصّ، كان سيضع حدّا لطموحاتهم الشخصية في التسلطّ على الحكم والمال، كما هو قائم حاليّا. فالمؤسسة التشريعية، بسبب بعض الدخلاء من المزوّرين والفاسدين ومن غير ذوي الخبرة والنهج الوطنيّ في التعامل مع السياسات العليا للبلاد، بقيت وماتزال عاجزة عن تمثيل الشعب، إلاّ بنشاطها ما قبل الانتخابات عبر الكمّ الهائل من الوعود والتعهدات التي تُقدّم للناخب المسكين الذي يصدّق كلّ شيء بسبب من هشاشة فكره وعوزِه وضعف توجهه الوطنيّ هو الآخر.
أمّا من حيث تعزيز مبدأ الديمقراطية الذي ينادي به الجميع دون إدراكٍ حقيقي لما يُرتكب من جرم وفساد وخرق باسم هذه المفردة الشائعة التي أضحت شعارًا فضفاضًا للمتسترين على فضائح الفساد وسوء الأداء وضعف الفعّالية في إحداث التغيير المرتقب في الدولة والمجتمع على السواء، كان لابدّ من سيادة مبدأ التوازن في السلطات على ما سواه من سيادة مبدأ المصالح والامتيازات التي أخرجت النظام الديمقراطي عن سكّته المخطَّط لها، كما هو قائم في الدول التي مرّت بتجارب مماثلة واستطاعت اجتياز المحرَّمات التي ماتزال تعشعشُ في معظم الأنظمة العربية، ومنها بلادنا. من هنا، وبسبب سطوة أحزاب السلطة التي ماتزالُ تضع يدَها على كلّ مفاصل الدولة الغارقة في مشاكل لا حصر لها، اعتمادًا على أساس النهج المحاصصي المقيت الذي أغرق البلاد والعباد في دوّامة الفوضى الخلاّقة، كان لابدّ أن يدرك الساسة أن مسألة فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، تُعدّ من أركان الديمقراطية التي ينشدها جميع المؤمنين بمبدأ الحساب والعقاب من دون تهاون أو تمييز أو امتياز، وكذا وضع الرجل المناسب في المكان المناسب الذي ينبغي أن يكون فيه وفقًا لجدارته بعد أن يتمتع الجميع بالفرصة المتاحة للمكان المؤهَّل لكلّ فرد وكلّ مواطن.
إنّ مسألة تداخل السلطات وفرض الإرادات وإجازة القوانين والتعليمات تبعًا للجهة الأقوى، تُعدّ كارثة في بناء أية دولة لا تقيمُ قدرًا للديمقراطية ولحرية الفرد وكفاءة الأشخاص. وهذا دليلٌ إضافيّ آخر على الفوضى وخلط الأوراق بين شركاء العملية السياسية الذين يقيمون في وادٍ ويعيشون في أبراجٍ عاجية، وبين الشعب الذي يقيم بعيدًا عنهم ويعيش في وادٍ آخر مليء بالدموع والكوارث والأحزان ويقوم على الوعود العرقوبية. وهنا، ليسَ مَن يُلام على هذه الإشكالية، هم المسؤولون في السلطات الثلاث وأحزاب السلطة فحسب، بل الشعبُ أيضًا بسبب من سذاجة شرائح واسعة في صفوفه وهشاشة أفكارهم وتبعيتهم واعتيادهم السير وراء الجلاّد من دون مراجعة ولا تفكير ولا تحليل ولا تمييز للأسباب والنتائج والمؤهلات والظروف.
هنا يأتي دور التيارات الوطنية والنخب المثقفة والمدنية، العلمانية المستقلّة منها على وجه الخصوص، برفع صوتها بالتحذير من الوقوع في حبائل وفخاخ ذات الجهات التي أثبتت فشلَها في تمثيل الشعب وفي بناء الوطن وتقديم الخدمات وتطوير البلاد وتأمين سلامة المواطن وصيانة شرفه وعرضه وأمواله وحرية تعبيره وتنقله وحقه في حياة حرة كريمة. فحالة الإحباط القائمة والمتزايدة يومًا بعد آخر بفضل سوء أداء السلطات الثلاث، وفشلها بتحقيق تحوّلات هامة على كافة الأصعدة وكذا في الإصلاح، أصبحت حالة يومية تتشابك مع أحداث الساعة، وفق متغيّرات الشارع الثائر الساخن، بسبب قيظ الصيف الشديد الحرارة وكذا بسبب الأحداث السياسية والتفاعلات البينية والعلائقية بين الكتل السياسية والزعامات وأجندات كلٍّ منها، وما شهدته هذه مؤخرًا من تشظيات وانقسامات واتهامات. والخشية من كلّ هذا الحراك، أن تكون ضمن لعبة سياسية تجيدها أحزاب السلطة لتغيير الوجوه والبقاء في دارة السلطة والواجهة من جديد، ولكن بتسميات جديدة ووجوه تتلاعب بمشاعر الناخب الحائر.
من جانبٍ آخر، ما يمكن تسميتُه بالعجز القائم في السلطة التنفيذية في التصدّي لانفلات الشارع وإصابة الأهداف المتورطة في أعمال خطف وسطو وقتل وتهديد وما شاكلها، تشكّل اليوم تحديًا آخر يُضاف إلى نصاب المشاكل القائمة بين الأطراف الحاكمة والمشاركة والمعارضة، ومن تلك المتهاونة فيها في رصد الجرائم ومتابعة سلوكيات فاعليها والواقفين لها دعمًا وسندًا وتشجيعًا وتستّرًا على فاعليها على السواء. وهذا ينمّ بالتأكيد عن الضعف في مواجهة الحدث الجرميّ والفشل في تقديم الحلول الناجعة التي ينتظرها المواطن البسيط من الدولة. هذه السمة الفوضوية في الإدارة، التنفيذية منها والتشريعية والقضائية، تفضي إلى نتيجة صائبة وهي غياب الرؤية السيادية في البلاد، السياسية منها والإدارية والاقتصادية والمالية والعلمية وحتى المجتمعية التي أضحت فريسة للحكم العشائري وأصحاب الميليشيات المتنفذة في بعض المناطق والأوساط، ما يُبعد الدولة عن تطبيق مبدأ القضاء العادل بحق المخالف والخارج عن القانون وغير المنضبط من المنضوين تحت ألوية مسمّيات كثيرة لا حصرَ لها، بحيث ضاع الخيط ومعه العصفور. وتلكم حالة واضحة لا تحتاج لشرح تفصيليّ أو سند توثيقيّ.
ما يحصل على الساحة العراقية، قيام كانتونات وتنظيمات ومؤسسات أشبه بحكومات موازية للحكومة الرسمية، لها ميزانياتُها وسياساتُها التي تفرضُها بفضل ما تتمتع به من سطوة وباعٍ طويل في شبه الدولة الغائصة في بحورٍ من المشاكل التي لا حصرَ لها، كما أسلفنا. ولعلّ الحلّ الوحيد الذي بإمكانه انتشال شبه الدولة هذه وإيصالها إلى برّ دولة ذات سيادة واعتبار دوليّ صحيح، تكمن بتعزيز نهج السيادة الوطنية على غيرها من السياسات والوصول بها إلى نتيجة قيام إدارة سيادية وسياسية واضحة المعالم مستندة على شرعية الشعب وتتحمّل المسؤولية الوطنية بموجب تخويل حقيقي من الشعب والفعاليات المختلفة التي لها حق المشاركة في الحكم وإبداء الرأي والاعتراض ومراقبة الأداء الحكومي بكلّ جوانبه. وهذا يدعو إلى اعتماد مبدأ فصل السلطات الذي مازال يعاني من تداخلها ومن تسييس في أدائها وسياساتها لشتى الأسباب والأهداف التي تتقاطع مع طموحات التيارات الوطنية والشعبية الرافضة التي ترفع صوتَها، ولكن ما من مجيب إلاّ على خجل. من هنا، نجد أن لا بدّ من رفع مثل هذا الغموض في هذا التداخل غير الحضاريّ والناقص للشفافية في اعتماد مبدأ المساواة وتحقيق العدالة في صفوف العامة والحفنة الخاصة التي استقطبت وسيطرت على مقاليد السلطة، وهي غير أهلٍ لها.
أمّا ما تعانيه البلاد من أزمة مالية واقتصادية، فمردُّها بالتأكيد، سوء التخطيط والإهمال والتقصير وتفضيل المصالح الفئوية والطائفية على العامة والوطنية والفشل في إقرار استراتيجيات بعيدة المدى، واستنزاف الاحتياطيّ من أموال البلاد في مزاد صرف العملة المتزايد يومًا بعد آخر. هذه الأزمة الاقتصادية شكّلت بالأمس وما تزال تشكل اليوم تحديًا كبيرًا شائكًا في خاصرة الوطن وأبنائه ومستقبل الأجيال. وهي إن دلّت على شيء، إنّما هي عنوانٌ على سوء الإدارة وضعف القيادة وغياب الاتساق في الجدارة والأهلية ووضع الأشخاص المناسبين من "النخب" وليس من "حفنات" من الموظفين والمسؤولين من ناقصي الخبرة والرؤية الوطنية والبعد الاستراتيجي في وضع السياسات الناجعة. والدليل على وجود تخبّط في هذه جميعًا، الفشل في تقديم أجوبة أو مقترحات حلولٍ تسهم في ردع المقصّر ومحاسبة الفاسد، وفي توجيه سياسة الدولة نحو برّ الأمان بحيث ينتصر الحق على الباطل، ويسود العدل بدل الظلم، ويُردعُ الفسادُ وصاحبُه وفق القوانين وعدالة السماء، إذا ما اقتضت الضرورة من دون تقاعس. وهذا ما ليس قائمًا في أوساط حكومتنا وسياسيينا وزعاماتنا.
وسيبقى مشروع الإصلاح الحقيقي في بنية الدولة، حكومةً ومؤسساتٍ وقوانين، قائمًا حتى تحقيق قدرٍ من الاستقرار في كلّ مفاصل الحياة. فلا خير في إصلاحٍ لا يجدُ المواطنُ النزيهُ والمستقلّ مكانةً في إدارة البلاد وفي تطبيق الوسائل الفضلة في تسيير دفة الاقتصاد وصيانة الأمانة في الحريات العامة واستخدام ثروات البلاد في البناء الصحيح وفي تحقيق الرفاهية وتسارع الخدمات وصولاً إلى مصاف الدول المتقدّمة التي تعرف كيف تحترم الآدميين لديها وتحاسب لصوص النهار وسرّاق الليل بداعي المواطنة الحقيقية المفقودة في بلدٍ كالعراق فقدَ جلَّ مؤسساته البنيوية بسبب الفساد والمفسدين.