المحرر موضوع: الَمثلية ومفهوم الحرية  (زيارة 937 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الَمثلية ومفهوم الحرية
« في: 14:18 19/09/2017 »
المَثلية ومفهوم الحرية
بقلم / سلوان ساكو
تسعى دولة استراليا في الآونة الاخيرة الى تشريع قانون جديد يجيز للمثليين الارتباط رسمياً ، وبالتالي يكون لزماً على الدوائر المختصة من محاكم وبلديات وكنائس تطبيق هذا القانون والالتزام به.
 المثلي  أو المثليين Homosexuals ،  الذي كثر الحديث عنهم في الاعلام والسوشيال ميديا خاصة في الآونة الاخيرة ؟  وباتَ من الملح  ومن الضروري تسليط الضوء عليهم لرفع النِّقاب وكشف ما يحيطهم من غموض ، وعلى آيّ أساس تعتمد أفكارهم ومن أين بدأت وتبلورت هذه الأفكار، وكيف توصل الغرب الى مفهوم أو وعيّ أو صيغة أو نمط، بحيث  يتزوج أثنين من نفس الجنس ويتقبل المجتمع من حولهم ذلك بكل طيب خاطر ، وكيف وصل الامر في بعض الدول مثل الولايات المتحدة أن تجيز ذلك ، حيث يعتبر باراك اوباما أول رئيس أمريكي يعترف بزواج المثليين في سنة 2012.  والآن السِجّال دائر على أشده في الشارع الأسترالي لتشريع  قانون  يلزم المحاكم المدنية  بعقد القران وفرض الحالة على المجتمع بشكل عام. 
وجدَ الباحث والمنقب في حفريات الأركيولوجيا في بعض المجتمعات القديمة  من حياة الكهوف آي العصر ما قبل الزراعة والاستقرار أن هنالك بعض الرسومات على جدران تلك الكهوف مكونة من شخصان يتعانقان من نفس الجنس،  والباحث في علم باليوأنثروبولوجيا آي علم الانسان القديم سوفة يجد الكثير من الشواهد والطقوس لممارسات جنسية من نفس النوع. وحتى في الملحمة السومرية جلجامش نلاحظ نوع من الحب المثلي ( وليس بالضرورة أن يكون جنسي ) بين البطل جلجامش ملك أوروك وصديقه الوسيم أنكيدو بعد النزال بينهم. وفي بابل القديمة  كان هناك ظاهرة تسمى ( العهر المقدس) في معبد عشار للآلهة إنانا يحيث يمارسون الجنس بطرق خاصة.  وفي حضارة وادي النيل نشاهد الثنائي حنمحوتب ونيانخم مزيني قصر الملك ني أوسر رع سادس ملوك الأسرة الخامسة حوالي عام 2400 ق.م. حيث ساد الاعتقاد بأنهما كانا مثليي الجنس بناء على رسم لما يصورهما يتعانقان أنفًا بأنف في مقبرتهما المشتركة. وفي حضارة اليونان تكلم  الفيلسوف أفلاطون فى كتابه "‪Symposium‬" عن ذلك السلوك بواسطة حوار بين  فلاسفة عن معنى الحب "‪Eros‬" و تضمن ذلك الحب المثلي، وانتقد المثلية بوصفها غير طبيعية.
 وفي العصر العباسي كان معروف عن الخليفة هارون الرشيد أنه يجمع حوله الخصيان والغلمان وكان أبو نواس يمدح الغلمان ويثني على الجمال الخنثوي، وأيضاً أشعار المتصوف المشهور ابن  الرومي ، وفي عصر الصفويين في فارس 1501-1723 كانت هنالك بيوت خاصة لدعارة الذكور مرخصة قانونياً وتدفع ضرائب . فإذن الموضوع قديم جديد  وله جذور تضرب عميقاً  في كل الحضارات والمجتمعات بدون حصر . ولكن الموضوع  يأخذ بعداً أخلاقياً  تأسس على مفاهيم فلسفية كبيرة وأن كانت مستترة  خلف قناع الانسانية، فلا نستطيع   فهم الفكرة من الأساس دون العودة  الى مفهوم المصفوفة الاخلاقية خلال ما مرت به من تقلبات كثيرة ، والفلسفة بدورها لا تُفهم دون الرجوع الى غول الفلسفة كما يُقال  هيجل 1770-1831 الذي أساس مفهوم فلسفته على حرية الفرد، والذي كان هو بدوره  متأثر بجان جاك روسو 1712-1778،  حيث يمجد  هيجل الفرد الحر من منطلق أنه سوفة يصل الى المثال‫،(لأنها الهدف الأساسي للحياة  ومن خلالها يشعر الإنسان بقيمته وبجانبه الروحي لأنه يمارس العادات والتقاليد و الحياة الأخلاقية والقانونية من خلالها ). ‬وبعد ذلك نعود لقراءة فكرة فريدريك نيتشه 1844-1900  الذي أعطى فهم أعمق وأكثر جدلية بخصوص الحرية ومفهم الفرد، بدون أن يحدد ذَلِك بشكل مباشر في كتاب فلسفة الأخلاق الذي ترجمه للعربية الدكتور يسري ابراهيم، الذي نقد دور العقل في الفلسفة التقليدية ، وكتابه الثاني الأخلاق  والتحرر منها في آخر المطاف عبر Superman أو الرجل الخارق المنحل من الاعراف والتقاليد والعادات والاخلاق التي بُنيت عليها الانسانية عبر حقبة طويلة أراد هو أن ينسفها من الأساس، وأرتقائه بهذا الانسان الغير أخلاقي  للكمال المطلق، الذي قال أن الطبيعة الانسانية وغريزة حب السيطرة وإرادة القوة هي مكمن الأحكام التقويمية لا العقل. أن هيجل يتبنّى الى حد كبير وصف كانط للفرد الرشيد والاخلاقي ، لكنه يعتقد ان فهم كانط للفردية هو تعبير عن حقبة تاريخية محددة تتمثل بالعالم الحديث. ولهذا يُعتبر هيجل من اوائل فلاسفة الحداثة وخاصة الفهم الحديث للتاريخ، وفي ضوء صورة الفرد العالمي وظهور الفرد المتمتع بالحق الذاتي والحريّة الشخصية حتى في سلوكه العام وممارساته الخاصة. وقد عرض كانط في كتابه "الدين في حدود مجرد العقل" الصلة الوثيقة بين الأخلاق والدين، معتبراً أنّ الأخلاق ليست بحاجة إلى الدين من أجل قيامها، بل هي مكتفية بذاتها بحكم طبيعة العقل نفسه، وصحيح أنّ القانون الأخلاقي يفترض وجود كائن أسمى، ولكنّ فكرة هذا الكائن صدرت من الأخلاق دون أن تكون هي الأصل في ظهور الأخلاق ذاتها ويقول في دلالة خطيرة وعميقة، (إذا كان ثمة شيء يحق للإنسان الحديث أن يفخر به على سائر البشر السابقين؛ فهو إيمانه العميق بالحرية، بأنه كائن حر، لا يدين بقدرته على التفكير بنفسه، ومن ثمة على إعطاء قيمة خلقية لأفعاله أو لمصيره الخاص، إلى أية جهة كانت مهما علت أو بسطت هيبتها على عقولنا). بعد ذلك جاءت فلسفة جان بول سارتر 1905-1980، الذي سارت على نفس المنوال في تمجيد حرية الفرد في المجتمع دون اي عوائق وحواجز أخلاقية. من هذا الطرح السريع والإضاءات نستطيع أن نفهم أن الغرب اليوم، أميركا أوروبا استراليا ....الخ تسير على خُطى هؤلاء المؤسسين للفرد وليس للجماعة وتعطي أهمية بالغة للحرية وفق مفهوم الذات.  فأذا المسألة هي ديالكتيكية جدلية من الأصل ليست محددة بمفهوم الأخلاق الارضية التي وضعها الانسان وصار عبد لها. وصل الغربي الى هذه الفكرة عبر سجال طويل مرت بمراحل طويلة والذي تجلت في آخر الامر على هيئة حرية Freedomو ،إلانا ego ، والذات Self ،  تكون صادقة وتعبر بالضرورة على شخصية الفرد وذاته وتكون واعية بصدق دون مراوغة أو أحتيال عليها،  وهذا تطلب عمل شاق جداً ووعي وفكر مضني في أطار الموضوع  لانه ضد التيار وضد القيم السائدة وضد الطبيعة التي سارت في ركابها الحضارة من البداية وبنيت كل المفاهيم والتقاليد عليها تقريبا، وأزرتها ووضعت حجر الأساس لتلك القيم والتقاليد الديانات الشرقية بشكل خاص. وفي النهاية  تظل القضية بين مؤيد ومعارض  وتبقى مسألة المثليين موضوع معقد وشائك.