المحرر موضوع: رحلَّ سامي موريه والعراق يعيش في تلافيف روحه  (زيارة 870 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رحلَّ سامي موريه والعراق يعيش في تلافيف روحه
نبيل عبد الأمير الربيعي
      غادرنا يوم الجمعة الموافق 22 / ايلول / 2017 الأديب والشاعر الرقيق الباحث البروفسور سامي موريه ( شموئيل موريه) , العراقي المولد والهوى فقدت الثقافة العراقية والعربية آخر العاشقين اليهود من اصل عراقي ، البروفيسور سامي موريه (شموئيل موريه) ، أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي , فأغدقوا متابعيه عليه لقب "حبيب العراقيين" لكونه بقي يرنو بعينيه وقلبه وروحه إلى العراق ودجلة والفرات ، عاصفاً قلبه بالشوق والحنين الجارف لملاعب الصبا وأزقة وحارات وشوارع بغداد ، وظل في كتاباته يأمل ويتأسى بالعودة إلى ربوع الوطن العراقي الجميلة،، كلُّ واحدٍ منا في هذه الدنيا تجرّع كأس الفراق , وذاق علقم الفقد , ولوعة الوداع , وسكبَ عبراتٍ حارة من القلوب , وذرف دموعاً من العيون.
     لكن رحيل موريه إلى جوار ربه فجأة قد صدمنا الخبر الحزين وأصابنا الوجوم فإذا كان قد فارق الدنيا فإنه لم يفارقنا وسيبقى في الذاكرة صديقاً وفياً عزيزاً , وفي ذاكرة طلابه أستاذاً قديراً ومتميزاً .
       الرحمة للفقيد الراحل صاحب العطاء الجزيل والخلق الرفيع , أتقدم بخالص العزاء إلى عائله الفقيد وأسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته .
      البروفسور سامي موريه من العراقيين البغداديين الذين أجبروا على الهجرة إلى إسرائيل ، كان عاشقا للثقافة العربية ولجذوره البغدادية . فهو ولد في بغداد في 22 كانون الأول/ يناير1932، وعاش مع عائلته حتى سن الـ18 ، حين اضطر إلى إسقاط الجنسية العراقية ومغادرة العراق العام 1951 ، وفق قانون إسقاط الجنسية الذي صدر أثناء الحكم الملكي ووزارة توفيق السويدي في العام 1950م , في لقاءاته عبرَّ القنوات الفضائية كان يبكي عندما يتذكر معاملة بعض العراقيين القاسية لأبناء الديانة اليهودية في بغداد , وضربه من قبل أحد العراقيين بالقرباج , فضلاً عن احتفاظه بقليل من تراب دجلة في قارورة في مكتبته.
     كتب موريه المئات من المقالات والدراسات ومقدمات الكتب نشرت في المجلات والصحف وفي المواقع الإلكترونية , وألَّف الكثير من الكتب العربية والإنكليزية والعبرية حيث بلغت ( 35 كتاباً ) حتى الآن بهذه اللغات ، وأشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه , وحقق بعض الكتب المهمة في المسرح العربي.

      لكن كتاب "بغداد حبيبتي، يهود العراق ... ذكريات وشجون" شغل الرأي العام والقراء ، ويبدأه موريه بقصيدة "مهداة إلى أخواتي وإخوتي العراقيين في كل مكان"، بعنوان "قالت لي أمي، والأسى في عينيها".
      أما أبرز أعمال موريه فهي "المسرح الحي والأدب الدرامي في العالم العربي الوسيط" (منشورات الجمل)، وقد وسّع موريه دراسته في هذا المجال ، عائداً إلى القرون الوسطى ، لإثبات وجود مسرح حيّ في العالم العربي ما قبل الحديث.
       كتاب موريه سابقة أدبية رائدة في الاستنتاج بأن العرب عرفوا المسرح في الحقب القديمة ، مفنداً رأي المستشرقين والباحثين القائل بعكس ذلك  ، واستطاع موريه أن يثبت أن العرب قد عرفوا المسرح في القرون الوسطى ، وقد استبدل مصطلحي "خيال" و"حكاية" اللذين استخدما في صدر الإسلام للدلالة على مسرح يقوم فيه الممثلون بارتداء ملابس تعود إلى فترات تاريخية قديمة لكي يقوموا بإحياء الماضي في الحاضر أمام المشاهدين للإمتاع والنقد الاجتماعي والوعظ".
سامي موريه وبغداد حبيبتي
      كانت اثمن هدية وصلتني مع أحد الأصدقاء من البروفسور سامي موريه يوم 7/2/2017 وقبل رحيله كتابه (بغداد حبيبتي) ...وقد سطر موريه في أول أوراق الكتاب بخط يده الإهداء لي.
وما أقوله للصديق موريه من خلال كتابه ((بغداد حبيبتي)) , وأنا مؤمن أن روح الراحل تطوف في سماء بغداد ومنطقة (البتاوين .. وبستان الخس)...
      كنت اسمع أنين كلماتك وارى دموع حنينك تنزف وجعاً وشوقاً إلى العاصمة بغداد من خلال سطوره الجميلة المعبرة ... كتابك أبكاني ، مشاعرك متضاربة عشتها معك بأسلوبك الرائع المشوق الجميل ... وروحك المرحة الصافية ... وظلك الخفيف ... ونفسك الرقيقة التي تحن إلى ملاعب الصبا ونهر دجلة ... وهمسات قلبك الأولى ، بقيت بعد رحيلك وهجرتك من العراق عام 1951م معتزاً بهويتك العراقية... تتكلم من خلال كتابك بحب واعتزاز وبكل مشاعرك الإنسانية ...إلى بغداد الموشومة في تلافيف روحك.
      صديقي موريه ما أقوله وأنت الراحل عنا أصبحنا نحنُ الغرباء في هذا الوطن .. وأصبح تأريخنا يطردنا .. ومدننا التي كنا نعشقها تنفينا.. ولغتنا لم تعد بلاغتها تكفي لتضميد جراحاتنا وحاضرنا الذي يحتضر.. العراق إلى أين يمضي لا أعلم ؟ أصبحنا نملك في هذا الوقت الصعب سوى أجسادنا.. فيها نقيم وفيها نهاجر وفيها نبكي بلادنا المقسمة من قبل زنات الليل وخفافيش السياسة.. مالنا غير أجسادنا .. ولكن أجسادنا أصبحت ترفض هذا الوطن... إلى أين تمضي لا أدري؟ لبغداد الحبيبة أم لقبورٌ تحتضننا في وادي السلام ... بغداد أصبحت مكب نفايات ومجمع لعصابات المنطقة الخضراء وزبانيتهم!! ولكن بغداد لم تعد وطناً لنا ... بغداد التي كنت تحلم بزيارتها أصبحت ساحة حرب ورماية.
     صديقي موريه وداعاً ... لكن رحيلك كان مسرعاً , ولازال عندك الكثير لتقدمه لنا.
 
العراق / الحلة / الباحث نبيل عبد الأمير الربيعي