مائة عام (1917-2017) من إستمرار الوجود الآشوري في المهجر
---------------------------------------الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو
Assyrian American Association of Chicago
---------------------------------------- أبرم شبيرافي كل عام عندما أزور شيكاغو – الولايات المتحدة لا يفوتي إلا أن أزور الجمعية الآشورية الأمريكية (القومية) ولا تكتمل متعتي إلا عندما ألتقي بأبناء أمتي هناك ونستمتع ونستفيد من المناقشات القومية والسياسية والثقافية وتبادل الإفكار والأراء سواء مع رئيس وأعضاء الجمعية أم مع غيرهم من الأعضاء الذين يقابلوننا بأستقبال حميم وبكرم نبيل لتستمر المتعة الفكرية والإجتماعية حتى بعد منتصف الليل. وأثناء زيارتنا الأخير أنا والإعلامي المعروف ولسن يونان من أستراليا في الصيف الماضي ( آب - أغسطس ) 2017، وجدنا جميع أعضاء النادي من رئيسها وهيئتها الإدارية وغيرهم منهمكين للإستعداد والتحضير لإحتفال كبير ومتعدد الفعاليات بالذكرى المؤية لتأسيسها (1917 – 2017) والتي ستقام خلال ثلاثة أيام 13 و 14 و 15 من هذا الشهر (تشرين الأول).
ولسن يونان وأبرم شبيرا في آخر لقاء الصيف الماضي مع رئيس الجمعية وبعض أعضاء هيئتها الإدارية
---------------------------------------------
وفي حينها كنت قد وعدت رئيس النادي وأعضاءها بأنني ردا وإستجابة لكرمهم النبيل وإستقبالهم الحميم الدائم لنا أثناء زيارتي للجمعية وإحتفاءاً بهذه المناسبة الفريدة من نوعها في تاريخنا القومي بأنني سأكتب بعض السطور عن هذا الحدث الذي نادراً ما نراه في أيامنا هذه، ولكن يظهر بأن الزميل والصديق والناشط أنطوان الصنا كان أشطر مني بكثير حيث سبقني في هذه المهمة فزين هذه الذكرى بسطور ذهبية معطرة عن الجمعية وتأسيسها من قبل الرواد القوميين الآشوريين منذ بداية القرن الماضي. للأطلاع على الموضوع المنشور في موقع عنكاوه أنظر الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=855707.0 أن صديقنا الكاتب الكبير أنطوان الصنا وإن كان قد عفاني من الكتابة بشكل مفصل عن المناسبة إلا أن الوعد الذي قطعته لرئيس الجمعية وأعضاءها هو وعد ونحن نعرف الوعد دين على المرء الحر ويجب إيفاءه . لذلك قررت أن أكتب بعض السطور وأحتفي بهذه المناسبة من جانب آخر قائم على بيان مدى أهمية وجود مؤسسات وجمعيات وأحزاب سياسية ومنظمات قومية في مجتمعنا كدليل على وجود أمتنا وأستمرارها نحو أماد أبعد كما هو الحال مع الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو وهي تحتفل بالذكرى المؤية لتأسيسها. وإنطلاقا من هذه القاعدة أقول:
المجتمع ليس تراكم كمي أو قطيع لعدد من الأفراد، بل يستوجب في نشوء أي مجتمع وجود مجموعة من علاقات اجتماعية تنشأ بين الأفراد من جراء التعامل بينهما والتي تعرف هذه العملية بـ "التفاعل الاجتماعي" هدفها تحقيق الصالح العام والتي تؤدي بدورها إلى ظهور ما يعرف في علم الاجتماع بـ "الجماعة البسيطة" مثل الأسرة والعشيرة والقبيلة، وفي أيامنا هذه مثل الأندية والجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية والأخويات الكنسية وغيرها. ويتصف هذا النوع من الجماعة بعلاقات بسيطة ومباشرة بين أفرادها تقوم على قاعدة عدم التساوي والتماثل في الواجبات والمسؤوليات، وهي القاعدة التي تخلق تفاوت في مكانة كل فرد من أفراد الجماعة والتي تؤدي بالنتيجة إلى ظهور الزعامة أو الرئاسة المتمثلة في الأب أو رئيس القبيلة أو زعيم العشيرة أو رئيس النادي أو الجمعية والذي هو الآخر تكون علاقته مع بقية أفراد الجماعة التابع لها علاقة بسيطة ومباشرة. والجماعات البسيطة، خاصة المتقاربة منها، تلجأ إلى الدخول في علاقات فيما بينها من أجل تحقيق المصالح والأهداف المشتركة فينتج عن ذلك ظهور ما يعرف بـ "الجماعة المركبة" مثل المجموعات السكانية الكبيرة والمجتمعات القومية والمؤسسات العامة والشاملة ومنها أيضا المؤسسات السياسية، والدولة هي أرقى أشكال هذه المؤسسات.
وأثناء هذه العملية، والتي تعرف أيضا بـ "التفاعل الاجتماعي"، تلجاً الجماعات البسيطة وبإختيارها إلى التنازل طوعاً عن بعض من مصالحها الخاصة من أجل خلق المصلحة العامة المشتركة. ولأجل حماية هذه المصلحة العامة تبدأ الجماعة المركبة بالعمل لإظهار ملامحها وخصائصها ومميزاتها العامة المشتركة وتميزها عن غيرها من الجماعات. وخلال عملية تنازل الجماعات البسيطة عن جزء من مصالحها الخاصة من أجل المصلحة العامة ينشأ نوع من علاقة معقدة بين الجماعات البسيطة تقوم على قاعدة (تعاون/تنافس). فكلما ازداد استعداد الجماعة البسيطة للتنازل بقدر أكبر من مصالحها الخاصة أو تكيفيها مع المصلحة العامة يميل توازن هذه القاعدة لصالح التعاون، فتزداد روح الجماعة في المجتمع ويتعزز وجودها ويتماسك كيانها وتبرز خصائصها العامة بشكل أكثر وضوحاً وتمييزاً عن غيرها من الجماعات. وعلى العكس من هذا تماماً، فكلما تمسكت الجماعة البسيطة بمصالحها الخاصة وقل استعدادها للتنازل عنها أو الجزء المطلوب التنازل عنه، يختل توازن قاعدة (تعاون/تنافس) لصالح التنافس فتزداد روح الأنانية ونزعات التمسك بالمصالح الخاصة وتفضيلها على المصلحة العامة ومن ثم يتعرض وجود المجتمع إلى التفكك أو اهتزاز هويته وبالتالي صعوبة تحقيق المصلحة العامة.
هذه القاعدة النظرية تنطبق بأجل صورها على المجتمع الآشوري وتحديدا في المهجر، موضوع بحثنا هذا ونحن نتطرق إلى الذكرى المؤية لتأسيس الجمعية. فوجود مثل هذه المؤسسات والجمعيات، والتي هي وحدات ثانوية، هي تجسيد لوجود الأمة والتي هي بنية رئيسية كمجتمع متميز وقائم بذاته يختلف من نواحي عديدة عن غيره من المجتمعات المتعددة في بلدان المهجر. ليس هذا فحسب بل أن إستمرار هذه الجمعيات لفترة طويلة لا يعني إلا إستمرار وتواصل وجود الأمة والأكثر من هذا فإن وجود هذه الجمعيات وتواصلها لعقود طويلة هو تعبير عن وجود وعي متميز أو قومي في المجتمع يكون ظاهراً وملوساً من خلال النشاطات القومية والثقافية التي تقوم بها. وبعبارة أخرى يمكن القول: كلما كان هناك مؤسسات وجمعيات وأحزاب ومنظمات قومية كلما يعني وجود وعي قومي في المجتمع. وكلما تواصلت وأستمرت هذه الجمعيات نحو عقود طويلة وقامت بنشاطات تعكس هوية المجتمع كلما يعني إستمرار الوعي القومي نحو تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
ولو أعتمدنا على هذه البديهية في البحث عن علاقة الجمعيات بالوجود وبالوعي القومي في المهجر نرى بأنه خلال العقود الماضية من سنوات القرن الماضي، من بدايته وحتى نهايته، كان مستوى الوعي القومي في المهجر بدرجة عالية وملموس إن لم نقل كان في قمته ومتجسد في مختلف النشاطات القومية المكثفة لعدد كبير من الجمعيات والمؤسسات والأحزاب الآشورية. ولو حاولنا مقارنة تلك السنوات الذهبية بسنوات القرن الحادي والعشرين نرى بأن هناك تدني واضح وإنحطاط إن لم نقل كارثة في مستوى النشاطات القومية والوعي القومي في المجتمع الآشوري في المهجر. ومرجع ذلك هو بالأساس إختفاء الكثير من الجمعيات والمؤسسات والأحزاب في المهجر وحتى الباقي منها فهي لا تتعدى كونها مجرد عنوان أو رقم صندوق البريد ولا غيرها. ولو أخذنا مدينة شيكاغو، كنًا في السنوات الماضية نجد فيها العديد من المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية لها مقرات ومراكز معروفة وتقوم بنشاطات قومية ومحاضرات وندوات عديدة وعلى مختلف الأصعدة ولها مكانة محترمة في المجتمع ومعترف بها من قبل السلطات المحلية والفدرالية. أما في هذه الأيام فالأمر "مخزي" فإن معظمها أن لم نقل جميعها قد أختفت أو إنكمشت في صندوق بريد ونادرا ما نسمع نشاط ثقافي أو مهرجان فني أو محاضرة في السنة الواحد وإن كان فهو أستثناء ولا يحضره غير عدد قليل جدا من أبناء شعبنا.
ضمن هذه الظروف المأساوية في الواقع والوعي القومي في المهجر وتحديداً في شيكاغو تأتي أهمية وجود وإستمرار الجمعية الآشورية الأمريكية القومية وهي تحتفي بالذكرى المؤية لتأسيسها، وهي الجمعية الوحيدة في شيكاغو ذات النفع العام لمجتمع آشوري يقال بأن نفوسه يتجاوز 80 ألف شخص، المعتمدة على نفسها ومن دون إعانات حكومية أو تبرعات أو مساعدات خيرية. فضمن هذه الظروف المأساوية يصعب جداً على هذه الجمعية ومن يقوم بإدارة شؤونها بإبقاءها قائمة في المجتمع الآشوري وتمشية أمورها وبموارد وإمكانيات شحيحة وفي مجتمع واسع ومتطور ومتسارع ومتعدد الثقافات الذي هو بمثابة "بوتقة" إنصار للثقافات الصغيرة، كما هو الحال في الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي يتطلبه إمكانيات عديدة مالية وفكرية وثقافية في أدارتها وتحمل المسؤوليات وبذل جهود مضنية للحفاظ على الوجود القومي الآشوري في مثل هذه المجتمعات الكبيرة. وما يزيد الطين بلة وأكثر مأساوية هو تعرض هذه الجمعية العتيدة والمسؤولين عن إدارتها إلى إنتقادات حادة ذات صفة تهجمية قائمة على حجج واهية وغير معقولة وهي ليست إلا إنعكاس لتدني مستوى الوعي القومي الصحيح في المهجر وظاهرة من ظواهر التهرب من تحمل المسؤوليات العامة في المؤسسات والجمعيات القومية خاصة تهرب المثقفين والمتمكين و"المتقومنين" من الإسهام بإمكانياتهم في نشاطات هذه الجمعية وتطويرها نحو الأحسن. والأنكى من كل هذا، نرى الكثير من أبناء شعبنا في شيكاغو يرتادون الجمعيات والأندية غير الآشورية أو يقضون أماسي في مطاعم وبارات المدينة ويصرفون مبالغ كبيرة بعض الشيء في الوقت الذي تكون أبواب الجمعية مفتوحة للجميع وتوفر أحسن الخدمات والأطعمة والمشروبات وبأسعار معقولة أكثر بكثير من الأماكن الأخرى التي يرتادونها هؤلاء. وهذا الأمر هو الذي جعل من الجمعية أن تقتصر نشاطاتها الإجتماعية على يومين في الأسبوع وأن تكون نشاطاتها الإعلامية من خلال الإذاعة المحلية قاصرة على ساعات قليلة وعلى بعض النشاطات الثقافية والسياسية في المناسبات القومية المعروفة.
وأخير، مهما قلنا عن هذه الجمعية وأظهرنا بعض من سلبياتها وتقاعسها عن القيام بالعديد من النشاطات القومية والثقافية والفكرية فإن العتب كل العتب واللوم لا يقع على من تحمل مسؤولية إدارتها بل على المجتمع الآشوري في المهجر وعلى أبناءه خاصة المثقفين والمفكرين ومنهم الذين يتغنون ليل نهار بالقومية وبـ "تحرير آشور" من الأجنبي المحتل في الوقت الذي لا يستطيعون تحرير أنفسهم من أمراضهم الفكرية والإجتماعية كالتهرب من تحمل المسؤولية واللامبالات والتسيب وعجزهم عن الخروج من قوقعتهم الكلامية نحو ساحة العمل القومي الحقيقي. نعم ... وكل النعم... نقول للجمعية الآشورية الأمريكية القومية ولرئيسها وأعضاء هيئة إدارتها ولجميع أعضاءها والمرتادين لها ألف مبروك على هذه الذكرى المؤية العظيمة والفريدة في تاريخنا المعاصر، ونأمل من أحفاد أحفادنا أن يحتفلوا بالذكرى المئتين لتأسيسها ليثبوا إستمرار وتواصل وجودنا القومي في المهجر نحو أماد أبعد و أبعد... إلى اللقاء في الصيف القادم.
Assyrian American Association of Chicago is a non-for-profit educational, cultural and charitable organization