إنبعاث الآشوريين - The Rebirth of the Assyrians
مقارنة بين النبؤة التوراتية والحقيقة الواقعية
--------------------------
أبرم شبيراتعتبر البروتستانتية، بكل كنائسها وتفرعاتها ورئاستها المتعددة والمنتشرة في العالم من أكثر الكنائس إهتماماً بالمسائل القومية ونهضة الأمم والشعوب. فمنذ نشؤوها في أوروبا في القرون الوسطى تزامنت أو دعمت أو أرتبطت بالنهضة القومية والتجدد والحداثة في أوروبا وبالفكر القومي والمبادئ الأساسية المرتبطة به. وليس غريباً ان تكون الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر نموذجاً للوحدة القومية ومصدراً كلاسيكياً للفكر القومي وللحركات القومية الأخرى. ولهذه الكنائس أيضاً دوراً في تاريخ الآشوريين المعاصر. فعلى الرغم من الجانب السلبي والمؤثر الذي تركه مبشروا الكنائس البروتستانتية على وحدة كنيسة المشرق وإزدياد تمزقها إلى طوائف مذهبية، فإن لهؤلاء المبشرين دوراً إيجابياً على المستويين الثقافي والقومي. فعندما وصلوا إلى المناطق التاريخية للآشوريين في شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا في القرن التاسع عشر بدأوا، وكأسلوب من أساليبهم التبشيرية، بنشر الثقافة القومية بين الآشوريين وأهتموا إهتماماً كبيرا بموضوع اللغة وطبع الكتب والمجلات وترجمة الكتاب المقدس إلى لغتهم القومية وفتح بعض المدارس ويرجع الفضل إليهم في التطور الكبير الذي حصل في الثقافة والأدب واللغة وتخريج مثقفين وكتاب وشعراء برزوا على الساحة القومية الآشورية.
من الضروري الإشارة هنا إلى ظاهرة فريدة في هذا المذهب الذي أنتشر بين الآشوريين وتأسست كنائس خاصة بهم، هي أنهم رغم تركهم لكنيسة المشرق وإنتماءهم إلى الكنائس البروتستانتية إلا أنهم لم يتركوا مصدر إنتمائهم القومي الآشوري بل كانت كنيستهم كنيسة قومية حالهم كحال جميع الكنائس البروتستانتية التي هي قومية أكثر من كونها عالمية. من هنا لا نستغرب أن يكون الكثير من رواد الفكر القومي الآشوري والكثير من أشهر أدباء وكتاب وشعراء الآشوريين من أتباع الكنائس البروتستانتية, ولازلنا نسمع حتى يومنا هذا الكثير من الخطب والوعظ لإباء هذه الكنيسة في جوانب كثيرة منها تدور حول القومية والدعوة إلى تنمية الوعي القومي لدى الآشوريين. والكثير يتذكر المدرسة التي كانت قائمة في ساحة الطيران في منطقة كمب الكيلاني في بغداد والعائدة للكنيسة الإنجيلية الآثورية والتي عرف بمدرسة قاشا خندو ودورها في تنمية الوعي القومي بين طلابها.
والملاحظة الأهم عن هذه الكنائس هو إعتمادهم الكبير على التوراة، أي العهد القديم، في تفسير وتحليل الكثير من ظواهر اليوم وفي دعم التوجهات السياسية وإعطاءها زخماً حماسياً يصل في الكثير من الأحيان إلى التطرف. من هذا المنطلق، ليس غريباً أن تكون بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل من دعم نشؤء دولة إسرائيل ولايزال حتى اليوم هم من أكثر الداعمين لها متخذين من التوارة منهجاً محتوماً في قيام وبقاء إسرائيل. أما بالنسبة للآشوريين، فمثل هذا التوجه يمكن أن نتلمسه أيضاً في كتابات وأفكار بعض القساوسة أو أساتذة الكتاب المقدس. وتعتبر كتابات القس كين جوزيف والقس جون بكو نموذجاً في هذا السياق فكلاهما آشوريان ينتميان إلى الكنيسة البروتستانتية أو إحدى فروعها. فعلى سبيل المثال أصدر جون بكو كتابه المعنون (آشور النبوءة المنسية) في عام 1992 الذي أكد فيه بشكل جازم بأن الكتاب المقدس قد ضمن نشؤء وقيام الدولة الآشورية مرة أخرى في هذه الألفية وأن الآشوريين هم شعب الله، إلى جانب المصريين والإسرائليين، إلذين سيسودون في منطقة الشرق الأوسط.
ومن أشهر الكتاب، غير الآشوريين، الذين تناولوا هذا الموضوع هو البرفسور الدكتور جوزيف جيمبيرس الذي يعد من أكبر فلاسفة اللاهوت والكتاب المقدس في أميركا والعالم حيث كتب بحثاً عن نهضة الآشوريين (The Rebirth of the Assyrians) طبقاً للتوارة ونشر على بعض المواقع الألكترونية. وكلمة (Rebirth) تعني إنبعاث أو نهضة أو تجدد روحي أو ولادة جديدة حسب القواميس المعروفة. حيث ألف الدكتور جوزيف جامبيرس ستة كتب وشارك في تأليف كتابين وكتب أكثر من 185 كتيب وعمل 18 فيديو كاسيت وعدد لا يحصى من المقالات والبحوث ومعظمها تتركز على تفسير الكتاب المقدس والمسائل المتعلقة به وكان قساً قبل أن يدخل حقول البحث في عالم اللاهوت والديانة المسيحية. ويظهر من سيرة حياته بأنه كان يهودياً ولم يكن يعرف القراءة والكتابة حتى السن السادسة عشر عندما أعتنق المسيحية بعد إنتحار والده المدمن على الكحول. فبالإضافة إلى نشاطه العلمي والكنسي الكبيرين فهو من أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي ويظهر بأنه من المحافظين المتشددين أو قد يكون من المسيحيين الجدد الذين يعتمدون إعتمادا كليا على التوراة وما ورد فيها من أحداث ويؤمنون بأنها ستحدث عاجلاً أم آجلاً. له أهتمامات خاصة بتاريخ العراق القديم بأعتباره موطن أبينا أبراهيم ومركز قصص التوراة كما كتب عن مدينة بابل وحتى عن صدام حسين وحروبه ومحاولة مقارنة ذلك بالأحداث التاريخية التوراتية. وكتب أيضا عن المسيح الدجال الذي سيأتي إلى العالم وتخمن بأنه سيكون من العراق وتحديداً من الآشوريين !!!، غير أنه يظهر بأنه في السنوات القليلة الماضية أطلع على نشاط الآشوريين في العراق والخارج وعلى ضوئها تغير رأيه فيما يخص الآشوريين خاصة عن المسيح الدجال. وأدناه ترجمة لمقالته في (إنبعاث الآشوريين) مقططفاً منه ما يخص موضعوعنا هذا من دون الإشارة إلى غيره مضيفاً إليها بعض التعليقات والتوضيحات بالخط الأحمر المائل.
يقول الدكتور جوزيف جامبيرس:
أنه مثير للإنتباه مراقبة ثقافة كانت بنظر الكثير ميتة ولكن فجأة بدأت بالإنبعاث. أنه من غير شك هذا ما يحدث حالياً بالنسبة للآشوريين القدماء. أنه يحدث هذا بحسب تصميم النبوءة، فهناك حقيقتان بهذا الخصوص متعلقة بالنبوءة تطالب بالوجود الآشوري في هذا العالم وتحديداً في العراق. أولاً: إن المسيح الدجال سيكون آشورياً
(هذا ما كتبه في أحدى بحوثه والذي يناقض ما يكتبه في هذه المقالة وبالتالي غير رأيه بعد إطلاعه على أحوال الآشوريين في الآونة الأخيرة ووجد بأنهم أمة غير منقرضة) وسيكون،
(أي المسيح الدجال) معروفاً للعالم بهذه الهوية. ثانياً: أن الثقافة الآشورية سوف تستيقظ تدريجياً وتسيطر في شمال العراق خلال الألفية التي يأتي يسوع المسيح على هذه الأرض وسوف يكون
(الآشوريون) أحدى الأمم الرئيسية الثلاث فقط في الشرق الأوسط في خلال ألف سنة القادمة من السلام المثالي. إن النبي إشعيا قد ثبت هذه النبوءة قبل 2700 سنة.
(ويقصد الإصحاح 23 – - 24 - 25: 19 من سفر إشعيا والقائل: في ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى اشور فيجيء الاشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الاشوريين في ذلك اليوم يكون اسرائيل ثالثاً لمصر ولاشور بركة في الارض بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبي مصر وعمل يدي اشور وميراثي اسرائيل)عندما نستكشف تواصل الثقافة الآشورية مع تمييزها الواضح منذ 2700 سنة، منذ أن دمر الجزء الأكبر منها من قبل تحالف جيوش الأعداء في عام 612 ق.م. والبعض يذكر 603 ق.م.
(في 612 ق.م .سقطت نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية وفي 603 ق.م. سقط آخر كيان سياسي آشوري والذي عرف بأسرونيا في شمال غربي بلاد مابين النهرين)، يتبين بأن قبضة الله مهيمنة في كل شيء. لقد درست وتعلمت من أحداث مختلفة خلال هذه السنين الطويلة لأحفاد هذه الثقافة المتميزة فوجدت بأنها ليست سوى مسألة فوقطبيعية بأن هؤلاء الأحفاد قد بقوا على قيد الحياة. إن هؤلاء الأحفاد يدعون بأنهم كانوا من أوائل المجموعات المتجانسة ومن أصل واحد الذين أعتنقوا المسيحية في القرن الأول من الديانة المسيحية. فاليوم هناك خمس كنائس صغيرة مترابطة مع البعض
(ربما يقصد الكنيسة الكدانية الكاثولكية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الآرثوذكسية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة السريانية الكاثوليكية) تمثل الآشوريين. وكل واحد منهم يدعي بالآرثوذكسية
(أي الإيمان القويم) من المسيحية.
تدعي الكنائس الآشورية بأنها حققت نجاحاً كبيراً في خلال 500 سنة الأولى من المسيحية. ساهموا في إنشاء العديد من الكليات والمعاهد وكانوا جزء من حملة نشر الإيمان المسيحي حتى سقوط القسطنطينية بيد المسلمين الغزاة بعد أن إنشاء محمد الدين الإسلامي الذي سعى إلى إخضاع الشرق الأوسط بالكامل للدين الإسلامي. لقد كان نجاح الآشوريين معتمداً على مدى تسامح كل حاكم. فالآشوريون هم تحديداً الوحيدين من أهل الرافدين الأصليين الذين يعيشون في العراق حالياً. فأمبراطورية العرب في العراق لم تنشأ حتى القرن السادس للميلاد. فهناك بحدود مليون ونصف المليون
(رقم مبالغ فيه) من الآشوريين يعيشون حالياً
(سنة كتابة المقالة) في العراق. في عام 1935 بعد الميلاد أسكنت عصبة الأمم عدد كبير من الآشوريين في منطقة تعتبر اليوم جزء من سوريا. ويبدو أن هذا المشروع للإسكان كان جزء استرضائي لأن الشعب الآشوري كان قد أهمل وترك خارج التسويات التي جرت بحق الشعوب الأخرى. لقد دمر صدام حسين العديد من قراهم وقتل الآلاف منهم. فتاريخهم الطويل واضح في كونه من بين الأحداث الأكثر معاناة وحرماناً التي لا تصدق. الإحصائيات تشير إلى أن 400,000 منهم يعيشون حاليا في أميركا
(رقم غير مؤكد وتخميني وطبعاً بضيف الكلدان والسريان إلى هذا الرقم). وهناك قصص جميلة حول رجوع الآشوريين إلى وطنهم ومن مختلف البلدان التي هاجروا إليها من أجل البقاء على الحياة
. (قصص غير دقيق وغير حقيقية).في الفترة من 10 – 11 مايس 2002 عقدوا الآشوريون مؤتمراً دولياً في موسكو
. (كنت من أحد الحاضرين لهذا المؤتمر والمشاركين فيه فكان مؤتمراً ثقافياً وأثمر ببعض البحوث والدراسات التي نشرت فيما بعد). فهذا الشعب المميز يتوحد ويبحث عن منطقة جغرافية محددة لتكون دولة آشور في القطر العراقي ولكن نجاحهم في هذا المجال يبدو محدوداً جداً. فكل حركة لها مغزى توراتي تواجه مقاومة.
(أي بهذا المعنى يقصد بأن مساعي الحركة القومية الآشورية في بناء كيان خاص بهم محكوم بما ورد في التوراة). فالشيطان يكهره كلمة الله لأنه ربما يعرف بأنها
(أي كلمة الله) خير لغالبية المسيحيين. فأي مقدار ضئيل من التقدم ومن خلال الحقيقة التوراتية سوف تكون محك للنقد والهجوم ولكن سوف تسود وتدرج في أجندة الله وينتصر.
(أي رغم كل مأساة الآشوريين والهجوم عليهم فانهم في التحليل الأخير سوف ينجحون لأن مصيرهم مقرر بمشيئة الله) فللآشوريين مستقبل رائع وسوف يحيون من خلال تجدد المسيحية الأصلية وسوف يكونون أمة عظيمة خلال الألفية. سوف يخدمون الرب يسوع المسيح كملك للملوك وهذا سيساعد لجعل منطقة الشرق الأوسط مركز للحكم الديني في الألفية. فاليوتيبا
(أي دولة الخيال أو المثالية) التي حلم بها الرجال
(ويقصد الآشوريين) الذين حاربوا الجيوش وماتوا الملايين من أجلها سوف تتحقق على هذه الأرض. وسوف تصبح هذه الأرض جنة عدن.
Joseph R. Chambers جوزيف جامبيرس
------------------------------------------------------------------------------------------------
هنا أود أن نوضح للقارئ الكريم بأن عرض هذا الموضوع المثير لا يعني إطلاقاً إتفاقنا مع رأي الكاتب أو غيره من الذين أتخذوا من التوراة منهجاً لتفسير الوقائع السياسية السائدة في عصرنا هذا، فالسياسة هي واقع ومماسة وأهداف ملموسة قابلة للتطبيق وليست مسائل فوقطبيعية لا نلمسها ولانتحسس بها ولكن عرضها والإطلاع عليها ستغني معارفنا بمزيد من المعرفة وبتجارب الشعوب الأخرى، خاصة عندما تأتي من فلاسفة كبار وكيفية التفكير او التخمين بمصير الشعوب. كما أنه من الملاحظ إن إشارة الكاتب إلى الآشوريين قائمة على أمرين. الأول: معتمدا على التوارة وورود أسم الآشوريين فيها للعديد من المرات. ويذكر القس جون بكو في كتابه السالف الذكر بأن هناك أكثر من 150 إشارة إلى الآشوريين في الكتاب المقدس. الثاني: في الفترة التي كتب البروفسور جوزيف جامبيرس موضوعه هذا كانت التسمية الآشورية هي السائدة على الساحة السياسية في العراق وكانت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) موضوع إهتمام لدى الإدارة الأمريكية خاصة عندما أشمل الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن زوعا بالمساعدات المقرر للمعارضة العراقية وأعتبرها جزء مهم من هذه المعارضة ضد النظام البعثي في العراق.
من المعروف بأن الكتاب المقدس بكلا العهدين القديم والجديد يعتبر أعظم مصدر تاريخي متداول وواسع الإنتشار ومرجعاً أساسياً لإيمان المسيحيين بمسيحيتهم. وتتركز أهمية الكتاب المقدس، خاصة العهد القديم منه، على الأحداث التاريخية التي وردت فيه وتحديداً ما يخص بلاد مابين النهرين، بابل وآشور والتي كانت موضوع مقارنة عند الكثير من المؤرخين بالأحداث التاريخية التي وردت في حضارات بلاد مابين النهرين. غير أن الإستكشافات الأثرية التي جرت في بلاد مابين النهرين في القرون الماضية أثبتت صحة بعض من هذه الأحداث التوراتية وبالمقابل لم تتأكد غيرها بل تعارضت أو تناقضت مع ما أكتشف من قصص وأحداث مكتوبة على الحجر، وبالتالي أعتبرت تلفيقاً أو تزيفاً من قبل كُتاب العهد القديم. وإذا جاز لنا أن نقارن الأحداث والقصص التوراتية فيما يخص إنبعاث الآشوريين في الألفية التي سيأتي ربنا يسوع المسيح (له المجد) مع واقعنا الحالي في بلاد ما بين النهرين أو آشور كما يرد في التوراة فإننا سنصطدم بحقيقة واقعية مأساوية ومظلمة لا بل ومهلكة للآشوريين تلك الحقيقة الواقعية التي تقودهم إلى طريق الإنقراض من بلاد آشور التوراتي. هذا الواقع المرير لا يترك لنا كمسيحيين مخلصين لكتابه المقدس ذرة من الأمل لكي يتعزز إيمانا بما ورد في التوراة من إنبعاث الآشوريين. فلو أفترضنا مجازاً بأن لنا إيمان قويم بما ورد في التوراة فيما يخص إنبعاث الآشوريين لقلنا فوراً لكافة قادة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ودعاة النهضة القومية الآشورية ناموا قرير العينين ولا تتعبوا حالكم ولا تناضلوا من أجل كرسي في البرلمان وتسعون جاهدين لتحقيق مصالح أمتنا وبناء دولتنا الآشورية، فالعهد القديم ضمن إنبعاثنا من جديد وأكد بناء كياننا القومي أن لم يكن اليوم أوالأمس فأنه بالحتم وبنتيجة حكم التوراة سيتحقق في الألفية القادمة... ولكن مهلاً... ألم يقل المثل بأن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم؟؟؟. فإذا كنًا عاجزين عن مساعد أنفسنا ونعجز عن توحدنا وإتفاقنا على الحد الأدنى فيكيف يجوز لنا أو بالأصح كيف نتجاسر ونطلب من الله أن يساعدنا في بناء دولتنا القومية ونحن غير قادرين على مساعدة أنفسنا؟؟؟ وهناك مثل آخر يقول (منك حركة ومني بركة).