المحرر موضوع: رسالة مفتوحة  (زيارة 916 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رسالة مفتوحة
« في: 21:18 16/11/2017 »
كاظم حبيب
رسالة مفتوحة
إلى الأخوات والأخوة أبناء وبنات شعب كُردستان الصديق بإقليم كُردستان العراق
إلى الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الكردستانية
(1)
 ليس هناك من يستطيع ان يحرم شعب ما من حقه في تقرير مصيره، فهذا الحق ثابت لكل الشعوب، سيناله من يسعى إليه طال الوقت أم قصر، إن سعى بوعي ومسؤولية عاليتين لتوفير مستلزمات تحقيقه. هذا الحق الطبيعي أقرته وثائق الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية الأخرى وأكدت عليه، لوائح ومواثيق حقوق الإنسان وحقوق القوميات. تسنى لعدد غير قليل من شعوب العالم وفي فترات مختلفة ممارسة هذا الحق وتحقيق ما كانوا يسعون إليه، رغم المصاعب التي تعرضوا لها وتجاوزوها. ولكن الكثير من شعوب العالم كانت وما زالت تعيش في عالم ما يزال بعيداً كل البعد عن ممارسة الكثير من المبادئ والقيم الإنسانية والحضارية التي توصل الإنسان إلى صياغتها وتكريسها عبر قرون من النضال المليء بالتضحيات الجسام ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية، بصورها القديمة والحديثة، وضد الحروب والاضطهاد والقمع القومي والديني والفكري والسياسي، وضد الاستغلال والقهر الاجتماعي والتهميش وفي سبيل السلام والتفاهم بين الشعوب والعدالة الاجتماعية.
(2)
الشعوب كلها تعيش اليوم في عالم رأسمالي استغلالي بشع لا يعرف الرحمة والإنسانية، ولا تعرف النظم الرأسمالية ولا تمارس في علاقاتها الدولية مضامين الحرية والديمقراطية والصداقة والود واحترام إرادة الشعوب وحقوقها وتنميتها وكل ما ثبت في لوائح الأمم المتحدة ومواثيقها الدولية، بل تقوم على المصالح الذاتية لكل دولة من هذه الدول، ولاسيما الدول الكبرى، التي لا تحترم إرادة ومصالح الدول الصغيرة وشعوبها. فحين تشعر تلك الدول، ولاسيما الكبرى المهيمنة على الاقتصاد والسياسية الدوليتين وعلى الإعلام وتقنيات الاتصال الأكثر حداثة، بأن مصالحها تستوجب وقوفها إلى جانب هذه القضية أو تلك، أو أن مصالحها تستوجب الوقوف ضد القضية ذاتها أو في بلد آخر، فإنها ستتبع الموقف الذي يستجيب لمصالحها وليس لمصالح الشعب الذي يناضل في سبيل قضيته، واعتقدَ خطأً بأن هذه الدول ستقف إلى جانبه، بغض النظر عما يصيب هذه القضية من إساءة وما يلحق بها من أضرار. فالدول الكبرى تقيس الأمور إزاء قضية معينة بمكيالين على وفق حاجاتها ومصالحها أولاً وأخيراً.
وتؤكد الكثير من تجارب الشعوب إن قادة أو سياسي الكثير من الشعوب، رغم خبرتها الطويلة، يرتكبون باستمرار ذات الأخطاء التي ارتكبوها هم أو غيرهم في السابق بثقتهم غير المبررة بالدول الكبرى على الصعيد العالمي أو الإقليمي باعتقادهم الخاطئ بأن العلاقات بين الدول تقوم على الود وليس المصالح! ويمكن في هذا الصدد إيراد مسائل كثيرة، منها مثلاً المسألة الكردية في الشرق الأوسط، الموقف من كُرد العراق وكُرد إيران وكُرد تركيا وكُرد سوريا من جانب العالم الرأسمالي عموماً ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان وما زال الكيل بأكثر من مكيال واحد!
(3)
إن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها يتسم عند التطبيق بالمرونة العالية، إذ فيه الكثير من الصيغ الإيجابية. فممارسة هذا الحق تبدأ من حق التمتع بالإدارة الذاتية والحقوق الثقافية، وتمتد إلى الحكم الذاتي، ثم الفيدرالية في إطار دولة معينة، أو الكونفدرالية من خلال وجود دولتين تتفقان بإرادتهما المشتركة على قيام اتحاد كونفدرالي بينهما، وينظم ذلك وغيره بمواد دستورية وفي قوانين منظمة للواجبات والحقوق والصلاحيات المشتركة والمنفردة، وأخيراً يمكن ان يتم الانفصال عن الدولة التي يعيش فيها هذا الشعب أو ذاك وفي دولة متعددة القوميات وإقامة دولة وطنية مستقلة. والحصول على هذا الشكل أو ذاك في ممارسة حق تقرير المصير يخضع لمجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية الفاعلة التي لا يمكن بدونها الحصول على أي ممارسة فعلية لهذا الحق في ظل العالم المعاصر. أي إن ممارسة هذا الحق أو ذاك لا تخضع للرغبات الذاتية لهذا القائد أو ذاك، أو لهذا الحزب أو ذاك، أو لهذه العشيرة أو تلك، ولا حتى لهذا الشعب أو ذاك. فما لم تنشأ وتتفاعل العوامل الذاتية والموضوعية، يستحيل الوصول إلى ما يسعى إليه هذا الشعب أو ذاك. وحين تتوفر تلك الشروط والمستلزمات لا يمكن أن يُمنع هذا الشعب أو ذاك عن تحقيق ما يسعى إليه. ولا شك في أن شرط النضال الشعبي ووحدة نضال القوى السياسية لهذا الشعب أو ذاك، وتفاعلها مع الشعب الآخر، أو أكثر من شعب، في هذا البلد أو ذاك، وتفهمهم المشترك لطبيعة النضال ومهماته يعتبر ضمن الشروط الذاتية لهذا النضال، في حين يشكل الوضع العام بالبلد، من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والوعي الفردي والجمعي بالحرية ومضمونها وبالديمقراطية كمنهج للدولة والمجتمع، وكذلك الوضع العام على صعيد منطقة معينة أو الوضع الدولي، يشكل الجانب الموضوعي من العملية كلها. وعلى القوى السياسية والمجتمع أن يلاحظا مستوى الفعل والتأثير المتبادل للعوامل الذاتية والموضوعية وما يمكن أن ينشأ عن ذلك من نتائج إيجابية أو عواقب سلبية عند المطالبة بهذا الشكل أو ذاك من أشكال ممارسة حق تقرير المصير. فحساب مثل هذه الأمور ليس سهلاً، خاصة إذا ما استسهل القادة السياسيون واستخفوا بالعوامل المضادة الفاعلة ضد ممارسة هذا الحق أو ذاك من أشكال التمتع بحق تقرير المصير.
(4)
لا شك في أن محاولة التعجيل بالوصول إلى شكل معين من تلك الصيغ في ممارسة حق تقرير المصير دون ان تكون الظروف والمستلزمات متوفرة، يتحول إلى مغامرة حقيقية أو مجازفة غير محسوبة العواقب، إذ يمكن أن تدفع بالعملية إلى الوراء لسنوات طويلة، أو ما يمكن أن نطلق عليه بحصول نكسة عمّا كان يسعى إليه هذا الشعب أو ذاك، وربما يخسر بعض أو الكثير مما تحقق له بنضاله قبل ذاك من منجزات على طريق تطوير ممارسة حق تقرير المصير. ويرتبط هذا التسرع أحياناً غير قليلة برغبات ذاتية غير واقعية، أو محاولة الهروب إلى الأمام للخلاص من مشكلات بعينها، أو عجز فعلي في رؤية موازين القوى والقدرات الذاتية لتحقيق ما يسعى إليه الفرد أو المجتمع، إضافة إلى الوضع العام المحيط بهذه القضية والعوامل الكثيرة المؤثرة فيها وعليها. كما إن التأخير في المطالبة بصيغة معينة من الحق في ممارسة تقرير المصير، رغم توفر مستلزمات ذلك، يعتبر هو الآخر نكوصاً وخسارة لهذه الشعب أو ذاك فيما يسعى إليه، إذ يعتبر تخلفاً عن الاستفادة من العوامل المساعدة لتحقيق المرتجى والمؤمل.         
هذه هي الأسس والقواعد العامة، التي لا بد أن تقترن بفهم ووعي حركة وفعل القوانين الاجتماعية، والتي يفترض أن يعرفها ويعيها كل سياسي محترف، وبتعبير أدق وأصوب، كل إنسان يناضل في سبيل الوصول إلى ممارسة أحد أشكال حق تقرير المصير ويتعامل معه بكل حرص ومسؤولية وبعيداً عن التسرع أو التردد، بعيداً عن الهروب إلى أمام لأي سبب كان، أو النكوص إلى الوراء، فكلاهما لا يحقق المنشود. ويفترض هنا أن يلعب المثقفون الواعون دورهم الريادي في الدفع باتجاه المطالبة أو الحد منها بالارتباط مع وعيهم للشروط والمستلزمات الضرورية لمثل هذه العملية التي غالباً ما تصطدم بمقاومة القومية الأكبر والجماعات والأحزاب القومية الشوفينية أو الدينية والطائفية التي لا تعترف بالقوميات ولاسيما حين تكون في السلطة. 
(5)
العراق أحد البلدان الشرق أوسطية الذي يعيش فيه أكثر من شعب أو قومية، كما هو حال إيران وتركيا وسوريا على سبيل المثال لا الحصر. ومنذ مئات السنين، وإذ نترك عراقنا، ميزوبوتاميا الحضارة خلفنا، نرى إن العرب والكُرد والكلدان والآشوريين أو السريان عموماً، إضافة إلى الصابئة الآراميين والتركمان، كانوا يعيشون جنباً إلى جنب في ظل الإمبراطورية الأموية فالإمبراطورية العباسية، ثم الإمبراطورية العثمانية، وأخيراً في ظل الدولة العراقية الملكية، ومن ثم الجمهوريات المتتالية. ورغم إن الكثير من هذه القوميات قد تعرض في فترات مختلفة إلى واقع التمييز الديني ومن ثم القومي، والتهميش والإقصاء والاضطهاد والعسف من جانب القومية الأكبر وقواها الحاكمة، وهم الحكام العرب أو الفرس أو الترك، فأن شعوب هذي البلدان واصلت العيش المشترك وحاولت تجاوز تلك الصعوبات والمشكلات وأشكال القمع. ورغم إن الكُرد في كل أقسام كُردستان ناضلوا في سبيل إقامة دولتهم أو إماراتهم العديدة، ومن ثم إقامة دولتهم الوطنية المستقلة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. إلا إن هذا الهدف لم يتحقق، بفعل دور الدول الاستعمارية التي احتلت المنطقة في نهاية هذه الحرب وإرادتها في خلق بؤر توتر مستمرة، ومن خلال رسم الحدود أيضاً، في هذه المنطقة من العالم، وهما الدولة البريطانية والدولة الفرنسية الاستعماريتين، ومن ثم عصبة الأمم، التي كانت تتحكم فيها وبقراراتها، الدول الكبرى والمنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والتي لم تسمح بتحقيق حلم الكُرد والحقت ولاية الموصل، التي ضمت سناجق كُردية وغير كُردية، والتي كانت تحت الحكم العثماني، في العام 1926، بالدولة العراقية التي تأسست في العام 1921. وبهذا زاد التقسيم الثنائي السابق لكُردستان وشعبه على الدولتين الفارسية والعثمانية، إلى تقسيم جديد بحيث أصبحت كُردستان وشعبها موزعة على أربع دول هي تركيا وسوريا والعراق وإيران. 
(6)
ومنذ تلك الفترة خاض الشعب الكُردي مع القوميات الأخرى بالعراق نضالاً مشتركاً في سبيل مجموعة من الأهداف الأساسية التي التقت عندها القوى الديمقراطية والتقدمية والقومية، وأعني بها:
** النضال ضد الهيمنة الأجنبية التي تمثلت بالاستعمار البريطاني الذي استمر الانتداب على العراق حتى العام 1932، ومن ثم ضد الهيمنة البريطانية على السياسات الداخلية والخارجية للحكومات الملكية وضد الأحلاف العسكرية الدولية.
** النضال من أجل الحياة الديمقراطية والحقوق الأساسية للشعب العراقي بكل قومياته وتطبيق الدستور والحياة النيابية الحرة والنزيهة، والتي كانت تُشوه في ظل الحكم الملكي وتُصادر في ظل الجمهوريات المتعاقبة لاحقاً.
** النضال في سبيل بناء الاقتصاد الوطني وضد البطالة والفقر والحرمان، وفي سبيل المساواة والعدالة الاجتماعية.
** كما شارك الشعب العراقي بمختلف قومياته مع الشعب الكُردي في نضاله في سبيل حقوق القومية العادلة والمشروعة، وضد التهميش والتمييز. ويمكن أن يتابع ذلك من يشاء في برامج الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية العراقية، بخلاف برامج الأحزاب والقوى القومية الشوفينية والقوى الدينية والطائفية.
وعلى هذه الأرضية النضالية المشتركة استطاع الشعب الكُردي تحقيق العديد من المنجزات التي حاولت الحكومات المتعاقبة حرمانه منها. فتمكن بتضحيات غالية، وبدعم فعلي ومليء بالتضحيات من القوى الديمقراطية والتقدمية للقوميات الأخرى بالعراق، تحقيق الاعتراف له في كونه الشريك الفعلي في هذا الوطن أولاً (الدستور المؤقت لجمهورية 14 تموز 1958)، رغم ضعف ممارسة ذلك، ومن ثم الحكم الذاتي في بيان أذار/ مارت 1970)، رغم إفراغه الفعلي من محتواه من جانب الحكم البعثي، وأخيراً التمتع بالفيدرالية ضمن الجمهورية العراقية منذ العام 1992 بقرار من البرلمان الكُردستاني ومن جانب واحد، ثم تكرس ذلك في الدستور العراقي في العام 2005. لقد ساهمت الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية، وكان للعامل الدولي تأثيره البارز في هذا المجال وتفاعله مع العوامل الذاتية، حيث فرض التحالف الدولي في حرب العام 1991، وعبر قرار من مجلس الأمن الدولي، حماية إقليم كُردستان من احتمال قيام النظام البعثي من الاعتداء العسكري على الإقليم والفيدرالية الجديدة، ومن أجل إضعاف النظام البعثي وإسقاطه لاحقاً. وهنا يفترض الانتباه إلى أن سياسة الولايات المتحدة إزاء الإقليم لم تنطلق من ود أو دعم للكرد بقدر ما كانت من أجل تحقيق مصالح معينة في المنطقة كلها، خاصة عندما نقارن بين موقفها من كرد العراق وموقفها من كرد تركيا وإيران.
(7)
وإذ خاضت القوى والأحزاب الكُردستانية خلال الفترة الواقعة بين 1992-1998 معارك عسكرية وصراعات سياسية وسالت دماء فيها بهدف السيطرة على الإقليم وسياساته، فأنها ومنذ العام 1998 حتى العام 2003 قد حافظت على التباين في إدارتها للإقليم، إذ قسم الإقليم إلى إدارتين، حكومة دارة أربيل ودهوك، وحكومة لإدارة السليمانية، وهي ثلاث محافظات اعتبرت من الجانب العراقي الرسمي جزءاً من إقليم كُردستان واستثنيت كل المناطق التي تسمى اليوم "المناطق المتنازع عليها، بضمنها كركوك"، من سلطتي الإقليم. وعاش الكُرد في هذه الفترة دون صراعات مباشرة أو حروب داخلية. واستمر وجود الحكومتين حتى العام 2005 حيث جرى توحيد الحكومتين بحكومة واحدة بأربيل، ولكن على وفق ما أطلق عليه بالاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين الرئيسين، الحزب الديمقراطي الكُردستاني والاتحاد الو\طني الكُردستاني، وابعد عن هذه الاتفاقية بقية الأحزاب والقوى السياسية. ولم يتسن خلال الفترة السابقة، بين 1992-2003، وحتى 2005، أن يكون هناك التعاون المنشود بين القوى الكُردستانية لصالح تقدم كُردستان وتطورها وتحسين مستوى حياة ومعيشة شعبها.
(8)
كان المفروض أن تمارس حكومات الإقليم المتعاقبة ابتداءً من عام 2003 أو 2005 سياسات موحدة وجديدة ومتكاملة تهدف إلى تغيير واقع الإقليم المتخلف نتيجة السياسات والأوضاع السابقة، من شأنها أن تسهم في تعزيز الفيدرالية الكُردستانية، رغم الخلافات التي استمرت في الصف الكُردي أولاً، وتلك الخلافات والصعوبات التي نشأت مع الحكومة الاتحادية ثانياً. ولا بد هنا من الإشارة إلى ما كان ينبغي أن يمارس على وفق مواد الدستور الجديد، الذي أقرته الأحزاب الحاكمة وصوت عليه وحاز على تأييد أكثرية الشعب بالعراق، رغم نواقصه الشديدة وتخلفه عن الحضارة المعاصرة، ولم تلتزم به كما ينبغي أو انحرفت عنه تماماً. ولا بد هنا من التنبيه إلى أن هذه الرسالة موجهة إلى الشعب الكُردي، وبالتالي تتضمن واقع إقليم كُردستان العراق، وليس الواقع العراقي الاتحادي أو سياسات الحكومة الاتحادية التي يعرف الجميع موقفنا منها ومن عواقبها على الشعب العراقي كله، وبضمنه الشعب الكُردي والقوميات الأخرى بالإقليم.
1.   لقد كان المطلوب والملح لواقع الإقليم انتهاج سياسة داخلية تسهم في تعزيز وحدة الشعب الكُردي وقواه السياسية وتستند إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات المتعايشة مع الكُرد بالإقليم، واحترام كامل للمؤسسات الدستورية والفصل بين السلطات الثلاث واحترام القضاء، واستقلال الإعلام والنشاط الصحفي، باعتباره السلطة الرابعة.
2.   وكان المؤمل والمرتجى من القيادات الكُردستانية انتهاج سياسة عراقية تعتمد الأسس الديمقراطية في تحالفاتها وفي التأثير على الواقع العراقي وتعزيز مواقع القوى الديمقراطية والتقدمية، التي كانت وستبقى حليفة للكُرد في كل الفترات السابقة والحالية، سواء أكان في البرلمان أم خارج العمل البرلماني، لضمان إبعاد الدولة العراقية والحكومات الاتحادية عن الاتجاهات التي تعيق الديمقراطية وبناء الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي وتمنع سقوطها في الدولة الثيوقراطية.
3.   وكان واقع الاقتصاد الكُردستاني يتطلب انتهاج سياسة اقتصادية تستخدم موارد النفط المالية والجمارك لصالح إجراء تغيير جاد ومسؤول في بنية الدخل القومي وتنوعه، من خلال إقامة صناعة وطنية وزراعة حديثة وتنشيط الاستيراد لصالح التنمية الإنتاجية بدلاً من إغراق الأسواق بالسلع الاستهلاكية والكمالية التي استنزفت الكثير من الموارد المالية التي كان المفروض توجيهها للتثمير الإنتاجي. ومثل هذه السياسة لا يعني عدم تنفيذ مشاريع لتطوير المدن والشوارع والجسور وإقامة الحدائق والمنتزهات، كجزء من عملية تنمية شاملة.
4.   وكانت الحاجة ماسة إلى انتهاج سياسة مكافحة البطالة من خلال خلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية وليس في دوائر الدولة التي اكتظت بالموظفين الزائدين عن الحاجة، ودفع مليارات الدولارات بسبب تضخم حجم الرواتب، وإحالة مبكرة للكثير من الموظفين، وكوادر الحزبين الرئيسين على التقاعد برواتب عالية، التي لا تساهم في دعم الاستثمار الإنتاجي وفي زيادة الدخل القومي، بل كانت تساهم التفريط به. إذ إن الحالة الثانية خلقت بطالة مقنعة كبيرة جداً واستنزفت موارد مالية وأعاقت إنتاجية الإدارة وعطلت أعمال الناس. لقد تحولت إلى مشكلة عويصة وعنق زجاجة إنسانية ومالية للحكومة الكُردستانية.
5.   وكان المفروض انتهاج سياسة تسهم في تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة واستخدامها، وفي تقليص الفجوة الكبيرة والمتسعة بين مستوى حياة ومعيشة ومدخولات الفئات الاجتماعية الفقيرة والغنية بالإقليم، أي بين الفقراء ومحدودي الدخل من جهة، والأغنياء الميسورين وأصحاب الملايين والمليارات والذين اكتنزوا الثروة من السحت الحرام والفساد المستشري من جهة أخرى.
6.   وكان على سياسة الإقليم وكل الأحزاب السياسية الكُردستانية دون استثناء، ولاسيما قادتها، الاهتمام الجاد والمسؤول بحياة ومعيشة وظروف عمل الفئات الفقيرة والمعوزة والمحدودة الدخل، والتحري عن سبل تحسين أوضاعهم المعيشية الشخصية بدلاً من تحسين حياة ومعيشة الأغنياء وكبار الموظفين على حساب الاقتصاد والمجتمع، ولاسيما الفقراء منهم.
7.   وكان عل التحالف الكُردستاني أن يلعب دوره الديمقراطي المسؤول والواعي في مجلس النواب العراقي في مواجهة القوانين والاتجاهات المضرة بالحياة الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وبشكل خاص في مسائل الأحزاب وقانون الانتخابات وبنية المفوضية المستقلة للانتخابات لا أن يتناغم تماماً إلى حد التطابق مع الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية التي كانت وما زالت وستبقى مناهضة للديمقراطية والتقدم الاجتماعي وحقوق الشعب الكُردي وضد القوى والأحزاب المدنية والديمقراطية والعلمانية.
8.   وكان المطلوب انتهاج سياسة تربية وتعليم تبني الإنسان بالإقليم على أسس حضارية حديثة وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والإخلاص للشعب، واعتماد الأسس العلمية في مناهج التربية والتعليم، إضافة إلى الابتعاد عن الإكثار في إقامة المعاهد والكليات والجامعات مع الإهمال الصارخ والفعلي لمضامين المناهج الدراسية ومستوى التعليم ومستوى الجهاز التربوي والتعليمي، وما نتج عنه من ضعف كبير وتأثير سلبي على المستوى العام والمتخلف للتلاميذ والطلبة والخريجين والعاملين في أجهزة الدولة.
9.   وكان المفروض انتهاج سياسة تحارب الفساد ابتداءً من الفئات الحاكمة وأحزابها ونزولاً صوب المستشارين وكبار الموظفين والمدراء العامين والمدراء وصغار الموظفين، وكذلك أصحاب شركات المقاولات والمتاجرة بالعقار وبقية النشاطات الاقتصادية والعمرانية، ولاسيما في قطاعات الاستيراد وتصدير النفط، وليس العكس، أي السياسة المطلوبة لمكافحة الفساد هو البدء بالحيتان الكبيرة وليس بالحيتان الصغيرة التي تعتاش على فتات الفساد عند الكبار، أو التخلي الفعلي عن محاربة الفساد أصلاً، والذي أدى إلى خسارة موارد مالية كبيرة وخلق مليارديرية ومليونيرية بإعداد كبيرة ألحقت الكثير من الأذى بالاقتصاد والمجتمع وأبعدت الإقليم عن الحكم الرشيد المنشود.
10.   وكانت الحكمة والتجربة تستوجب انتهاج سياسة عدم إطلاق أيدي الأجهزة الأمنية العديدة في حياة الناس اليومية وشؤونهم الداخلية وإيجاد علاقة سليمة بين الحق في الحرية لدى الفرد والمجتمع، والحق في توفير الأمن الداخلي والحماية للمواطنات والمواطنين.
11.   وكان المنشود انتهاج سياسة احتضان وتفاعل وعدم تمييز بين المواطنات والمواطنين من القوميات الأخرى ورفض التجاوز على مناطقهم السكنية أو إجراء تغيير ديمغرافي بالإقليم في غير صالح المسيحيين أو غيرهم.
12.   وكان المفروض في السلطات الثلاث بالإقليم انتهاج سياسة ترفض استخدام أجهزتها وكأنها مؤسسات تابعة لحزبين فقط وليس للشعب كله، حيث يتم إشغال جميع الوظائف الحكومية على أساس الكفاءة والمهنية العالية والإخلاص للشعب والإقليم وليس لهذا الحزب أو ذاك أو لهذه العائلة أو تلك أو لهذا القائد أو ذاك.
(9)
لا أنشر سراً حين اؤكد إن كل هذه العوامل المبدئية التي كان المفروض ممارستها من جانب الحكم بالإقليم قد شهدت انحرافاً جدياً وخطيراً عنها بصورة مرفوضة ومؤذية، إذ أن ممارستها بصورة سليمة هي التي كان في مقدورها تطوير وتعزيز مواقع الإقليم وتكريس الصائب وتحقيق التفاعل المنشود بين أبناء وبنات الشعب الكُردي، وكذلك بينهم وبين أبناء وبنات القوميات الأخرى بكُردستان، ومن ثم مع كل أبناء وبنات العراق. وكان في مقدور كُردستان أن تقدم نموذجاً مشرقاً لكل العراق، الذي كان يسبح في ظلمات الأحزاب الإسلامية السياسية والسياسات الاستبدادية والطائفية المقيتة للجعفري والمالكي والجبوري والنجيفي ومن لف لفهم، والذي ما يزال يعاني، من تلك السياسات والإجراءات البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب وإرادته الحرة والواعية والتي اخضعت الشعب للابتزاز والظلم والاضطهاد والقمع والقتل والتشريد على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة والأجهزة الأمنية والخاصة وقوى الإرهاب الدموية والفاسدين. 
(10)
ويمكن هنا أن نشير إلى بعض المسائل التي كانت تلعب دورها في إغاضة المجتمع الكردستاني والمرتبطة بسياسات الحكم.
1.   التمييز المخل بين المواطنات والمواطنين بالإقليم في تطبيق القوانين الصادرة فيه، سواء أكان من جانب القوى الأمنية، أم المحاكم، أو الأجهزة العسكرية والإدارية الأخرى، وسواء أكان ذلك في التعيين، أم في الإحالة على التقاعد/ أم في المرافعات في المحاكم، أم في جباية الضرائب، أم في دفع أجور الكهرباء، أم في مجال منح العقارات أو المتاجرة في العقار والدور أو الشقق السكنية.. إلخ.
2.   دور الصراع السياسي بين الحزبين الرئيسين في التوجه صوب شراء ذمم الناس بتوظيفهم ودفع رواتب سخية لهم دون الحاجة الفعلية لهم في دوائر الدولة وأجهزة الإعلام وغيرها، أو شراء ذمم كوادر إعلامية وسياسية من أحزاب أخرى لقاء رواتب عالية وامتيازات لا يحصل عليها الآخرون الذين يمتلكون كفاءات أفضل، أو تعيين مستشارين وخبراء من الحزبين أو المؤيدين لهما فقط ودفع رواتب عالية لهم. مما نفر الشعب من الحكم وأثقل كاهل الميزانية فعلاً.
3.   التخلي الفعلي عن التنمية الوطنية والرغبة في تطوير الخدمات فقط، واعتبار النموذج الخليجي هو الأمثل، مما أدى إلى نسيان القطاع الزراعي ودوره في التنمية وخلق فرص عمل وتنويع الدخل القومي، والذي أدى إلى هجرة الفلاحين إلى المدينة، أو ترك المحاصيل الزراعية في البساتين، لأن كلفة نقلها إلى الأسواق المحلية أو العلاوي أعلى بكثير من سعر بيعها، بسبب المنافسة الشديدة من السلع المستوردة التي أغرقت السوق الكردستاني بسلع مستوردة من إيران وتركيا والسعودية مثلاً. لقد كان المستفيد من كل ذلك بعض المتنفذين، إذ يحصل على إعفاء جمركي أو فرض تعريفة جمركية مخفضة، مما يجعل أسعارها تنافسية طاردة للسلع الملحية. كما أهملَ المخطط الكردستاني التنمية الصناعية التي كانت وما تزال ضرورية لبناء قاعدة اقتصادية متينة بالإقليم، وأغرق في الوقت ذاته الأسواق المحلية بالسلع المستوردة من كل بلدان العالم، بما فيها أسوأ السلع وأكثرها رخصاً، والتي اطلق عليها الناس "زبالة"، وهي التي لعبت دوراً سيئاً في الاقتصاد الكردستاني، بسبب غياب رقابة جهاز التقييس والسيطرة النوعية. ويمكن هنا إيراد أمثلة ذات أثر كبير على حياة المجتمع كالأجهزة الطبية والأدوية والأجهزة الدقيقة والإلكترونية والكهربائية. وقد تم احتكار التجارة بهذه المواد وغيرها مما أدى إلى اغتناء المسؤولين وغيرهم من التجار، ولكن الضرر تحمله الاقتصاد الكردستاني والمجتمع بشكل خاص بسبب الحوادث المفجع التي نجمت عن استيراد تلك السلع غير المراقبة. 
4.   غياب الالتزام بالمعايير والأسس القانونية السليمة في التوظيف أو في الإحالة على التقاعد أو في منح الرتب العسكرية أو الوظيفية مما أشاع عدم الثقة بالسلطة أولاً، وميز بين الموطنين ثانياً، وزاد من أعباء الميزانية ثالثاً، والخاسر الفعلي هو الاقتصاد الكردستاني والمجتمع. 
5.   تعيين مستشارين وخبراء لا يقدمون النصيحة الخالصة والصادقة للمسؤولين، بل تحاول جمهرة منهم أن تتملق وتحابي بخسة وتؤله المسؤول عبر ما تنشره من مقالات أو أبداء تأييدها الحار لما يقترحه المسؤولون، وهي تدرك خطأ مثل هذه الاقتراحات. وهنا تلعب الانتهازية المرتبطة بالمنصب والراتب الدسم والخشية من المسؤول دورها المباشر في سلوك هذه الجمهرة من المستشارين أو المحيطين بالمسؤولين.
6.   كان وما يزال المفروض إبراز فعلي لدور ومكانة المسيحيين والإيزيديين والكرد الفيلية بشكل أكثر في الحكم بكردستان وبعدد مناسب من الوزارات لا بسبب كونهم مسيحيين أو قومية أخرى مثلاً فحسب، بل وكمواطنين ومواطنات لديهم الكفاءات والإمكانيات غير القليلة، في حين حرموا منها. 
وجدير بالإشارة إلى إن هذه المظاهر السلبية وغيرها لا تقتصر على الحكم بالإقليم بل تمس العراق كله، أي الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات والمؤسسات والهيئات المسؤولة.
(11)
من الواجب الإشارة إلى أن الإقليم لم يمارس سياسة فيدرالية تتناغم مع الدستور العراقي، بل كان أبعد بكثير في ممارساته عن الفيدرالية، أي أنه اقترب عملياً من الكونفدرالية غير المعلنة. ولكنه مارس سياسات تجهض مضمون الفيدرالية الديمقراطية ولا تسمح بتطور علاقات ودية حتى مع من كان متضامناً مع الشعب الكُردي. ولم يكن الشعب الكُردي مسؤولاً عن ذلك طبعاً، بل كان النظام السياسي والأحزاب الحاكمة هما المسؤولان عن ذلك. وقد تسبب هذا الواقع في خلق خلافات حادة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وزاد في الطين بِلة ذلك النهج السياسي الفاسد والمتخلف والطائفي بامتياز الذي مارسه نوري المالكي في فترة حكمه التي استمرت تسع سنوات تقريباً. ولم تبذل جهود تستند إلى الدستور لمعالجتها، بل جرت محاولات المساومة عبر اتفاقات شخصية وغير رسمية بين رئاسة الإقليم ورئيس الحكومة الاتحادية وبعض القوى المشاركة في الحكم، ورئيس القائمة العراقية حينذاك، ثم رفض المستبد بأمره نوري المالكي، بعد حصوله على التأييد في تسنمه الولاية الثانية للحكومة الاتحادية، تنفيذ تلك الاتفاقات، مما عمق الخلافات والصراعات.
(12)
لم تنشأ معارضة سياسية حقيقية وموضوعية بالإقليم، بل نشأت معارضة من رحم ذات الأحزاب الحاكمة، ولم تكن تمتلك الأسس والمناعة المبدئية التي تبعدها عن الوقوع في النهج السياسي ذاته السائد في حكم الإقليم. فقد برزت معارضة سياسية انشقت عن الاتحاد الوطني برئاسة نوشيروان مصطفى أمين (1944-1917) وشكلت "حركة التغيير"، التي انتعشت على حساب الاتحاد الوطني الكردستاني وكسبت في معارضتها للحزبين الحاكمين، حققت نجاحاً ملموساً في الانتخابات. ولكنها حين شاركت في الحكم خفت معارضتها وقل رصيدها عموماً. ومع ذلك فقد كانت الجماعة الأكثر معارضة لسياسة الحكم ولرئيس الإقليم والحكومة الكُردستانية. ولم تكن هذه المعارضة دون هدف أو دون مضامين واضحة ومقبولة عند الكثير من الكُرد. وقد أضعف هذا الانشقاق دور الاتحاد الوطني الكُردستاني وتأثيره في سياسة الإقليم كثيراً. وبعد إصابة رئيس الجمهورية العراقية مام جلال الطالباني، بجلطة دماغية، ضعف تأثير الاتحاد الوطني وتعددت الأجنحة فيه، واتسع ذلك بعد وفاة رئيس الحزب. ولا شك في وجود معارضة في الحزب الديمقراطي الكُردستاني لبعض أو كل سياسات الحزب، ولكنها غير منظمة ولا واضحة وغير مرئية. ولذلك أسبابها أيضاً. أما المعارضة الإسلامية المشاركة في الحكم، فإنها كانت نشطة، كما في حالة جماعة اليكرتوو، تلتقط النواقص وترميها على الأحزاب الرئيسية وتتملص منها وتكسب الناس المعارضين لسياسة الإقليم. ولا بد من تأكيد حقيقة أن كل الأحزاب الأخرى غير الحزبين الرئيسين لم يشاركا في رسم سياسة الإقليم، وغاب دورهم السياسي والاجتماعي، وساهموا بدور بهامشي غير محسوس في الحياة السياسية والاجتماعية بالإقليم، ولم تخرج معارضتهم لبعض الأمور، ومنها المهمة، عن محافلهم الخاصة أو داخل مقراتهم.
(13)
حين اكتب عن هذه المسائل وبهذه الصراحة والوضوح لأني كنت قد كتبت وذكرت عنها مراراً وتكراراً وبصيغ مختلفة، سواء أكان ذلك في مقالات نشرت في الصحافة العراقية ومنها الكُردستانية، أم في رسائل وجهت للمسؤولين الكبار بالإقليم، منها المنشورة ومنها غير منشورة ومتوفرة بأرشيف الكاتب، أم عبر اللقاءات المباشرة مع كبار المسؤولين الكُرد، أم في بيانات أو رسائل محررة عبر الأمانة العامة للتجمع العربي لنصرة القضية الكُردية حين كنت أميناً عاماً لها. وحين نشرت مقالاً نقدياً مهماً باللغة العربية وأرسل إلى مجلة "گولان"، التي يصدرها الحزب الديمقراطي الكُردستاني باللغتين العربية والكُردية ولها موقع الكتروني بالاسم ذاته، لم يظهر العربي بالكامل وترجم المقال إلى اللغة الكُردية ونشر، ولكن بعد أن اقتطع الرقيب أهم وأبرز الفقرات النقدية للحكم وللأحزاب الحاكمة بالإقليم. عندها قاطعت النشر في المجلة المذكورة، وفي هذا المجال لا بد من ذكر الحكمة العراقية التي تؤكد " الصديق يقول قلت لك، والعدو يقول أردت أن أقول لك". في العام 2010 منحت وسام "صديق الشعب الكُردي" من وزارة الثقافية بالإقليم في الذكرى الخامسة والسبعين لميلادي والذي أعتز به كثيراً. ومن هذا الموقع كنت أحاول أن أقدم ما يمكن تقديمه من نقد للسلبيات والإيجابيات في آن واحد. لم أكن وحدي من قدم النقد او الاستشارة المجانية الصادقة أو الرأي الاجتهادي إلى الأحزاب الكُردستانية والقيادات الكُردستانية في فترات مختلفة، إلّا إنها والحق يقال لم تلق آذاناً صاغية، بل حتى أُبعد التجمع العربي لنصرة القضية الكُردية عن المؤتمرات والاجتماعات التي كان يعقدها الإقليم، بسبب ملاحظاته النقدية مع تأييده المخلص للقضية الكُردية لا على مستوى العراق، بل على مستوى الشرق الأوسط، كما كان يؤكد الأستاذ القاضي زهير كاظم عبود هذا الواقع، وهو الشخصية الوطنية التي بادرت إلى تأسيس هذا التجمع التضامني والتطوعي. 
(14)
لقد حصل الاستفتاء، رغم المعارضة الشاملة من العالم كله، فيما عدا حكومة بنيامين نتنياهو بإسرائيل والتي كانت وما تزال لها نوايا أخرى غير محمودة!، وعبَّر الشعب الكُردي بنسبة أكثر من 92% عن رغبته في إقامة دولته المستقلة. لقد مارس الشعب الكُردي حقاً طبيعياً لم يتضمنه الدستور العراقي خطأً، وكان الأفضل والأسلم والأكثر حكمة ألاّ يحصل في هذا الظرف بالذات. ولكن ما حصل بعد ذلك كان بالنسبة لي وللكثير من الأصدقاء الكُرد والعرب متوقعاً تماماً، لأن الشروط الذاتية والموضوعية لم تكن متوفرة لمثل هذا الاستفتاء ولا لتنفيذ نتائجه، فيما عدا الرغبة والطموح. وقد عبرنا عن قلقنا ومخاوفنا قبل الاستفتاء بفترات مختلفة، وأخرها كان في يومي 16 و17/ أيلول/سبتمبر 2017 بالسليمانية. وقد أشار السيد مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، في لقاء له على شبكة CNN، وفي خطاب عام أيضاً، إلى أن الحكم بالعراق كان ينوي القيام بذلك قبل الاستفتاء. أي يقصد بأن الاستفتاء لم يكن سوى "القشة التي قصمت ظهر البعير". ولكن السؤال العادل: هو إن كان السيد البارزاني يعرف ذلك فلماذا قدم للحكم ببغداد مثل هذه القشة التي قصمت ظهر البعير وأكثر؟ هنا تكمن المسألة الخاطئة وسيطرة الرغبة الملحة والابتعاد عن أرض الواقع.
(15)
واليوم يحاول المناهضون لحقوق الشعب الكُردي أصلاً، استغلال ذلك لإنزال الهزيمة النفسية والمعنوية بالشعب الكُردي وانتزاع الكثير من المكاسب العادلة والمشروعة التي تحققت لإقليم وشعب كُردستان العراق عبر سني نضاله الطويلة والتضحيات الجسام ومشاركته مع بقية أبناء وبنات الشعب العراقي في النضالات المديدة في سبيل الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية. ولا يقتصر النشاط المناهض للكُرد على قوى إسلامية سياسية عراقية وأخرى شوفينية متطرفة فحسب، بل يمتد ليشمل الدول المجاورة دون استثناء، وهي التي تشجع على شن حملة همجية على مكاسب الشعب الكُردي التي يفترض التصدي لها، لأنها ليست وحدها المقصودة بهذا الهجوم الشرس، بل كل القوى الديمقراطية والتقدمية التي تريد تغيير الواقع السياسي الطائفي القائم بالعراق، إنها ذات القوى التي دخلت في تحالف مع الأحزاب الكُردية وأعطت الانطباع وكأنها تؤيدها وتسند حقوقها، ولكنها كانت تريد الاستفادة منها في دفع البلاد ووضعها على الطريق الذي يسعى إليه كل الإسلاميين السياسيين الطائفيين والمتطرفين، إلى إقامة دولة ثيوقراطية متطرفة ومتخلفة في آن واحد. وقد كشف هؤلاء عن وجههم القبيح والكالح وعن مخالبهم الجارحة التي يريدون غرزها في جسم الشعب الكُردي وحقوق والمشروعة العادلة، وفي جسم الشعب العراقي كله.   
 (16)
وفي هذه المرحلة الحرجة جداً من تاريخ العراق تقع على عاتق الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبة مهمة كبيرة وأساسية، مهمة منع تدخل إيران في الشأن العراقي الداخلي، والتي كان وما يزال الحكم الإيراني وقواه الدينية الحاكمة تسعى لفرض هذا التدخل على العراق واعتبار ذلك مسألة اعتيادية عبر القوى والعناصر التي تلتقي معها وتدعم سعيها وهدفها، ولاسيما المجلس الإسلامي الأعلى لصاحبه همام حمودي، وتيار الحكمة لصاحبه عمار الحكيم، وجزء كبير من حزب الدعوة الإسلامية لصاحبه نوري المالكي، وكتائب حزب الله لصاحبها واثق البطاط، ومنظمة بدر لصاحبها هادي العامري، وعصائب الحق لصاحبها قيس الخزعلي والكثير من هذه التنظيمات الطائفية المسلحة، إضافة إلى تصريحات العديد من الوزراء العراقيين، ومنهم وزير الداخلية قاسم الأعرجي، وهو عضو قيادي في منظمة بدر المسلحة، الذي اقترح تقديم وسام عراقي لقاسم سليماني الإيراني وقائد جيش المقدس والقائد الفعلي والعملي للميليشيات الشيعية ومن ثم للحشد الشعبي العراقي(!). ونلفت هنا انتباه العراقيات والعراقيين كافة إلى تلك التصريحات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون، ومن أعلى المستويات، جسدت حقيقة ما يسعون إليه ويعملون من أجله منذ سنوات كثيرة. ونورد هنا على سبيل المثال لا الحصر التصريح الوقح لوزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي قال:
"إن العراق بعد 2003 أصبح جزءاً من الامبراطورية الفارسية ولن يرجع الى المحيط العربي ولن يعود دوله عربيه مرة اخرى وعلى العرب الذين يعيشون فيه ان يغادروه الى صحرائهم القاحلة التي جاءوا منها.. من الموصل وحتى حدود البصرة.. هذه اراضينا وعليهم إخلائها" ثم أضاف "لدينا في العراق قوة الحشد الشعبي الشيعي ستسكت أي صوت يميل الى جعل العراق يدور حول ما يسمى بمحيطه العربي وقال ان العراق عاد الى محيطه الطبيعي الفارسي"، ثم أكد بـ "أن إيران اليوم وصلت الى مرحلة تصمم وتنتج فيها حاجتها من الصواريخ البالستية وكروز بمدى 3000 كيلومتر”. واختتم وزير الدفاع الإيراني تصريحه بقوله: “اليوم كل المحاولات في المنطقة تهدف الى اضعاف إيران، لكن إيران تقف بعزم وصلابة. لقد عدنا دوله عظمى كما كنّا سابقا وعلى الجميع ان يفهم هذا نحن اسياد المنطقة، العراق وافغانستان واليمن وسوريا والبحرين، عما قريب كلها تعود الى أحضاننا وهو مجالها الحر الطبيعي". (راجع: موقع الاهد الإلكتروني، أخذ المقتطف بتاريخ 12/11/2017). ولم يترك رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني أي شك في نوايا إيران إزاء العراق، إذ صرح بما يلي: " أصبحت إيران اليوم إمبراطورية كسالف عهدها عبر التاريخ، لطالما كانت بغداد عاصمتها ومركز هويتها وحضارتها وثقافتها وستبقى كذلك". (راجع: جريدة "الأخبار: المصرية، تقسيم العراق – الوصل والفصل، محمد السيد عبد، بتاريخ 30/08/2017.) إن هذا يجعلنا أن نفكر نحن بالعراق بما يراد لوطننا وكذلك للإقليم الذي يؤجج الحكام الإيرانيون والترك وغيرهم النيران ضد الكُرد بالعراق. وهم لا يختلفون في ذلك عن تركيا ومطامعها بالعراق، ولاسيما بولاية الموصل القديمة، وخاصة كركوك. إنهم ضد العراق المدني والديمقراطي والعلماني المنشود والمغيب حالياً!
(17)
ومن جانب آخر فقد حرك الحكام السعوديون والإماراتيون المناهضون لإيران بعض الباحثين والسياسيين العرب للإدلاء بتصريحات تميل إلى جانب الدولة الكُردستانية عبر مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة بالسعودية والذي يترأسه الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، الذي زار أربيل وشجع على إجراء الاستفتاء، على أمل إضعاف العراق وتركيا وإيران في مواجهة السعودية، في حين كان هؤلاء الحكام يتحدثون في العلن عن وحدة العراق. وكان ديفيد هرست، الكاتب البريطاني الخبير بقضايا الشرق الأوسط، مصيباً حين أكد في مقال له "منذ اللحظة الأولى التي دعا فيها مسعود بارزاني، رئيس إقليم كُردستان، إلى استفتائه، كان واضحا من هي زمرة الدول التي ستشكل ائتلافا هدفه وأد كُردستان المستقلة في مهدها. بوجود ما يقرب من ثلاثين مليون كُردي يعيشون في منطقة تتوزع على أربع دول، ما من شك في أن تركيا وإيران والعراق لديها مصلحة مشتركة في وأد الدولة الناشئة في مهدها، مع أن ذلك كان يعني بالنسبة لأنقرة التخلي عن الحليف الكُردي الوحيد الذي اعتمدت عليه في حربها ضد حزب العمال الكُردستاني داخل تركيا وضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكُردي داخل سوريا." (راجع: ديفيد هرست، كيف سعى السعوديون إلى استخدام الأكراد لقص أجنحة إيران، موقع عربي 21، في 22/10/2017).
(18)
والسؤال الجدير بالطرح والتحري عن إجابة له وأثارة النقاش حوله بعد كل الذي حصل، والذي ربما لم يحصل بعد، هو: ما العمل؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكون اجتهادية قابلة للنقاش، فهي تستند إلى الواقع الكُردستاني، ومن ثم الواقع العراقي الراهن وفي ضوء التناقضات التي تتحرك فيهما والصراعات الناشئة عنهما والقوى الفاعلة فيهما. وبصدد الوضع بإقليم كُردستان العراق أرى اعتماد السياسات التالية:
1.   أولا: الاستفادة من عدم انتهاء الدورة البرلمانية الحالية لإعادة النظر بدستور الإقليم الذي لم يقر حتى الآن بما يجعله مدنياً ديمقراطياً وعلمانياً حديثاً يتجنب التأثيرات الجانبية ويلتزم بتأمين انتخابات عامة على وفق الأسس الديمقراطية الرصينة التي تنتج مجالس نيابية نزيهة وأمينة على مصالح الشعب وإرادته، ويعتمد الفصل بين السلطات واستقلال القضاء والحرية والاستقلالية للسلطة الرابعة وفصل الدين عن الدولة والسياسة، ومنع قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو مذهبي، واحترام حقوق الإنسان وحقوق القوميات، وحقوق المرأة كاملة ومساواتها بالرجل، ومنع زواج القاصرات والقاصرين، وتأمين الخدمات الضرورية للمعوقين وضحايا الحروب والإرهاب، واستقلالية مفوضية الانتخابات وإقرار قوانين ديمقراطية للصحافة والأحزاب والعمال والجمعيات الفلاحية ومنظمات المجتمع المدني ...إلخ. على أن يكون انتخاب رئيس الإقليم عبر المجلس النيابي ولدورتين فقط.
2.   العمل على إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة منظمات حقوق الإنسان العراقية والدولية لانتخاب المجلس النيابي الجيد ورئيس الإقليم وكذلك رئيس الحكومة والوزراء.
3.   الالتزام بمبدأ المواطنة والكفاءة والحرص على مصالح الشعب في تكليف الوزراء وكبار الموظفين والمدراء العامين وغيرهم من مسؤولي المؤسسات أو المستشارين والخبراء.
4.   الابتعاد عن تشكيل حكومتين أو إدارتين والعمل على توحيد الإدارة والمالية.
5.   جعل الپیشمرگة تحت قيادة رئيس حكومة الإقليم، باعتباره المسؤول عن الأمن وحماية المواطنين، وألّا تكون تحت قيادة الأحزاب السياسية أو تابعة لها، وأن تكون قوات الپیشمرگة جزءاً فعلياً من القوات المسلحة العراقية. 
6.   إعادة ترتيب البيت الكُردي من خلال تحقيق المصالحة المبدئية بين أبناء وبنات المحافظات الكُردستانية والابتعاد عن الصراعات التي تعرقل تأمين الأمن والسلام بالإقليم وتوقيع عقد شرف بعدم التوجه صوب السلاح لحل مشكلات الإقليم الداخلية.
7.   الالتزام بممارسة الحريات الديمقراطية واحترام الحرية الفردية وحرية المجتمع عموماً، وإبعاد أجهزة الأمن عن التدخل في شؤون المواطنين، إضافة إلى احترام حرية الصحافة والصحفيين وحمايتهم من أي اعتداء أو تضييق على حريتهم وعملهم الصحافي.
8.   الابتعاد عن اتخاذ القرارات الفردية والالتزام بالشرعية الدستورية والعودة إلى الشعب واستفتاءه في حالة نشوب خلافات يعجز البرلمان الكردستاني عن إيجاد حلول لها، واعتبار ذلك الحل النهائي.
9.   توزيع الموارد المالية المتأتية من ميزانية الدولة العراقية وما يتحقق بالإقليم من دخل وطني على المحافظات على وفق نفوسها، على أن يؤخذ بالاعتبار استخدام هذه الموارد بصورة عقلانية عبر توزيعها على الميزانية الاعتيادية وميزانية التنمية الوطنية، ومراقبة استخدامها لصالح التنمية الصناعية والزراعية والمجتمع.
10.   وضع أسس جديدة لتحقيق المراقبة الشعبية، وكذلك عبر دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني، على أداء الإقليم وعدالة توزيع الثروة ومدى استخدامها العقلاني لتحقيق التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي والخدمات بالإقليم.
11.   رفض أي تدخل في الشأن الكُردستاني من دول الجوار ورفض قبول أحزاب سياسية تتعامل مع دول الجوار ومساعدتها في التدخل في الشأن الكُردستاني العراقي والعراق عموماً.
 (19)
وإزاء تعقيدات الوضع في عموم العراق، وحيث تعشش فيه الطائفية السياسية والشوفينية والتأثير المتنامي لدول الجوار بصورة علنية ومن وراء الكواليس، أرى ضرورة التزام الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بعودتهما الجادة والمسؤولة إلى بنود الدستور العراقي والتعامل على أساسه. وعلى القوى الديمقراطية العراقية أن تلعب دورها في منع التجاوز على حقوق الشعب الكُردي، لأنه سيكون الطريق ذاته الذي ستعتمده القوى الإسلامية السياسية في التجاوز على حقوق الشعب العربي بالعراق وبقية القوميات، وهو ما بدأت الآن ملامحه في قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي سحب لسنوات ثم عاد الإسلاميون المتخلفون بطرحه من جديد للمصادقة عليه بصيغة أخرى وعبر إجراء تعديلات مخلة على قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، بسبب حصول تغيير ملموس في ميزان القوى في مجلس النواب وفي الصراع على صعيد العراق في أعقاب حصول الاستفتاء. وعلى الجميع أن يرى بوضوح بأن العراق يقف أمام مرحلة جديدة يفترض أن تجد تعبيرها في نهج جديد لسياسات الدولة الاتحادية وسياسات الحكم بالإقليم في آن واحد، والتي بدونها سيكون الوضع أكثر تعقيداً وعواقبه وخيمة على الجميع. فالمطلوب تغيير طبيعة الحكم بالعراق والتخلص من النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته المذلة للشعب وللقيم الإنسانية والحضارية، والسير على أسس مدنية وعلمانية ديمقراطية أولاً، كما يفترض أن تكون سياسة الإقليم ذات نهج وممارسات مدنية ديمقراطية علمانية تحترم المؤسسات الدستورية وإرادة ومصالح الشعب أولاً وقبل كل شيء. وعلى الحكومتين محاربة الفساد في جميع المجالات والمستويات وبدءاً منهم ومن عائلاتهم وحواشيهم، والعمل المشترك ضد قوى الإرهاب الداخلي والمستورد والبدء ببناء الاقتصاد والقوى البشرية. كما عليها أن تتصدى للتدخلات الخارجية. ولا بد أن يأخذ الحكام جملة المشكلات المتراكمة بالعراق والتي لم تحل حتى الآن، ومنها النزوح الواسع النطاق الذي أعقب اجتياح الموصل وعموم نينوى ومناطق أخرى اثناء الحرب وبعدها من مناطق القتال والذي قدر بأكثر من مليوني إنسان، ومن ثم النزوح الأخير من كركوك والذي قدر بأكثر من 120 ألف مواطنة ومواطن من الكُرد.
(20)
وعليه أرى ما يلي:
1. إن المشكلة المركزية بالعراق تكمن في طبيعة النظام السياسي الطائفي القائم بال

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: رسالة مفتوحة
« رد #1 في: 21:19 16/11/2017 »
وعليه أرى ما يلي:
1. إن المشكلة المركزية بالعراق تكمن في طبيعة النظام السياسي الطائفي القائم بالعراق ومحاصصاته المذلة التي تسبب بكل تلك المشكلات والكوارث والمآسي الإنسانية، إضافة لما كان قد تراكم قبل ذاك في ظل النظام الدكتاتوري البعثي والصدامي، وهذا يعني لا بد من إجراء عملية التغيير الجذرية لتوفير الأرضية والأجواء المناسبة لحل المشكلات القائمة على أسس ديمقراطية وتضامنية.
2. وإلى أن يحين وقت التغيير الفعلي لطبيعة الدولة العراقية والنظام السياسي فيها وسياسات السلطة التشريعية والقضائية، الذي يستوجب حصول تغيير في ميزان القوى وتنامي دور المجتمع وقواه الديمقراطية، لا بد من الالتزام بالدستور العراقي رغم نواقصه الكبيرة. فالعمل يفترض أن ينصب عاتق كل القوى المدركة لمآسي العراق والعوامل التي تسببت بكل تلك الكوارث لوضع دستور مدني ديمقراطي علماني حديث يلتزم بتأمين وجود مجلس نيابي نزيه وأمين على مصالح الشعب وإرادته ويعتمد الفصل بين السلطات واستقلال القضاء والحرية والاستقلالية للسلطة الرابعة وفصل الدين عن الدولة والسياسة واحترام حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق المرأة كاملة ومساواتها بالرجل ومنع زواج القاصرات والقاصرين وتأمين الخدمات الضرورية للمعوقين وضحايا الحروب والإرهاب، واستقلالية مفوضية الانتخابات والهيئات الخاصة كالبنك المركزي وهيئة الإعلام المركزية، ويقر قوانين ديمقراطية للصحافة والأحزاب والعمال والجمعيات الفلاحية ومنظمات المجتمع المدني ...إلخ.
3. وضع القوانين والأنظمة الإدارية المنظمة والمحددة بشكل دقيق وعلى وفق الدستور للصلاحيات التي تتضمن حقوق وواجبات الدولة الاتحادية وإقليم كُردستان والمحافظات، بما في ذلك المسائل المالية والموارد الأولية، كالنفط والخامات الأخرى، والتشكيلات العسكرية والپيشمرگة، بما يمنع أي تداخل أو تشابك أو أن يكون حمال أوجه عديدة، ومعالجة الخلافات المحتملة عبر المحكمة الدستورية.
4. وضع سقف زمني لمعالجة جميع المشكلات المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها على وفق ما حدده الدستور في المادة 140 منه، إذ بدون ذلك ستعود المشكلات وتطفو على سطح الأحداث وستكون عواقبها وخيمة على الجميع.
5. الالتزام الثابت والعادل بمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية في دستور الدولة العراقية ودستور الإقليم ورفض الطائفية السياسية والقومية الشوفينية والتمييز القومي والديني والمذهبي والفكري والسياسي، ومعاقبة من يتجاوز على ذلك ويثير النعرات المسيئة لوحدة المجتمع وحقوق مواطنيه وقومياته وأتباع دياناته ومذاهبه.
6. الالتزام بمبدأ محاربة الفساد ابتداءً من أعلى السلطة والأحزاب الحاكمة ومروراً بالجميع والمواقع التي يمكن أن يبرز فيها الفساد ودون استثناء، والامتناع عن ممارسة العفو عما سلف لمن سرق أموال الشعب وعبث بمعيشته وحياته وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي. 
7. وعلى مستوى العراق والإقليم ضرورة منع تشكيل أحزاب سياسية أو جمعيات سياسية على أسس دينية أو مذهبية، إذ إنها تشكل قاعدة مركزية للتمييز الديني والمذهبي أولاً، وتثير الصراعات بين أتباع تلك الديانات والمذاهب ثانياً، واحتمال كبير بتفاقمها ووقوع نزاعات دموية تدمر البلد والمجتمع، على وفق ما هو حاصل بالعراق منذ 2003 حتى الآن.
8. إن على العراق كله، بما فيه الإقليم والمحافظات، الالتزام بمبدأ الموازنة العقلانية والحكيمة بين حق الفرد والمجتمع التمتع الكامل بالحرية والحياة الديمقراطية، وبين حق الفرد والمجتمع التمتع بالأمن والحماية التامة من الإرهاب والفساد ومن أي تجاوزات وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان وحقوق المواطنة الحرة والمتساوية.   
9. إن على العراق والإقليم والمحافظات أن تلتزم بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الوطنية والدخل القومي استنداً إلى العقلانية في وضع خطط أو برامج التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة التي تهدف إلى تغيير بنية الاقتصاد الوطني الريعي الاستهلاكي المكشوف كلية على الخارج والفاقد للأمن الغذائي والأمن الاقتصادي إلى اقتصاد أكثر توازناً في بنيته الإنتاجية وبنية تكوين الدخل القومي وتوزيعه وإعادة توزيعه. ولا يمكن تحقيق هذا التغيير دون توجيه المزيد من الاستثمارات المالية للقطاعات الإنتاجية في الاقتصاد كالصناعة والزراعة والاتصالات والمواصلات واعتماد التقنيات الحديثة ومراكز البحث العلمي وتغيير بنية المعاهد والكليات والجامعات ومناهجها الدراسة وتحسين مستوى هيئاتها التدريسية.
10. ولا بد من وضع برنامج خاص وسريع يهدف إلى معالجة أوضاع الموصل والنازحين ومستقبل القوميات الأخرى الموجودة بمحافظة نينوى والإقليم وعموم العراق، وهي التي عانت الأمرين لا على أيدي الداعشيين فحسب، بل وقبل ذاك على أيدي القوى الطائفية والمليشيات المسلحة والإرهاب والفساد السائد بالبلاد. إن المصالحة الوطنية المنشودة لا تأتي عبر المساومات بين الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والسنية، بل تأتي عبر إنهاء الممارسات السياسية الطائفية والشوفينية والفساد، والتي تستوجب بدورها تغيير الموقف من وجود أحزاب سياسية طائفية يحرّم وجودها الدستور العراقي حتى بوضعه الحالي. وعلى من يريد محاربة الطائفية يفترض ألّا يكون جزءاً من هذه الأحزاب أو يوافق على وجودها ونشاطها الطائفي المقيت الذي تسبب بكل ما يعاني منه العراق.
11. ولا بد من تأكيد أهمية حل جميع المليشيات الطائفية المسلحة والحشد الشعبي، وربط من يرغب بالبقاء من المتطوعين على الجيش العراقي بدلاً من وجود قوة عسكرية أخرى تأتمر شكلياً بأمر القائد العام للقوات المسلحة وولاء الذين انخرطوا فيها بالأصل ممن كانوا أعضاء ومؤيدين للمليشيات الطائفية المسلحة، التي ارتبكت الكثير من الجرائم والموبقات بالعراق، لدولة أخرى مجاورة، هي إيران 
(21)
إن الانتصارات العسكرية الأخيرة على عصابات داعش يستوجب استكمالها بإنجازات فكرية وسياسية بالتوجه الجاد والمسؤول لمحاربة الطائفية والشوفينية والتطرف والفساد والإرهاب أولاً، ومحاسبة كل من تورط بكل ذلك ثانياً، وأن تجد كل القوميات بالعراق لغة مشتركة تستند إلى مبادئ المواطنة والتضامن والتآلف والتفاعل والتلاقح الثقافي والعمل المشترك لصالح بناء عراق مدني ديمقراطي جديد تتمتع فيه كل القوميات وأتباع كل الديانات والمذاهب وأصحاب الفلسفات والاتجاهات الفكرية والسياسية بالحرية والحياة الديمقراطية والتقدم والسلام ثالثاً. وأن نعمل من أجل توفير مستلزمات ذلك بتعبئة العراقيات والعراقيين لهذا الغرض النبيل. إذ لا يمكن للعراق أن يستقر ويتقدم ما لم يعمل الشعب وقواه المدنية والديمقراطية والعلمانية وكل المؤمنين الذين يرفضون ربط الدين بالدولة والسياسية لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية واعتماد مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية ومحاربة الطائفية السياسية والشوفينية والتمييز والتهمش والإقصاء لأبناء القوميات وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى والفساد والإرهاب بكل أشكاله. إنها الدولة التي يمكن أن تنقذ العراق مما هو فيه الآن وما يمكن أن يأتي حين يستمر وجود النظام السياسي الطائفي والتدخلات الأجنبية في شؤون البلاد.
وأخيراً، أتمنى على المسؤولين الكرد أن يمارسوا النقد الذاتي الضروري لفترة الحكم المنصرمة، وأن يتعلموا من السياسات السابقة وأن يمارسوا سياسات تقربهم على الشعب لا تبعدهم عنه. لقد سألني مسؤول كردي بارز في واحد من لقاءاتي القليلة به، وبحضور سكرتيره، ما رأيك بنا: قلت له حين كنتم في الجبال كنتم قريبين من الناس وطموحاتهم، وحين اصبحتم في وسط الناس ابتعدتم عن الناس كثيراً وابتعدوا عنكم! فقال لسكرتيره سجل ما يقوله الدكتور، ولم يتغير شيئاً! 
كاظم حبيب، بتاريخ 16/11/2017