المحرر موضوع: عاصفة سعودية ضد الفساد: مفصل من مسار شائك نحو مملكة جديدة  (زيارة 1384 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31477
    • مشاهدة الملف الشخصي
عاصفة سعودية ضد الفساد: مفصل من مسار شائك نحو مملكة جديدة
عندما تباشر المملكة العربية السعودية حملة عارمة ضد الفساد، بكل معانيه ووجهاته، فإن ذلك يحيل إلى وعي رسمي مفاده أن المملكة مقدمة على مرحلة جديدة، لا مكان فيها لغير التعصير، اقتصادا وسياسة وذهنيات. وفي هذا الوعي الجديد إيمان بأن المرحلة القادمة تتطلب مواجهة كل التحديات، دفعة واحدة، وفي كل المجالات سالفة الذكر. أن يتطور الاقتصاد فإن ذلك يفترض القطع مع الهدر ومع استغلال النفوذ ومع ترشيد كل موارد البلاد وتهيئة أرضيات استحداث موارد جديدة. وأن تتطور السياسة فإن ذلك يتطلب أيضا جعل المؤسسات الرسمية مواكبة لما تقتضيه الحداثة التي تطرحها المملكة على نفسها، وأن تتغير الذهنيات فإن ذلك يقتضي القطع مع ماضوية طالما وصمت بها المملكة، وتنظيف التربة السعودية من كل بذور التطرف وصونها من هبوب رياح قد تأتي بلقاح آثم يفسد البلاد والعباد. في هذا الإطار فإن الحملة السعودية على الفساد والإيقافات الأخيرة التي طالت رموزا وشخصيات سياسية واعتبارية هي مجرد مفصل من مسار سعودي طويل وشائك نحو مملكة جديدة حديثة كان عنوانها المعلن رؤية 2030، وديدنها النهائي تشبيب مملكة تتوفر على كل مقومات الشباب.
العرب/ عنكاوا كوم  [نُشر في 2017/11/07]

خطوات إصلاحية بروح الشباب وحكمة الشيوخ
الرياض - يقول ابن خلدون “الملك بالجند والجند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل والعدل بإصلاح العمال وإصلاح العمال باستقامة الوزراء”، فـ”انتشار الفساد بداية لشرخ يؤدي إلى انهيار الدولة”، وهو الوضع الذي لا ترغب السعودية، التي احتفلت مؤخرا بذكرى تأسيسها الخامس والثمانين، في الوصول إليه بأي حال من الأحوال وفي أي زمن.

وحتى لا يتحقق ذلك، تجد القيادة السعودية نفسها في مواجهة تغيير حاسم ومفروض القيام به، حتى لو أدى الأمر إلى مواجهة مع أفراد من العائلة الحاكمة، من أجل حماية بقية العائلة وحماية المملكة العربية السعودية ككل. فإما إصلاح جذري و”مؤلم” وإما معالجات سطحية وغير موضوعية ستعمّق الأزمات وستقود تراكماتها في الأخير إلى نتيجة لا يحمد عقباها.

وتأكيدا على جدية المسعى والتوجه، وتفعيلا لما قاله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن “من يثبت عليه تورطه في قضيا فساد فسيحاسب، أيا كان”، جاءت أولى تحركات اللجنة عليا لمكافحة الفساد لتشمل شخصيات عليا في الدولة لطالما كانت محصّنة ضد أي محاسبة أو مساءلة.

سارع البعض إلى تصنيف خطوة القبض على 11 أميرا ووزراء حاليين وسابقين بالبلاد من قبل لجنة مكافحة الفساد، كجزء من خطة إعداد الأرضية للأمير محمد بن سلمان “لتسلمه مقاليد الحكم”، لكن لا تهتم الشريحة الأكبر من المجتمع بمثل هذه التأويلات المسيسة، فيما تتطلع فعلا لأن تكون السعودية للجميع، وأن يكون فيها الكل سواسية، ومن يخطئ يحاسب.

وعكست هذا التوجه تغريدات كثيرة على تويتر لم تهتم كثيرا بأسماء المعتقلين بقدر ما اهتمت بالخطوة في حد ذاتها، فمن كان يجرؤ من قبل حتى على مجرد التفكير في توجيه النقد لأحد الأمراء أو المسؤولين النافذين حتى لو ثبتت تهمة ما عليه. الوضع تغيّر اليوم، وهذا ما يهم السعوديين الذين يدعمون الحملة ضد الفساد بكل أنواعه في البلاد التي تسعى إلى إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع.

غازي الحارثي: أهمية مشكلة الفساد في السعودية ليست في الأسماء ولكن في الدوافع

حملة متواصلة
انطلقت حملة الإصلاحات ومحاربة الفساد من قبل تشكيل اللجنة، حيث سبق أن أقيل وزير المياه والكهرباء عبدالله بن عبدالرحمن الحصين في 18 أبريل 2016 تجاوبا مع تشكيات الناس من زيادة الأسعار، في خطوة أعقبها إعفاءات وتعيينات أخرى، لم تكن لتقنع كثيرا السعوديين لأنها لم تكن بتلك القوة التي تجتثّ الظاهرة من عروقها وتطال رؤوسا كبيرة استفادت كثيرا من السياسات السابقة في المملكة.

لكن، وبعد أن تم جمع الأدلة ضد المتورطين في قضايا الفساد من أمراء ووزراء ومسؤولين رفيعي المستوى حاليين وسابقين، جاءت الحملة ضد الفساد في أقوى قراراتها باعتقال 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين والعشرات من الوزراء السابقين ومدراء لشركات كبرى من بين الاتهامات الموجهة لهم غسل الأموال وتقديم رشاوى وابتزاز بعض المسؤولين واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية.

من بين أبرز الأسماء التي تم إيقافها: رجل الأعمال والملياردير الشهير الأمير الوليد بن طلال والأمير تركي بن عبدالله، والأمير تركي بن ناصر، والأمير فهد بن عبدالله بن محمد، نائب وزير الدفاع وقائد البحرية السابق، والأمير متعب بن عبدالله، رئيس الحرس الوطني، الذي أُعفي من منصبه، وخلفه للحرس الأمير خالد بن عبدالعزيز بن عياف آل مقرن، المحسوب على الجيل الشاب.

ومن أبرز الوزراء الموقوفين بتهم الفساد وقبول الرشاوى عادل فقيه، وزير الاقتصاد، الذي أُعفي من منصبه ليل السبت أيضا وخلفه محمد بن مزيد التويجري، ووزير المالية السابق ابراهيم العساف، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السابق ومحافظ هيئة الاستثمار السابق علي الدباغ بعدة تُهم تتعلق بالفساد والتلاعب في أوراق المدن الاقتصادية، ورئيس المراسم الملكية السابق بعدة تهم تتعلق بسوء استغلال السلطة، ورئيس الخطوط السعودية السابق خالد الملحم وعدد من الشركات الكبرى بتهم الفساد والاختلاس، وسعود الدرويش رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية بتهم الفساد وترسية عقود على شركاته الخاصة واختلاس أموال الشركة.

ومن بين رجال الأعمال الذين تم توقيفهم الشيخ صالح كامل واثنين من أبنائه، ومالك قنوات إم بي سي وليد الإبراهيم ورجل الأعمال حسين العمودي والمقاول بكر بن لادن.

وشملت حملة التوقيف جميع المسؤولين عن قضية سيول جدة وفتح ملفها من جديد، وفتح ملف المدن الاقتصادية بالكامل وإيقاف المسؤولين عنها؛ وهذه القضية بالذات كانت محل جدل وغضب شعبيين لفترة طويلة انتهت بيأس كثير من السعوديين في إمكانية محاسبة المورطين في القضية. لكن تأتي التطورات الأخيرة لتغيّر الكثير من السياسات البيروقراطية وليأخذ كل ذي حق حقه.

السعودية الجديدة
يذهب فريق الأغلبية، المعنية بفوائد الخطوات الإصلاحية، إلى التأكيد على أنها تشكيل لجنة مكافحة الفساد وانطلاق عملها جاء في الوقت المناسب وسيكون لها تداعيات إيجابية عدة بينها تكريس دولة القانون وحماية المال العام وتسريع وتيرة الإصلاح وتعزيز مبدأ الشفافية والدفع قُدما بتحقيق رؤية المملكة 2030، ورد الحقوق إلى أصحابها”.

ويوضح غازي الحارثي، المدير الإقليمي للمركز الديمقراطي العربي في الخليج، أن “أهمية مشكلة الفساد في السعودية ليس في الأسماء ولكن في الدوافع والمساحة التي سمحت بذلك، بمعنى أن هناك مجال ما سمح بهذه الإجراءات وعطل كثير من مشاريع التنمية على مدى سنوات في السعودية وبطبيعة الحال انعكس تأثيره على المستوى الاقتصادي للبلاد واضطرت المملكة بسبب تأثيرات مختلفة أهمها اهتراء النظام القضائي والرقابي المتعلق بالفساد المالي تحديداً إلى تحمل عقبات اقتصادية لم يكن لها داع”.

السعودية من بين بلدان مجلس التعاون الخليجي تملك أقدم تقاليد لرسم أهداف اقتصادية طموحة تختزل في خطط خمسية
ويضيف الحارثي، في تصريحات لـ”العرب”، أن “الجانب الأهم والذي يجب أن يُبنى عليه أمل السعوديين في ما جرى هو أنه تم إيجاد جو ومحيط كبير من الحوكمة والمحاسبة الشفافة التي لم تستثني الصفات الاعتبارية الكبرى في البلاد وبهذا الجو الداخلي في الحكومة تصبح المحاسبة الشفافة مطروحة على أي مسؤول يخشى أن يلقى مصير غيره ممّن عوقبوا في تهم فساد ستلحق آثارها حتى بسمعته الاجتماعية والمهنية”.

وتملك السعودية، من بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، أقدم تقاليد لرسم أهداف اقتصادية طموحة تختزل في خطط خمسية. وكانت المملكة قد طبقت أول خطة تنموية خمسية في سنة 1970 وأنهت خطتها التاسعة في سنة 2014.

ومع ذلك تعتبر السعودية مقارنة بجيرانها متأخرة في تبني خطط “رؤية” أكبر حيث أعلنت كل من البحرين والإمارات وقطر عن خطط رؤية 2030 وطنية في سنة 2008، وأعلنت الكويت عن رؤية الدولة 2030 في سنة 2010، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى خصوصية الوضع في السعودية وسيطرة نظرة خاصة فرضتها ظروح سياسية وإقليمية محددة تحولت لاحقا إلى سياسة تخدم أساسا رجال الدين وطبقة محددة من المسؤولين.

لكن، حان الوقت للقطع مع كل تلك السياسيات، حيث أوضح الملك سلمان بن عبدالعزيز أن الحملة الأخيرة ضد الفساد تأتي في إطار “تطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام”، ضمن قرارات وخطوات يؤكد كثير المتابعين للشأن السعودي أنها تقود بالفعل إلى “سعودية جديدة”.