المحرر موضوع: حكاية نادية مراد في مجموعة رغد السهيل القصصية " كُلُلّوش"  (زيارة 1237 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37772
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

هلاهل وسط البلد في (كُلُلّوش)


الخراب برؤية حداثوية

عنكاوا دوت كوم/ الزمان/يوسف عبود جويعد

تقدم لنا القاصة رغد السهيل ومن خلال مجموعتها القصصية (كُلُلّوش) خطوة جديدة نحو عالمها السردي ، الذي اتخذته مساراً ، وأسلوباً تنفرد فيه دون سواها من صناع السرد سواءاً كان ذلك في فن صناعة الرواية ،أو القصة القصيرة ، فقد استطاعت ان تجعل من نصوصها السردية في هذه المجموعة ، تراكيب مختلفة تدور في أكثر من محور ، وأكثر من اسلوب،حيث إنها وظفت الاسلوب (الفانتازي) كنمط سائد يجتاح فضاء النص ، وجعلت منه المبنى السردي الاساسي ، كونه أتاح لها فرصة كبيرة للتحرك بكل حرية ،بعد ان اتمت اتقانه واستخدمت ادواته بشكل ينّم عن معرفة ووعي والمام تام ، ومتابعة دقيقة لتطورات هذا النمط الذي يعد من الانماط المهمة والصعبة ، كونه يمنح فرصة كبيرة لاستقدام ودخول المذاهب الادبية ، لتكون من ضمن نسيجه وتشكيله دون الاخلال بالسياق الفني لمحتواه الاساسي ، حيث نجد داخل كل نص ، الواقعية الغرائبية، الواقعية العجائبية ،الخيال ،الواقعية الانتقادية،الواقعية الاجتماعية ، وحتى الخيال العلمي ، ويأتي ذلك بعد اكتشاف وتحليل النص الذي يشبه الى حد بعيد غابة كثيفة ، غابة سردية فيها تنوع اسلوبي متلون ومتداخل ، فما ان تمر عبر الفنتازيا،حتى تجد العجائبية ، والسحرية ، والاجتماعية ، وكأنها اغلفة متداخلة تغطي بعضها البعض من أجل ايصال النص السردي الى حالة من الوعي تساعد المتلقي في فك تلك الطلاسم التي جعلتها لا تحتاج جهدا فكريا كبيرا لمعرفتها واكتشاف كناها ، وهو لا يخلو من المتعة ،التشويق ، الانبهار ، الدهشة ، حيث ان القاصة راعت هذا الجانب بشكل ملفت للنظر،لمعرفتها الصحيحة والصائبة ،بأن السرد يجب ان يكون موجهاً الى المتلقي بغض النظر عن الاختلاف والتباين في حالة الوعي والمعرفة ، بين هذه الفئة وتلك ، كما إنها تمكنت من التمهيد لدخول تلك الغابة السردية من خلال التنويه ( كُلُلّوش . هو الصوت الذي تطلقه النساء في العراق عند الأفراح. ويعرف بالهلاهل والزغاريد ايضاً،.. وتعود في تاريخها الى تقليد وثني عندما كانت النساء تغني للآلهة طلباً للغوث والرحمة والمطر) وفي خطوة ثانية اكثر عمقاً واكثر ايغالاُ (طفلةٌ أنتِ وأنثى واعدة . وُلدتْ من زبد البحرومن نار الشموس الخالدة .كلما ماتت بعصر ،بُعثت .قامت من الموت وعادت للظهور . إنتِ عنقاء الحضارات، وانثى سارق النيران في كل العصور “عبد الوهاب البياتي”) ولم يأت اختيارها لهذا الاستهلال محض صدفة ، بل أن القاصة عمدت لاختياره ، كونه يساهم ويساعد المتلقي لزجه في تلك الغابة . لنواجه قامة من قامات السرد في قصة (حديقة جمعة اللامي ) والتي اهدتها الى المبدع الكبير جمعة اللامي ، حيث نعيش هذا التشابك الغريب ، والتناص المتصل بين الغابة السردية التي اختارتها القاصة ، وقصص وروايات هذا الكاتب الكبير ، موظفة حكاية فرخندة الشابة الافغانية التي قتلت واتهمت بالالحاد عندما صاحت برجل يبيع الخرز للنساء، ضمن المبنى السردي لهذا النص ، وكذلك حكاية نادية مراد الفتاة الايزيدية التي اختطفت من قبل الارهابيين ،وهربت وابكت حكايتها الحضور في الأمم المتحدة .وكذلك وظفت في سردها شخصيات سردية من نصوص لجمعة اللامي .

تداولات قضية

( بنو لام وبنو ورد .. حول الطاولة يتداولات في قضية فرخندة . كلا قضية سليمة .! أليس من دية للنساء ، أليس من دية للنساء؟ تصرخ نادية مراد في الامم المتحدة .. تضرب المنصّة بقبضة كفيها ، تقف ، ترفع رأسها ثم تغادر القاعة ، خلفها يجهش الحضور في البكاء) هذا التلاحم وهذا التشابك وهذا التناص انصهر في بوتقة تلك الغابة السردية الرحبة لينتج عنه ثيمة كبيرة ، تضعها أمام الرأي العام ، تلك هي الصورة الرهيبة لاضطهاد وتهميش وقتل وضياع المرأة وسط هذا الخراب الكبير .. بعدها نتوغل اكثر في تلك الغابة الغريبة المتشعبة ، لنعيش حياة البطلة (كُلُلّوش) التي استخدمت فيها القاصة رغد السهيل طاقتها الكبرى في السرد الفنتازي المتشابك مع المذاهب السردية الاخرى ، حيث نتفاجأ بأن من يقوم بمهمة السرد هي ذبابة ، لكنها من نوع خاص ، الذبابة الملكة ، التي لاتحب النفايات غير المنظمة ، تكره القرية التي ولدت فيها (كُلُلّوش) ، كونهم يتقاذفون بالبصل وهي تكره رائحته ، ويزرعونه (في تلك القرية ولدت كُلُلّوش بحسن لامثيل له، لم تبك او تصرخ لحظة ولادتها شأن باقي الصغار ،بل استقبلت الوجود بالهلاهل والزغاريد عندما ضربتها القابلة على قفاها ، وفي اللحظة نفسها أقبلت العصافير تزقزق قرب النافذة . فترتفع وتهبط مع هلاهلها ،ذُهلت النسوة لحظتها بتلك الطفلة العجيبة ، قالت عنها القابلة، إنها فتاة مباركة ستجلب الفرح للقرية ، وقالت إحداهن :يسكن هذه الصغيرة الجن فكيف تهلهل وهي وليدة ؟ وقالت أخريات إنها ساحرة صغيرة .وقالت جدتها هذه إرادة الله ما أدرانا بحكمة هلاهلها !) ص 25 وتتدفق الاحداث السردية بشكل متصاعد متواتر نحو الذروة ، اذ ان بطلة هذا النص الفنتازي هي كُلُلّوش التي تمثل الطيب والجمال والحب والاخلاق والنظافة ،اذ كانت مهمتها تنظيف القرية وجعلها انظف قرية الا ان الفوضى التي عمت في هذه القرية والتي نتابع احداثها من خلال الذبابة الملكة ، والقتال الدائر بين رجال القرية بسبب البصل ، كان سببا لوفاة كُلُلّوش ، بعد ان انجبت طفلة خرجت وهي تهلهل ليطلق عليها اسم كُلُلّوش الثانية ، وبهذا كونت القاصة ثيمتها من خلال هذا السرد الفنتازي الذي ينقلنا الى الغرائبية ، ثم العجائبية ، ثم السحرية ، ثم الخيال ، للتشابك تلك التراكيب مكونة هذا النص ، والذي يشير الى قتل الجمال والحب والاخلاق والانسانية بسبب انعدام الوعي وطغيان الجهل والغباء ، وتجدر الاشارة هنا الى ان القاصة جعلت من نصوصها السردية حالة متصلة ، كونها تشير اشارة ومضية مشعة داخل النص الى النص اللاحق وتثبيت عنوانه الرئيسي ،

مضمون النص

 ففي نهاية تلك القصة تشير القاصة الى مضمون النص اللاحق  (اسمعي أرى حيوانات اخر على وجهك )، لنكتشف بعدها ان القصة اللاحقة هي (حيوانات الوجوه ) وهكذا هو ديدن كل النصوص التي ضمنتها هذه المجموعة ، لجعلها مرتبطة متصلة مع بعضها تخلف احداهن الاخرى لكنها تختلف في ثيمتها ومحتواها وشكلها ومضمونها ، وهو اسلوب حداثوي يؤكد تمكن القاصة بخروج نصوصها السردية من قالب السرد التقليدي . الى حيث التجريب والحداثة ، ونتوغل اكثر في تلك الغابة السردية ، ونص آخر من الفنتازيا ، نجد ذلك في قصة (حيوانات الوجوه) التي تنقلنا الى تلك المرأة التي تهشمت مرآتها وتطايرت شظاياها ، واختفى رأسها وتشظى معها ، فحاولت تصلح المرآة الا ان النجار اللئيم ابى ان يصلحها لها ، فذهبت الى السوق للبحث عمن يصلح مرآتها ، الا انها تتفاجأ بان الناس في السوق جسد بشر ووجوه حيوانات ، فيل ، ارنب ، كلب ، قطة بيضاء ، وهكذا نعيش الفنتازيا الرمزية التي لا تخلو من دلالات رمزية كبيرة تقودنا في النهاية الى ثم الى الثيمة التي اختارتها القاصة لها، ثم قصة اللعبة التي جعلت الفنتازيا مدخلاً الى حالة الفوضى والخراب والانفجار والتهجير الذي حل بالبلد ،  ضمت المجموعة القصصية (كُلُلّوش ) للقاصة رغد السهيل ثلاثة عشر نصاً قصصياً تنوع من حيث الثيمة والشكل والمضمون ، الا ان الاسلوب الطاغي فيها الفنتازيا الهادفة ، التي تدلنا الى الغابة السردية لتلك القاصة ، حيث العجائبية و والسحرية ، والغرائبية ، والخيال تداخلت لتقدم لنا نسيجاً سردياً ، يفضي بنا الى حياتنا ، والى هذا الخراب ، برؤية حداثوية جديدة ، تشير الى ان القاصة اجادت هذا الجنس الادبي وابدعت فيه .
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية