هل سيوقف سينودس الكنيسة الكلدانية حملة تعريبنا وتغريبنا ويعيدنا الى جذورنا وثقافتنا الفريدة من نوعها
يلتئم أساقفة كنيسة المشرق الكلدانية في روما في اجتماع يبدو أنه مفصلي. من وجهة نظري أرى أنه قد يؤسس لمرحلة جديدة وتدشين حقبة حديثة في تاريخ هذه الكنيسة العريقة التي تمتد جذورها بعمق الثقافة النهرينية وأول بشائر التبشير بالمسيحية.
أقول إنه اجتماع مفصلي لأن حسب معلوماتي هناك تياران متعارضان في الاجتماع بقدر تعلق الأمر بممارسة الثقافة واللغة والطقس والليتورجيا والأناشيد والآداب والألحان والريازة وغيرها.
الأول يدعو الى التأوين، وهو مفهوم أرى أنه أسيء فهمه وممارسته حيث يعمل أصحابه على ترويج اللغة العربية او أي لغة او ثقافة أخرى على حساب اللغة والثقافة الكلدانية الأصيلة والفريدة من نوعها. هذا التيار تمثله، حسب علمي أقلية، ولكنها ذات تأثير.
التيار الثاني يعاكس تيار التأوين ويدعو الى التشبث باللغة والثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها المتمثلة باللغة والطقس والليتورجيا والفنون والريازة والشعر والألحان ولآداب التي تشكل خصوصية الكنيسة الكلدانية وأتباعها.
لا أعلم ماذا ستكون نتيجة الاجتماع (السينودس)، بيد أنني أكاد أجزم ان الغالبية الساحقة من الكلدان متشوقون ومتلهفون ان يسمعوا أخبارا سارة أساسها العودة الى الأصالة والجذور العميقة التي تمتلكها هذ الكنيسة العظيمة.
إن سارت الأمور حسب اهواء أصحاب التأوين من الذين يرون أن ما لنا من لغة وآدب وفنون وشعر وألحان وليتورجيا قد عفا عليها الزمان ولم تعد توائم المتطلبات العصرية، سيكون الكلدان امام خطر كبير سيأتي على ما تبقى لهم من وجود وهم مشتتون في أرجاء الدنيا وبسرعة وفي غضون جيل واحد.
لن يجمع الكلدان ومؤسستهم الكنسية – المؤسسة الكلدانية الوحيدة الباقية للكلدان رغم ضعفها وترهلها – غير ثقافتهم. إن تخلت المؤسسة الكنسية عن الثقافة واللغة والطقس والريازة والليتورجيا والفنون والشعر والألحان والآداب الكلدانية، فإن ذلك سيكون بمثابة وضع نهاية للكلدان ومؤسستهم الكنسية كثقافة وهوية.
قد لا يدرك بعض الأخوة الكلدان الخطر المحدق بهم والذي سيكون نتيجة مباشرة إن تغلب تيار التأوين على تيار الأصالة. إن تغلب تيار التأوين فهذا معناه أن كل خورنة وإبراشية لا بل تقريبا كل جوقة وكل مجموعة بإمكانها ان تغادر وتترك وتتجاهل ما يميز الكلدان كأمة وشعب وهوية.
وهذا معناه ايضا أن كل خورنة وإبراشية لا بل تقريبا كل جوقة وكل مجموعة سيكون بإمكانها تبني اللغة التي تريدها وتقحم الألحان والأناشيد التي ترغب فيها ولن يمضي وقت طويل وستكون هناك ثقافات ولغات وآداب وطقوس وريازات وألحان واناشيد مختلفة بقدر البلدان التي يتواجد فيها الكلدان؛ ليس بقدر البلدان بل بقدر المناطق في كل بلد.
التيار الذي يريد الحفاظ على الأصالة تيار قوي ويمثل الأغلبية في رأي ولكنه لا يمسك بزمام الأمور.
والى كل كلداني محب لهويته وثقافته ولغته وطقسه وليتورجيته أقول عليهم التحرك قبل فوات الأوان لوقف التأوين والعودة الى الأصالة والثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها.
لا يجوز ان يتم تعريبنا بهذا الشكل. لا يجوز ان يتم تغريبنا بهذا الشكل.
لقد أستقتل اجدادنا وقدموا تضحيات كبيرة من أجل هويتنا ولغتنا وثقافتنا واستطاعوا بكل جدارة وشجاعة ان يجعلوا الحفاظ عليها وحمايتها وممارستها كنسيا وشعبيا جزءا من التشريعات والقوانين الملزمة من قبل الفاتيكان.
وهذا رصيد كبير لمحبي الثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها. اليوم يقف الفاتيكان بقوة الى جانبهم، والى جانب الحفاظ على لغتهم وطقسهم وريازتهم وأناشيدهم وألحانهم وآدابهم كما أتت من اجدادهم العظام.
هذه القوانين واجبة التنفيذ وكي تنفذ وتترجم على أرض الواقع، على الكلدان ومؤسستهم الكنسية التحرك في هذا الاتجاه وأجزم أنهم سيلقون كل الدعم والمساندة من الفاتيكان.
لذا التحجج بأنها رغبة الفاتيكان او رغبة المجمع الفاتيكاني الثاني ان نتبنى التأوين بشكله الحالي أمر غير مقبول لأن تشريعات وتعليمات المجمع الفاتيكاني الثاني الخاصة بالكنائس الشرقية تدعو لا بل تلزم وبصراحة الكنائس المشرقية الكاثوليكية الحفاظ على إرثها بلغته وممارسته على أوسع نطاق وكما هو وكما أتاهم من اباء وملافنة كنيستهم.
ولا حاجة الى إيراد هذه القوانين والتشريعات لعدم الإطالة بيد أنني كنت قد نقلتها ضمن مقالاتي سابقا عدة مرات.
وسيكون الكدان من محبي لغتهم وثقافتهم وفنونهم وريازتهم وآدابهم وشعرهم وأناشيده وألحانهم – وهذه من أهم مقومات الهوية – سعداء جدا لو تمكن السينودس من تشكيل لجنة أسقفية ذات صلاحيات كي ترفع ظلم التأوين عن كاهل الكلدان وتعيد لهم لغتهم وثقافتهم الفريدة من نوعها.
ولا أخفي عن قرائي الكرام أنني كنت قد أرسلت الى البطريركية الكلدانية قبل حوالي ثلاثة أشهر من خلال أحد الأساقفة جملة من المقترحات للحفاظ وممارسة الثقافة الكلدانية.
ولا ضير أن أدرجها هنا كي يطلع عليها الكلدان من محبي ثقافتهم ولغتهم عسى ولعل تكون فتحا للمرحلة القادمة، مرحلة بلا تأوين وتعريب وتغريب، بل مرحلة التشبث بالثقافة واللغة والطقس والفنون والريازة ولأناشيد والألحان والآداب الكلدانية الفريدة من نوعها.
نص المقترحات التي أرسلتها الى البطريركية الكلدانية:
هذه بعض المقترحات لبث الحياة في الثقافة الكلدانية الكنسية أضعها امام غبطة البطريرك ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، ومعه أعضاء السينودس الكلداني.
الثقافة –اللغة – هي العامل الرئيسي لوحدة وتماسك أي شعب او مؤسسة. إن تشتت الثقافة، تشتت الشعب وتشتت المؤسسة. وإن تمسك الشعب ومؤسسته بالثقافة، من الصعوبة بمكان تغيبهم عن مسرح الأمم والأجيال. الشعوب ومؤسساتها تندثر وتضمحل بغياب واضمحلال ثقافتها.
وإن لم يتميز الكلدان عن الأخرين من خلال ثقافتهم، او انهم استبدلوا ثقاتهم بثقافة أجنبية دخيلة، فإنهم صوب الزوال ذاهبون لا محالة. ولهذا عليهم التشبث بثقافتهم الكلدانية الفريدة من نوعها بلغتها وطقسها وتراثها وريازتها وازيائها وفنونها وآدابها وشعرها وموسيقاها.
والمقترحات ادناه ما هي الا محاولة متواضعة للنهوض قبل فوات الأوان.
المقترحات:
أولا، جمع القلة الباقية من الملمين بالثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها وتشكيل لجان منهم في كل خورنة في العراق والعالم لإعادة الحياة لهذه الثقافة قبل ان يتم وأدها والى الأبد.
ثانيا، حث الكهنة على تدريس هذه الثقافة، لأنها ثقافة مسيحية أساسها المسرة، وبلغتها وبألحانها وقصصها وأناشيده ومياميرها.
رابعا، إعداد كراريس في كل الكنائس الكلدانية لبث النصوص الكلدانية بالكرشوني أولا ومن ثم بترجمة ملائمة كي يفهمها الناس وبذلك نحافظ على إرثنا وتراثنا وثقافتا ووحدتنا الثقافية أينما تواجدنا.
خامسا، جمع كل الموسيقيين والفنانين والمثقفين من الكلدان الذين غادروا لأي سبب كان كي يأخذوا دورهم في إحياء ثقافتا الكلدانية الفريدة من نوعها.
سادسا، العمل الجاد على التشبث بلغتنا قدر المستطاع وفي كل الأزمنة والأوقات والحد من الدخيل والأجنبي الذي بدا يغزونا مع ثقافتنا.
سابعا، العمل جديا الى عقد مؤتمر ثقافي للكلدان على المستوى الإبرشي كل في منطقته تكون لغتهم هي محوره وهي اللغة الدارجة فيه لمناقشة السبل الى إحياء ثقافتهم.
ثامنا، عقد مهرجانات للثقافة الكلدانية الفريدة من نوعها وبلغتها وشعرها وفنونها أولا على مستوى الخورنات ومن ثم الإبرشيات ومن ثم الدول وبعدها العمل على عقد مهرجان كلداني عام في العراق – بغداد – وبرعاية البطريرك.
تاسعا، العمل الحثيث على إخراج ومن خلال خطة مدروسة، كل ما أتانا من غريب ودخيل وتم إقحامه كي يحل محل ثقافتنا الفريدة من نوعها.
عاشرا، العمل على إنشاء معهد لتدريس ثقافتنا وبلغتها بطريقة منهجية في كل إبرشية من إبرشياتنا وتكون مناهجها موحدة لتخريج مدرسين ومعملين وشمامسة يتولون مهمة الحفاظ علينا وعلى ثقافتنا الكلدانية الفريدة من نوعها
حادي عشر، التواصل مع كل الكلدان لا سيما في الشتات من خلال موقع ثقافي الكتروني يجمع الكلدان ومن خلاله يتعرفون على ثقافتهم ولغتهم وآدابهم وشعرهم وفنونهم قبل ان تصبح في خبر كان.
وأخيرا، لا يستثنى أي كلداني بإمكانه المساهمة في الحفاظ على ثقافتنا بلغتها بسبب ميل محدد له او موقف اتخذه من هذا او ذاك. كل ملم بثقافتنا نحن بحاجة ماسة إليه كي ننشر هذه الثقافة ونحيها قبل زوالها.