معرض "مسيحيو الشرق: 2000 سنة من التاريخ" في باريس يؤرخ لدور المسيحيين كمكوّن حضاري في العالم العربي
الرئيسان عون وماكرون يجولان في أقسام المعرض.
عنكاوا دوت كوم/النهاريعيد معرض "مسيحيو الشرق: 2000 سنة من التاريخ" في باريس التذكير بدور المسيحيين في الشرق وبأن المسيحية انطلقت منه. وقد افتتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، المعرض الذي ينظمه معهد العالم العربي في مقره في باريس، ويتضمن مقتنيات تؤرخ لألفي سنة من التاريخ المسيحي في الشرق. وهذا المعرض الذي يستمر حتى الرابع عشر من كانون الثاني المقبل يتيح للزوار الاطلاع على اغراض ليتورجية ونسخ من الإنجيل وأيقونات.
واطلع الرئيسان اللبناني والفرنسي في أقسام المعرض على المقتنيات المعروضة، في حضور نحو 200 شخصية لبنانية وفرنسية من رجال دين وعلم وثقافة وتاريخ.
وألقى رئيس المعهد الوزير السابق جاك لانغ كلمة اعتبر فيها ان "اللقاء هو احتفال فريد من نوعه بتاريخ مجيد لطوائف مسيحية من المشرق، واستثنائي من خلال عرض مجموعات نادرة تضيء على هذا التاريخ المجيد، وقد اتت من كردستان ومتاحف الفاتيكان وبطريركيات المشرق ومن مجموعات فردية، إضافة الى المكتبة الفرنسية الوطنية"، موضحا انها "المرة الاولى التي يفتتح فيها الرئيس ماكرون معرضا ثقافيا منذ انتخابه وهذا دليل على الاهمية التي يوليها للمعهد ولما يمثله، وللحوار بين الثقافات والاديان".
ثم ألقى الرئيس الفرنسي كلمة استهلها بشكر معهد العالم العربي على "مبادرته هذه التي تقوم على حوار بين الجغرافيا وتعاقب القرون وتواصل الايمان"، معتبرا ان "مسيحيي الشرق بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم يشكلون غنى نكتشفه اليوم من خلال قطع نادرة الوجود لعل اهمها انجيل ربولا".
ونوه "بعلاقة فرنسا التاريخية بمسيحيي الشرق، وتحديدا منذ الملك فرنسوا الاول الى يومنا من دون توقف، خصوصا وان مسيحيي الشرق جزء لا يتجزأ منه وقد ساهموا في بنائه، وهم جزء من حقيقة لبنان كما من حقيقة فرنسا".
وقال، "ان فرنسا كما فعلت دوما عبر التاريخ ستواصل حماية مسيحيي الشرق، وهي ستفعل ذلك لاظهار دورهم وحماية مكانتهم في تاريخ المنطقة".
والقى الرئيس عون، كلمة قال فيها "ان هذا المعرض المخصص للمرة الاولى في فرنسا والعالم لتاريخ مسيحيي الشرق الذي يمتد لـ2000 عام، يرتدي في هذه المؤسسة طابعا بالغ الرمزية ولا مثيل له. بين المتوسط والفرات وعلى امتداد نهر النيل وضفاف البوسفور نمت المسيحية واستوطنت الامكنة قبل ان تنتشر على امتداد العالم. لقد كان مسيحيو فلسطين ولبنان والاردن وسوريا والعراق ومصر روادا في الثقافة والعلم والمعرفة. هم ليسوا اقلية بل حجر العقد والسلام ليس فقط في الشرقين الاوسط والادنى ولكن ايضا في العالم".
أضاف، "ان رسالتنا ان نحافظ على هذا الحضور المسيحي في دول المنطقة مهما بلغ الثمن من اجل الحفاظ على احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير والحق في الاختلاف. دعونا لا نضع الظلم والظلامية يجتاحان ارض المسيح. تصوروا للحظة الشرق من دون المسيحيين".
بعد ذلك دون الرئيس عون كلمة في سجل معهد العالم العربي.
يقام هذا المعرض في ظل القلق الذي يعيشه المسيحيون في الشرق، في بلدان تعصف بها اضطرابات وأعمال عنف وحروب طاحنة، إضافة إلى ظهور مجموعات إسلامية متشددة لا تتورّع عن شنّ هجمات دامية ضد مخالفيها.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، إن الطرح الذي يقدّمه هذا المعرض يذهب أبعد من شعور الأقليات بالقلق والاضطهاد الذي يدفعها إلى الهجرة، بل هو يحاول أن "يعيد قراءة المسألة في شكل أفضل"، وفق ما يقول المدير العام لجمعية "لوفر دوريان" الشريكة في المعرض المونسنيور باسكال غولنيتش. ويضيف: "المسيحيون في الشرق ليسوا فقط أولئك المساكين المضطهدين، وليسوا فقط المهاجرين، وأولئك الذين يلقون الحماية من الغرب"، مشددا على أن المسيحية في الشرق "مكوّن حضاري في العالم العربي".
ويذكّر المعرض زواره أن المسيحية ظهرت في الشرق، في القدس، ثم انطلقت منه إلى العالم. ويؤرخ المعرض لهذه المرحلة عارضا لوحات جدارية قديمة كانت تزيّن دور عبادة في سوريا في القرن الثالث للميلاد. وتعرض للمرة الأولى في أوروبا فيما هي محفوظة في جامعة يال الأميركية.
وإضافة إلى الأعمال والمقتنيات التي قدّمتها مؤسسات غربية كبيرة، حصل معهد العالم العربي على مقتنيات من الطوائف المشرقية نفسها، منها نسخة ملوّنة من الإنجيل تعود إلى القرن السادس، هرّبتها إلى بيروت بطريركية السريان الأرثوذكس لحمايتها.
ومن المعروضات أيضا أيقونة تصوّر رقاد مريم العذراء وكأس فضيّة مذهّبة وفرمان عثماني ومجسم خشبي لكنيسة القيامة، مما يؤرخ للمسيحية في الشرق بتنوّع جماعاتها بين الروم والأقباط والكلدان الأشوريين والسريان والأرمن والموارنة.
ويقابل المعرض بين أزمنة الاضطهاد من جهة، وأزمنة "التفاعل الثقافي" بين المسلمين والمسيحيين من جهة أخرى، ومن بين المعروضات ما يشهد على هذا الحوار بين جماعات الشرق، ومن ذلك زجاجة مزيّنة بمشاهد من الحياة في الأديرة، على الطريقة الإسلامية. وتعود هذه الزجاجة إلى القرن الثالث عشر في سوريا.
في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين كان المسيحيون في طليعة النهضة المشرقية والحركة القومية العربية. لكنهم اليوم "يشعرون أن التاريخ يعيد نفسه" تجاههم كما تقول بوفار.
ويقول غولنيتش: "يقال إن الناس الذين غادروا لن يعودوا أبدا، أنا حذر في التعامل مع هذا النوع من التنبؤات" رغم النزف الكبير في عدد المسيحيين في السنوات الماضية، لا سيما في سوريا والعراق.
لكنه يشدد على أن المشكلة ليست "مشكلة مسيحيين" بل هي "أزمة شاملة في العالم العربي الذي ينبغي أن يتقدّم نحو الحداثة والمواطنة والحرية الدينية".