المحرر موضوع: برحيله المفاجئ، د. بهنام قريو السناطي، يعزف مع الخالدين سمفونيته العتيدة (الآخرة)  (زيارة 2293 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

برحيله المفاجئ، د. بهنام قريو السناطي، يعزف مع الخالدين سمفونيته العتيدة (الآخرة)
في زاوية متواضعة من بابا التعازي لموقع عنكاوا الأغر، صدر اعلان لوفاة لشخص ضمن عدد من اعلانات صفحة الوفيات التي لا شك أنها تعود لأشخاص أعزاء على ذويهم وعلى شعبنا.
وقبل أن يمر الموضوع مرور الكرام وعلى نحو عابر فحسب، قد يجدر أن يلفت الانتباه الى أن الأوساط العلمية والتاريخية والاركيولوجية (لعلم الآثار) في فرنسا وأوربا، ومنطقة الهند، فقدت ضمن هؤلاء الراحلين في هذه الأيام، شخصية علمية فذة ونادرة.
وكان الرجل قد اختار في حياته عموما ان يعمل بصمت. ولكن على ما يبدو، استطاع أحد مريديه والمعجبين به، وهو في الحقيقة ليس الا شقيقه، الفنان والنحات عماد نيسان قريو، ان أن يصدي على موقع عنكاوا دوت كوم، لمشروع بدأ به، برعاية احدى المؤسسات العلمية في فرنسا، الا وهو ما شرع به وانطلق فيه الى حد بعيد، مشروع ترجمة الحوذره الى الفرنسية، فنشر له في باب صورة وخبر، تحت عنوان
لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة كما أصدى الاخ عماد لكتاب آخر لشقيقه الدكتور بهنام نيسان، وهو بعنوان: تعلم اللغة الآرامية من خلال الرسم والموسيقى. خصوصا وان هذا الحقل هو ضمن توجه موقع عنكاوا.
أجل فقد شهد مطلع هذا الشهر الحالي الرحيل الأبدي لهذا العلم النهريني، إذعانقت الأثير روح بهنام نيسان قريو، عاشق كلكامش والمتطلع الى الخلود، والمسكون بالتاريخ النهريني، فكان جل ما يعتز به، انه عراقي حتى الصميم، ومن ذلك ان يكون منحدرا من اوائل سكان العراق.
وفي تعلقه بالجذور النهرينية وحبه للعراق، يبدو انه طبق مقولة معلمنا العلامة د. يوسف حبي الذي كتب: بدل أن تقول لأحد أنك تحبه، فأحببه. وهكذا أحب بنّي (كما يلقبه محبّوه) بالفعل الملموس الحضارة النهرينية بدل الحديث عن حبه لها فحسب. ولعله اراد أن يكون بمنأى عن هذه المشاحنات بشأن اللغة والقومية، مختارا ان يحب ويعمل بما أملاه عليه هذا الحب، بدون ان يدخل بمماحكات من قبيل: كيف تتم قراءة عنوان الكتاب الموسوعي الليتورجي الذي انطلق لترجمته الى الفرنسية: أيقرأونه الحوذرا كما عند الكلدان، أم يقرأونه الخوضرا كما عند الآشوريين أم الحوذرو لدى السريان.
ولقد وصفه شقيقه عماد، بهذه الكلمات:  شخصية فـذة، رومانسية، مُحِبَّة ومحبوبة...! متعـدد الاختصاصات، خبراته عموديـة وأفقيـة، ويجيد وبجدارة عدة لغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية... فضلاً عن العربية والسريانية... نال الدكتوراه في "علوم تاريخ الأديان" من السوربون 1985. حيث قصد فرنسا منذ 1976، مغادرا بلاد جذوره السناطية في العراق. متخصص بعمق في الألواح المسمارية التي أجاد استنساخها وترجمتها، ثم تلحين النصوص البابلية...! هواياته الأخرى: والخط والنحت السريانيين، واضع للألحان الراقصة (choreographer)، مؤلف مسرحي...الخ. وإذا سألته عن قوميته، أجاب: عراقي، عراقي.. عراقي... أموت وأغرم بالنخيل... وإذا مضيت في السؤال سيجيب: عراقي كلداني.
أما شقيقه الدكتور وليد قريو، فقد عبر عن رحيله بهذه الكلمات: انه عاش الانتماء معك... الى نفس الحضارة والعشق للأرض والتراب السومري، ومن المفارقة، ان بهنام يغادرنا، إلى الأبدية، إلى الآخرة، وهو مزمع ان يقدم في غضون الاسابيع القادمة ما سماه سمفونية الآخرة.
أما الصديق والقريب د. صبحي زورا، فقد عكس لسان حال مودعيه بالقول: ما أحلى الذكرى وما أقساها علينا وعلى ذوي المرحوم وعلينا. كان بهنام شمعة مضيئة في حقول علمية مختلفة ، عبقريا على كافة المستويات.
وعلى صفحته في التواصل الاجتماعي، كتب صديقه، وزميل دراسته الابتدائية، صباح موسى ميخائيل السناطي، مخاطبا إياه بهذه الكلمات:
برحيلك ياعزيزنا بهنام فقد العالم احد رموز الثقافة والتاريخ والفنون بانواعها. يا من كرست حياتك في البحوث التاريخية ونلت فيها اعلى الشهادات من اوربا وبالذات ما يخص حضارة مابين النهرين وإظهارها للعالم باستنساخ وترجمة الالواح المسمارية اضافة الى تراثها الفني والموسيقي، رحلت وانت مزمع لتقديم ارقى سمفونية ارامية في الاسابيع القادمة والتي تعتبر عصارة جهودك من تأليف النصوص والألحان والأداء والعزف مع روحانية الحدث والغوص في اعماقه والتي اطلقت عليها اسم سمفونية (الآخرة).
تلك الطاقة الخلاقة التي خصك الله بها والتي لم تثنيك عن تقديم اعمال لا تقل عنها قيمة ومكانة لخدمة كنيستنا المشرقية وطقوسها من صلوات والحان وتراتيل والتي اديت العديد منها ان كانت بصوتك الرخيم ام بعزفك الذي كنت تجيده باحتراف على تلك الالات الموسيقية هوائية كانت ام وترية والغريبة بتصاميمها ، الى جانب المشروع الفريد والعمل المضني في ترجمة كتاب ( الحذرا ) المعتمد للصلاة الليتورجية الطقسية في كنائسنا الشرقية الى اللغة الفرنسية والذي كان من المؤمل الاحتفال به في اواخر هذا الشهر بحضور سيادة البطريرك لويس ساكو لتوقيع الصفحة الاولى منه ... كنت شعلة وينبوع من العطاء لاينضب .. مهما قلنا وذكرنا وكتبنا عنك وعن كل ما أبدعت فيه خلال مراحل حياتك فلا نوفيك...
 ولأن شخصيتك النموذجية والفذة من الصعب وصفها، فنعترف بأن رحيلك عنا هو خسارة كبيرة لشخصية مرموقة على الصعيدين المحلي والعالمي اذ كنت علما من اعلام العراق ولقريتنا التي احببتها كثيرا وطالما غنينا لها (سناط).
وعودة الى بهنام، فإنه بحس مرهف، عرض على صفحته للتواصل الاجتماعي، صورة مسكنته بعد دنستها وهشمت اوصالها عصابات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) فخاطب قراءه بالفرنسية بالقول: هذه كنيسة الشهيدة مسكنته الكنيسة العريقة في الموصل وكنيسة معموديتي، فتصوروا، تصوروا باريس بدون نودتردام... 
وبعد فإن بهنام اضافة الى كونه غزير العطاء، فهو غزير الدموع يغتسل بها كالمطر عندما ينهمر ويهدر. فكان دون الكثيرين معطاء الدموع في تشييع معلمه الاب يوسف أومي الدومنيكي في منتصف السبعينيات. وعندما زاره في نيسان 2016 رفيق صباه وزميل تلمذته الاكليركية، الاب نوئيل، وقدس في كنيسة بقرب مزرعته، قداسا كلدانيا حضرته زوجته تانيا: كانت دموع بهنام تختلط بأنغام خدمته الشماسية، وكأنه يروي الترتيل بالبكاء ويشبع البكاء ترتيلا.
وإذا كان من المعروف ان الرجل افتقدته الأوساط العلمية العلمانية، في العالم، فيبقى الأمل أن الأوساط المحلية ذات الصلة بشعبنا، تتوقف عند عطائه المتميز وتعمل على توثيقه والافادة منه: وقد تكون لعمري، أمنية ستجعل الدكتور بهنام نيسان قريو السناطي يرحل عن عالمنا مطمئن البال.
 

 
الدكتور بهنام نيسان السناطي لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة

الرابط الاول
الدكتور بهنام نيسان السناطي لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=824267.0
الرابط الثاني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,827407.msg7503403.html#msg7503403
تعلم اللغة الآرامية من خلال الرسم والموسيقى