المحرر موضوع: كبرياء الرجال  (زيارة 696 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كبرياء الرجال
« في: 18:15 26/09/2017 »
{ كبرياء الرجال }
بقلم , جوزيف إبراهيم.
قست الحياة على رجل شهم و نزيه, وبدأت الأبواب توصد في وجهه الواحدة تلوٌ الأخرى, وآلت أحواله إلى عدم قدرته على تغطية احتياجات أسرته اليومية من مأكل ومشرب, هذا الوضع الأليم أدخله في حالة نفسية يرثى لها فالتجأ لأشخاص فاشلين غارقين في ملذات الحياة متعاطين الكحول و المخدرات, شعر بلذة مؤقتة كان يخدر بها مشاعره للهروب من واقعه المرير, لكن سرعان ما استفاق من غيبوبته و بدت هذه المغامرة جارحة لمشاعره كرجل, فكان يتخيل كيف أن مائدته اليومية كانت عامرة بأفخر أصناف المأكولات, و كيف أنه كان محاطا بلفيف من الأصدقاء المتسامرون حول تلك المائدة, أما الآن فها هو منبوذ و منسي من الجميع.
الشهم إن سقط يقوم مرة أخرى, شعر بضرورة التغيير فأبى أن يستسلم متحدياً صعوبات الزمن, وبدأ يبحث عن مصدر رزق شريف يعيل به عائلته بكرامة.
أخيراً ابتسم له الحظ و عثر على دكانة فارغة وبإيجار رمزي, فبدأ الأمل والنشاط يدبان في عروقه طارقاً أبواب الأصدقاء ليقترض بعض النقود كي يملأ محله الصغير لكن دون جدوى, حتى تجار الجملة رفضوا إعطاؤه البضاعة دون دفع مسبق لإنه كان جديداً في السوق وذو خبرة معدومة بالتجارة.
كاد أن يفقد الأمل ويضعف ليعود إلى أصحاب السوء, لكن أحدهم أنقذه بمعلومة مفادها أن الوجيه الفلاني هو من خيرة الناس ويده ممدودة للمساعدة والعطاء وقلبه رؤوف على المتضايقين, فقصده في اليوم الثاني عارضاً عليه وضعه متمنياً أن يحصل على قرض مادي منه, تفرس الوجيه بتقاسيم الرجل دارساً ملامح رجولته إن كان صادقاً بحكايته ونزاهته أم لا, ثم قال له أنني اقرض المال دون أية فائدة لكن بشرط أن تعطني شعرة واحدة من شاربك, أحس الرجل بإهانة كبيرة من هذا الشرط لكنه كتم غيظه وطالبه باستبدال شرطه لإنه يمس كبريائه ورجولته, لكن الوجيه أصر على إنه الشرط الوحيد الذي يفرضه على جميع من يطلب الاستدانة منه, احتار الرجل ماذا يفعل لكنه لم ولن يجد البديل الأفضل لإخراجه من وضعه الاقتصادي المزدري, فقلع على مضض شعرة واحدة من شاربه ولفها بمنديل وأعطاها للوجيه قائلاً : له ستبقى هذه الشعرة أمانة لديك أريدها كما هي عندما أعيد لك كامل المبلغ الذي سأستدينه منك, فرح الوجيه بشرط الرجل ووافق الطرفان على الصفقة.
أخذ الرجل النقود فرحاً ومقهوراً بنفس الوقت ففقدانه شعرة من شاربه زادته قوة وتصميماً أن يحقق نجاحاً اقتصادياً لإعادة شاربه ولتحسين حياة عائلته, وفعلاً بدأت الأبواب الموصدة تفتح أمامه, والخير يتدفق عليه من محله الصغير المتواضع, إلى أن أعاد كامل المبلغ للوجيه مع مبلغاً إضافياً محترماً كحلوان ورد جميل واستعاد شعرة شاربه سالمة.
ذات يوم زاره في دكانه صديق قديم, مستفسراً كيف استطاع تحقيق هذا النجاح بعد أن كان في وضع يرثى له, وما لسبيل أن ينهض من كبوته وفشله المادي, فشرح له الرجل حكايته كاملة وكيف أنقذه الوجيه بشعرة واحدة, فما كان من هذا الزائر إلا أن ركض مسرعاً دون التفات, سابقاً خطواته ويده على شنبه الثخين.
وصل إلى منزل الوجيه وتم استقباله بترحيب وحفاوة, فسأله : الوجيه عن مطلبه فأجابه إنه قاصداً الاستدانة, فعرض عليه الوجيه شرطه الوحيد وهو يتفحص تقاسيم وجهه, لكن قبل أن ينهي كلامه مد الرجل يده إلى شنبه مقتلعاً كمية كبيرة تفوق عدد أصابع اليدين ودفعها بيد الوجيه, فرد عليه الوجيه معتذراً عن إقراضه دون أن يوضح له السبب وأخرجه من منزله.
جوزيف إبراهيم في /26/09/2017/