المحرر موضوع: اكتشاف مسيحيي المشرق  (زيارة 802 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37762
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اكتشاف مسيحيي المشرق
« في: 20:31 27/10/2017 »

اكتشاف مسيحيي المشرق

عنكاوا دوت كوم/موقع المدن/شادي لويس

اكتشاف مسيحيي المشرق قدم مؤتمر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" اعترافاً صريحاً بمسألة مسيحية في المشرق العربي
في الجلسة الختامية لمؤتمر "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير"، الذي عقد في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، نهاية الأسبوع الماضي، شارك الكاتب والباحث العراقي، سعد سلوم، بتساؤل كان قد طرحه أحد متابعيه في "فايسبوك"، تعليقاً على خبر عن فاعليات المؤتمر: ما الذي يمكن أن يقدمه المؤتمر لمعاناة مسيحيي العراق؟
كان السؤال تهكمياً، أو ربما كان استنكاراً في أفضل الأحوال. ومع هذا، فإنه يحمل من الرجاحة ما يكفي لجعله مدخلاً لقراءة المؤتمر وموضوعه، أي مسيحيي المشرق العربي، والنظر في ما يجب عمله في المستقبل.

لم يكن المؤتمر فاعلية سياسية بالطبع، بل فرصة للباحثين والناشطين والمعنيين بموضوعه، في مجالات أكاديمية وعملية متنوعة، للتلاقي والاطلاع على نتائج بحوثهم ووسائلها ومناهجها، ومناقشتها، والنظر إليها في سياق أوسع جغرافياً يربط الماضي عبر الدراسات التاريخية، بالحاضر ووقائعه على الأرض. لكن الغرض البحثي للمؤتمر، لا يعنى بالضرورة أنه منزوع السياسة، فموضوعه "عوامل البقاء والهجرة والتهجير" يتضمن ما يكفي منها.

في اليوم الأول، قدم يوسف كرباج وحلا نوفل وفدوى نصيرات، ثلاث أوراق بحثية عن المسيحيين العرب في الإمبراطورية العثمانية، نظرت في مراحل تاريخية مختلفة من عمر الإمبراطورية، في مقاربة بين مناهج التاريخ الديموغرافي والسياسي والكمّي، وخلصت إلى نتائج كان بعضها متعارضاً إلى أقصى حد. وفيما عكست تلك الأوراق اهتماماً بحثياً متزايداً، خلال العقدين الأخيرين، بمراجعة الحقبة العثمانية وتاريخها في المشرق العربي بوجه عام، فإن نتائجها أيضاً عارضت سرديات سياسية رائجة، لطالما شابها الاختزال. فورقة كرباج التي اعتمدت على إحصاءات السجلات العثمانية، كشفت أن الحقبة العثمانية، على غير المعتاد تصوره، قد شهدت نمواً في نسب مسيحيي سوريا الكبرى، مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان. بل بلغت نسبة زيادتهم عددياً، في بعض سنواتها، أكثر من أربعة أضعاف نسب نمو السكان من المسلمين. وفيما قدمت ورقة نوفل، التي تناولت هجرة الموارنة من الداخل السوري إلى جبل لبنان، ومن ثم تحول فروع من السلالة الشهابية الحاكمة إلى المارونية، نقداً لفكرة الأصالة الإثنية والطائفية، مقدمة صورة أكثر ثراء وتعقيداً للهجرة والإختلال الديموغرافي والتحول الديني، تنوعت اتجاهاته وحركته ودوافعه. في المقابل فإن مداخلة نصيرات عن أوضاع مسيحيي الشام ومصر في القرن التاسع عشر، عارضت بدورها سردية طوباوية عن حقبة الخلافة العثمانية، لطالما شُحذت سياسياً، لجهة عرض صور التمييز التي تعرض لها مسيحيو المشرق في تلك الحقبة.

وكما قدمت الأوراق التاريخية حلحلة للسرديات الأحادية عن المنطقة ومسيحييها، فإن الجلسات اللاحقة من المؤتمر فعلت الشيء نفسه بالحاضر وسردياته. فبينما قدم مهند بيضين، في ورقته "المسيحيون في الأردن والنفوذ"، وسلام الكواكبي في ورقته" المشاركة السياسية للمسيحيين في الدولة المشرقية الحديثة"، نماذج للتعايش في تاريخ المنطقة الحديث وحاضرها، فإن مشاركة متري الراهب، عن مسيحيي فلسطين وهجرتم وتهجيرهم على خلفية المشروع الصهيوني وقيام دولة إسرائيل، كانت خلاصته الرئيسية أن "المأساة الفلسطينية، هي مأساة مسيحية أيضاً". أما عن أوضاع المسيحيين في مناطق الصراع، في كل من سوريا والعراق، فقد تناولت المشاركات مراجعة وإعادة تدقيق في إحصاءات عددهم وهجراتهم وتهجيرهم، وطرق توظيفها لأغراض سياسية، كما في ورقتي يحيي الكبيسي من العراق، وسمير سعيفان من سوريا. وفي ورقة حيدر سعيد، تمت مراجعة خطاب تنظيم "الدولة الإسلامية" عنهم. وفي حين قدمت تلك المشاركات، قراءة أكثر تعقيداً للواقع، ومعارضة للصور النمطية والمختزلة عن أوضاع مسيحيي سوريا والعراق، فإن ورقتي سعد سلوم عن العراق، وماجد حسن علي عن سوريا، رسمتا خرائط معقدة لأوضاع مسيحيي البلدين، بين فصائل مسلحة مسيحية، وأحزاب سياسية لهم، ومرجعيات كنسية عديدة، ومواقف ومقاربات سياسية مختلفة لكل منها في العراق، وكذا تناقضات وصراعات بين خطابات الكنائس والتنظيمات السياسية المسيحية المحلية في سوريا في ما يخص مسألة الهجرة وغيرها.

أما في ما يخص الأقباط، فالورقة التي قدمتها نيفين ملك عن أوضاعهم ومشاكلهم القانونية بعد 3 يوليو 2013، وورقة خليل العناني عن تصورات "الإخوان المسلمين" عن حقوقهم السياسية، بالإضافة إلى مشاركة كاتب هذه السطور بورقه عن البنية الخطابية للمسألة القبطية، قدمت زوايا وطرائق متعددة لتفحص الشأن القبطي، بالإحالة إلى أدوار الدولة، وتنظيمات الإسلام السياسي، وكذا خطاب الكنيسة المصرية اللاهوتي نفسه، في تجاوز للسرديات الأحادية عنهم وعن أوضاعهم.

يعيننا ذلك السرد الموجز لبعض من أوراق المشاركين في المؤتمر، لا كلها، من أجل العودة إلى السؤال الذي بدأنا منه: كيف لفاعليات المؤتمر وأوراقه أن تحل معاناة مسيحيي العراق وغيرهم؟ بداية، يقدم المؤتمر اعترافاً صريحاً بأن هناك مسألة مسيحية في المشرق العربي، وأزمة ملحة تستدعي المواجهة. ومع أن الأمر قد يبدو بداهة لا تحتاج تأكيداً، لكنه في الحقيقة على غير هذا. فلم يكن مفاجئاً أن يستنكر بعض الحضور، التركيز على أوضاع المسيحيين، في مؤتمر عنهم، بحجة أن مواطنيهم من المسلمين يعانون أيضاً. ومع أن الإقرار بوجود الأزمة في حد ذاته، يبدو خطوة مهمة، وضرورية، لكن ما يطرحه المؤتمر يذهب أبعد.

فغير تقديمه عرضاً أعمق لأوضاع مسيحيي المشرق، يتعارض مع السرديات المختزلة والأحادية عنهم وعن غيرهم، سواء في الماضي أو اليوم، فإنه يكشف عن الأهم، وهو أن ما نعرفه عن المسيحيين العرب، وتاريخهم وحاضرهم، محدود جداً، أي ما يعرفه مواطنوهم من أبناء الطوائف الأخرى عنهم، وما يعرفونه هم عن أنفسهم وعن بعضهم البعض. تظل تلك المعرفة، هي حجر الأساس، للتضامن والفهم المشترك، والأساس لحوار موسع ونقاشات حول مشاريع سياسية إصلاحية وجذرية بشأن المنطقة وبشأن مسيحيها. وإن ذهبت توصيات بعض المشاركين في الجلسة الختامية، إلى الحاجة الملحة لتأسيس مركز بحثي لرصد أوضاع المسيحيين العرب والدراسات المتعلقة بهم، وعقد فاعليات دورية لعرض نتائجها ومناقشتها، فإن تلك التوصيات ليست شأناً بحثياً خالصاً. فموقع "فايسبوك"، الذي جاء منه سؤالنا المفتتح، وغيره من وسائل التواصل والنشر الكثيف، التي توفرها لنا التكنولوجيا الرقمية اليوم، تتيح فرصاً غير مسبوقة، لإعادة اكتشاف مسيحيي المشرق وتاريخهم، وتعميم معارف عنهم، لطالما أغفلت، وكذلك لفتح حوار لازم عن أوضاعهم وحقوقهم في المستقبل.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية