المحرر موضوع: كبوّش التوت  (زيارة 851 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رشيد الفهد

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 28
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كبوّش التوت
« في: 11:27 10/09/2017 »
كبوّش التوت
رشيد الفهد
هذه شابة فلاحة لبنانية راحت مع امها الى بيروت بعدما غادرت كالمعتاد ضيعتها و(الضيعة) هي القرية أو الارض المزروعة..
 كانت هذه الفتاة ترمي الى بيع ثمارها في المدينة وهناك في بيروت أخطأت في التقدير مع شاب تبين لها فيما بعد انه غشاش ومخادع ويبدو انها كانت تعقد عليه الآمال ما جعلها من شدة الصدمة ان تطلب من امها العودة الى بيتها الى ضيعتها فورا حتى دون اتمام عملية بيع الحاصل  و (كبوش التوت ) كان هو الحاصل والكبوش يعني  ان الثمرة قد نضجت و اينعت فحان قطافها :
 عالضيعة يما عالضيعة وديني وبلا هالبيعة
جينا نبيع كبوش التوت ضيعنا القلب ببيروت
يا شماتة شــــــباب الضيعة .. عالضيعة يما عالضيعة يما.
هذه المسكينة تخشى ان يشمت بها شباب القرية على اعتبار ان الارتباط بشاب كهذا يعد خرقا اجتماعيا فاضحا غير مقبول حتى انها من شدة هواجسها اعتقدت ان قصتها على مستوى مصيبة :
مين بدنا نحكي قصتنا يا مصيبتنا ويا جرصتنا
هالشاب اللى سبب لوعتنا بايع قلبو 12 بيعة
ياليل القمر مش داري .. بقلبي وف حرقة ناري
وبالضيعة كل الحواري .. عم يحكوا قصة هالبيعة
والشاب الحواري بالنسبة لاهل الضيعات في لبنان هو الشاب العصامي الذي اذا أحب فتاة يحبها بقوة ،يحبها ويحب ابيها وامها واخيها وكل ذي صلة بها .
 (توفيق بركات) كاتب هذه الكلمات يدري أو لا يدري ان الشاب الحواري كان متوفرا بالعراق في الزمن الجميل والا كيف غرّد (الغزالي ناظم ) قائلا :( أحـبك وأحــب كل من يحـــبك وأحـــــــــب الورد جوري عبنــــه بلون خدك ) ..
 هذا هو العراقي كان يمزج الورد بالعشق .
 في قصة اخرى جسدها (ملحم بركات ) قال فيها ان شابة صغيرة كانت تقف تحت شجرة التوت ما ان شاهدت شابا أقبل على مسافة امتار حتى راحت تهز الشجرة في محاولة  لجذبه واستدراجه نحوها عسى أن يأتي  ليلتقط  معها حبات التوت المتساقطة..    في مسعى منها للحصول على ألتقارب أو عسى أن يفضي  اللقاء في النهاية الى الزواج  المنشود لكن هذا الشاب  كان فطنا عرف نوايا الشابة ما أدى الى أن يخبرها بوضوح انه متزوج وأبو بيت مع قليل من التأنيب لها :
لا تهزي كبوش التوتي
مابحبك لو بتموتي
انا يابنت مجوز وزلمه
عقل بيتوتي
 البنت اللي بتحب الشب
مابتوقفلو بنص الدرب
بعدك صغيري عالحب 
فوتي ع بيتك فوتي .
 هذه الفتاة كانت تأمل من الشاب ان يبايعها تحت الشجرة .
كان للتوت سهما في الموروث العراقي  فقد كان لسكان المدن مثلا شعبيا متداولا يقول : (فحل التوت بالبستان هيبة ) ..اي بمعنى ان فحل التوت   غير المثمر يمكنه ان يحفظ للبستان هيبته لكونه شجرة باسقة ،عالية ومرتفعة يهابها الناظرون .
ما كان لهذا المثل الشائع ان يضرب لولا انتشار  التوت في كل الاماكن المتفرقة من البلاد قبل ( الردة) التي اطاحت بنا  قبل ان تطيح بالزرع والضرع .
هذا شاعرنا العراقي الجميل (حافظ جميل ) كتب قصيدة غزل عام 1925 غازل فيها ( ليلى تين ) التي كانت زميلته بالجامعة  الامريكية في بيروت قال  فيها :
يا تينُ يا توت يا رمّان يا عنبُ
يا خيرَ ما أَجْنَتِ الأغصان والكُـثُبُ
ياتين يا ليت صرح التين يجمعنا
يا توت يا ليت ظل التوت مضجعنا
ما احلى العراقيين في الزمن الجميل كانوا يتخذون من الفاكهة رمزية في  تعابير العشق والجمال .
وانا اتحدث عن جيلي أقول : كثيرة هي الصور التي ظلت مطبوعة في الذاكرة عن التوت والشجرة .... في الصغر تسلقنا شجرة التوت  ومرات كنا ندور من حولها باحثين عن حبات سقطت هنا وهناك و احيانا نهز الشجرة وأشياء أخرى كثيرة...اكلنا التوت العراقي طازجا واكلناه مجففا وهذا الاخير كنا نشتريه باصغر قطعة نقدية .
عند الفراعنة وباللغة الفرعونية يسمى (التوت) (الخوت) وهي لفظة قريبة جدا من العربية.
هؤلاء الفراعنة جعلوني  في حيرة من أمري..هم يسمون التوت الخوت بينما لديهم ملكا اسمه توت ...توت عنخ آمون .