المحرر موضوع: مَن له حق الحديث عن مصير السهل ومستقبله؟  (زيارة 974 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 424
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مَن له حق الحديث عن مصير السهل ومستقبله؟
لويس إقليمس
بغداد، في 12 تموز 2017
صدرت الترجمة المعتمدة للبيان الختامي والتوصيات التي أعدّها منظمو مؤتمر بروكسل المنعقد بالعاصمة البلجيكية، للفترة من 29-30 حزيران 2017، وشاركت فيها رئاسات كنسية وزعامات سياسية وشخصيات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني، إلى جانب الحاضرين من نواب وشخصيات غربية رعت وأيدت الحدث.
لستُ هنا بصدد إطلاق هتاف تأييد أو صرخة رفض بخصوص نوعية المشاركة وحجمها والغرض الفعليّ المتوخى من وراء تنظيم المؤتمر الذي يخصّ شريحة متألمة ومهمّشة ومتناقصة باضطراد ممنهج، بسبب الهجرة والنزوح للأسباب التي يعلمها الجميع. إنّما يبقى من حقّ العقلاء والمثقفين ورواد المجتمع، الدلوُ بدلوهم، بالرغم من حرمانهم القسريّ من المشاركة في إبداء الرأي فيما يخصّ شؤونهم ومستقبل أهلهم وأحبائهم ومصير بلداتهم المنكوبة، بسبب استبعادهم من مثل هذا الحق من جانب الزعامات، دينية كانت أم سياسية. فهذه الأخيرة، وبما أوتيت من قوّة وعزم وإرادة ونوايا مدفونة ومعلنة، لا يطيب لها الاستماع دومًا لآراء هذه الشريحة المدنية المستقلّة في فكرها ورؤيتها للواقع المزري، سواء كان ذلك في رحاب الدولة الاتحادية أم في الدولة الفتية القادمة المولودة من طموحات إقليم كردستان الحالي.   
بيان بروكسل، تضمّن من جملة المطالب المشروعة، أفكارًا جانبية مدسوسة قابلة التأويل، يقرأ اللبيبُ من بين سطورها، الغاية الأولوية من تقرير عقد هذا المؤتمر في هذا التوقيت بالذات: الاقتراب من نهاية داعش الإرهابي في مدينة الموصل، عقر دار دولة الخلافة الإسلامية المزعومة، وإعلان الإقليم قبل أيام عزمه الذي لا تراجع عنه بإجراء الاستفتاء وتضمينه مشاركة ما يُسمّى بالمناطق المتنازع عليها فيه. ومثل هذا التوقيت، جاء للتأكّد من حصول وإيلاء ضمانات شبه أكيدة من المشاركين من مكوّنات الأقليات الرئيسة، ومن المكوّن المسيحي بالذات، الذي ترتب عليه تأكيد مثل هذا الالتزام بما سبق أنْ أقرّه وبصمَ عليه عرّابون آخرون في وقت مضى، سياسيًا وحزبيًا وثقافيًا، بعضهم دفنهم التاريخ وآخرون ما زالوا يلوكون ذات التغريدة. فقد اقتنع العديد من هؤلاء، إنْ لم يكونوا قد ارتضوا صاغرين من ناحية توقيت عقده والنتائج الصادرة عنه بما فيها من دسّ مستتر، نتيجة لما نالوه من منح وبركات ووظائف وهدايا وإكراميات وعمارات وبناء مؤسسات لمختلف الأغراض وكنائس وغيرها كثير. وبالطبع، كلّ هذه الإكراميات لا يمكن أن تكون بغير ثمن. فهذا الأمر، لا غبارَ عليه، مهما جاء أمرُ إنكاره أو تحاشيه أو نقضه أو تكذيبه. ما علينا، كما يقول صاحب الرواية الطويلة وخبير مثل هذه المفاهيم، وهو مجهول الهوية بطبيعة الحال، فالعصفورة اللطيفة لا تكذب ولا تُكذِّبُ ما يجري في الكواليس وما يُدار في أروقة السماسرة من كلام واتفاقات ومجاملات وتعهّدات.
الأمر المهمّ في مثل هذه المؤتمرات، سواءً التي عُقدت في السابق، أو تلك القادمة المنتظر تكرارُها بسبب ما تدرّ على المنظمين من فوائد جمّة لهم ولمواليهم، ومن استغلال هؤلاء لسذاجة بعض المشاركين الذين يرتاحون لتغيير الأجواء المظلمة في عراق الفوازير والعجائب بسبب نقص الكهرباء، والشديدة القيظ بسبب نقمة السماء على أهل الدار السوداء، هو أنْ يعي المنظمون والمشاركون معًا، مَن هي الجهة المخوّلة حقًا بالتحدث باسم المكوّن المسيحي ورسم صورة مستقبلهم في ضوء الوقائع والأحداث والتخبّط، في كلّ من حكومتي المركز والإقليم، حيث اضطرّ غالبية النازحين والمهجّرين من بيوتهم للإقامة في أراضي الإقليم بسبب قربها من مناطقهم التي طُردوا منها، وبعد أن فقدوا أملاكهم وأمانهم، وسُلبوا حرّياتهم بالتعبير عن آرائهم وإبداء تصوّراتهم.
الرئاسات الكنسية التي تحوّلَ بعضُ لاعبيها إلى زعامات وخاضوا مجال التجارة في السياسة وأجادوا في ترويض النفوس الجائعة وفي إقناع أصحاب النفوس المريضة من التي لا حول ولا قوّة لها، لم تُثبت استقلاليتَها ولم تصنْ مجالَ خدمتها للنفوس كما ينبغي، وهي الكفيلة بهذه الرسالة لا غيرُها. وهذا واضح في المناكدات والاعتراضات والثورات التي حصلت من داخل المؤسسة الكنسية نفسها وبين بعضها البعض، سواء داخل الطائفة الواحدة أو الكنيسة الواحدة، أم فيما بين الطوائف نفسها، زعامات وكوادر وقواعد للمؤمنين على حدّ سواء. بل إنّ اتهامات متبادلة تُشاع بين فترة وأخرى، وقلّما تخلو صفحات المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من مثيلاتها. والأنكى من ذلك، ما يرِدُ من ردود التكذيب أو التأكيد وبما يخلق حالات من الشك واليقين فيما يُقال ويُكتب.
بدورها، الأحزاب المسيحية المتواجدة على الساحة السياسية، بالرغم من كون أغلبها، إلا الأصيلة منها التي لا تتجاوز اثنين أو ثلاث على أوسع تقدير من ذوات القاعدة الشعبية الواسعة نسبيًا، هي عبارة عن دكاكين أو مكاتب صغيرة، كما جاز لأحد الزملاء وصفَها، وقد صدق. فهي حقًا مقرّات لنفر قليل من المنتمين الموالين لحكومة الإقليم، والذين لا يُجاز لهم الخروج عن طاعة وليّ النعمة. فهُمُ بمثابة جنود وُدَعاء يأتمرون بأمر وليّ النعمة الذي تكفّل بكلّ المصاريف والمرتبات والمخصصات والهدايا وإيجار المقرّات وعقد المؤتمرات والندوات وسائر النشاطات التي تؤدّي جميعًا إلى تأييد الرغبة بالانضمام المبدئي إلى الإقليم والدولة الكردية القادمة، بموجب فرمانات مصدّقة صدرت عن نفرٍ من شخوص الأحزاب وزعامات الكنائس وتمّ استلام أثمانها. أنا لا أعمّم، بل الحقيقة القائمة لا يمكن نكرانُها أو إخفاؤُها. فهناك من السامعين الجيدين ومن القارئين المجيدين وممن المحلّلين الأكفاء في كلّ هذا وذاك. وذاتُ الوصف الذي ينطبق على المجموعتين المعنيّتين، يمكن قولُه عن الذين استلموا مواقع حزبية ومناصب إدارية متقدّمة في حكومة الإقليم. فهؤلاء ليسوا بأفضل من المجموعتين المذكورتين. فلا استقلالية في اتخاذ القرار ولا حرية في إبداء الرأي. كيف ذلك، وهم بين المطرقة والسندان؟
هنا السؤال والتساؤل: أين موقع النبخة المثقفة من كلّ هذا وذاك؟ وهل من حقّ الكنيسة ورجالاتها، والأحزاب وأزلامها، وأصحاب المناصب ومَن يتودّد إليهم قربًا ومنفعةً، أن يكونوا أوصياء وناطقين باسم الشعب، الذي من حقّه قول كلمته بشأن مصيره ومستقبله عندما يستوفي شروط النطق والاختيار والتقرير؟ وإذا كانت الحرية المنقوصة التي أتى بها الغازي الأمريكي بعد سقوط ما سُمّي بالنظام الدكتاتوري البائد، ومثلُها الديمقراطية غير الناضجة التي طالما تمنيناها وحصلنا عليها بهذه الطريقة المخجلة، هي حادينا ودليلنا وأملنا لمستقبلنا ومصيرنا، فتبًّا لهما كليهما. فالغرب وأدلاّؤُه وعملاؤُه وأزلامُه هم مَن خلقوا هذه المشاكل وأوجدوا الأسباب لكلّ هذه وتلك. ثمّ إنّ "المطالب لا تأتي بالتمنيّ بل تُغتصب وتؤخذُ غلابًا". وهذا ما شنّفت به أسماعَنا إحدى أغنيات الراحلة كوكب الشرق وهي تحثّ شعب الكنانة والعرب على ما قاله الشاعر المبدع أحمد شوقي في إنهاض الهمم وإيقاظ الأمم من سباتها. 
في مناسبات كثيرة، في المؤتمرات كما في الشارع وفي لقاءات المقاهي والنوادي والمراكز الدينية والمدنية ومقرّات الأحزاب والمنظمات، تحدث الكثيرون وسيتحدثون عن جملة مطالب وتصوّرات وطموحات، هي من صلب حاجات أهل المنطقة المنكوبة. ولكن عندما يتعلّق الأمر بالأرض وديمغرافية البلدات والانتماء والهوية الوطنية، فهذا لم يعد شأنًا للمساومة ولصفقات التجار والعرّابين وأصحاب الرهانات، أيًا كان شأنُهم ودينُهم ومذهبُهم وتوجهاتُهم ومواقعُهم في السلطة أو خارجَها. ولكون المرحلة الراهنة فترة حرجة تشهد فيها البلاد فترة من عدم الاستقرار والفوضى الخلاّقة والصراعات الطائفية والعرقيّة والمذهبية، وتدير معركة ضروس ضدّ أعتى تنظيم جهاديّ مسلّح نشأ ونما واستأسدَ وحكمَ وسبى وقتلَ واغتصبَ وطردَ ونشرَ فكرًا متطرّفًا يصعبُ قلع شأفته بسهولة، فهذا يُضاف إلى سائر الأسباب الوجيهة التي تقتضي التروّي في تقرير المصير ومن ثمَّ الكفّ عن المطالب غير المنطقية والبعيدة عن العقلانية والابتعاد عن التسقيط والتخوين، لحين انقشاع الغيمة السوداء التي قد تطول لسنوات أخرى.
 من هنا يكون ترك مسألة تقرير المصير حتى استتباب الأمن والأمان، وعودة المهجَّرين والنازحين بعد تهيئة إجراءاتها وما تتطلبه هذه الفترة من إعادة الخدمات الأساسية وإعمار البنى التحتية وإصلاح البيوت المدمّرة وتعويض المتضرّرين والتأكّد من تجفيف منابع الفكر التكفيري في القرى المجاورة للبلدات المنهوبة والمدمّرة التي داسها أهل هذه القرى ودنّسوها وسلبوها وأعملوا فيها الخراب والدمار بتشجيع من عصابات داعش المسلحة التي احتلتها لأكثر من عامين. 
لستُ هنا أجافي الحقيقة ولا أقول بنتَ عمّها، بل هي الحقيقة القائمة التي يعرفها كلّ مَن يُعملُ الفكر والعقل والضمير. فليس من المعقول أنْ تطلب ممن استجارَ بك أن ينكرَ ما أبديتَ تجاهَه من مساعدة وتكريم وتعاطف. فهو في كلّ الأحوال عندما يجد السيفَ مستلاً على رقبته، لن يكون بمقدوره نفيَ ما تريدُه أو التقاطع مع ما تقوله. وهذا ما خشيناه ونخشاه من نية رئاسة الإقليم وحزبها الحاكم من فرض أجندته على عموم النازحين الذين استجاروا بهم وسكنوا في أرضهم، وهي ما تزال جزءًا من أرض العراق الاتحادي وليستْ ملكًا لأحد.  فلا الحشد الشعبيّ ولا سطوة حكومة الإقليم ولا أية جهة غيرهما حتى لو أتت من جانب الرئاسات الدينية والحزبية، من حقهم فرض أجندتهم على أهل سهل نينوى المنكوبين، سواء كان هؤلاء من المسيحيين أو الإيزيديين أو الشبك أو الكاكائيين أو التركمان أو حتى العرب منهم.
أمّا الطموح بإنشاء محافظة في منطقة سهل نينوى أو منح أجزاء منه نوعًا من إدارة ذاتية، فهذا حق مشروع، ويكفلُه الدستور لسائر المكوّنات. ولا بأس بالتفكير مستقبلاً بإنشاء إقليم على غرار إقليم كردستان. فإذا كان الغربُ المتبجّح وساسةُ البلاد صادقين مع أصحاب الشأن ومع أنفسهم ومع العالم، لماذا لا يدعمون مثل هذه المطالب مستقبلاً عندما تستقرّ الأوضاع ويعود المشرَّدون إلى ديارهم وأملاكهم ومساكنهم ويكونوا سادة أنفسهم من دون إملاءات أو فرض إرادات أو ضغط إدارات. هذا هو عينُ الحق، وهو ما يجدر بأصحاب الأجندات أن يعملوا وفقه وليسَ وفق مخططات وأطماع غيرهم. 
فلا تقاطع إذن، مع قائمة المطالب المشروعة والتوصيات التي خرج بها مؤتمر بروكسل الأخير، بالرغم من المقاطعة من جانب قيادات دينية وحزبية وشخصيات قليلة، إلاّ فيما تُشمّ منه رائحةُ مخطّط لتقسيم الموصل وإلحاق أجزاء من أراضيها بالإقليم بالطرق والوسائل والأدوات التي باتت معروفة للجميع. فمثل هذا السلوك القسريّ بهذه الأدوات، غير مقبول في هذه المرحلة الحرجة، ومثل هذا الرفض والتحذير يتفق تمامًا مع ما أصدره البرلمان العراقي بقراره بتاريخ 26 أيلول 2016 برفض تقسيم محافظة نينوى.
نحن مع المبادئ والأسس التي خرج بها مؤتمر بروكسل على الأسس الأربع: "أساس التمكين للبناء والإعمار، وأساس التمكين الأمني، وأساس التمكين السياسي، وأساس التمكين الإداري". فهذه تنطق بما يحتاجه أتباع الأقليات جميعًا، ومنهم المسيحيون، من تأكيد لضمان العيش المشترك وإدامة السلم الأهليّ وإعادة دمج مكوّنات الأقليات التي تعرّضت للتهجير القسريّ ولإجراءات التكفير، إلى أحضان المجتمع العراقي ونيل حقوقها المشروعة في دولة مدنية متحضّرة تعمل وتحترم الجميع وتسوسهم بالعدل والمساواة والتآخي.
وأنهي الكلام بما لخّصه رئيس الكنيسة الكلدانية من رأي سديد عقب تحرير الموصل بالقول:" يبقى مَنْ له الحق برسم مستقبل خارطة مناطقه وتحديد مصيره، هم أبناء الأرض الأصليون وأصحاب القضية والمأساة، عبر الحوار والتفاهم والتصالح مع جيرانهم من أتباع الديانات والأعراق والمذاهب الأخرى، من مسلمين وغير مسلمين، بعيداً عن الاجندات الخارجية او المصالح الشخصية الضيقة".