المحرر موضوع: هاجس السكن  (زيارة 798 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هاجس السكن
« في: 08:24 08/11/2017 »
هاجس السكن
بقلم/ سلوان ساكو
عرفّ الانسان القديم الأستقرار أول الأمر عند الأنهار والمياه الجاري، فكانت بذلك بداية ناجحة،  وتفتق وعيه على السكن والأستقرار في مكان واحد ضمن رقعة جغرافية واحدة مع عصر البذور  والزراعة والحصاد بعد ذلك، ممَِا دفعه للبقاء في الموقع ذاته والتضامن والتكافؤ مع من حوله من بشر ، لأستكمال دورة الحياة والطبيعة، وتعاقب الفصول على المادة المزروعة في جوف الأرض، والتي سوفَ تؤكل ثمارها بعد حين. فأصبح ذلك العصر عصر الأستقرار والبقاء. والذي جاء بعده نظام العائلة  والأسرة  والقبيلة والمجتمعات الكبيرة، ومن ثمَ تطورت بشكل تدريجي إلى منظومة قوانين تضبط إيقاع الحياة وبعدها الى حكومات ودول ، عبر تاريخ طويل من الزمن في خط متعرج، ألى أن وصل في نهاية الامر على ما نحن عليه الان.
الأستقرار آمر ضروري خبره ذلك الأنسان القديم وسخر  جلّ طاقته من أجله. وهذا السكن شيئ يشعر الفرد حياله  أنه في دائرة الأمن والأمان، والذي يفتقده الفرد العراقي، ويُشكل هاجسً من الخوف يتحول في بعض الأحيان الى قلق وجودي لديه مضموراً  في اللاوعي عِندَه. وهذا اذَ كان بنِسَب قليلة فهو صحي، ولا ضيرّ  منه إطلاقا، بل على العكس  يكون في بعض الحالات دافع إلى البلوغ والارتقاء، والقلق صحي كما يقول عنه أطباء النفس بنسب قليلة. ولكن المسألة تصبح شاذة اذا أخذت صفة البديل الرئيسي للحياة والعيش ونمط التفكير ، ويصبح الموضوع محصوراً في شراء المنزل، متناسين أن الحياة تحمل ما بين ثناياها ما هو أفضل من الدار أو قطعة الارض أكثر  بكثير، فنُشاهد في التعازي أو في الحفلات أو النوادي الصحي (الجيم والسوانة) أو في أيَّ تجمع آخر، لا حديث غير  عن أرتفاع أسعار المنازل، وغلاء أسعار الاراضي، ونسبة أرباح البنوك ، كَأَنَّ مُجمل الحياة متوقفة على هذا المسكن وعلى وهذه قطعة الأرض، مع العلم أن الموضوع وبقليل من الجهد سوفَ يكون تحصيل حاصل مادام أن البنك سوفَ يوفر المبلغ الأجمالي مع أضافة أرباحه طبعاً على مدار ثلاثين عام أو يزيد.
الذي أريد ان أقوله في هذه الأسطر ، أن الحياة والعيش ليسَ منزل أو قطعة أرض أو سيارة، صحيح أن هذه من مكملات العيش وأساسية ، ولكن لا ينبغي أن تكون هي الغايات الأسمى وبعدها هو الرماد الأسود. الحياة معرفة، وفهم  ووعي وكلمة وموسيقى  وحب وجنس وكتاب وديوان شعر  وسينما  وفن وطبيعة وليلّ وقمر ورمال وبحر ...الخ ،  كلها تنصهر في بوتقة واحدة لنعيش بشكل صحيح ونستمتع به، وألاّ أصبحنا دخل سجن كبير مكبلين بأغلال سميكة ، غايتنا العُظمى هي المنزل والسيارة ، فنُضيع علينا المشيتان كذلك الغراب الذي أراد تقليد البغبغان فلا استقر على مشيته ولا اجاد مشية الأخير.