المحرر موضوع: فوضى المسلمين في إسبانيا تهب الإسلاميين القدرة على البقاء  (زيارة 1348 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31425
    • مشاهدة الملف الشخصي
فوضى المسلمين في إسبانيا تهب الإسلاميين القدرة على البقاء
تجد الجالية المسلمة في إسبانيا نفسها محاصرة بين مواقف رسمية وشعبية، تغلب عليها العاطفة اليمينية وتوجهات أطراف إسلامية نصبت نفسها “ناطقة باسم المسلمين” وممثلة لهم دون أن تكون فعلا خير ناطق وممثل لملايين المسلمين، بل بالعكس تضر بهم سياساتها وأهدافها، وتحصرهم ضمن إطارها، وتتسبب هذه الجماعات الإسلامية بذلك في ترسيخ الصورة النمطية والأحكام المسبقة على المسلمين، الأمر الذي يعد أحد أبرز أسباب مشاكل اندماج المسلمين في المجتمع الإسباني، والمجتمعات الغربية عموما. وهي سياسة الأسوأ فيها أن الحكومة شجعتها دون مراعاة العواقب، ولم تستفق إلا بعد أن تمكن الإسلاميون من مد جذورهم وباتوا اليوم يبحثون في سبل التمدد في مؤسسات الدولة الرئيسية وهم يسابقون الزمن لتحقيقها.
العرب/ عنكاوا كوم أحمد أبو دوح [نُشر في 2017/09/27،]

مجتمع منعزل تماما خلف الأبواب المغلقة
مدريد- نجحت جماعات الإسلام السياسي في التحكم في المجال الإسلامي العام في إسبانيا، لكن على ما يبدو لم يكن ذلك كافيا، بل بات كسب نفوذ واسع في مؤسسات الدولة الرئيسية مرحلة تالية على قائمة أهداف الإسلاميين الذي يسابقون الزمن لتحقيقها.

ويقول لويس دي لا كورتيه، الباحث في معهد الشؤون الأمنية في جامعة مدريد المستقلة، إن الإخوان المسلمين يعملون من خلال إستراتيجية مزدوجة، فهم “لا يحاولون فقط بناء نفوذ على أسس دينية، ولكن يعملون بكل جد على اكتساب نفوذ في المؤسسات السياسية وبين الطبقة الحاكمة في إسبانيا”.

ولا تدعو هذه السياسة ومدى تحقيقها للكثير من الاستغراب في مجتمع مازال يخطو خطوات مترددة نحو ليبرالية غير مكـتملة. فالكـنيسة مازالت تلـعب دورا كـبيرا في الحياة السياسية الإسبانية، وتـعمل على تمويل جـماعات يـمينية تـناهض زواج المـثليين والإجهاض وتـعادي الهجرة، خـصوصا تلك القـادمة من الـدول الإسـلامية.

من بين هذه الجماعات “إسبانيا 2000” التي تحرض ضد المسلمين، وتنظم تظاهرات أمام مساجد تتعرض للتدنيس أحيانا. وتطرح “إسبانيا 2000” نفسها كجماعة مهتمة بالشؤون الاجتماعية الإسبانية، رغم أن دوافعها تبدو أكثر ميلا نحو أصولية مسيحية متشددة.

الصراعات السياسية والأيديولوجية، التي تعصف بـ“المفوضية الإسلامية”، بين السلفيين من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى، أدت إلى تعطيل شبه تام لعملها، وتحولها إلى كيان شرفي
وقالت مصادر سياسية في مدريد لـ“العرب” إن الحزب الشعبي اليميني، بقيادة رئيس الوزراء ماريانو راخوي، يقف وراء هذه الجماعة المتطرفة باعتبارها إحدى أذرعه، التي يسعى من خلالها لإلحاق المزاج الإسباني العام بقطار اليمين المتطرف الذي يغزو أوروبا بسرعة.

وساعد المد اليميني جماعات الإسلام السياسي للتسريع من وتيرة الحشد والتجنيد بين صفوف الجالية المسلمة. ويعتمد هذا المد على استثمارات مالية كبيرة تأتي غالبا من دول خليجية إلى مراكز محددة.

وقالت مصادر لـ“العرب” إن “مسجد مدريد المركزي”، الواقع في حي تطوان بالعاصمة الإسبانية، والذي تأسس عام 1988، هو قاعدة الإخوان المسلمين الأساسية في مدريد. وبين المسلمين العاديين، يعرف المسجد، الذي يضم مركزا كبيرا ويحظى باعتراف ودعم حكوميين، بـ”المسجد السوري”.

أسس هذا المسجد الفرع السوري للإخوان المسلمين بعد سنوات من الهجوم على مدينة حماة السورية عام 1982.وأكدت المصادر أن “المركز الإسلامي الثقافي في إسبانيا”، الذي بني عام 1992 بدعم من مؤسسة “رابطة العالم الإسلامي” السعودية، هو نقطة انطلاق فكرية للسلفية الوهابية.

ويضم المركز مسجدا ومدرسة لتعليم العلوم الإسلامية واللغة العربية واللغة الإسبانية والقرآن الكريم، بالإضافة إلى معمل لتعليم اللغات الأجنبية. وفي عام 1992 تم تأسيس “المفوضية الإسلامية في إسبانيا” عبر عقد اتفاق مع الحكومة كي تصبح جهازا شرعيا ممثلا للمسلمين أمام الحكومة الإسبانية.

وتتشكل “المفوضية الإسلامية في إسبانيا”من اتحادين هما “اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا” و”الاتحاد الإسلامي للكيانات الدينية الإسلامية”. ويرأس المفوضية رياج ططري، السوري القريب من الإخوان المسلمين. وتولى ططري رئاسة المفوضية خلفا لمنير بن جلون، المنتمي إلى جماعة “العدل والإحسان” السلفية المغربية.

وتقول بشرى الحلوفي، الناشطة والباحثة من أصول مغربية، لـ“العرب” إن “الإسلاميين يعملون بطريقة الطبقات المتراكمة، عبر تأسيس جمعيات تؤسس بدورها مدارس ومساجد، تقوم باحتضان أنشطة أخرى، بحيث يعمل كل ذلك بما لا يخالف القانون”. وأضافت “عادة ما تغض الحكومة الإسبانية الطرف عن كل هذه الأنشطة، لكن بعد هجمات برشلونة الوضع تغير”.

درس برشلونة
عندما تتحدث إلى أحد الخبراء أو الصحافيين الإسبان عن معلومات نشرتها “العرب” في عدد الخميس الموافق لـ21 - 09 - 2017 عن توغل الإخوان المسلمين في إقليم كاتالونيا، تلاحظ دهشة مبدئية واستغرابا من الوهلة الأولى، لكن بعد ذلك يتحول هذا الاستغراب إلى نبرة تفهم تطغى على كل من تحدثت إليه “العرب” تقريبا. فإقليم كاتالونيا هو المدخل الشرعي لأي تنظيم إسلامي يبحث عن موطئ قدم له في إسبانيا. وهذا ما فهمته الحكومة القطرية وبدأت تعمل عليه مؤخرا.

وقالت مصادر متطابقة لـ“العرب” في برشلونة ومدريد إن قطر بدأت تتحول إلى عائق أمام قدرة المسلمين على الاندماج في المجتمع الإسباني، من خلال استثمارها في كيانات تروج للتشدد وترعاه، وتعمل على زرعه في الشباب المسلم في عمر مبكر.

ويقول دي لا كورتيه “رغم النفي المتكرر الصادر عن السفارة القطرية، أعتقد أن هناك أموالا تضخها قطر لصالح مساجد وجمعيات خيرية في إسبانيا كلها”. وأضاف “لكني أعتقد أن القطريين لديهم فرصة أكبر كي يخترقوا المجتمع في كاتالونيا، أكثر من أي مكان آخر”.

لكن الانطباع الأولي النابع من لقاءات أجرتها “العرب” في برشلونة مع رجال أمن واستخبارات ومتخصّصين في مكافحة الإرهاب، يقود إلى انهماك السلطات الإسبانية في مكافحة نفوذ السلفيين، الذين يتركزون في الأماكن البعيدة في إقليم كاتالونيا، بينما كانت تتغافل عن نفوذ الإخوان الذي ينمو بوتيرة متسارعة في قلب برشلونة.

لكن حادث الدهس في برشلونة الذي راح ضحيته 14 شخصا، أيقظ شعورا لدى أجهزة الأمن الإسبانية بضرورة تبني نهج مغاير يتوافق مع حجم التهديد الإرهابي الجديد. وبدأت أنظار السلطات تتجه تدريجيا للاستثمار في مراقبة أنشطة وتحركات الإخوان أيضا.

وقامت وحدة الاستخبارات التابعة لشرطة كاتالونيا (موسوس دي اسكوادرا) بتعيين فريق متخصص في رصد استثمارات الإخوان والأموال التي تضخ لحسابات قادة التنظيم، بالإضافة إلى متابعة المساجد والجمعيات التابعة لهم في الإقليم.

لا يبدو أن الحكومة الإسبانية قد أدركت أبعاد هذه العلاقة بعد. فمازال هناك قبول بأنشطة الإسلاميين وسط الجالية
ويقول خيسوس نونيز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوميلاس في مدريد، “علينا ألا ننظر فقط للشخص الذي يحمل المسدس، ولكن أيضا لهؤلاء الذين دفعوه وساعدوه على القيام بذلك”.

وأكد لـ“العرب” “للأسف لا يبدو أننا ندرك ذلك بعد. مازلنا نزيد في ميزانيات الشرطة والمخابرات، لكن عندما نفكر فيما وراء الصورة سنكتشف أننا في حاجة إلى استراتيجية واسعة تتطلب عملا اجتماعيا وخطة بعيدة المدى لمواجهة هذه الجماعات فكريا. هذه استراتيجية معقدة للغاية لا تعتمد على العامل الأمني فقط، كما هو شائع في أوروبا”.

علاقة فاشلة
السياسة الأمنية القاصرة في أوروبا هي امتداد لنظرة أوسع تتبناها الحكومات الأوروبية للجاليات المسلمة بشكل عام. وتقوم هذه النظرة على قبول التعامل مع أشخاص نشطين يقدمون أنفسهم باعتبارهم ممثلين للجالية المسلمة، ومستعدين للحديث باسمها.

وبمرور الوقت تتحول هذه العلاقة إلى نفوذ واسع لهؤلاء الأشخاص، الذين لا يكونون سوى قياديين في تنظيمات إسلامية، تستطيع حشد أتباع ينتمون إليها تنظيميا أو يتعاطفون معها، كما تستطيع أيضا ممارسة سلطة روحية على المسلمين العاديين الذين يترددون كل يوم على المساجد.

وبذلك تصبح علاقة الإسلاميين بعموم المسلمين أشبه بأقلية مختطفة للأغلبية، وقادرة على توظيفها لتحقيق مصالحها السياسية. ولا يبدو أن الحكومة الإسبانية قد أدركت أبعاد هذه العلاقة بعد. فمازال هناك قبول بأنشطة الإسلاميين وسط الجالية، كما يظل الاعتراف الرسمي بقدرة الإخوان والسلفيين على تمثيلها قائما.

وتنبع هذه الرؤية من تعريف أي عضو في الجالية المسلمة بصفته الدينية باعتباره مسلما فقط. ويقول نونيز إن “الحكومة لا تفهم أنك إذا كنت مسلما فهذا لا يعني أنك لا تشجع ريال مدريد أو لا تحب إنريكي إغليسياس (مطرب إسباني معروف) أو لا تشاهد ناركوس (مسلسل كولومبي عُرض موسمه الثالث مؤخرا). الإسلام هو جانب واحد من حياتك، وليس حياتك كلها”.

مسجد مدريد المركزي، الواقع في حي تطوان بالعاصمة الإسبانية، والذي تأسس عام 1988، هو قاعدة الإخوان المسلمين الأساسية في مدريد. ويعرف بين المسلمين العاديين بـ"المسجد السوري"
وأضاف “على السياسيين أن يبحثوا عن بنود ومعايير جديدة للعلاقة مع المسلمين، لا تشمل النظر إليهم باعتبارهم مسلمين فحسب. علينا أن نكسر هذه المعادلة التقليدية”.

وكسر هذه المعادلة ليس بالمهمة السهلة في مجتمع يتحكم اليمين في رؤاه، وتقوم شرعيته على أنقاض الأندلس وهزيمة المسلمين قبل أكثر من 500 عام.

فعلى سبيل المثال يحتاج المواطن المغربي، بالإضافة إلى مواطني دول إسلامية أخرى، إلى الإقامة على الأراضي الإسبانية مدة تصل إلى عشرة أعوام، قبل أن يكتسب حق الحصول على الجنسية الإسبانية. أما المهاجر القادم من بعض دول أميركا اللاتينية فلا يتطلب حصوله على الجنسية سوى الإقامة لمدة عامين فقط.

ويصل الأمر إلى خمسة أعوام بالنسبة إلى الوافدين من دول أخرى. ويعود ذلك إلى أسباب ديموغرافية كما تقول الحكومة، لكنه لا ينفي انسحاب مشاعر قادة الحزب اليميني الحاكم على الكثير من القوانين والقرارات الحكومية.

وبعد كل اتفاق توقعه الحكومة مع المظلة المسؤولة عن تمثيل الجالية المسلمة، كاتفاق تدريس التربية الدينية للطلاب المسلمين في المدارس، يبقى الأمر معلقا لسنوات دون اتخاذ خطوات لتنفيذه.

وتقول بشرى الحلوفي “بعد مماطلة وطول انتظار صار لدينا 55 مدرسا للتربية الدينية الإسلامية، مقابل 300 ألف طالب مسلم في المدارس الإسبانية”. كما فاجأت القناة الثانية التابعة للتلفزيون الإسباني الرسمي المسلمين في أعقاب حادث برشلونة بتحريض صريح ضد الجالية. ونتجت عن ذلك عدة اعتداءات نفذها متطرفون على مساجد.

وأدت الصراعات السياسية والأيديولوجية، التي تعصف بـ“المفوضية الإسلامية”، بين السلفيين من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى، إلى تعطيل شبه تام لعملها، وتحولها إلى كيان شرفي يعمل أعضاء فيه من أجل كسب النفوذ على حساب أعضاء آخرين. ويقول نونيز “هذه الفوضى انعكست على الأئمة في المساجد. هؤلاء ينشرون التطرف كل يوم دون أي اهتمام من الحكومة”.
كاتب مصري