المحرر موضوع: التعامل مع الشأن السياسي لدى كل من الكنيستين الكلدانية والاشورية  (زيارة 2460 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
التعامل مع الشأن السياسي لدى كل من الكنيستين الكلدانية والاشورية

بقلم الأب نويل فرمان السناطي

في ضوء الحملة الشرسة ضد احبارنا في أعقاب السينودس الكلداني 5-8 تشرين الأول 2017 ، ولغرض تقديم نقاط عملية عن الكنيسة والشأن السياسي، اكتب هذا المقال.

لا بد من المقارنة في هذا المجال، في مفارقة ملفتة للانتباه، أن كثيرين من ذوي الشأن يتقبلون ان يتحدث بطاركة وأحبار كنيسة المشرق الاشورية، عن المسألة القومية، وما تتركه من ظلال على الأمور السياسية؛ وفي الوقت عينه، نرى ذوي الشأن أنفسهم يتحفظون بشأن حق بطاركة وأحبار الكنيسة الكلدانية، بالحديث عن الأمور القومية وما تتركه من ظلال على الساحة السياسية.
لنقارن، إذن، كلا من التفاوت بين القبول والتحفظ من قبل ذوي الشأن، تجاه احبار الكنيستين الشقيقتين الكلدانية والاشورية.

إن أحبار كنيسة المشرق الاشورية ولظروف تاريخية وسياسية واجتماعية وجدوا بنحو محدد كأحبار "روحيين" وبنفس الوقت كزعماء زمنيين.
اما  أحبار الكنيسة الكلدانية، فلخصوصيتها الكاثوليكية، يحسب البعض عليها من التابوهات/ المحرمات بأن يكون لها رأي وتوجيه في الشأن القومي السياسي، إزاء القبول بذلك لدى أشقائهم في الكنيسة الاشورية؛ كل هذا أمام كون مسيحيي العراق في بلاد على صفيح ساخن من طائفية وعشائرية وقبلية، لكل من أطيافها زعامة وقول، في بلاد تهمش فيها الحقوق المدنية والدينية لعراقيين أصلاء من ذوي الخصوصية الاثنية والدينية لشعبنا. ويصر المعترضون على تقييد مجمع اساقفتنا بما يحسبونه من محرمات، على أساس انتمائهم الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. ويفسرون هذا الحظر بما جاء في التعليم الكاثوليكي المسيحي البند 2442:
(ليس من اختصاص رعاة الكنيسة التد خل المباشر في البناء السياسي وتنظيم الحياة الاجتماعية. فهذه المهمة جزء من دعوة المؤمنين العلمانّيين، العاملين بمبادرتهم الخاصة مع أجل مواطنيهم. ويمكن ان يكون للعمل الاجتماعي ُسُبل واقعية متعددة. ويجب ان يكون أبدا لأجل الخير العام ومتوافقا مع الرسالة الأنجيلية والتعليم الكنسي. ويعود إلى المؤمنين العلمانيين "أن يُحيوا الشؤون الزمنية بغيرة مسيحية، وأن يسلكوا فيها َكفعلة سالم وعدالة.")
في الواقع هذا ما يتطلع اليه الاحبار من رعاة الكنيسة الكلدانية، بدعوتهم علمانييهم المؤمنين للعمل بروحية هذا التوجيه.
كما أن ثمة سؤالا يطرح نفسه كالتالي: عن أي من الرعاة، يتم الحديث؟ هل هم على سبيل المثال لا الحصر، الكاهن راعي كنيسة الصعود؟ أم  راعي كنيسة مار يوحنا، أم راعي كنيسة سلطانة الوردية؟ (تحية المحبة لكل منهم). وبالفعل يمكننا تصور هول الموضوع لو كان كل راع في كل خورنة يعمل مباشرة في مثل هذه المجالات السياسية؛ فيما اختلط في البلاد الحابل بالنابل، في تصريحات رجال دين غير مسيحيين، من كل حي أو زقاق.
أما أن يكون الحديث عن زعامة كنسية في أعلى الهرم الكنسي، مجتمعين ومُجمعين على مقررات في هذا الشأن الاجتماعي أو السياسي أو ذاك، فأعتقد ان الأمر يختلف.
ذلك أن الرعاة من الأساقفة، وخصوصا في الأزمات السياسية والاجتماعية، تكون لهم كلمتهم، بدون ان يعني ذلك انخراطهم في نشاط أو حزب سياسي.
أما فيما يخص الكهنة، فإنه بالفعل سبق وأن حذرت الكنيسة الكاثوليكية اكثر من كاهن، عندما انخرط حزبيا في العمل السياسي، منهم (القس) جان برتران ارستيذس الذي أصبح رئيس جمهورية هاييتي، واذا بالرجل وكأنه بانتظار التحذير والتخيير، ليترك الكهنوت بدل السياسة و... يتزوج.
أما المثال الآخر فهو عن القس ميغيل ديسكوتو، وزير خارجية نيكاراغوا في عهد دانيال اورتيغا (توفر لي سنة 1991 -لدى مرافقتي مستشار كاسترو، البروفيسور كامبرس- أن التقيه مع رئيس بلاده اورتيغا عندما قدم بصحبته الى بغداد وكانوا قد جاءوا في موقف متعاضد مع العراق الخارج مثخنا بجراحات الحرب). هذا القس السابق/ الوزير ديسكوتو، كان قد اوقفه الفاتيكان عن الكهنوت، وعند اعتزاله السياسة حصل من البابا فرنسيس التفسيح بالعودة لإقامة القداس قبل ان يحين أجله، تحقيقا لامنيته في أواخر حياته.
أما على مستوى الرعاة الأساقفة، فإن ثمة رعاة، من الذين كافحوا ضمن ظروف بلدانهم منهم:
- المطران الكاثوليكي كارلوس فيليب بيلو، من تيمور الشرقية، في أندونيسيا، الحائز على جائزة نوبل، لكفاحه من أجل استقلال تيمور الشرقية؛
- والاخر المطران الطوباوي اوسكار روميرو، الذي قيل أن تطويبه لم يكن فقط لأنه استشهد أمام مذبح القداس، بل ايضا للطريقة النضالية التي عاش بها اسقفيته في ظل حكم السلفادور، متحديا بيروقراطية سفير الفاتيكان في السلفادور.
ويوجد في الكنيسة الارمنية خير مثال. عندما بقيت تقف مع الشعب الارمني في نضاله، ولها مواقف سياسية واجتماعية متواصلة في المطالبة بحقوقه خصوصا في مجال الابادة الجماعية. إلا أنها حالما تم الحصول على استقلال دولة ارمينيا،  تركت الامور السياسية للسياسيين، وانسحبت عندئذ، على رؤوس الأصابع، للتفرغ للشأن الروحي وطوبى لها في ذلك.
ومن المثير للتساؤل، وما يستنفر التفسير والتحليل، أن الكنيسة الكلدانية تحديدا، لا تجد من يقول لها (عفارم) عندما تتحمل على الارض ثقل النهار وحره حتى وإن أوقدت الاصابع شموعا !
وهنا قد يجدر القول:
لا ضير من تمني الخير، واحترام الرأي لدى أبناء الكنيسة الكلدانية،  لكل من اقتنع بشأن قومي خارجًا عن توجه الكنيسة الكلدانية. ولكن هل من الانصاف، السكوت المطبق أمام كل ما تنجزه الكنيسة الكلدانية في العراق؟ وهل من الانصاف عندما يصدر رأي يختلف عن توجه الاخرين، سياسيا واجتماعيا، وحتى اذا كان هذا الرأي باجماع اسقفي في سينودس مقدس، أن يتهجم على الكنيسة أبناؤها قبل غيرهم.
إزاء اشكالية الانصاف هذه، ثمة اجابة، للمطران مار ميلس زيا، مطران استراليا ونيوزيلندا وبيروت، مفادها أن الكنيسة الاشورية تجد أن:
- ثمة حاجة لدورها أمام ما تراه من واقع سياسي راهن؛
- كما تربأ لأبنائها عن اي تهجم على العناوين الكنسية، من أية كنيسة كانوا، وقد اثبتت ذلك، في استراليا، بمواقف أبوية حاسمة.
ولكن في الكنيسة الكلدانية، هل ثمة حدّ أدنى من الثوابت الديمقراطية بين الكنيسة وأبنائها، سواء كانوا من الخصوصية الكلدانية، أو من الخارجين عنها. ولماذا يا ترى يقام الحظر عليها لدعوة صريحة لأبنائها بأن يضطلعوا بمسؤوليتهم كعلمانيين في الشأن الاجتماعي والسياسي، وبهدي توجيهات وثيقة التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية؟
وبعد،
فإن الكنيسة الكلدانية، مع كلمتها كمجمع أحبار، ورعاة، في الشؤون ذات الصلة، لها أن تشجع ناشطين مؤمنين علمانيين من الاكاديميين والاختصاصيين ومختلف الناشطين. فإن مثل هؤلاء العلمانيين ومع زعامات كنسية من الطرفين، ومن المتنورين، ينتظر منهم، باعتقادي، أن يكونوا سعاة محبة وسلام، وعناصر خير فاعلة في أزمة مستفحلة لا يستغنى عن امثالهم في تجاوزها والمضي قدما.