المحرر موضوع: حول كتاب طالب عبد الأمير نوبل و "مثالية" الأدب  (زيارة 833 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فرات المحسن

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 336
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حول كتاب طالب عبد الأمير
نوبل و "مثالية" الأدب

بقلم: فرات المحسن


صدر في السويد بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين بعد المائة عام على رحيل الفرد نوبل، كتاب للشاعر والكاتب والصحفي طالب عبد الأمير بعنوان نوبل ومثالية الأدب.
 منذ البداية يخبرنا عنوان الكتاب عن طبيعة محتواه ، حيث يدعونا للاسترسال في قراءته لنجد أن هناك وجهة وضعها الكاتب كهدف أساسي عليه تتبعه وكشفه، وهذا هو أكثر ما أثار طالب عبد الأمير حين اشتغاله لإنجاز هذا الكتاب.
كتاب نوبل ومثالية الأدب يقع في 224 صفحة من الحجم المتوسط. ومنذ المقدمة وحتى النهاية يضع الكاتب طالب عبد الأمير لمتن كتابه خارطة تتوزع على 12 لوحة أو حقل تبتدئ بسؤال، لماذا هذا الكتاب؟ وهي إجابة الكاتب عن سبب شروعه في تأليف الكتاب، ثم  يأتي تمهيد، بعده سؤال من هو الفرد نوبل؟ ثم رحلته مع العلم والإبداع، نوبل أديباً، نظام توزيع الجوائز..وهكذا، حتى نصل لأهم  فصل فيه وهو ( معضلة "مثالية" الأدب)التي حرص الكاتب الإفاضة فيها، محاولاً الحصول من خلال سيرة الفرد نوبل العلمية والأدبية على إجابة شافية لهذه التي أسماها معضلة، وهي في السياق والنسق العام معضلة حقيقية لازالت دون حل، والسؤال يبقى كبيرا فيها. ما هي مثالية الأدب وكيف تكون؟ سؤال عصي ولازال، لا يمكن حل ألغازه رغم ما يحتويه من فضاء مكشوف وناصع وشيق ولكن التوريات فيه ملغمة وضاجة بالأحابيل. لذا نجد أن طالب يتعثر في الوصول إلى كنه مثالية الأدب، لذا لا نجد أجوبة شافية منه لبعض ما يطفح من أسئلة في متن كتابه .وتبقى فلسفة مثالية الأدب عصية وخاصية شخصية بحته علينا أن نستلها من روح المبدع وليس غيره، وحتى في هذا لن نجد ما يشفي الغليل لنعرف ما الذي عناه نوبل أو غيره في معضلة مثالية الأدب.
يمكن للقارئ أن يتلمس هذا الإشكال في النص الذي دونه نوبل في رسالته لأخيه، وهو نص أدبي فلسفي وليد لحظة تشكي وجزع فيقول فيه ( إني حياة نصف متشكية، كان عليه أن يختنق بين أيدي الأطباء، عندما ظهر إلى الوجود باكياً، خطأه الأكبر افتقاده للعائلة والمزاج الرائق. مطلبه أن لا يدفن حياً. وذنبه ألا يصبح منقاداً لغنى المال)
دون طالب عبد الأمير في كتابه وسلط الضوء على حياة الفرد نوبل ومسيرته الإبداعية علمية كانت أم أدبية وولج حتى الاجتماعية منها. أستعرض تلك الحياة كما وكأنه يروي قصة، فالأزمات لم تكن لتبتعد عن نوبل رغم انتصاراته العلمية وتأرجحه بين ملامح نصر الاختراعات وكسب المال وبين أزمات سياسية اقتصادية واجتماعية شابت حياته. ولكن ما يقارب نصف صفحات الكتاب أختار عبد الأمير الإبحار في عالم نوبل الأدبي،محاولا التوصل إلى تلك العلاقة والسبب المباشر لها، فعلاقة نوبل بالأدب يا ترى كانت إسقاط  لما يشعر به من ألم تجاه ما صنعته يداه وما أقترفه عقله، أم هي نزعة وشعور ذاتي دائما ما كان يتيح له كسر حدود القوة والرتابة وميكانيكية الفعل اليومي مع المواد الثقيلة والصلبة ونتاجها المدمر. ورغم أن الكثيرين يوسمونه بالقاتل، لصناعته الديناميت الذي استخدم لاحقا في الحروب، فإن الفرد نوبل كان أنساني النزعة تقدمي الفكر مارس الكتابة شعرا والرواية أيضا وكان محبا لأدب الرسائل، وكان حر التفكير يتلذذ بالنقاشات الفلسفية ويقدم فكرا تحرريا في مجالات الدين والسياسة.
 في جزء الكتاب الأكبر أختار عبد الأمير أن يتحدث بإفاضة عن جوائز نوبل التي توزع في حقول العلوم والآداب والسلام، وعن السيرة الأدبية للفرد نوبل حين كتب بعض الشعر والمسرحيات.
الكتاب غني جداً بالمعلومة، ويكشف عن الحوادث والمفاصل التاريخية ليس فقط لمسيرة الفرد نوبل، وإنما أيضا لمسيرة ما بعد وصيته. وتوقف كثيراً بتمحيص وتشويق عند المعايير التي تتم وفقها عملية منح الجائزة، لذا يذهب الكاتب إلى ابعد من ذلك ليثير مسألة حساسة ومهمة دائما ما تشهر بوجه الأكاديمية السويدية التي تشرف على التقييم والاختيار ثم منح جائزة نوبل في الأدب، فهناك الكثير من الانتقادات والتشكيك الذي تعرضت له نتائج منح الجائزة، بدأً من السياسة المتبعة في منحها،حتى ظهور الشخصيات الفائزة، فهناك انتقادات وإشارات لا تخلو من طعون أغلبها سياسي، توجه إلى المعايير التي تتبناها الأكاديمية السويدية. لم يترك الكاتب هذا الحقل أو يعافه دون البحث عن إجابات لسد الثغرات أو رد الطعون،لذا ذهب في محاولة ذكية لإغناء كتابه بمصدر مهم وقريب من القرار في الأكاديمية السويدية، ليجري مقابلتين صحفيتين، ومجال الصحافة هي أحد حقول اشتغال الكاتب، فالتقى السيد هوراس اينغدال سكرتير الأكاديمية السويدية حتى العام 2009.
في هاتين المقابلتين حاول طالب عبد الأمير البحث الجاد وعن قرب للحصول على أجوبه شافية لكثير من الأسئلة التي تطرح في الشارع عن نظام توزيع الجائزة، وما هي ردود الأكاديمية السويدية على التهم والشكوك التي تدور حول مهنية وشفافية معاييرها في الاختيار. وكان من الطبيعي في هذين اللقائين أن يبعد المسؤول عن نفسه أي تهمة تطعن بقرار دائما ما كان يتعرض للنقد،  بالاحتماء بالقيمة المعنوية للجائزة ذاتها وبأكثر الصور إشراقا ومجدا اكتسبته عبر سنين طويلة امتدت منذ عام 1901.
يقدم لنا كتاب (نوبل و "مثالية" الأدب) استعراضاً شيقاً وسلساً ومعرفيا وكذلك أكاديميا، ليس فقط في سيرة وحياة نوبل وإبداعاته العلمية والأدبية، فحسب، وإنما يثير لدينا أسئلة عديدة ومتشعبة عن طبيعة ومثالية وحيوية وسمو الأدب.وقبله عن ظاهرة كبيرة في حياة البشرية غيرت الكثير من قواعد العمل وطرق الحياة والتأريخ البشري، حالها حال اكتشاف العجلة والكتابة والكهرباء،وتلك الظاهرة أسمها الديناميت.
يستعرض الكاتب بلغة سلسلة وشفافة كيف نشأت فكرة الوصية عند نوبل، وما هي الدوافع الواقعية والنفسية التي جعلته يذهب لتلك الوصية، عندها نجد هناك استعراضاً غنياً مترابطا للحقول التي خصصت لها الجائزة والشخصيات التي نالتها أو تلك التي حجبت عنها، ولم يترك ذلك ليمر دون ذكر كل هؤلاء الذين حصلوا عليها وسنوات نيلهم الجائزة.
ويستعرض الكتاب حقول منح جوائز نوبل وهي " الطب – أو علوم الفسلجة، الفيزياء، الكيمياء، الأدب والسلام" وفي هذا المجال نتعرف على معلومة مهمة ربما كانت مغيبة عن الكثيرين وهي جائزة العلوم الاقتصادية التي تمنح في ذات الوقت مترافقة مع منح جوائز نوبل في باقي الحقول، فجائزة العلوم الاقتصادية ليست من ضمن ما عنته أو خصصته جائزة نوبل، وإنما هي من ابتكار البنك المركزي السويدي، وجاءت بمناسبة الذكرى الثلاثمائة  لتأسيسه.
جائزة نوبل للآداب تأخذ الحيز الأكبر من كتاب طالب عبد الأمير، وأعتقد أنه ركز وبرع في هذا المجال كون موضوعة الأدب دائما ما كانت ضمن اهتماماته وانشغالاته، لذا بذل في هذا الجزء جهداً باذخاً. وأراد أن يذهب فيه عميقاً للبحث عن إجابة للسؤال الحيوي الذي يصل بعده لقيمة وروح الجائزة، وهو، ما الذي عناه نوبل فيما ذكر بوصيته عن "مثالية" الأدب! ؟
كتاب (نوبل و"مثالية" الأدب) للكاتب الصحفي طالب عبد الأمير، كتاب موسوعي فيه من الغنى المعرفي الكثير، وله قيمة مرموقة وغنية في عالم الأدب والمعلومة العلمية والاجتماعية، فالكتاب يستطيع بلغته السلسة ودلالاته ورويه أن يناله ويستوعبه الجميع، لا بل يكون الجميع شغوفاً بمحتواه، ليتعرف عبر صفحاته على عوالم ليست فقط خاصة بطبيعة ومآل الجائزة كأساس في بحث الكتاب، وإنما أيضا، وهذا مهم جدا،سرد سيرة إنسان بقدرات وطاقات ليست بالعادية وإنما بذكاء وحيوية مفرطة، ولكن في ذات الوقت روح اجتماعية تصاب بالعطب والوهن اتجاه عشيقة أو إحباط من خسائر وملاحقات ذات طابع تنافسي سياسي،وأيضا لم يستطيع أن يجد مستقرا لحياته رغم غناه، لذا كان تدوينه تلك الرسالة التي وجهها لأخيه خير دليل على روح العذاب ولحظات يأس وحاجته للاستكانة والشعور بالاطمئنان وكذلك لمن يدير له أمور حياته اليومية المتشابكة.
الكتاب القيم والشامل يستعرض لنا موضوعة مشوقة تحوي العلوم والمعرفة وأهم ما فيها ما يتعلق بالأدب وقبلها سيرة الفرد نوبل ونضال عائلة وصعودهم من الفاقة إلى الغنى وتنقلهم بين المدن بحثا عن مكان لتنفيذ أفكارهم، ومن ثم صراعهم جميعا في الحياة وما قدموه للبشرية كنموذج لعائلة جادة ونشطة وعاملة،  ومن خلال استعراض مسيرتهم ومسيرة نوبل الذي قدم ثلاثمائة ابتكار علمي لخدمة الإنسانية، نجد أن هناك الكثير مما يجعل البشرية تفتخر به وتدين له بالكثير.
أننا نكون بحق في رحلة شيقة داخل كتاب علمي أدبي موسوعي. كتاب ليس مخصصاً لنخبة بذاتها بقدر ما هو كتاب جامع نافع، وجوده يغني المكتبة العربية التي هي بحاجة لمثله.

فرات المحسن