ما الدرس الذي نتعلمه من سقوط مسعود البرزاني وانكسار ظهره ووأد مشروعه
كانت الكتابة على الحائط بالنسبة لمسعود البرزاني وحزبه وحاشيته وميليشياته (البيشمركة) وعشيرته والعشائر المتألفة معه.
لماذا لم يقرأها ويستفيد منها ويحافظ على امتيازات كانت تقترب من امتيازات حكم دولة شبه مستقلة ذات مساحات شاسعة في بطنها حوالي نصف احتياطات العراق النفطية والعراق ثاني أكبر دولة في العالم من حيث خزين الذهب الأسود؟
كلما أنظر الى الطريقة التي سقط فيها مسعود البرزاني مكسور الخاطر والظهر، أتذكر مثال يرد في الانجيل ونردده كثيرا نحن المسيحيين: "اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة."
فقط الأعمى يفعل ما فعله مسعود البرزاني. وأعمى مثله لا يمكن ان يصل الى دفة القيادة إن لم يكن الذين يقودهم عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى فالاثنان لا بد وأن يسقطان في الحفرة.
لقد ظهر أن البرزاني لم يكن أعمى وحسب بل فاقدا للبصيرة أيضا. وظهر ان الناس الذي كانوا يصفقون له ويبجلونه ويكيلون المديح له، كانوا فاقدي البصيرة أيضا.
في أقل من شهر (أي منذ 25 أيلول) خسر البرزاني كل ما بناه في حوالي ثلاثة عقود. خسر أراض شاسعة وهو يتوسل الان، لا بل يهرول راكعا امام أي كان، كي يبقوا له إدارة ذاتية وصلاحيات محدودة ضمن حدود عام 2003 . ولكن لا أظن أنه سيحصل حتى على شبه حكم ذاتي.
حكومة بغداد يبدو أنها مصرة – بالاتفاق مع إيران وتركيا – على قص اجنحته بطريقة مهينة كي لا تنمو مرة أخرى.
القوات العراقية يبدو أنها ستحتل كل المنافذ الحدودية وستتشكل في أقل تقدير ادارتين في شمال العراق واحدة في السليمانية وبدأت بوادر ذلك بالظهور وأخرى في أربيل وهي في طريق التشكيل.
وهناك بوادر أخرى وهي تشكيل إدارة ذاتية في المحافظات الكردية الثلاث – أربيل ودهوك والسليمانية. والنفط من حقول منطقة كردستان، الذي يبدو أنه كان النقمة او القشة التي قضمت ظهر البرزاني، سيكون تحت إدارة المركز.
لا أريد أن استخدم العبارة السابقة، ولكن لا أظن هناك مجنون في القرن الواحد والعشرين تصرف بجنون مسعود البرزاني.
التحاليل في الصحافة الغربية تشيد كثيرا برئيس وزراء العراق حيدر عبادي، الذي بهدوئه وصمته وتحفظه وحكمته وقليل كلامه سحب البساط من تحت اقدام البرزاني وأعاد كركوك ومساحات شاسعة من محافظة صلاح الدين ونينوى وديالى وحصر الأكراد ضمن النطاق الذي كانوا فيه في عهد صدام حسين، كل هذا دون ان يدخل في معارك طاحنة.
وظهر ان ما كان يتبجح به البرزاني من بيشمركة (ميليشيات) لا تقهر ما هي الا جرذان تهرب ربما بسرعة أكثر من السرعة التي هربت فيها امام داعش في عام 2014 .
وصار الأكراد بفضل سياسة مسعود البرزاني وعدم قرأته الصحيحة في وضع يرثى له. هم منقسمون، احزابهم ومناطقهم، والكل يرمي الكرة في ملعب الأخر من دون ان يملكوا أي شجاعة لتحمل مسؤولية ما وقع من كارثة.
مسعود البرزاني في أغلب الظن لن يرحل. لم يكن زعيم شعب كي يتحمل المسؤولية ويستقيل. إنه زعيم عشيرة ولا أظن انه يدرك المأساة التي هو فيها والتهلكة التي أوقع شعبه فيها.
ولأن الأعمى يقود عميان لم نلحظ حتى الأن مظاهرات مثلا في أربيل او دهوك تطالبه بكشف الحساب وتحمل المسؤولية.
انخدع البرزاني بمجموعات الضغط في أمريكا. دفع البرزاني مبالغ طائلة لهذه الجماعات التي زينت له الوضع وأوصلته الى أروقة الكونغرس وحتى رتبت لقاء لابنه مسرور (ولي العهد والماسك بحلقات الأمن والمخابرات) مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، هربرت ماكماستر، الساعد الأيمن لدونالد ترامب، وجاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب، ومستشاره في السياسة الخارجية.
تصور البرزاني ان مجموعات الضغط هذه او اقوال مسؤول هنا او هناك هي مثل "وعد بلفور" ولم يعرف ان أمريكا لن تخسر تركيا في الوضع القائم من أجلهم ولا كل العراق من أجل عيونهم ولن تدخل حربا مع إيران بسبب نزواتهم.
وتركتهم لشأنهم يلعقون جراحهم وهزيمتهم الى درجة أن مليشياتهم التي تبجحوا بها كثيرا كانت تولي الأدبار قبل وصول قطعات الجيش العراقي.
اما نحن وما أدراك ما نحن.
وأنت تتصفح المقالات والأخبار في هذا المنتدى لترى عجب العجاب.
هذا الاتحاد القومي يقول إنه طالب وكتب وتنهال المقالات والتبريكات؛ وهذا النائب هدد وصرّح؛ وهذا رجل الدين عقد اجتماعا واستقبل سفيرا وطلب رفع الحصانة ولا يكف عن اصدار بياناته الهزيلة المملة التي لا يعبر صداها مدى أذنيه مع ذلك ينهال عليه المديح؛ وهذا المكون يتشبث بهذا القول ولا يقبل قولا أخر؛ وهذا يعدد الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان والدستور وفقراته؛ وأخر ينسب نفسه الى اقوام وأمم لا يعرف لغتها ولا يحفظ شعرها ولا علاقة وجدانية له مع ثقافتها؛ وأخر في أمريكا او أوروبا او استراليا يرسم خارطة خيالية للدولة او الإمبراطورية المزعومة؛ والأخر يقول إنه استقبل وقابل واتصل؛ وعندما تحاول ان تعرف الحقيقة ترى ان كل هذه النشاطات المزعومة لا أثر لها الا في منتديات شعبنا.
وفي كل هذه التطورات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة وشمال العراق والمنطقة المنكوبة المدمرة المسماة بسهل نينوى والتي نتصارع عليها نحن مثل الديكة في المنتديات فقط من كتاب وأشباه سياسيين ورجال دين وغيرهم، ليس هناك لاعب صغير او كبير عراقي، او إقليمي او دولي يضعنا في الحسبان.
وفي كل المعادلات لا رقم لنا، مع ذلك أنظر الى خطابنا وسترى وكأننا نحن الذين سنقرر مصير المنطقة.
ولو كنا نعرف موقعنا على الخارطة حتى في المنطقة المسماة سهل نينوى لربما فعلنا شيئا لثقافتنا قبل زوالها وزوالنا معها. لم يعد لنا مكان ولا ملجأ غير التشبث بثقافتنا إن أردنا النجاة والبقاء.
إذا كان مسعود البرزاني حليفهم الوثيق الذي كانوا يحلفون برأسه، وله كما يقول جيش جرار قاموا بتسليحه وتموينه وكانت تحت سيطرته بحيرة نفط يصل الاحتياطي فيها الى أكثر من 50 بليون برميل وبلغ دخله من تصدير النفط من إقليمه فقط في السنين الأخيرة أكثر من 50 مليار دولار ويحكم أراض شاسعة ربما أكبر من مساحة لبنان بثلاث مرات، رموه على قارعة الطريق ذليلا مهانا، فمن نحن يا ترى!
لماذا يحدث كل هذا لنا؟ أخشى ان مثل الإنجيل الذي ذكرته أعلاه لتقريب المأساة والنكسة التي أوقع مسعود البرزاني نفسه وشعبه فيها ينطبق علينا أولا قبل غيرنا.
متى نعرف من نحن؟ نعم رحم الله امرئ عرف قدر نفسه فأراح واستراح.